إغلاق الباب.. يفتح كل باب!
المتسائلون.. الحائرون.. لا يملون من البحث عن الحقيقة..
العجيب أن من يغلق أمامهم باب السؤال.. يفتح لهم أبواب الخروج!
ولا يغلق باب السؤال إلا من افتقر إلى الإجابة!!
هنا.. تكمن عظمة الإسلام..
بطل قصتنا أغلقوا أمامه باب السؤال ففتحوا له باب الإسلام!! يا له من قدر سعيد..
بطل قصتنا هذه المرّة مهندس معماري ألماني الجنسية نصراني العقيدة حباه الله بعقل راجح وفطرة سليمة أخرجاه من ظلمات الشرك إلى نور الإسلام.. إنه المهندس المعماري الألماني لوثر أسكوار أو أحمد عبدالله عبدالواحد اسمه الجديد عقب إسلامه.
منذ صغره شب لوثر أسكوار متدينًا.. فقد كان مواظبًا على الذهاب إلى الكنيسة الكاثوليكية في ألمانيا.. ولكن ما أن كبر ونضج عقله حتى دخل المنطقة المحظورة في المسيحية، أي مناقشة مبادئ الدين المسيحي التي تنضح بتناقضات وبنقاط مسكوت عنها شديدة الغموض.. ذهب يومًا إلى رجال الكنيسة، وبدأ يناقشهم في مسائل جوهرية تعتبر من صميم الدين المسيحي.. طرح عليهم عددًا من الأسئلة التي ظلت تؤرقه منذ أن نضج تفكيره، وطلب منهم إجابات شافية عنها علّها تريحه من ضغوط نفسية رهيبة ظل يعانيها نتيجة للتناقضات غير المنطقية التي يغصّ بها الدين المسيحي.
تفاجأ المهندس لوثر بشدة حينما ثار القساوسة في وجهه وطردوه من الكنيسة بعد أن اتهموه بالكفر والإلحاد.. ومنذ تلك الحادثة وضعت الكنيسة بطل قصتنا في القائمة السوداء وهددته بالويل والثبور اللذين ينتظرانه إن عاد إليهم مرة أخرى بهرطقته غير المقبولة.
القاعدة التي تعمل بها الكنيسة للتحكّم في عقول النصارى هي أنه لا تسأل فتُطرد أو تعترض فتهلك! عليك أن تغمض عين بصيرتك وتلغي عقلك تمامًا وتطبّق حرفيًّا كل ما يلقنه لك رجال الكنيسة، وإياك إياك أن تسأل! العديد من المسائل الجوهرية في العقيدة النصرانية المحرفة ليست للفهم، وحتى تؤمن بها عليك أن تحتقر عقلك وتضعه تحت أقدام رجال الكنيسة أو تقذف به في مزبلة الخرافة والدجل!
أحس لوثر بالضياع وشعر بانقباض شديد يكتم أنفاسه تجاه الكنيسة.. تنهد بعمق وتساءل في حيرة عن كيفية اهتدائه إلى الحق في ظل ديانة متزمتة تضع قيودًا محكمة على العقل والعلم والفكر.. بل عقيدة محرفة ذات مبادئ عقيمة لا تتسق مع المنطق السليم ولا تحتمل المناقشة.
عندما يئس لوثر أسكوار من أي عون يمكن أن يأتيه من الكنيسة قرر أن يعتمد على نفسه، فانفرد بنفسه يتأمّل الحقائق الثابتة من حوله التي لا تقبل الجدل والشك، فوجد أنه بحاجة ماسة إلى التزود من المعرفة، فقد كانت لديه رغبة ملحة تدفعه إلى الاطلاع والقراءة، فعكف على دراسة الأديان جميعها، بحثًا عن ديانة يجد فيها الإجابات الشافية لأسئلته.. ركز أكثر في دراساته على الدين الإسلامي الذي وجد فيه ضالته المنشودة بعد أن أحس تحت مظلته بمعاني الأمان والطمأنينة والسكينة.. الحقيقة انبهر لوثر ببساطة الإسلام كما أعجب بسمو أحكامه وسمو مبادئه، فضلًا عن تسامحه الرفيع الذي لا يوجد في دين آخر سواه، حيث يتجلّى ذلك كلّه من خلال كتابه العظيم.. القرآن الكريم.
وجد بطل قصتنا نفسه يحلّق في فلك نوراني شفيف عندما بدأ قراءة معاني القرآن الكريم وأعجب بشدة بشخصية محمد –صلى الله عليه وسلّم- حينما تعمّق بقراءة سيرته.. وهنا يقول لوثر وقد بلغ قمة التأثر:
"نعم.. إنه قرآن عظيم.. كتاب المسلمين... لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. فأنا لن أنسى تلك الراحة التي غمرت كياني، وهزت أعطافي، وانسكبت على روحي رضًا وإيمانًا وسكينة عندما قرأت بعض آياته الكريمة.. وحينما تعمقت في قراءة سيرة النبي محمد –صلى الله عليه وسلّم- ودرستها بعناية، هالتني الجوانب الإنسانية في حياته، خاصة تلك البساطة وذلك التواضع الحبيب إلى النفوس.. والحب للخير في أجلى معانيه، وغير ذلك من المثل الكريمة التي اتصف بها عليه الصلاة والسلام".
ومن هنا وجد لوثر أسكوار نفسه مدفوعًا بقوة خارقة إلى هدى الإسلام ذلك الدين العظيم الذي لا يفرق بين أحد إلا بالتقوى التي جعلها أساس التفاضل في الميزان بين البشر.
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات
ثم عاد لوثر أسكوار يتابع قوله عن الإسلام بإعجاب: لقد أعجبني في الإسلام ما تحلى به من صفات جليلة دعا إليها القرآن الكريم:
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) آل عمران
ما وجده المهندس المعماري الألماني لوثر أسكوار في كل من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة دفعاه بشدة نحو الإسلام الذي انساب نوره إلى شغاف قلبه فقرر دونما تردد أن يعتنق دين الإنسانية والخير والكمال، فنطق بالشهادتين وأطلق على نفسه اسم أحمد عبدالله الواحد فنعم الاسم لنعم الرجل..
الرجل الذي ما قبل يومًا أن يكون بلا روح.. بلا فطرة نقية..
رفض قهر فطرته السليمة التي تشتاق وتبحث عن خالقها..
ضحّى بكل غالٍ ونفيس في سبيل الحفاظ على فطرته والوصول إلى الحق..
فكان الحق أغلى وأنفس..
وأنت.. لا تركن إلى ما حولك من ضلال.. وأنقذ فطرتك الطاهرة..
هذه الفطرة لا يملكها لوثر أسكوار وحده!!
تملكها أنت أيضًا..
الفطرة هي المفتاح الذي يحرّك الله به قلوب عباده وأنت واحد منهم..
خلقك الله وفطرك على الإيمان به إلهًا واحدًا لا شريك له..
ولكنهم أطاعوا الشيطان وخدعوك..
تخلص من خداعهم.. أزل ما علق بفطرتك من أدران!!
اسأل الله الهداية.. فبالله نهتدي إلى الله.
--------------
المصادر:
عثمان، محمد عثمان (2004)؛ لمَ أسلم هؤلاء الأجانب؟ (ثلاثة أجزاء)؛ سوريا: حلب: دار الرضوان.
مقال بعنوان: "فطرة الإسلام"؛ استرجع بتاريخ 9 يوليو 2017، من موقع: www.ghrib.net