عدد الزيارات: 81.8K

تجربة ترقيم الآيات


إعداد: الدكتور/ أحمد مُحمَّد زين المنّاوي
آخر تحديث: 28/04/2016 هـ 29-01-1437

لم تُرقّم آيات القرآن في عهد النبي -صلى الله عليه وسلّم- ولا في عهد صحابته -رضوان اللَّه عليهم- إلا أن الذين عمدوا إلى ترقيم الآيات لاحقًا، جاؤوا متتبّعين أثر الوحي، يضعون رقم الآية في الموضع الذي كان يقف عنده النبي -صلى الله عليه وسلّم- لأن الأصل في تعلُّم القرآن الكريم حتى يومنا هذا هو النقل والمشافهة.

تأمّل هذا النص الذي يمثل الآيات الأربع الأولى من صدر سورة آل عمران:

(الم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوْمُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيْلَ مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِيْنَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيْدٌ وَاللَّهُ عَزِيْزٌ ذُوْ انْتِقَامٍ)

افترض أن القرآن ليس مرقمًا ومطلوب منك الاجتهاد في ترقيم هذه الآيات الأربع.

أين ستضع الأرقام (1) و(2) و(3) و(4)؟

سأيسِّر عليك المهمة

الرقم الأخير (4) لا اجتهاد فيه لأنه سيكون في نهاية النص.

والرقم الأول (1) سيكون بعد الحروف المقطّعة مباشرة (الم) حتى يفصلها عن بقية كلمات الآية.

وبذلك يصبح شكل النص على النحو التالي:

الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوْمُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيْلَ مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِيْنَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيْدٌ وَاللَّهُ عَزِيْزٌ ذُوْ انْتِقَامٍ (4)

الآن بقي معنا الرقمان (2) و(3). فأين نضع الرقم (2)؟

تجاوز الآية رقم (1) وحاول أن تقرأ، تجد أنك تتوقَّف بصورة عفوية عند نهاية هذا النص:

"اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوْمُ"

وبالفعل يكتمل المعنى تمامًا مع نهاية النص وبذلك يمكن أن نضع الرقم (2) بعد نهايته مباشرة.

يتبقى معنا الرقم (3).. فأين نضعه؟

لا شك في أن أنسب مكان له هو بعد كلمة "الفرقان" مباشرة، لأنه بعدها يكتمل المعنى تمامًا!

وفي واقع الأمر فإن الغالبية العظمى من القرّاء يقفون على كلمة "الفرقان"!

لاكتمال المعنى من ناحية، ومن ناحية أخرى لصعوبة الوصل مع ما بعدها!

حاول ذلك بنفسك فستجد أنك مضطَّر للوقوف على كلمة "الفرقان"!

 

إليك الحل

القرآن ليس حرفًا فقط، وإنما حرف ورقم!

وليس كلمة فحسب، وإنما كلمة وعدد!

العجيب في الأمر أن الوحي لم يحدد فاصلة الآية بعد كلمة "الفرقان"، بل بعد كلمة "الإنجيل"!

ارجع إلى الآية وحاول أن تقف على كلمة "الإنجيل"!

ستجد صعوبة ومقاومة كبيرة في الوقوف عليها، وبذلك تضطَّر للوصل حتى يكتمل المعنى! ولكن برغم ذلك فإنك سوف تتعجَّب إذا قلت لك إن الموضع الوحيد الذي يمكن أن نضع فيه فاصلة الآية رقم (3) هو بالفعل بعد كلمة "الإنجيل" مباشرة! ولا يوجد أي موضع آخر يحتمل هذا الرقم إلا هذا الموضع تحديدًا، لا يتجاوزه ولا يتقدم عنه حرفًا واحدًا، وإلا اختل النظام الإحصائي ليس في سورة آل عمران وحدها، بل في القرآن كلّه!

نظام محكم لتحديد فواصل الآيات يجهله كثير من الناس!!

بل يحاربه بعضهم عن جهل لاعتقادهم الخاطئ أن القرآن مُحكم في نظمه اللغوي دون سواه!

والحق أن القرآن مُحكم لغويًّا ورقميًّا.. وقمة الإعجاز الجمع بين الاثنين!

 

إليك الدليل..

