لا نزال نحن المسلمين رضينا أم أبينا عالقين في الماضي.
لأننا كلَّما نظرنا إليه رأيناه خيرًا من حاضرنا بكل ما فيه!
من المفارقات العجيبة أن الأرقام العربية (0، 1، 3، .. 9) التي نسميها في الدول العربية اليوم أرقامًا إنجليزية هي في الواقع أرقام عربية أصيلة ابتكرها العرب، في حين أن دول العالم الأخرى تستخدم هذه الأرقام، وتعلم أنها عربية وتسميها بذلك، فمثلًا في الدول الأوروبية والغربية بشكل عام يسمونها (Arabic Numerals) بمعنى الأرقام العربية، وفي الصين يطلقون عليها "ألَبُو شو زه" بمعنى الأرقام العربية أيضًا.
إن الأرقام المستخدمة اليوم في الدول الأوروبية والغربية بشكل عام، وعلى نطاق واسع في جميع قارات العالم (1، 2، 3، .. 9) هي في الأصل أرقام عربية أصيلة، ابتكرها عالم الرياضيات العربي محمد بن موسى الخوارزمي، على طريقة الزوايا، حيث تتدرج من زاوية واحدة ترمز إلى الرقم 1 إلى تسع زوايا بالنسبة إلى الرقم 9، كما أن العرب هم أيضًا من ابتكر الصفر (0)، الذي رمز إليه بدائرة مجوَّفة لأنه عديم الزوايا.
انتقلت الأرقام العربية إلى أوروبا عن طريق البابا سيلفيستر الثاني الذي درس في جامعة القرويين بمدينة فاس في المغرب، وهي أقدم جامعة تم إنشائها في العالم، حسب موسوعة جينيس للأرقام القياسية، ونقل إليهم الأرقام العربية، وكان ذلك في نهاية الألفية الأولى، ولهذا السبب أطلق عليه الأوروبيون بابا الأرقام، وقد انتشرت الأرقام العربية في جنوب إيطاليا وإسبانيا ثم انتقلت إلى بقية دول أوروبا التي كانت في ذلك الوقت تستخدم الأرقام الرومانية الجامدة (i-ii-iii) التي لا تساعد في إجراء أبسط العمليات الحسابية.
وبشهادة علماء هذه الدول ومفكريها فإن الأرقام العربية تعدّ من أهم إنجازات الفكر العربي وأكثرها عطاءً، وأنها أساس لكل التقدّم العلمي الذي شهده العالم. لقد فتحت الأرقام العربية آفاقًا واسعة أمام العلوم الحديثة، كما أن الثورات الإلكترونية والمعلوماتية والتقنية والرقميّة التي يشهدها العالم اليوم استمدّت زخمها من خصائص الأرقام العربية. وعلوم أخرى عديدة يصعب حصرها، تتعلق بالاتصالات والطيران والفضاء وغيرها، تستمد قوتها من خصائص الأرقام العربية.
أما نحن العرب فلا نزال نتجنَّب استخدامها وننسبها إلى غيرنا، مع أنها من أهم إنجازات فكرنا العربي. ومن المفارقات العجيبة أن الهند التي ابتكرت الأرقام التي تستخدمها دول المشرق العربي اليوم، تركت منذ أمد بعيد أرقامها الأصلية وأصبحت تستخدم الأرقام العربية، بعد ما تبيّن لها أن الثورات الإلكترونية والمعلوماتية والتقنية والرقميّة التي يشهدها العالم اليوم تعتمد بصفة أساسية على خصائص هذه الأرقام العربية، لأنها سهلة الاستعمال والكتابة، ومكوّنة من عشرة أشكال بسيطة وواضحة ولا يمكن الخلط بين رموزها، وصالحة للنظام العشري ولجميع العمليات الحسابية والجبرية والرياضية التي لم يكن ممكنًا القيام بها من دون الأرقام العربية المبسَّطة، كما يمكن تركيب أي عدد منها وهذه الميزة أعطت السبق للأرقام العربية ومكّنتها من التحول إلى أرقام عالمية مستخدمة في جميع أرجاء العالم، وهي في حدّ ذاتها أداة رفيعة من دونها لم تصل الإنسانية إلى ما وصلت إليه من علوم وتطور ورقي وازدهار.
