عدد الزيارات: 2.5K

الهجرة إلى الله


إعداد: الدكتور/ أحمد محمد زين المنّاوي
آخر تحديث: 20/03/2019 هـ 13-07-1440

الهجرة.. مفهوم عميق يحتاجه البشر جميعًا!!..

هجرة المكان.. هجرة الفكر.. هجرة العقيدة.. هجرة الطباع والأخلاق..

من الشر إلى الخير.. من الخطأ إلى الصواب.. من الضلال إلى النور والحق..

كلنا.. كلنا..

فعلى سبيل المثال هناك الملايين من مختلف دول العالم صغارًا وكبارًا يضحّون بالغالي والنفيس في سبيل الحصول على فرصة يهاجرون عبرها إلى أمريكا التي يرونها جنة الله في الأرض..

أما بطل قصتنا هذه فقد سبح راشدًا عكس التيار الخطأ فغادر أمريكا في هجرة صادقة إلى الله..

إنه الأسقف الأمريكي سابقًا الداعية الاسلامي حاليًّا الدكتور مصطفى مولاني.. ندعوكم للتعرّف إلى قصة إسلامه.

بطل قصتنا هذه المرة هو شاب إيرلندي الأصل، نشأ وترعرع في بيئة كاثوليكية متمسكة بعقيدتها.. درس في مدرسة ثانوية دينية، ثم التحق بكلية خاصة بالقساوسة بجامعة "سانت باتريك" لدراسة الفلسفة واللاهوت قضى فيها ست سنوات وكل أمله أن يحقق رغبة أسرته في أن يصبح قسيسًا يخدم النصرانية.

في عام 1971م وعقب تخرجه بشهرين غادر الشاب الإيرلندي بلاده إلى أمريكا ليعمل بالتبشير.. فالكلية التي درس فيها تخرّج مئتي قسيس في كل عام يعمل معظمهم في الولايات المتحدة الأمريكية إذ درج الأساقفة الأمريكيون بصورة دورية على زيارة الكلية ليأخذوا أغلب القساوسة الجدد إلى أمريكا للعمل هناك بالتبشير في مختلف المناطق.. وتم اختيار مولاني للعمل كأسقف بولاية "نيو جيرسي".. حيث أصبح مسؤولاً عن إعداد برامج التوجيه الديني لكل المستويات كما كان يعمل مدربًا لإكساب المهارات وتأهيل القائمين بهذا العمل، فضلًا عن عمله مدرسًا للمواد الدينية بالمدرسة الثانوية الكاثوليكية.. وحرصًا منه على تجويد عمله في إرشاد الناس وفي تدريس طلابه كان بطل قصتنا يهتم كثيرًا بالبحث والدراسة.. بيد أن دراساته وبحوثه لم تزده إلا شكًّا في عقيدته وعمله، ذلك الشك القاتل الذي ظل يمثل هاجسًا في حياته منذ زمن طويل؛ اذ يقول:

"كنت كلما تعمقت في البحث والدراسة انتابني شعور غريب بالشك في عقيدتي.. ولم أستطع أن أكتم شكوكي، فقررت مفاتحة رئيس الأساقفة وقلت له: لدي شك في عملي، بل وفي إيماني بالله حسب عقيدتنا. فنصحني بالتريث والتفكير، وأعطاني مهلة لمدة عام ريثما أفكر في الموضوع بهدوء".