بعد هذه التجربة المثيرة، أدعوك لنستعرض معًا الآيات كما هي عليه في المصحف الشريف، حتى نؤكد أن تحديد مواقع الآيات وفواصلها وحيّ من اللَّه.. ولا يمكن إلا أن يكون وحيًا:

الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوْمُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيْلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِيْنَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيْدٌ وَاللَّهُ عَزِيْزٌ ذُوْ انْتِقَامٍ (4) آل عمران

السؤال: لماذا وضع الوحي فاصلة الآية بعد (الإِنجِيل) ولم يضعها بعد (الْفُرْقَانَ)؟

نهدي الإجابة عن هذا السؤال إلى الذين يعترضون على أي حديث عن الأرقام في القرآن!

إلى الذين لم تستوعب عقولهم حتى الآن أن القرآن حرف ورقم وكلمة وعدد!

إلى الذين لم يفهموا حتى الآن أن كمال النظام الرقمي مقصود، كما أن تمام المعنى مطلوب!

إنكم تتجاوزون الفاصلة، وتقفون بعد كلمة (الفرقان) طلبًا لتمام المعنى!

لماذا لم يضع الصحابة- كما تتوهمون- الفاصلة بعد كلمة (الفرقان)؟

أجيبوا! استعينوا بكتب السابقين.. نقِّبوا فيها.. اسبروا أغوارها! فلن تجدوا شيئًا!

فقط المنظومة الإحصائية القرآنية تملك الإجابة!! رضيتم أم أبيتم!!

 

تأمّل..

الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوْمُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيْلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِيْنَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيْدٌ وَاللَّهُ عَزِيْزٌ ذُوْ انْتِقَامٍ (4) آل عمران

ما هو ترتيب سورة الفرقان في المصحف؟

سورة الفرقان ترتيبها في المصحف رقم 25

كلمة "الفرقان" هي بالفعل الكلمة رقم 25 من بداية سورة آل عمران!

آخر حرف من أحرف كلمة الفرقان.. حرف النون ترتيبه رقم 25 من بداية الآية!

حرف النون ترتيبه بالفعل رقم 25 في قائمة الحروف الهجائية!

انتقل الآن إلى السورة رقم 25، وهي سورة الفرقان وتأمّل مطلعها:

تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُوْنَ لِلْعَالَمِيْنَ نَذِيْرًا (1) الفرقان

يمكنك أن تتحقَّق من أن كلمة (الْفُرْقَانَ) في هذه الآية تأتي قبل 25 حرفًا من نهايتها!!

 

البدء والانتهاء بالميم

نعود إلى آية آل عمران ونتأملها..

مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِيْنَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيْدٌ وَاللَّهُ عَزِيْزٌ ذُوْ انْتِقَامٍ (4)

الآية تبدأ وتنتهي بحرف الميم! لماذا؟

لأنك إذا تأمّلت أوّل آية في المصحف تبدأ وتنتهي بحرف الميم تجدها هذه الآية:

مَا يَوَدُّ الَّذِيْنَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ولَا الْمُشْرِكِيْنَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُوْ الْفَضْلِ الْعَظِيْمِ (105) البقرة

ما هو العجيب في هذه الآية؟ عدد كلماتها 25 كلمة!! ويمكنك أن تتأكَّد الآن!

وإذا تأمّلت ثاني آية في المصحف تبدأ وتنتهي بحرف الميم تجدها هذه الآية:

مَثَلُ الَّذِيْنَ يُنْفِقُوْنَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيْلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيْمٌ (261) البقرة

ما هو العجيب في هذه الآية؟ عدد كلماتها 24 كلمة، وعدد حروفها 96 حرفًا، وهذا العدد = 24 × 4

لماذا؟ لأن حرف الميم هو الحرف رقم 24 في قائمة الحروف الهجائية!

والآن ما هي ثالث آية في المصحف، تبدأ وتنتهي بحرف الميم؟

إنها الآية التي نحن بصددها الآن:

مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِيْنَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيْدٌ وَاللَّهُ عَزِيْزٌ ذُوْ انْتِقَامٍ (4)

ومعلوم أن العدد 25 هو ترتيب سورة الفرقان في المصحف!

