عدد الزيارات: 4.4K

حائط الصد


إعداد: الدكتور/ أحمد محمد زين المنّاوي
آخر تحديث: 08/12/2019 هـ 10-04-1441

يظل غير المسلمين طوال حياتهم يحاربون صورة مشوهة معتقدين أنهم يحاربون الإسلام!!

يحاربون ما لا يعرفون!!

مساكين هم.. فرضوا عليهم الجهل بأهم أسباب سعادتهم في الدنيا والآخرة..

من شاء الله له الفكاك من الضلال.. من شاء الله له نور العلم بعد ظلام الجهل.. من أنعم الله عليه بنعمة التعرّف إلى الإسلام الصحيح عن قرب.. يفاجأ أيما مفاجأة!!..

فلا يملك حينها سوى الارتماء في أحضان نعمة الإسلام.. وسوى النهل من نهر الإيمان..

هذا ما حدث مع بطلة قصتنا..

ولدت في بيئة إباحية تحرم الحلال وتحلل الحرام، ونشأت في غابة حيوانية كبيرة يتمتع فيها المرء بحرية مطلقة تدك قلاع الفطرة السليمة حيث يتزوج الرجل بالرجل وتتزوج المرأة بالمرأة.. مجتمع فوضوي حتى النخاع لا سقف فيه للحرية.. بل مجتمع شهواني تتحول فيه المرأة من إنسانة مكرمة حباها الله تعالى بصفة الأمومة إلى آلة ميتة يستخدمها الرجل بغرض الحصول على المتعة الرخيصة وتلبية الرغبات الحيوانية، كما تحولت في ظل السعار المادي المحموم من أنثى تتمتع بصفات تميزها عن معشر الرجال إلى ماكينة خرساء تشارك الرجل في أعمال شاقة لا تتسق مع نوعها ولا تتناسب مع خصائصها الأنثوية.

وسط هذا الجو المتخم بالفوضى بل السجن الكبير المشبع بالفهم الخطأ للحرية ولدت "آن صوفي رولد" ابنة لأبوين نصرانيين تعشعش في ذهنيهما نفس الصورة الذهنية السلبية التي تعشعش في أذهان بني قومهما عن الإسلام والمسلمين والناتجة بدورها من الحملات المسعورة ضد الإسلام والمسلمين والتي تقف وراءها الكنائس المتزمتة وتتقدمها الأقلام المغرضة.

عافت الصغيرة "آن" منذ نعومة أظفارها حياة بني قومها المترعة بمظاهر التفسخ والفجور والانحلال، بل كفرت بحريتهم المطلقة التي تسلب المرأة أعز ما تملك، فتوصلت إلى قناعة تامة مفادها تردي أوضاع المرأة في بلادها التي تتشدق بأنها أرض الحرية والعدل والتحضر والكرامة.

عندما كبرت ودخلت الجامعة اختارت آن صوفي رولد التخصص في دراسة الأديان، وهو اختيار تسبب لاحقًا في خروجها من ظلمات الكفر المدلهمة إلى نور الإسلام الشفيف؛ إذ مكنتها دراستها الجامعية من التعرّف إلى الوجه الحقيقي للإسلام شريعة وعقيدة وسلوكًا، الوجه الوضيء الذي لم يكن متاحًا لها رؤيته فيما مضى بسبب حملات والتشويه والتشويش والكتابات المضللة المغرضة لأعداء المسلمين.

في عام 1981م بدأت آن صوفي رولد دراسة الأديان، والتي معها درست اللغة العربية حتى تصبح قادرة على أن تفهم الإسلام من مصادره الأصلية، بعيدًا عن زيف القسيسين وتضليل المستشرقين.. ساعدتها دراستها في أن تقارن بين الأفكار والتعاليم الموجودة في كل من شريعتي الإسلام والنصرانية.. وجدت صوفي نفسها تشعر بانجذاب عجيب إلى الإسلام؛ إذ لم يتسق الفكر النصراني مع طبيعة روحها الميالة إلى العدالة بالفطرة.