استثمر القس الإيرلندي الشاب العام الذي منحه له رئيس الأساقفة للتفكير بأن قضاه في البحث والدراسة.. توج بحثه بحصوله على درجتين للماجستير، الأولى في التربية الدينية، والثانية في اللاهوت والكتاب.. لكن لم تكسبه كذلك تلك الدراسات والبحوث إلا مزيدًا من الشك في عقيدته وعمله.. فما كان منه إلا أن عاد إلى رئيس الأساقفة ليقدم استقالته من عمله والتي تمت الموافقة عليها.. الحقيقة لم يقدم مولاني استقالته من عمله نتيجة لتأثره بأي عقيدة أخرى.. ربما الفطرة السليمة التي كان يتمتع بها منذ صغره والمجتمع الريفي المتماسك المحافظ الذي تركه وراءه في مسقط رأسه بإيرلندا من أهم الأسباب التي دفعته لتقديم استقالته، ففي أمريكا وجد نفسه يغرق وسط دوامة مجتمع صناعي مادي، به ما يزيد على الثلاثمئة مذهب مسيحي كل منها يزعم أنه على حق دون غيره، الأمر الذي جعله يشك في كل هؤلاء بل وفي العقيدة النصرانية نفسها التي كان يساوره الشك في الكثير من تعاليمها وطقوسها حتى قبل مغادرته إيرلندا. فعلى سبيل المثال لم يكن مقتنعًا بالسلطة البابوية المطلقة على الناس.. كما لم يكن مقتنعًا بالتعسف في معالجة الأمور التي من بينها موقف البابا من تنظيم النسل الذي لا يوجد في الأناجيل ما يمنعه.. كما أنه لم يكن مقتنعًا بفكرة الرهبنة وكثيرًا ما تساءل في حيرة: كيف يمنع البابا الكثيرين من رجال الدين في المسيحية من الزواج وهو يتعارض مع فطرة البشر وطبيعتهم التي جبلهم الله عليها؟! 

نعم أشياء كثيرة ضاعفت شكوكه في النصرانية وجعلته يتساءل في حيرة: كيف يعظ الناس وهو غير مقتنع بما يدعوهم إليه؟! لذلك قرر الاستقالة من عمله كأسقف وكان حتى ذلك الحين لا يعرف عن الإسلام إلا اسمه.

عقب استقالته من عمله كأسقف قرر مولاني أن يستأنف دراسته للحصول على درجة الدكتوراه من جامعة هارفارد.. وخلال فترة دراسته كانت تأتيه معلومات متقطعة وبيانات شحيحة عن الإسلام، فأراد أن يستزيد منها.. فقادته رغبته تلك إلى دراسة تاريخ الإسلام والحضارة الإسلامية.. كما جعلته يحرص على حضور المحاضرات التي كان يقدمها علماء مسلمون والتي كانت موضوعاتها تدور حول القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وأركان الإسلام.

وفجأة وعلى غير توقع منه وقع حدث مهم غير مسار حياته بأكملها.. أثناء احتفال جامعة هارفارد بمرور ثلاثمئة عام على إنشائها، حضر مندوبون من جامعات العالم العريقة ومن بينهم مندوبو جامعة الأزهر للمشاركة في الاحتفال.. ظهور علماء الأزهر تلك المناسبة بزيهم المميز الذي يعلوه الوقار وحديثهم المهيب الذي لمس شغاف قلبه جعل مولاني يختار علماء الدين الإسلامي موضوعًا لأطروحته للدكتوراه.. الحقيقة اختيار بطل قصتنا لهذا الموضوع أتى نتيجة لاهتمامه بدراسة الإسلام وليس رغبة في اعتناقه وهو اختيار دفعه إلى زيارة مصر لإجراء هذه الدراسة في كليات الأزهر المتخصصة.. ومن محاسن الصدف صادفت زيارة مولاني لمصر شهر رمضان، فانبهر كأجنبي بمشاهد مدهشة لم تكن في حسبانه.. وقد عبّر عنها بقوله:

"حين جئت إلى مصر في شهر رمضان.. شاهدت المجتمع المصري منتظمًا في أسلوب حياته القائم على أساس من الدين... فالناس يذهبون إلى المسجد عند سماع الأذان، ويتطهرون بماء الوضوء، ثم يقفون في صفوف منتظمة.. وعند الإفطار تخلو الشوارع من المارة".

في البدء فسر مولاني خلو الشوارع من المارة بوجود تعليمات تلزم المواطنين بحظر التجوال في ذلك الوقت بيد أنه عرف السبب في فترة لاحقة..