وتراثيًّا كانت الأرقام العربية جزءًا لا يتجزأ من اللغة العربية، وهذه الأرقام موجودة وبوضوح في كل الوثائق والمخطوطات العربية والإسلامية القديمة، وأهمّها المصحف الشريف.
دعوة إلى العرب: استخدموا الأرقام العربية!
يجد المسلمون من غير العرب اليوم صعوبة بالغة في التعرّف إلى أرقام صفحات المصاحف وآياتها التي تتم طباعتها في بعض الدول العربية، ولذلك تجدهم يعمدون إلى هذه المصاحف، ويقومون بإعادة ترقيمها بخط اليد باستخدام الأرقام العربية الأصيلة، حتى يستطيعوا تتبّع صفحاتها وآياتها، كما أن الأرقام الهندية التي نرقِّم بها المصاحف غير مألوفة في دول المغرب العربي، فَهُم لا يزالون متمسّكين باستخدام الأرقام العربية الأصيلة في مدارسهم ومؤسساتهم ومناحي حياتهم جميعها!
هذا القرآن كتاب عربي فلماذا لا نرقِّمه بالأرقام العربية التي يستخدمها العالم كلّه.. إلّا العرب؟! فالقرآن ليس حكرًا على العرب وحدهم، فهو للمسلمين كافة في جميع أرجاء العالم، بل إن عدد المسلمين من غير العرب يفوق كثيرًا عددهم من العرب. والمطَّلع على المخطوطات التاريخية القديمة للمصحف الشريف يلاحظ أنه رُقِّم في صدر الإسلام الأوّل باستخدام الأرقام العربية الأصيلة (0، 1، 2، 3، .. 9)، وهذا هو الواقع الذي يجب أن يكون عليه ترقيم جميع المصاحف اليوم.
الرقم المُعجزة
وهذه دعوة عامة إلى جميع المعنيين بطباعة المصاحف في الدول العربية إلى ضرورة العودة بها إلى جذور هذه الأمّة، وتوحيد استعمال الأرقام العربية الأصيلة، ليس فقط لأهميّة هذه الأرقام العربية في عصر العلم والتقدّم التقني الذي نعيشه في جميع الميادين والذي يعتمد على الأرقام العربية، وليس لأن هذه الأرقام العربية هي مرتكز مهم في تطور الحضارة الإنسانية، ولكن لأن القرآن يوظّف خاصية هذه الأرقام في تعزيز المعنى، ولأن خاصية الأرقام العربية جزء أصيل من البناء الإحصائي للقرآن، ويتجلّى ذلك بوضوح في استخدامه للرقم 8 في وجوه ومواضع محدّدة.
وهذا الرقم العربي المُعجزة (8) تتولّد منه الأرقام جميعها، فهو يتضمّن جميع الزوايا ومركّب من أجزاء متعددة، وإزالة أي جزء منها ينتج من الأجزاء المتبقية رقمًا مختلفًا، بل إن هذا الرقم نفسه إذا تغير وضعه يتحول بسهولة إلى رموز رياضية أخرى مهمة ومنها مالا نهاية ().
ولذلك لم يغفل القرآن خاصية هذا الرقم (8) الذي تتولّد منه الأرقام والأعداد جميعها، ولذلك تجد هذا الرقم المُعجزة يتجلّى بوضوح في مواضع التحدِّي ومعاني الخلود والمبالغة والتهويل والقسط والقسمة والحساب والميزان والحصر والتعدد والإعجاز، لأن خصائص الرقم 8 وحده هي التي تنسجم مع هذه المعاني. وقد استخدم القرآن رسم الرقم 8، أو العدد 88 ومضاعفاتها في رمزية واضحة، وفي وجوه متعددة ومتنوعة تنسجم تمام الانسجام مع المعنى المراد، ولم ينحصر ذلك الاستخدام في أرقام الآيات وحدها، بل في عدد كلماتها وحروفها أيضًا.
