عدد الزيارات: 10.1K

الأرقام تتحدث


إعداد: الدكتور/ أحمد مُحمَّد زين المنّاوي
آخر تحديث: 24/09/2016 هـ 03-02-1437

لقد تضمَّن القرآن الكريم كل أصول العلوم بفروعها المختلفة، كما اشتمل كذلك على أصول علم العدد والحساب. وفوق ذلك فإن منظومة الأرقام المستخدمة في القرآن الكريم ليست خرساء بكماء، بل لها دلالتها ولغتها الواضحة، وهي تتفاعل وتتناغم مع المعنى المراد في أدق تفاصيله وبشكل واضح وجلي. وعلى سبيل المثال، فإنك إذا تأمّلت أين ورد لفظ "القرآن" لأوّل مرّة في القرآن الكريم تجده جاء في الآية الوحيدة التي ورد فيها "شهر رمضان"، بل إن الآية استهلت به: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنْزِلَ فِيْهِ القرآن ..)، ومعلوم أن القرآن الكريم أوّل ما نزل من اللَّوح المحفوظ إلى السماء الدنيا نزل في شهر رمضان!

وعندما ترد في القرآن الكريم أوّل افتتاحية من الحروف المقطّعة (الم) فإنها ترد في ترتيب الكلمة رقم 30 من بداية المصحف، وهذا هو نفسه عدد الافتتاحيات المقطّعة التي استهلت بها بعض سور القرآن، بل إن هذه الكلمة نفسها (الَمَ) تأتي بعد 29 كلمة من بداية المصحف، وهذا هو نفسه عدد السور التي تبدأ بالحروف المقطّعة! وعندما ترد آية الوسطية الوحيدة في القرآن الكريم: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا..، فإنها ترد في وسط سورة البقرة، ويأتي من حولها الحديث عن القبلة، مع العلم أن الكعبة التي هي موضع القبلة تتوسَّط اليابسة على الكرة الأرضية.

وعندما يرد السجود لأوّل مرّة في القرآن الكريم فإنه يرد في أوّل آية رقمها 34، وهذا هو نفسه عدد السجدات المفروضة في اليوم واللَّيلة! وعندما تكون هناك سجدة تلاوة فإن الأرقام جميعها تتهيأ وتتفاعل لترسم منحنى تكراريًّا ساجدًا في الموقع المحدد للسجود لا تتأخر عنه ولا تتقدَّم حرفًا واحدًا! وعندما يرد الأمر بإقامة الصلاة لأوّل مرّة في القرآن فإنه يأتي في الآية التي ترتيبها رقم 50 من بداية المصحف، وهذا هو نفسه عدد الصلوات عندما فُرضت لأوّل مرة! وعندما تتأمّل كم مرّة ورد الأمر بإقامة الصلاة بالمفرد (أَقِمِ الصَّلَاةَ) في القرآن، تجده ورد 5 مرّات، وهذا هو نفسه عدد الصلوات المفروضة، بل إن هذا الأمر ورد للمرّة الأولى في الآية التي رقمها 114، وهذا هو عدد سور القرآن، حيث لا تصحّ الصلاة إلَّا به! وإذا تأمّلت لفظ (صَلَاتِهِمْ) ومقصود بها الصلوات الخمس المفروضة تجده ورد في القرآن 5 مرّات، وورد للمرّة الأخيرة في آية رقمها 5، وعدد كلماتها 5 كلمات.

وعندما يرد الأمر الإلهي: يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا لَا تَأْكُلُوْا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً..، فإن رقم الآية وكلماتها وحروفها جميعها تتفاعل لتعطيك لوحة تصويرية رائعة عن معنى المضاعفة! وعندما يرد قوله تعالى: مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا..، فإن رقم الآية يُماثل عشرة أضعاف عدد كلماتها! وعندما تبدأ السورة بالتحذير من تطفيف الميزان (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِيْنَ فإن الحروف والكلمات تتفاعل ويطفف بعضها بعضًا لتظهر لك المعنى نفسه! وفي ذلك كله تتفاعل الأرقام مع الألفاظ والمعاني في أدق التفاصيل لترسم لوحات تصويرية لها مدلولاتها الواضحة.

وهكذا فإن للأرقام في القرآن الكريم لغة جليّة لا ينكرها أحد، أو يدَّعي جهله بمدلولها الواضح، وهي لغة لها وجهها المعجز تمامًا كما للبلاغة اللغوية، حيث تتفاعل مع المعنى المراد في أدقّ تفاصيله لتعطي لوحة تصويرية واضحة لمن استطاع أن يتأمّل في عمق معانيها ويفهمها في هذا العصر، الذي هو العصر الرقمي بامتياز وبلا منازع، حيث أصبح للأرقام بلاغتها التي ربما تفوق بلاغة الكلمات، وأصبحت لغة الأرقام هي لغة إقناع غير المسلمين بأن هذا القرآن العظيم هو كتاب اللَّه عزّ وجلّ.

-------------------------------------------------------------------------

المصدر:

مصحف المدينة المنَّورة برواية حفص عن عاصم (وكلماته بحسب قواعد الإملاء الحديثة).

 


تعليقات (
0
)

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وإنما هي وجهات نظر أصحابها فقط.