فهي لم تكن مقتنعة بفكر يفلت فيه المجرم من عقابه الأخروي بمجرد اعترافه للقسيس بما ارتكبه من إثم، في إطار ما يطلقون عليه "سر الاعتراف".. في المقابل انبهرت بعدالة الإسلام التي وجدتها تحاسب المخطئ حتى يكفّر عن ذنبه وتربط الغفران بالتوبة النصوح، الأمر الذي يردع المرء من الوقوع في الخطايا والجرائم، وذلك لإدراكه لما ينتظره من عقاب في دنياه وأخراه.. وهنا توصلت آن صوفي رولد إلى حقيقة جليّة مفادها أن التناقض الذي تتسم به تعاليم النصرانية وتراخيها الشديد في عقاب المخطئين يعتبر من أهم أسباب انتشار العنف في بلادها، بينما لاحظت أن هذا العنف ينعدم تمامًا في بلدان الشرق المسلمة التي يلتزم فيها المسلمون بالقانون الإلهي الذي يرفض الممارسات الخطأ ويعاقب عليها في غلظة وشدة. 

رأت "آن" في الحدود الشرعية التي جاء بها الإسلام -والتي ينتقدها أعداؤه- حماية تامة لكل من المجتمع والفرد، إذ تحمي هذه الحدود المجتمع من تفشي الجريمة وانتشارها في أوصاله، وبالتالي تحقق الأمن والأمان اللذين يتيحان له أن يتابع مسيرة التنمية الشاملة المستدامة بما يخدم خططه واستراتيجياته فيحقق له الازدهار وعمارة الأرض، كما يحمي الفرد من السلبيات التي تتيحها له الحرية غير المحدودة بل الفوضى المطلقة التي يمارسها أقرانه في الغرب، لأن في ذلك نجاة له من مصير مظلم لا يرتضيه لنفسه شخص وفقه الله تعالى لإعمال عقله بصورة راشدة. 

فكرت آن مليَّا في أمر آخر يستخدمه القسيسون وغيرهم لتشويه صورة الإسلام الوضيئة، يتمثل هذا الأمر في إقرار الإسلام بمبدأ تعدد الزوجات.. عندما قارنت هذا الإقرار الإسلامي بما يمارسه الغربيون من جمع بين زوجة واحدة وخليلات كثر، رأت في التعدد رحمة من الله تعالى لعباده، كما توصلت إلى أن ما قد يحدث من خلل في التطبيق إنما يعود إلى الإنسان الذي قد يجافي العدل بين الزوجات وليس إلى النص الديني المنزه من كل نقص والذي يشترط توافر هذا العدل.

وأعجبها كثيرًا تكريم الإسلام للمرأة، أمًّا وأختًا وزوجة وابنة، وإقراره حقوقًا أصيلة تصبّ في مصلحتها لم تحصل عليها نظيرتها الأوروبية، كما انبهرت بسبق الإسلام في تحقيق العدالة الاجتماعية وتأملت بعمق حديث الرسول –صلى الله عليه وسلّم- الذي يقول فيه: "ليس منا من بات شبعان وجاره جائع"، فوجدته دستورًا وافيًا للتكافل الاجتماعي لم تبلغه أرقى التشريعات الغربية الحديثة.

عندما وصلت آن إلى هذا الحد لم تجد أمامها من خيار سوى إشهار إسلامها، إذ اقتنع عقلها الباحث عن الحقيقة بقيم الإسلام السمحة وأحكامه العادلة، وارتاح قلبها المفطور على حب الخير لروحانيته الشفيفة.. أعلنت آن إسلامها عام 1982م بعد أن اقتنعت بالإسلام قلبًا وقالبًا وركلت خلفها في تأفف ديانة محرفة فُرضت عليها بالوراثة دونما اقتناع.