مفتاح الثورة الرقميّة
إذا أوقفت سيارتك لتتزوّد بالوقود فانظر إلى لوحة العدّاد قبل أن يبدأ العمل، فلن ترى غير الرقم العربي 8 مكرّرًا في جميع الخانات! وإذا ألقيت نظرة على الميزان الإلكتروني قبل أن تضع قدميك عليه، فلن ترى غير الرقم العربي 8 مكرّرًا في جميع الخانات! وإذا أنعمت النظر في ساعتك الإلكترونية، فسوف تلاحظ في خلفيّة اللوحة الرقم العربي 8 مكرّرًا في جميع الخانات! وإذا أنعمت النظر في لوحات جميع الأجهزة الرقميّة الإلكترونية فلن تجد غير الرقم العربي 8 يشكّل خلفيّة لهذه اللوحات!
وهكذا.. إذا تأمّلت العديد من الأجهزة الإلكترونية تجد أن ذاكرتها قائمة على الرقم 8
إن الرقم 8 هو أهم ما قدّمه الفكر العربي للبشرية في مجال علم العدد. وإن الثورة الرقميّة التي يشهدها العالم لم تكن لتصل إلى ما وصلت إليه من دون الرقم العربي 8 المعجزة الذي هو ببساطة أهم الأرقام بل هو أمها حيث يحتوي على جميع الزوايا، وبذلك تتولد وتتشكّل منه جميع الأرقام والأعداد التي يعرفها البشر (0، 1، 2 ، 3، إلخ..)، وحتى الأرقام اللانهائية نشير إليها بالرمز ()، ولكنك إذا دقَّقت النظر فيه تجده الرقم (8) نفسه ولكنه في وضع أفقي!
الآن هل علمت لماذا اختار الله عزّ وجلّ العدد 88 ليكون رقمًا لآية التحدِّي؟!
قُل لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُوْنَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيْرًا (88) الإسراء
وحتى يتيقن الجميع من أن القرآن يوظِّف خاصية الرقم 8 في أكثر من وجه، وهو الرقم الذي تتولّد منه جميع الأرقام والأعداد نتأمّل معاني هذه النماذج من الآيات ونتأمّل أرقامها ونتأمّل عبارات الحصر والكثرة والتعدد والزوجية والسلالة ومعانيها في هذه الآيات:
- وَقَالَ مُوْسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيْعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيْدٌ (8) إبراهيم
- قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوْتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيْرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُوْنَ (88) المؤمنون
- وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِيْ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيْرٌ بِمَا تَفْعَلُوْنَ (88) النمل
- وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُوْنَ (88) القصص
- الله يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيْضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8) الرعد
- إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُؤْمِنِيْنَ (8) الشعراء
- لَا يَسَّمَّعُوْنَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُوْنَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) الصافات
- يَقُوْلُوْنَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُوْرَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرٌ (8) التحريم
- وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُوْنَ (8) الروم
- ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِيْنٍ (8) السجدة
- وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) النبأ
- إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8) الذاريات
فتأمّل يا رعاك الله!
فهذه نماذج محدودة من حالة عامة في القرآن تتمثل في توظيف خاصية الرقم 8 في تعزيز المعنى، وقد رأينا كيف تضمنت هذه النماذج كلمات مثل: جَمِيعًا - كُلِّ شَيْءٍ - كُلُّ أُنثَى - أَكْثَرُهُم - كُلِّ جَانِب - كَثِيرًا - نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ - أَزْوَاجًا – مُّخْتَلِف، وجميعها تنسجم مع خاصية الرقم 8 الذي تتولَّد منه جميع الأرقام والأعداد!
