عدد الزيارات: 1.7K

المحادثة الأولى


إعداد: الدكتور/ أحمد محمد زين المنّاوي
آخر تحديث: 20/03/2019 هـ 12-02-1440

الأذان.. صوت الحق.. يصدح في أرجاء الروح قبل الأرض..

إنه دعوة إلى الاتصال بالله.. خمسة مرّات يوميًّا..

كلمات الدعوة إلى الاتصال تلخص الإيمان بالله.. التوحيد..  

لذا.. كثيرون أولئك الذين دخلوا الإسلام متأثرين بصوت الأذان، في اليقظة أو في المنام.. ومن بين هؤلاء بطلة قصتنا الصينية "س. س. لاي" التي بدأت أولى خطوات العملية نحو الإسلام بعد صوت أذان مدوٍّ سمعته في منامها، فتحركت صوبه، فكانت استجابتها لذلك الصوت في منامها استجابة في يقظتها أيضًا، حيث أيقظ فيها الرغبة للبحث عن الإسلام.

تروي لنا لاي قصتها في الفقرات التالية فتقول:

أنا صينية الأصل أؤمن ككل أفراد عائلتي بعبادة الأوثان والموتى من الجدود.. وخلال فترة طفولتي تعلمت أن هنالك الكثير من الآلهة.. كنت أتحمس كثيرًا عندما أذهب بصحبة جدّي إلى المعبد لكي نعبد الآلهة.

في الحقيقة، الأمر الذي كان يجذبني إلى تلك الآلهة آنذاك –في فترة طفولتي- وجود الكثير من الأطعمة.. لقد كنت أحسب أن مذاق الطعام أطيب داخل المعبد لأنه قدم تعبدًا للآلهة أو الأصنام التي كانت تبدو أمام عيني الصغيرتين كائنات عظيمة وقوية.. بحق لقد كان يحيرني منظرها الشديد الغموض، فبعضها كان يشعرني بالخوف، وبعضها الآخر كان يبهرني بجماله، وإلى غير ذلك من المشاعر المتضاربة التي كانت تنتابني وأنا أنظر إليها.

في أحد الأيام حرقنا ورقة نقدية، وشرعنا في عبادة آلهتنا مستخدمين في ذلك بعض عيدان البخور جنبًا إلى جنب مع الصمت الذي كنا نلتزمه ونحن نراقب ما كنا نفعله من طقوس.

في الواقع كان لذلك الجو تأثير كبير في عقلي الغض الصغير، وكثيرًا ما كنت آمل أن أعرف كيفية نطق الكلمات التي كان يقولها جدّي لتلك الأوثان كما كنت أتمنى أن أعرف الأسرار والحيل التي كان يستخدمها مع تلك "الحجارة السحرية".

لقد جئت من بلد "مسلم" هو بروناي، وكنت أرتاد مدرسة معظم طلابها مسلمون، وما أذكره جيّدًا ذلك اليوم الذي أحضر فيه أحد الأصدقاء قصة فكاهية مصورة تظهر عقاب نار جهنم.. لم أكن أفهم آنذاك مغزى تلك الصور وإن فهمته لاحقًا.

المدهش أن رحلتي إلى الإسلام بدأت في أحد دروس الجغرافيا.. لقد طُرح علينا آنذاك السؤال التالي: "كيف نستطيع الوقوف جميعًا فوق سطح الأرض، والمشي فوقها دون أن نقذف خارجًا إلى الفضاء المظلم؟"، عدت في ذلك اليوم إلى المنزل تتقدمني جيوش من الحيرة.. سألت عمّي عن ذلك الأمر فنصحني بأن أحرص على طرح سؤال "لماذا" على الدوام.. وعملًا بنصيحة عمي لم أتوقف منذ ذلك اليوم عن طرح: السؤال "لماذا".

في عام 1988م حصلت على منحة دراسية بالمملكة المتحدة وهو أمر كنت أتمناه من كل قلبي وعملت لأجله طويلًا بجد ومثابرة.. وكنت أطمح إلى أن أكون طبيبة وثرية حتى يفخر بي والدي كثيرًا.. وهو أمر يعزى إلى شيء رهيب عالق بذاكرتي: شعوري بالعجز وأنا جالسة على مقربة من سرير موت جدتي التي كنت وما زلت أحبها كثيرًا.. لقد كنت يومها أنظر إليها في جزع حتى لفظت نفسها الأخير وأنا غير قادرة على أن أفعل لها شيئًا.

