عدد الزيارات: 3.0K

أم الخبائث


إعداد: الدكتور/ أحمد محمد زين المنّاوي
آخر تحديث: 20/03/2019 هـ 13-07-1440

الإيمان.. لا يحتاج إلى أكثر من كلمة..

معنى واحد لكلمة واحدة قد يعرفه غير المسلم.. فيكون سببًا بإذن الله في دخوله الإسلام.. في النجاة..

أصحاب العقول المتفتحة.. والقلوب النقية.. والأرواح الوثابة.. يملكون حساسية مفرطة تلتقط إشارات الإيمان..

وما أكثر إشارات الإيمان في الإسلام.. وما أروع عجائب القرآن..

بطل قصتنا من أصحاب هذه الحساسية.. فمنذ بداياته الأولى مع الدراسة، عشق دراسة الأديان من جوانبها كافة: بدءًا بعقد المقارنة بينها، مرورًا بتعرف مبادئها وانتهاءً بالاطلاع على طقوسها.. عندما ولج ميدان الحياة العملية كان مترعًا بقدر كبير من الفلسفات الروحية والمادية التي تغص بها الدراسات الخاصة بالأديان فالتحق بمجال الصحافة موجهًا قلمه وجهده إلى الكتابات الاجتماعية والفلسفية.. تفرغ بعدها للتأليف، حيث صدرت له عدة مؤلفات في مجال علم النفس العلاجي.. إفراطه في التدخين أصابه بمضار صحية بالغة، ما دفعه إلى تأليف كتاب عنه كعادة مضرّة بمتعاطيها.. عقب ذلك ألّف كتابًا تحدّث فيه عن أضرار الخمر.. أصابته أم الخبائث هذه بالألم لإهلاكها الكثيرين من بني جلدته لكنها في المقابل كانت سببًا في إسلامه عندما علم بأن الإسلام يحرمها بل ويجعلها "أم الكبائر".. إنه الفيلسوف الأمريكي الدكتور آرثر كين.. ندعوكم للتعرف إلى قصة إسلامه.

وصف الإسلام للخمر بأنها "أم الكبائر" أو "أم الخبائث" لقى هوى في نفس بطل قصتنا؛ إذ وجد فيه وصفًا صادقًا لهذا المشروب الضار الذي ما ترك عقلًا ولا روحًا إلا وفتك بهما، وما غشى أسرة إلا وهدمها بل ما تفشى في مجتمع إلا وخربه.. نتيجة لهذا الوصف البليغ أعجب الدكتور آرثر كين.. بالإسلام وازداد إقبالًا على تصفح نسخة مترجمة لمعاني القرآن الكريم بدأ عبرها يتحقق في آيات كتاب الله الكريم، ويتدبر أحكامها ومعانيها.. تمنى آنذاك لو كان يعرف اللغة العربية حتى يستطيع قراءة القرآن الكريم بلغته الأم الأصلية التي أنزل بها على النبي محمد –صلى الله عليه وسلّم-.

وفي مقالة نشرتها مجلة "حضارة الإسلام" المصرية في شعبان 1383هـ الموافق يناير 1963م بعنوان "لماذا أسلمت؟" يروي الدكتور آرثر كين قصة إسلامه قائلًا:

"أخيرًا خرجت بنتيجة مهمة ووصلت إلى الحقيقة، التي ظللت أبحث عنها طويلًا، وهي أنني سأعتنق الإسلام وأكون مسلمًا، لذا اتجهت نحو الشريعة الإسلامية أقرأ كل ما كتب عنها بالإنجليزية، فقرأت القرآن الكريم مرتين في تأنٍ وروية، وقرأت كتبًا كثيرة في الفقه الإسلامي والدراسات الإسلامية، وانتهيت في يقين إلى أن الدين الإسلامي هو دين العقل والمنطق، وهو دين الدنيا والآخرة، وهو أيضًا دين المادة والروح".

أنعم الله تعالى على الدكتور كين بفطرة سليمة ساندت عقله المتفتح في رحلة إيمانية صعبة مقصدها البحث عن الحقيقة في بلد لا يربطه بالإسلام سوى العداء المستحكم الذي يكنّه له أهله.. لم يجد كين أمامه من مفر سوى التمترس وراء عزلة اختيارية وفرت له وقتًا ثمينًا وظفه في البحث عن الحقيقة.