ومن خصائص الرقم 8 أنه إذا تغير إلى الوضع الأفقي () يتحول إلى رمز رياضي يعني ما لا نهاية. وقد وظّف القرآن خاصية الرقم 8 في هذا الجانب أيضًا، ولذلك أورده بشكل لافت للنظر في مواضع الخلود والمبالغة والتهويل، ولك أن تتأمّل هذه النماذج:
خَالِدِيْنَ فِيْهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُوْنَ (88) آل عمران
الَّذِيْنَ كَفَرُوا وَصَدُّوْا عَنْ سَبِيْلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوْا يُفْسِدُوْنَ (88) النحل
لِيَسْأَلَ الصَّادِقِيْنَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيْمًا (8) الأحزاب
إِنَّ الَّذِيْنَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُوْنٍ (8) فصلت
فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأوّليّنَ (8) الزخرف
أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِيْنَ لَا يُؤْمِنُوْنَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيْدِ (8) سبأ
مُهْطِعينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُوْلُ الْكَافِرُوْنَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8) القمر
وَكَأَيِّن مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيْدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا (8) الطلاق
يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيْمٍ (8) الجاثية
تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيْهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيْرٌ (8) تبارك
وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيْدًا وَشُهُبًا (8) الجن
وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيْدٌ (8) العاديات
جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِيْنَ فِيْهَا أَبَدًا.. (8) البينة
وهذه أيضًا نماذج محدودة من حالة عامة في القرآن تتمثل في توظيف خاصية الرقم 8 في تعزيز المعاني التي تتحدث عن الخلود والمبالغة والتهويل!
ومن خصائص الرقم 8 أنه يستخدم كرمز رياضي يعني الإضافة والتعدد (&) ولم يغفل القرآن هذه الخاصية ولذلك أورد الرقم 8 بشكل ملفت في مواضع التعدد، ولك أن تتأمّل هذه النماذج:
وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيْرَ لِتَرْكَبُوْهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُوْنَ (8) النحل
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيْرٍ (8) الحج
وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيْزُ الْحَكِيْمُ (8) غافر
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) الفتح
وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيْنًا وَيَتِيمًا وَأَسِيْرًا (8) الإنسان
فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُوْلِهِ وَالنُّوْر الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُوْنَ خَبِيْرٌ (8) التغابن
وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُوْلِهِ وَلِلْمُؤْمِنِيْنَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِيْنَ لَا يَعْلَمُوْنَ (8) المنافقون
وبما أن الرقم 8 تتولد منه جميع الأرقام والأعداد، فإنه الرقم المناسب لاستخدامه في مواضع القسمة والميراث والقسط والعدل والميزان، ولذلك لم يغفل القرآن هذه الخاصية من خصائص الرقم 8، ولك أن تتأمّل هذه النماذج:
وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِيْنُ فَارْزُقُوْهُم مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوْفًا (8) النساء
يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا كُوْنُوا قَوَّامِيْنَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا .. (8) المائدة
وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُوْنَ (8) الأعراف
أَلَّا تَطْغَوا فِي الْمِيزَانِ (8) الرحمن
لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) الممتحنة
وهذه الآيات ليست حصرًا، وإنما هي نماذج محدودة جدًّا حول كيفيّة توظيف القرآن الكريم لخاصية رقم واحد فقط من الأرقام العربية الأصيلة وهو الرقم 8، وهناك العديد من النماذج الأخرى التي يصعب حصرها، وكلها تؤكد أن خاصية الرقم أو العدد له وزنه في البناء الإحصائي القرآني. بل هذه قاعدة عامة في القرآن، وأنه أينما تألَّف لديك الرقم 8، أو أحد مضاعفاته من رقم الآية، أو عدد كلماتها، أو حروفها، فتأمّل معناها فسوف تلاحظ أنها متصلة بأحد الموضوعات التي تتحدث عن الخلود أو المبالغة والتهويل أو القسمة والقسط والميزان، أو الإحاطة والشمول، أو التعدد والإضافة، أو الشرك بالله أو النفاق، لأن هذه الموضوعات جميعها تنسجم تمامًا مع خواص الرقم 8.