تذكّر.. هذه الآية هي ثالث آية في المصحف تبدأ وتنتهي بحرف الميم.

هذه الآية ترتيبها من بداية المصحف رقم 297، وهذا العدد = 3 × 3 × 33

هذه الآية عدد كلماتها 18 كلمة، وهذا العدد = 3 × 3 + 3 × 3

ولذلك ورد حرف الميم في هذه الآية 3 مرّات على وجه التحديد!

ولا تنسَ أن سورة آل عمران التي وردت فيها هذه الآية هي السورة رقم 3 في المصحف!

ورد حرف الميم للمرّة الأولى في بداية الآية، وورد للمرّة الأخيرة في نهايتها!

أين تتوقع موضعه في المرّة الثانية والأخيرة؟

لقد جاء قبل 25 حرفًا من نهاية الآية! هل تصدِّق؟!

يمكنك أن تتحقَّق من ذلك الآن!

بل الأعجب من ذلك أنه جاء بعد 48 حرفًا من بداية الآية! لماذا؟

لأن العدد 48 يساوي 24 + 24

ومعلوم أن حرف الميم هو الحرف رقم 24 في قائمة الحروف الهجائية!

ولكن لماذا تكرّر العدد 24 هنا؟!

لأن الآية تبدأ بحرف الميم وتنتهي به!

 

من آل عمران إلى الفرقان

لماذا جاءت هذه الآية في السورة التي ترتيبها رقم 3 في المصحف؟

ولماذا جاء ترتيبها من بداية المصحف رقم 297، أي 3 × 3 × 33؟

ولماذا جاءت هذه الآية رقم 3 في ترتيب الآيات التي تبدأ وتنتهي بحرف الميم؟

ولماذا تكرّر حرف الميم في هذه الآية 3 مرّات على وجه التحديد؟

للإجابة عن هذه الأسئلة سوف أنتقل بك الآن إلى سورة الفرقان، وهناك نبحث تكرار حرف الميم!

لقد تكرّر حرف الميم في سورة الفرقان 243 مرّة، وهذا العدد = 3 × 3 × 3 × 3 × 3

تأمّل كيف يضبط القرآن موقع الكلمة على مستوى الآية أولًا، ثم يضبطها على مستوى السورة، ثم يضبطها على مستوى الكلمة، ثم يضبط ترتيب الحرف في قائمة الحروف الهجائية! تأمّل كل هذه المتغيِّرات، وأكثر منها، يعالجها القرآن في موضع واحد فقط! النسيج الرقمي القرآني مُذهل، وفي منتهى الروعة، ولكنه في الوقت نفسه على درجة عالية جدًّا من التشابك!

 

انتبه..

سوف أحضر لك الآن آخر 3 آيات في المصحف تبدأ وتنتهي بحرف الميم:

مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيْمٍ (12) القلم

مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33) النازعات

مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32) عبس

مجموع أرقام هذه الآيات الثلاث = 77، وهذا هو عدد آيات سورة الفرقان!

تأمّل هذه الآيات الثلاث جيِّدًا وسوف تلاحظ الآتي:

الآية الوسطى رقمها 33

في كل آية من الآيات الثلاث هناك 3 كلمات ورد بها حرف الميم!

عدد أحرف كل آية من هذه الآيات الثلاث 17 حرفًا! لماذا؟

الحرف رقم 17 في قائمة الحروف الهجائية هو حرف الظاء!

حرف الظاء تكرّر في سورة الفرقان 9 مرّات، وهذا العدد = 3 × 3

17 عدد أوّلي ترتيبه في قائمة الأعداد الأوّليّة رقم 7

الحرف رقم 7 في قائمة الحروف الهجائية هو حرف الخاء.

حرف الخاء تكرّر في سورة الفرقان 33 مرّة!

الحرف رقم 3 في قائمة الحروف الهجائية هو حرف التاء.

حرف التاء تكرّر في سورة الفرقان 108 مرّات، وهذا العدد = 3 × 3 × 3 × 4

تأمّل هذا الإيقاع الرائع!

الرقم 3 مضروب في نفسه 3 مرّات، وفي الخانة رقم 4 يأتي الرقم 4 ليشغلها بنفسه!

 

ليس هذا فحسب!