الفترة التي قضاها مولاني في مصر دفعته إلى المقارنة بين المجتمعين المصري والغربي.. حيث وجد الناس في أرض الكنانة يتحركون ليلًا في أمان وهو أمر لا يتأتى لنظرائهم في أمريكا إذ سيجدون أنفسهم عرضة للموت إن فعلوا ذلك برغم وجود القوانين الرادعة.. توصل بعدها إلى حقيقة جليّة مفادها أن الأمن الذي يتوافر في المجتمعات المسلمة لا يعزى إلى الخوف من القوانين وإنما مرده إلى الخوف من الله رب العالمين.. فالمجتمع المسلم منظم على أساس من الدين.. بالتالي إيمان الناس بدينهم يجعلهم يطبقون تعاليمه دون خوف من عقوبة رادعة أو قانون صارم، بل احترامًا لمبادئهم وعقيدتهم.

في هذه المرحلة شبه الفاصلة من حياته اقتنع مولاني بالإسلام كمنهج حياة ينظم للبشر أسلوب معيشتهم وسلوكياتهم، إلا أنه لم يعلن إسلامه على الفور وقد برر ذلك بقوله:

"إنه برغم اقتناعي الكامل بالإٍسلام كدين خاتم يجب أن يؤمن به الناس جميعًا، فإنني ترددت أربعة أشهر قبل أن أعلن إسلامي، لأدرس القرار في تأنٍ من جميع جوانبه.. لأنه من الصعب على الإنسان أن يغير دينه.. بعدها شرح الله صدري للإسلام، فدخلت في دين الله الحق... وسميت نفسي "مصطفى مولاني" تيمنًا بأحد أسماء الرسول محمد –صلى الله عليه وسلّم-".

وما أن اعتنق مصطفى مولاني الإسلام حتى شعر بنفسه يعيش داخل عالم نوراني شفيف يسمو بروحه ونفسه على السواء بل ما أن تسلم شهادة إشهاره الإسلام حتى شعر بأنه حصل على أعلى شهادة في الدنيا.. أما عن سيدنا محمد –صلى الله عليه وسلّم- الذي كم وكم هاجمه عندما كان قسيسًا يكنّ العداوة والبغضاء للإسلام فقد قال:

"لقد اقتنعت تمامًا بأن محمدًا هو خاتم الأنبياء والمرسلين.. واقتنعت بسنته وتشريعاته التي اتخذها الغرب مدخلًا للطعن في رسالته مثل تعدد الزوجات التي اقتنعت تمامًا بحكمتها".

ثم أضاف قائلًا وقد اغرورقت عيناه بالدموع:

"لقد قمت بعمل عُمرة، وزرت البيت الحرام، والروضة الشريفة، وفاضت عيناي بالدموع أمام قبر المصطفى –صلى الله عليه وسلّم- وقلت لنفسي حينئذ: من أنا حتى أقف أمام قبر أعظم إنسان عرفته البشرية... وشكرت الله تعالى أن هداني للإسلام".

هذه هي قصة مصطفى مولاني الرجل الذي سبح عكس التيار فترك أمريكا مقصد الجميع وجنة الله في الأرض كما يراها عبدة المادة وطلاب الحرية الزائفة وهاجر إلى الله ينشد الجنة الحقة.. ركل وراءه الترف المادي الملوث بزيف الكنيسة وأقبل على طريق يقود إلى النعيم المقيم.. هجر الشوارع الغارقة بدماء الأبرياء ليحظى بأمان لم يكن يحلم به منذ صرخة ميلاده الأولى..

والأهم من هذا الأمان في الدنيا.. أمان الآخرة..

لذا ضحى مصطفى مولاني بالكثير والكثير.. رخيصًا وعن طيب خاطر في سبيل الإيمان بالله..

عرف الحق.. عرف الله.. فهاجر إلى الله..

وما أعظمها من هجرة يحتاجها كل إنسان غير مسلم..

فماذا تنتظر أنت؟!

النجاة في انتظارك.. الجنة في اشتياق إليك..

اسألوا الله الهداية.. فبالله نهتدي إلى الله.

--------------------------------

المصادر:

ابن علي، أبو إسلام أحمد (2008)؛ عادوا إلى الفطرة؛ مكتبة صيد الفوائد الإلكترونية.

مقال بعنوان: "الأسقف الأمريكي مصطفى مولاني"، استرجع بتاريخ 5 أغسطس 2017، من موقع قصة الإسلام: www.islamstory.com

 


تعليقات (
0
)

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وإنما هي وجهات نظر أصحابها فقط.