وبعد رحلة طويلة من البحث والتقصي في سر الوجود، استندت إلى دراساته السابقة للأديان والفلسفة وعلم النفس، وصل الدكتور كين إلى قناعة تامة مفادها أن الإسلام هو أقرب الأديان إلى الله تعالى، وإلى النفس الإنسانية، حيث وجده يختلف عن بقية الأديان في تكامل شريعته التي توازن بين الروح والمادة.. بعد حولين كاملين من التردد حسم الدكتور آرثر كين أمره واتخذ خطوته الأولى التي يرويها بنفسه قائلًا:

"في عام 1961م أعلنت إسلامي أمام الشيخ محمد داوود في مدينة نيويورك وأخذت من المركز الإسلامي في واشنطن كل ما أرغب في قراءته من كتب الفقه والشريعة الإسلامية، ولكنني أحسست أن إسلامي لن يكتمل إلا بزيارة بعض الأقطار الإسلامية والعيش فيها فترة من الزمن بين إخواني المسلمين، فاخترت القاهرة تلك المنارة الإسلامية التي يتطلع إليها أبناء الإسلام في شتى أنحاء العالم، وهكذا أتيحت لي الفرصة المأمولة فزرت الجامع الأزهر ورددت في إيمان وإخلاص، وفي صدق ويقين الركن الأول من الإسلام وهو الشهادتين". 

عقب إسلامه أطلق الدكتور كين على نفسه اسم "علي عمر كين"، وأصبح يوزع وقته بين قراءة معاني القرآن الكريم مترجمة إلى اللغة الإنجليزية وتعلم اللغة العربية حتى يتمكن من قراءة أصول دينه من مصادرها الأمينة الأصلية البعيدة عن التحريف.

بعد فترة ليست بالطويلة بانت وتكشفت لبطل هذه القصة أشياء كثيرة عن الإسلام وأركان لم تدر بخلده ألبتة: عند أدائه للصلاة شعر بأن السجود وملامسة جبهة المسلم للأرض تعني تأكيد المساواة بين بني البشر، إذ إن كل الناس عبيدًا للخالق جلّ جلاله، وأن الجميع –حكامًا ومحكومين– يعفرون جباههم بالسجود على الأرض اعترافًا بهذه العبودية الحقة.. ورأى في الصوم كبحًا لشهوات نفس الإنسان وتساميًا بها عن الصغائر وتقربًا صادقًا إلى الله رب العالمين.. ووجد في الزكاة سبيلًا أمثل لتحقيق المجتمع العادل الخالي من الجوعى والمحرومين.. ففيها يجد الفقير أن له حقًّا ربانيًّا في مال الغني، بينما يجد الأخير في ذلك فرصة لتنمية ماله وتطهيره بالزكاة فيؤدي هذه الشعيرة برضا وطمأنينة لا تحدهما حدود.

تغيرت شخصية الدكتور كين تمامًا عقب إسلامه، إذ صار أكثر روحانية وشفافية، وقد قال في ذلك:

"لقد أصبح الإٍسلام بعد ذلك جزءًا لا يتجزأ من حياتي، أتنسم تعاليمه كل يوم، وأحس بروحانيته تسري في كياني وتسبغ عليّ هناء وسعادة، إني أحس بتحول غريب طرأ على نفسي وفكري".

شعر الدكتور كين بقدر كبير من السعادة لا تحده حدود عقب دخوله الإسلام وإن كانت تؤرق فكره رغبته الطموح في تعلم اللغة العربية في أسرع وقت ممكن حتى يتمكن من قراءة كلام الله عزّ وجلّ باللغة التي أنزل بها.. ولتعميم رغبته طلب من الدعاة العاملين في البلدان الناطقة بغير اللغة العربية ألا يقتصر عملهم على شرح مبادئ الدين والشريعة للمسلمين، وإنما ينبغي لهم فتح فصول لتعليم اللغة العربية لمن لا يعرفها منهم وتدريسها لهم حتى يتمكنوا من قراءة القرآن الكريم بلغته الأصلية.

فسبحان من جعل أم الخبائث التي أهلكت الكثيرين سببًا في إحياء نفس طال مواتها وإخراجها من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان!!

إنها رحمة الله التي غشيت الدكتور آرثر كين فأحالته إلى علي مكين..

الرحمة التي تقود الإنسان دون أن يدري إلى الإيمان بالله.. إلى السعادة والسكينة.. إلى الجنة..

يضع أمامك نقاط الضوء فتسير خلفها.. تتبع مساراتها.. تدخل في ما يحبه الله لك من دين الفطرة السليمة..

دين الأنبياء كافة.. الإسلام..

اسألوا الله الهداية.. فبالله نهتدي إلى الله.

-----------------------------

المصادر:

الألفي، أسامة (2005)؛ لماذا أسلموا؟ القاهرة: أطلس للنشر والإنتاج الإعلامي.

عثمان، محمد عثمان (2004)؛ لمَ أسلم هؤلاء الأجانب؟ (ثلاثة أجزاء)؛ سوريا: حلب: دار الرضوان.

معدِّي، الحسيني الحسيني (2006)؛ قساوسة ومبشرون ومنصرون وأحبار أسلموا؛ دمشق: دار الكتاب العربي.

 


تعليقات (
0
)

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وإنما هي وجهات نظر أصحابها فقط.