سنرى بعد قليل كيف ارتبط "الفرقان" بالعدد 25 في جميع المواقع التي ورد فيها! إن أي تغيير، تقديمًا أو تأخيرًا، حتى لو كان حرفًا واحدًا في موضع الفاصلة رقم (3) في سورة آل عمران سوف يخل بهذا النظام! بل الأعجب من ذلك أن كلمة "الفرقان" يجب أن تكون ضمن الآية التي تحمل الرقم (4)! لماذا؟

تأمّل أحرف كلمة "الفرقان":

الترتيب الهجائي لحرف الألف 1

والترتيب الهجائي لحرف اللَّام 23

والترتيب الهجائي لحرف الفاء 20

والترتيب الهجائي لحرف الراء 10

والترتيب الهجائي لحرف القاف 21

والترتيب الهجائي لحرف النون 25

مجموع الترتيب الهجائي لأحرف كلمة (الفرقان) هو 100، وهذا العدد = 25 × 4

25 هو رقم ترتيب سورة الفرقان في المصحف!

4 هو رقم آية الفرقان في سورة آل عمران!

 

الفرقان × القرآن

أين وردت كلمة "الفرقان" من بداية المصحف حتى هذه الآية؟

لقد وردت في ثلاثة مواضع هي:

وَإِذْ آتَيْنَا مُوْسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُوْنَ (53) البقرة

شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيْ أُنْزِلَ فِيْهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيْضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيْدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيْدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُوْنَ (185) البقرة

مِنْ قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِيْنَ كَفَرُوْا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيْدٌ وَاللَّهُ عَزِيْزٌ ذُوْ انْتِقَامٍ (4) آل عمران

تأمّل..

جاء ترتيب كلمة "الفرقان" في الآية الأولى رقم 5، وفي الآية الثانية رقم 12، وفي الآية الثالثة رقم 6

مجموع هذه الأرقام = 23

مجموع كلمات هذه الآيات الثلاث 69 كلمة، وهذا العدد يساوي 23 + 23 + 23

كلمة (الفرقان) في اللُّغة هي كُلُّ مَا فُرِّق به بين الحق والباطل!

لذا سُمي القرآن بالفرقان، كما سُميت معركة بدر الكبرى بالفرقان، وسمّي ما أوتي موسى من الكتاب بالفرقان.

وردت كلمة "الفرقان" في القرآن 6 مرّات، وقُصد بها "القرآن" في ثلاث منها فقط.

 

الذكر الأوّل للفرقان

أين ورد "الفرقان" بمعنى القرآن لأوّل مرّة؟ فتأمّل..

شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيْ أُنْزِلَ فِيْهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ... (185) البقرة

في هذه الآية ورد "القرآن" و"الفرقان" معًا، وهي الآية الأولى التي ترد فيها كلمة "القرآن"، وهي الآية الوحيدة في المصحف التي يرد فيها اسم "رمضان"، وقد أُنزل القرآن من اللَّوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في شهر رمضان.

آخر حرف في كلمة "القرآن".. النون هو الحرف رقم 25 من بداية الآية!

حرف النون هو بالفعل الحرف رقم 25 في قائمة الحروف الهجائية!

 

الآية الأولى في الفرقان

انتقل إلى الآية الأولى من السورة رقم 25 في ترتيب المصحف.. سورة الفرقان:

تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُوْنَ لِلْعَالَمِيْنَ نَذِيْرًا (1) الفرقان

عدد الحروف من بعد كلمة "الفرقان" حتى نهاية الآية 25 حرفًا!

تأمّل هذه الآية:

وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُوْلِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِيْنِ وَابْنِ السَّبِيْلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرٌ (41) الأنفال

انتبه..

الفرقان في هذه الآية مقصود به معركة بدر الكبرى، ومع ذلك فإن "الفرقان" هي الكلمة رقم 25 في الآية!

 

عجائب آيات الفرقان

سوف نستعرض الآيات الست التي وردت فيها "الفرقان"، بحسب ترتيبها في المصحف على النحو التالي:

وَإِذْ آتَيْنَا مُوْسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُوْنَ (53) البقرة

شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيْهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيْضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيْدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيْدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُوْنَ (185) البقرة

مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِيْنَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيْدٌ وَاللَّهُ عَزِيْزٌ ذُوْ انْتِقَامٍ (4) آل عمران

وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُوْلِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِيْنِ وَابْنِ السَّبِيْلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرٌ (41) الأنفال

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوْسَى وَهَارُوْنَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِيْنَ (48) الأنبياء

تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُوْنَ لِلْعَالَمِيْنَ نَذِيْرًا (1) الفرقان

 

تأمّل..