أثار إعلان آن لإسلامها موجة عارمة من الجدل وسط أفراد مجتمعها، بل رسم غابة من علامات الاستفهام في عقول بني قومها.. تعجب الجميع من تلك السويدية التي نبذت –وفقًا لرأيهم المعتل– الحرية المطلقة لترضى بأن تكون أمة مسلمة حسب تصورهم المريض. ولكن كيف لهم أن يدركوا أن آن الجديدة النقية نالت حرية حقيقية بعد أن نبذت وراءها حرية مزيفة مكبلة بأغلال عبودية المادة.

وجدت آن السكينة والطمأنينة في رحاب الإسلام، وشعرت بمدى متعة العيش في ظل بيئة معافاة خالية من المنكرات.. وشعرت بالمزيد من السعادة والاستقرار حينما تزوجت من شاب مسلم، ونالت درجة الدكتوراه التي لم تكن مجرد شهادة أكاديمية إذ ساعدتها كثيرًا على تفهّم الإسلام بعمق أكثر، الأمر الذي جعلها تدرك مدى ضرورة العودة إلى الثقافة الإسلامية الأصيلة كحائط صد متين يقف في مواجهة الغزو الغربي بشقيه الفكري والثقافي.. ذلك البعبع المخيف الذي يستند إلى القوى اللينة لكي يتسلل في خبث إلى تلافيف العالم الإسلامي متسربلًا بمسوح دعوات مضللة كالعولمة وتلاقح الثقافات، وإلى غير ذلك من الدعوات المزيفة التي تبشر في ظاهرها بالرحمة وتضمر في باطنها العذاب.

حذرت آن صوفي من الغزو الفكري الذي يتعرض له العالم الإسلامي أثناء مشاركتها الفاعلة في المؤتمر الذي حمل اسم: "صراع حضارات أم حوار ثقافات" الذي قامت بتنظيمه في القاهرة عام 1997م، منظمة تضامن الشعوب الأفروآسيوية.. طرح آن الذي كان يتسم بالعمق والجرأة في ذلك المؤتمر أثار جدلًا واسعًا بين المشاركين إذ وجدوا فيه قوة المنطق، وصدق الطرح، حيث لخصت الدكتورة آن موقفها من طرح الغرب في هذا الجانب بصورة حازمة في جملتين اثنتين لا ثالثة لهما إذ قالت: "أنا ضد فكرة الصراع، ومع فكرة الحوار على طول الخط" إذ ترى أن طرح الغرب لا يعدو كونه دعوة مشبوهة وفكرة سياسية صنعها الغرب في إطار بحثه عن عدو جديد يتخذه كبديل للنظام الشيوعي الذي أفل نجمه.

وهكذا تحولت آن الصغيرة النصرانية بالوراثة المسلمة بالفطرة التي ولدت في بيئة إباحية إلى الدكتورة آن الداعية المسلمة التي نذرت نفسها لخدمة الإسلام والمسلمين..

تُرى.. من يرفض النور بعد الظلام؟!

من يرفض الطهر والنقاء بعد الدنس والابتلاء؟!

غيرُ المسلمين وحدهم هم من يرفض ذلك!!

ومن يرفض الإسلام.. فقد رفض الخير كله..

اسألوا الله الهداية.. فبالله نهتدي إلى الله.

-------------------

المصادر:

الألفي، أسامة (2005)؛ لماذا أسلموا؟ القاهرة: أطلس للنشر والإنتاج الإعلامي.

بوسكين، إدريس (2013)؛ أوروبا والهجرة: الإسلام في أوروبا؛ عمّان: دار الحامد للنشر والتوزيع.

صحيفة الأنباء الكويتية (13 أغسطس 2010)؛ لماذا أسلموا: الدكتورة آن صوفي.

مقال بعنوان: "قصة إسلام الدكتورة آن صوفي السويدية"؛ استرجع بتاريخ 8 يوليو 2017، من موقع: http://aliorffi.blogspot.ae

 


تعليقات (
0
)

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وإنما هي وجهات نظر أصحابها فقط.