عدد الزيارات: 1.8K

الدعوة الصامتة


إعداد: الدكتور/ أحمد محمد زين المنّاوي
آخر تحديث: 20/03/2019 هـ 29-08-1439

القدوة الحسنة.. أهم وسائل وأدوات الدعوة إلى الإسلام..

دول كاملة دخلها الإسلام.. بالقدوة.. من خلال التعامل المباشر مع المسلم..

للوهلة الأولى.. لا مجال أمام غير المسلم للانجذاب إلى الإسلام أو النفور منه غير التعامل مع المسلم..

برغم أن الإسلام هو الحجة على المسلم.. وليس المسلم هو الحجة على الإسلام..

قصتنا هذه خير دليل على ذلك..

"قال لي صديق عربي مسلم تزوجت من امرأة أوروبية نصرانية، وعقب ثلاثة عقود من زواجي بها سألني أفراد أسرتي في استنكار: كيف عجزت عن إدخالها الإسلام وقد أصبح لك منها أحفاد؟! أجبتهم قائلًا: الحقيقة أقنعتها بالإسلام من خلال تعريفي لها بعقيدتي فقررت أن تسلم، لكن عندما قابلتكم ورأت سلوككم قالت لي: لو كان هؤلاء هم المسلمون من الأفضل أن أظل على نصرانيتي"!!

بدأت القصة بهذه المقدمة لأن بطلها أستاذ نصراني دخل الإسلام لإعجابه بالسلوك الحميد لتلاميذه من أبناء المسلمين.. وعندما سألهم عن السر الكامن وراء هذا السلوك أجابوه بأنه الإسلام، وعندما استغرب الإجابة لأنه التقى مسلمين سلوكهم لا يسر، أفادوه بأن هناك فرقًا بين ما يحتوي عليه الإسلام من قيم ومبادئ ومثل عليا، وحال السواد الأعظم من المسلمين اليوم، مؤكدين له أن هناك كثيرًا من المسلمين يطبقون تعاليم الإسلام وقيمه النبيلة في حياتهم ومسلكهم بدرجة تعكس الصورة الصحيحة لما يجب أن يكون عليه المسلم.. فدعونا نبحر في قصة إسلام هذا الأستاذ النصراني الذي أرشده تلاميذه إلى طريق الحق!

ولد مانيفرد كوبسيل في عام 1937م في مدينة برلين لوالدين ألمانيين يعتنقان الديانة المسيحية.. وعندما بلغ الثانية من عمره حصدت الحرب العالمية الثانية أرواح جميع أفراد أسرته الصغيرة فتركوه وحيدًا على قارعة الحياة.. أسرة بديلة حن قلبها على هذا اليتيم الصغير فاحتضنته في حنو، وربته وسط أبنائها حتى حصل على الشهادة الثانوية العامة في عام 1955م.. عقب ذلك انتقل مانيفرد إلى مدينة برلين الغربية ومنها انتقل إلى بلجيكا، حيث التحق بكلية المعلمين التي قضى فيها عامين.. وفي عام 1957م عاد مانيفرد إلى بلاده وعمل فيها أربع سنوات ثم انتقل بعدها في عام 1961م إلى تركيا التي تعاقد فيها مدرسًا للغة الألمانية في كلية أتاتورك بلواء الإسكندرون.. وفي عام 1963م غادر مانيفرد تركيا، وسافر إلى تونس، حيث كان يعمل ويعيش بها أحد أبناء الأسرة البديلة التي ربته في طفولته.

في تونس افتتح مانيفرد مدرسة لتعليم اللغات.. سبعة طلاب تونسيين من عائلة مسلمة عريقة الحسب والنسب التحقوا بمدرسة مانيفرد.. أخلاقهم العالية وسلوكهم الرفيع وذكاؤهم الحاد لفت انتباه بطل قصتنا؛ فسألهم في انبهار: من أين لكم هذا الخلق المميز؟! أجابوه جميعهم: من الإسلام أستاذنا الفاضل، فنحن مسلمون.. أفادهم متعجبًا بأنه التقى العديد من المسلمين في أوروبا وتركيا ولم تعجبه أخلاقهم ألبتة.. شرح له تلاميذه الأمر بأن على المرء المنصف التفرقة بين ما يتضمنه الإسلام من قيم ومبادئ ومثل عليا، وما هو عليه حال المسلمين اليوم؛ إذ إن الكثيرين لا يطبقون هذه القيم في حياتهم مثل أولئك الذين التقاهم.. ثم أكدوا له أن هناك الكثير من المسلمين الذين يطبقون تعاليم الإسلام وقيمه النبيلة في حياتهم ومسلكهم، وبالتالي يمثلون القدوة الحسنة لما يجب أن يكون عليه حال المسلم الحقيقي المتمسك بتعاليم دينه.

أصيب مانيفرد بالذهول فجهله بالإسلام لم يكن ليتيح له التعرّف إلى حقيقة قيمه ومبادئه، وعليه فقد طلب من تلاميذه أن يحدثوه عن عقيدة الإسلام التي استمدوا منها هذه الأخلاق الرفيعة.

شرح التلاميذ لأستاذهم حقيقة أن الإسلام هو آخر الرسالات السماوية حيث به يكتمل الدين، وبنبيه تختتم النبوة، كما وضحوا له أن رسالته –على عكس الرسالات السابقة- موجهة لكل الشعوب، ثم بينوا له أن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى الذي أنزله على عبده ورسوله محمد –صلى الله عليه وسلّم-.. وأكثر من هذا تطوع أحد التلاميذ بإهدائه نسخة من القرآن الكريم الذي تقبلها ولسانه يلهج بالشكر.. لكن عندما استدرك حقيقة أنه لا يعرف اللغة العربية، أكد لهم أنه سوف يرسل طلبًا إلى ألمانيا ليرسلوا له نسخة من معاني القرآن الكريم مترجمة باللغة الألمانية. 