آخر موضع وردت فيه كلمة "الفرقان" في القرآن هو الآية الأولى من سورة الفرقان نفسها!

إذا قمت بعد الكلمات من بداية الآية الأولى حتى كلمة "الفرقان" في الآية الأخيرة فستجد أن ترتيب كلمة "الفرقان" في الآية الأخيرة رقم 114 بعدد سور القرآن!

إذا قمت بعدّ الكلمات من بعد كلمة "الفرقان" في الآية الأولى مباشرة حتى الكلمة الأخيرة في الآية الأخيرة فستجدها 114 كلمة أيضًا!

 

تجربة جديدة..

تأمّل مواقع كلمة "الفرقان" في الآيات الست ستجدها جاءت في ترتيب الكلمة رقم 5 من بداية الآية الأولى، ورقم 12 من بداية الآية الثانية، ورقم 6 من بداية الآية الثالثة، ورقم 25 من بداية الآية الرابعة، ورقم 5 من بداية الآية الخامسة، ورقم 4 من بداية الآية السادسة..

ومجموع هذه المراتب الستة = 57

وعدد سور القرآن = 57 + 57

 

تجربة عكسية..

تأمّل مواقع كلمة "الفرقان" في الآيات الست من نهاية الآية، وليس من بدايتها فستجدها جاءت في ترتيب الكلمة رقم 3 من نهاية الآية الأولى، ورقم 33 من نهاية الآية الثانية، ورقم 13 من نهاية الآية الثالثة، ورقم 9 من نهاية الآية الرابعة، ورقم 4 من نهاية الآية الخامسة، ورقم 6 من نهاية الآية السادسة.

ومجموع هذه المراتب الستة = 68، وهذا هو مجموع تكرار لفظ "قرآن" في القرآن!

سورة الفرقان هي السورة رقم 25 في ترتيب المصحف.. تأمّل هذا العدد جيّدًا!

معكوس العدد 25 هو 52، وحاصل جمع العددين = 77، وهذا هو عدد آيات سورة الفرقان!

 

الآن.. ما رأيكم؟

لقد وردت كلمة "الفرقان" في القرآن 6 مرّات في 6 آيات!

كلمة "الفرقان" تتضمّن من الحروف الهجائية 6 أحرف!

فهل جاء ارتباط "الفرقان" بالعدد 25 من غير تدبير محكم في جميع المواضع التي ورد بها؟

ولماذا جاء "الفرقان" في ترتيب الكلمة رقم 25 من بداية سورة آل عمران؟

ولماذا جاء الحرف الأخير من "الفرقان" في ترتيب الحرف رقم 25 من بداية آية سورة آل عمران؟

ولماذا جاء "الفرقان" في ترتيب الكلمة رقم 25 من بداية آية سورة الأنفال؟

ولماذا جاء "الفرقان" قبل 25 حرفًا من نهاية الآية الأولى من سورة الفرقان؟

ولماذا جاء الحرف الأخير من "الفرقان" في ترتيب الحرف رقم 25 في قائمة الحروف الهجائية؟

ولماذا جاءت سورة الفرقان في ترتيب السورة رقم 25 في المصحف؟

 

الإجابة عن هذه الأسئلة هي نفسها الإجابة عن السؤال الذي طرحناه في بداية المشهد:

لماذا حدد الوحي الفاصلة رقم (3) في آيات سورة آل عمران بعد الإنجيل، وليس بعد الفرقان؟!

الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوْمُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيْلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِيْنَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيْدٌ وَاللَّهُ عَزِيْزٌ ذُوْ انْتِقَامٍ (4) آل عمران

 

وجه جديد لمعجزة القرآن

الأسئلة السابقة وغيرها موجهة لطائفة من الناس جنَّدوا أنفسهم لمحاربة أي نوع من الحديث عن البناء الإحصائي لحروف القرآن الكريم وكلماته وآياته وسوره! من الظلم أن تحارب شيئًا أنت تجهله!