وعلى سبيل المثال، فإنَّك إذا تأمّلت آيات القرآن تجد أن هناك آية وحيدة عدد كلماتها 88 كلمة وهي الآية رقم 12 من سورة النساء، وإذا تأمّلت موضوعها تجدها تتحدث من أولها إلى آخرها عن كيفية توزيع التركة والمواريث، وإذا تأمّلت ترتيب السورة تجده 4 وبذلك فإن مجموع رقم الآية مع ترتيب السورة يتألَّف منه العدد 16 أي 8 + 8، والفرق بين ترتيب السورة ورقم الآية يتألَّف منه الرقم 8
هذه الآية الوحيدة التي عدد كلماتها 88 كلمة ترتيبها من بداية المصحف رقم 88 بين الآيات التي تنتهي بحرف الميم!
الكلمة الثانية في هذه الآية هي كلمة (نِصْفُ)، والعدد 88 هو نصف العدد 176
ومن ذلك نفهم لماذا كانت سورة النساء هي السورة الوحيدة التي عدد آياتها 176 آية، وهذا العدد = 88 + 88
عدد كلمات سورة النساء 3762 كلمة، وهذا العدد = 1881 + 1881
تأمّل العدد 88 محاطًا بالرقم 1 وكأنه يقول: العدد 88 ورد مرّة واحدة!
وهذا يدفعنا لنتدبّر الآية رقم 88 من سورة النساء نفسها:
فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِيْنَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوْا أَتُرِيْدُوْنَ أَنْ تَهْدُوْا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيْلًا (88) النساء
العجيب في هذه الآية أن عدد حروفها 88 حرفًا!
ليس ذلك فحسب بل عدد كلماتها 22 كلمة! وهذا يعني أن حاصل ضرب هذا العدد في ترتيب سورة النساء 22 × 4 = 88
بل إذا تأمّلت في سورة النساء نفسها تجدها بدأت بأحكام الأموال، وتقسيم التركة والمواريث وختمت بها، وقد اختصت هذه السورة دون غيرها بآيات المواريث الثلاث، ولذلك كان من كمال البناء الإحصائي للقرآن أن يأتي عدد آيات هذه السورة 176 آية أي 88 + 88، ولا يمكن أن يكون أي عدد آخر غيره، لأن هذه السورة تضمَّنت الآية الوحيدة التي عدد كلماتها 88 كلمة، وهذه الآية هي إحدى آيات المواريث الثلاث!
بل إذا تأمّلت مجموع أرقام آيات سورة النساء (1 + 2 + 3 + .. + 176) تجده 15576
وهذا العدد يساوي 88 + 88 (88 + 88)! فهل ترى غير العدد 88؟!
فيا علماء أمَّتنا الإسلامية.. ويا أصحاب القرار فيها..
يا واضعي مناهج الرياضيات لطلابها، أوقفوا العمل بهذه الأرقام العقيمة ( ..)، وعودوا بنا إلى أرقامنا العربية الأصيلة (0 1 2 3 ..)، هذه الأرقام التي عرف قيمتها غيرنا، ووظفوها في تحقيق التطورات العلمية والتقنية التي نشهدها اليوم! أمَّا نحن فلا نزال نعاني من أجل تحوير هذه التقنيات لتوافق أرقامًا لا خير فيها ولا مبرّر للتمسك بها، ونتحمّل صنوفًا من المعاناة في سبيل استخدامها.
------------------------------------------------------------------------
المصدر:
مصحف المدينة المنَّورة برواية حفص عن عاصم (وكلماته بحسب قواعد الإملاء الحديثة).