وما أن جاءته النسخة التي طلبها من ترجمة معاني القرآن الكريم فتسلمها في حماسة أملًا أن يجد الفرصة المناسبة ليطلع عليها غير أن مشاغل الحياة صرفته عن نيته الصادقة حتى كان ذلك اليوم!

في يوم الاحتفال برأس السنة الميلادية لعام 1966م، ذهب مانيفرد مع ابن الأسرة البديلة التي ربته إلى الحفل السنوي الذي يقيمه النصارى نهاية كل عام.. لقد اعتاد في هذه المناسبة أن يحتسي كميات مهولة من الخمر، لكنه هذه المرة وما كاد يرتشف من كأسه رشفتين اثنتين حتى أصيب بألم شديد أدخله في غيبوبة.. عندما أفاق من غيبوبته وجد نفسه طريح الفراش بالمنزل حيث نقله رفيقه الذي أخبره أنه أمضى ليلة كاملة في غيبوبة، وأن الطبيب نصح ببقائه في الفراش إلى حين استرداده لصحته.

لتمضية الوقت شعر برغبة شديدة في القراءة.. تلفت حوله فوقع بصره على ترجمة معاني القرآن الكريم التي أرسلت له من ألمانيا.. فأمسك بالكتاب وشرع في القراءة.. وجد نفسه يقرأ الترجمة في نهم عجيب.. قضى يومين كاملين في قراءة معاني القرآن الكريم، وما كاد ينتهي من قراءته حتى أحس بروح جديدة تسري في أوصاله، كما شعر بهاتف غامض يهتف في داخله بأنه مسلم ولا علاقة له بالنصرانية من قريب أو بعيد.. فقد توصل إلى حقيقة جليّة مفادها أن الإسلام هو دين الحق فقصد على عجل سماحة مفتي الجمهورية التونسية –آنذاك– الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، ونطق أمامه بالشهادتين معلنًا إسلامه ومغيرًا اسمه إلى "أحمد عبدالله كوبسيل".

أول قرار اتخذه أحمد عبدالله عقب إسلامه طلب العلوم الشرعية ليتفقّه في دينه الجديد ولكي يؤهل نفسه حتى يصبح أحد دعاة الإسلام.. بدأ الخطوة الأولى ببيع مدرسته الخاصة حتى يتفرغ لطلب العلم وأنعم به من بيع رابح.

وفي العام الدراسي 1967/1968م التحق أحمد عبدالله كوبسيل بالجامعة الإسلامية في الدار البيضاء.. وعندما شعر أنه لم يوفق فيها على النحو الذي كان يأمله، غادر إلى مصر ليلتحق بالجامعة الأزهرية لاعتقاده أن الدراسة فيها دينية بحتة.. لكن عندما وجدها تدرس إلى جانب العلوم الإسلامية علومًا عصرية تركها وغادر إلى باكستان حيث التحق بـ"معهد العليمية" التابع للاتحاد العالمي للدعوة الإسلامية في مدينة أبوت أباد القريبة من كراتشي.

إقامة أحمد عبدالله كوبسيل في أبوت أباد أفادته كثيرًا من ناحيتين: تتمثل الناحية الأولى في أن سكان المدن الصغيرة يكونون أقرب إلى الفطرة من سكان المدن الكبرى، ما جعل حماستهم للإسلام، وحسن فهمهم له يسهمان في مساعدته كثيرًا على تعرّف العديد من الجوانب المضيئة للعقيدة الإسلامية عبر المواقف العملية ومن خلال نموذج القدوة الذي وجده من قبل في تلاميذه التونسيين.. أما الناحية الثانية في استفادة بطل قصتنا من إقامته بمدينة أبوت أباد فتتمثل في لقائه بالداعية الألماني المسلم الدكتور علاء الدين شلبي، حيث أثمر لقاؤهما عن إنشائهما مركزًا للدعوة الإسلامية في أبوت أباد، يضم معهدًا لتدريب المعلمين، ودارًا لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين.

وهكذا أثمر لقاء كل من نموذج القدوة الحسنة في التلاميذ التونسيين وفطرة أحمد عبدالله السليمة في دخوله الإسلام وتحوله من أستاذ نصراني يعاقر الخمر ويرتكب كل صنوف المعاصي إلى داعية إسلامي يعشق القرآن ويدمن مساعدة المسلمين والمسلمات.

تُرى.. في هذه القصة.. من كان التلميذ؟!.. ومن كان الأستاذ؟!..

سبحان من بيده الهدى.. سبحان من يصيِّر التلميذ أستاذًا لأستاذه ليهديه إلى الطريق المستقيم!!

إنه الإسلام.. إنه الإيمان الحقيقي!

اسألوا الله الهداية.. فبالله نهتدي إلى الله.

-------------------------------------

المصادر:

الألفي، أسامة (2005)؛ لماذا أسلموا؟ القاهرة: أطلس للنشر والإنتاج الإعلامي.

عبد الصمد، محمد كامل (1995)؛ الجانب الخفي وراء إسلام هؤلاء؛ ثلاثة أجزاء؛ القاهرة: الدار المصرية اللبنانية للنشر.    

عثمان، محمد عثمان (2004)؛ لمَ أسلم هؤلاء الأجانب؟ (ثلاثة أجزاء)؛ سوريا: حلب: دار الرضوان.

مجلة الفيصل؛ الداعية أحمد عبدالله كوبسيل: نداء الحق لبّاه في تونس؛ العدد 231/ السنة 1416هـ.

 


تعليقات (
0
)

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وإنما هي وجهات نظر أصحابها فقط.