إن الذين يريدون لنا أن نحمل القرآن الكريم، ولا نعقل كل ما فيه حرفًا ورقمًا، كلمة وعددًا، ولا ننتفع به، إنما يريدون لنا أن نكون مثل اليهود الذين عاب اللَّه عزّ وجلّ عليهم ذلك، ووصفهم بالحمار الذي يحمل أسفارًا، أي كتبًا من كتب العلم، ثم لا يعي ولا يعقل كل ما فيها ولا ينتفع به، فقال تبارك وتعالى في شأنهم:

مَثَلُ الَّذِيْنَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوْهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِيْنَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِيْنَ (5) الجمعة

فلو كان البناء الإحصائي لحروف القرآن وكلماته وآياته وسوره لا معنى له، فلماذا يأتي وفق هذا النظام المحكم؟

ولو كان الأمر كذلك فلماذا نبّهنا النبي -صلى الله عليه وسلّم- على أن القرآن العظيم (لا تنقضي عجائبه)!

فلو سألنا غير المسلمين: أين تلك العجائب التي تحدث عنها نبيّكم؟! فبماذا نجيب!

لماذا يعترض بعضهم على تبصير المسلمين وغير المسلمين بأحد أوجه عظمة القرآن وعجائبه؟

لقد آمن العديد من غير المسلمين بهذا القرآن فقط، لأنهم انبهروا ببعض الإحصاءات البسيطة الواردة فيه!

فلماذا يصرّ بعضهم على إغلاق باب للهداية أراده اللَّه أن ينفتح لطائفة من خلقه؟

القرآن الكريم ليس للعرب وحدهم، بل هو معجزة اللَّه الخالدة والمتجدِّدة لكل الأجناس ولكل الأجيال.

فالذين نزل عليهم هذا القرآن كان حظهم من معجزة القرآن لغويًّا، لأنهم كانوا بارعين في اللُّغة!

ونحن الآن في عصر العلم والأرقام وقد ضعفت واضمحلَّت عندنا ملكات اللُّغة، فما هو حظنا من معجزة القرآن؟

الذين يتحدثون اللُّغة العربية اليوم أقل من 5% من سكان العالم، ولكن في المقابل فإن البشر جميعهم يفهمون لغة الأرقام على بساطتها! فلماذا لا نبرهن لهؤلاء عظمة القرآن من خلال لغة يفهمونها ويجيدونها؟

ولماذا لا نوظِّف كل ما في القرآن الكريم لفظًا وعددًا للمجاهدة به ونحن مطالبون بذلك:

فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِيْنَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيْرًا (52) الفرقان

الجهاد الكبير الذي تطالبنا به هذه الآية لا يكون باللّغة فقط!

بل هو جهاد يُحشد له القرآن كله.. حرفًا وكلمة.. رقمًا وعددًا!

عجبًا! عندما تقرأ التاريخ تجد أن الذين حاربوا وضع الأرقام في فواصل آيات القرآن الكريم وسوره، كانوا أشدّ ضَراوة في حربهم على القرآن من هؤلاء، وبرغم ذلك فقد تجاوزهم المسير، واتضح للناس خطؤهم عندما تبيَّن أن القرآن الكريم بتلك الأرقام أصبح أكثر سهولة للحفظ والفهم وأيسر للتلاوة والتدبُّر.

وما أراده اللَّه لكتابه الذي تكفَّل بحفظه قد تحقَّق رغم أنف المعترضين..

وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُوْنَ (21) يُوسُف

ولك أن تتخيَّل اليوم أن آيات القرآن الكريم وسوره من دون أي رقم!

أليس هذا ما كان يريده من اعترضوا وحاربوا ترقيم آيات القرآن الكريم وسوره؟!

والآن يمكنك أن تتبيَّن فداحة الخطأ الذي ارتكبه هؤلاء في حق القرآن الكريم!

-----------------------------------------------------------------

المصدر:

مصحف المدينة المنَّورة برواية حفص عن عاصم (وكلماته بحسب قواعد الإملاء الحديثة).

 


تعليقات (
0
)

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وإنما هي وجهات نظر أصحابها فقط.