درست في كلية للبنات.. لم أكن أعرف شيئًا عن الإسلام -برغم كثرة أصدقائي من المسلمين- سوى أن المسلمين لا يأكلون لحم الخنزير، ويصومون رمضان.

وفي إحدى الليالي رأيت في منامي وكأني أسمع صوت أذان مدويًّا، فتحركت صوب ذلك الصوت.. ووقفت أمام بوابة كبيرة بها كتابة باللغة العربية لم أفهمها بيد أنني أحسست إحساسًا عميقًا بالسكينة والسلام.. كان المكان مضاءً بالأنوار، وكان هناك أشخاص يرتدون الأبيض من الثياب ويصلون.. لقد كان شعوري آنذاك شعورًا عظيمًا أعجز عن التعبير عنه بالكلمات.

في اليوم التالي سألت صديقة ماليزية مسلمة عن معنى ذلك الحلم.. أجابتني بأن ما رأيته هو "حدس" من الله.

تلك المحادثة مع صديقتي الماليزية، كانت المحادثة الأولى في حياتي التي لها علاقة بالإسلام، فمن خلالها كسرت حاجز صمت ظللت أعانيه فترة طويلة؛ إذ على الرغم من أنني كثيرة السؤال، عملًا بنصيحة عمي، فقد كنت أتجنب أي سؤال له علاقة بالإسلام.. وبحمد الله تغيّر حالي؛ إذ أصبحت أطرح الكثير من الأسئلة عن الإسلام، وهي أسئلة ملحة ظلت تراودني لسنين طويلة دون أن أبوح بها لأحد وذلك لأنني كنت أحس بأن المسلمين سيئون ومضطهدون لغيرهم.

في تلك السنة عدت إلى بروناي وقلت لأفراد عائلتي أنا أحتاج إلى عام من الراحة، لأن ذهني مشوش وعاجز عن التركيز على هدفي الذي كنت أصبو إليه.. قلت لهم ذلك لإحساسي بأن هنالك أمرًا أكثر أهمية من أي شيء آخر عملت لأجله السنين الطوال.. بالطبع لم تستجب عائلتي لطلبي.. وظلت تحيط بي تلك الحالة الملحة من التفكير.. لقد كنت أبكي ليلًا ونهارًا لأنني ظللت أسمع تردد صوت الأذان في رأسي إلى درجة أن أعز صديقاتي انتابها الإحساس بأنني وصلت إلى حالة من الجنون وهو الإحساس ذاته الذي انتابني.

 بدأت أقترب أكثر من الإسلام عندما رأيت الجانب العملي فيه (كالصلاة، والصيام والسلوك السوي).. كان ذلك مع صديقة طفولتي التي تعلمت منها الكثير، وأكثر ما تعلمته منها السلوك القويم.. فدخلت في تجربة مع الصيام، وحاولت أيضًا أن أتناول الطعام الحلال خلال عامين أو ثلاثة قبل اعتناقي الإسلام.

أما نقطة التحول الكبرى في حياتي فكانت حينما رفضت جميع كليات الطب أن أدرس فيها.. لذت حينذاك بأسماء الله الحسنى.. وقطعت وعدًا لله أنني سأعتنق الإسلام إن تم قبولي في واحدة من كليات الطب.. واستجاب الله لرغبتي وتم قبولي بكلية سبق أن رفض قبولي بها فلم يكن أمامي غير أن أحمد الله تعالى وأشكره ليس فقط على قبولي بكلية الطب وإنما أيضًا على اعتناقي الإسلام ويا لها من نعمة عظيمة.

فسبحان من يفرح بإيمان عباده ويوفر لهم أسبابه.. رحمة بهم وحبًّا لهم..

غني هو عن إيمان من في الأرض جميعًا.. فلو آمنوا ما زاد في ملكه شيء..

ولو كفروا وكذبوا ما نقص من ملكه شيء..

المؤمنون هم الرابحون.. فاحرصوا على ربح الدنيا والآخرة..

اسألوا الله الهداية.. فبالله نهتدي إلى الله.

--------------------------

المصدر:

اللولو، هالة صلاح الدين (2005)؛ كيف أسلمت دمشق: دار الفكر.

 


تعليقات (
0
)

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وإنما هي وجهات نظر أصحابها فقط.