عدد الزيارات: 2.5K

الإجابات الشافية


إعداد: الدكتور/ أحمد محمد زين المنّاوي
آخر تحديث: 20/03/2019 هـ 03-01-1439

الفطرة.. يا لها من محفز على البحث لا يستكين حتى يصل إلى مبتغاه..

تظل مصدرًا للنور بين جنبات الإنسان..

إنها المفتاح الذي يحرّك الله به قلوب عباده..

هذه الفطرة هي ما أتعبت بطلة قصتنا حتى أوصلتها إلى الإيمان..

فمثلها مثل الكثير من النصارى أصحاب الفطرة السليمة لم تجد في عقيدتها المحرفة ما ينشده الباحثون من الطمأنينة والسكينة.. قررت الإلحاد عندما اكتشفت أنها تعتنق دينًا لا يتوافق مع منطق العقل ولا يتسق مع مسلّمات نفسها المتعطشة للحق.. ولما لم تجد راحة النفس في الإلحاد أخذت تبحث في الكثير من الأديان حتى وجدت ضالتها المنشودة في الإسلام.. إنها السيدة الإنجليزية "مافيز جولي" بطلة هذه القصة.

نشأت مافيز في بيئة مسيحية لكنها لم تكن مقتنعة بالنصرانية التي وجدت فيها معتقدات كثيرة لا يتقبلها عاقل.. ظلت منذ طفولتها غير متحمسة للمسيحية على الرغم من أن والديها ألحقاها بمدرسة تابعة للكنيسة.. بدأت رحلة البحث عن عقيدة سوية لا تتعارض تعاليمها مع منطق العقل لتؤمن بها.. اجتهدت كثيرًا في مرحلة بحثها الأولى دون أن تجد ضالتها المنشودة، فعبرت عن ذلك بصوت تعلوه نبرة اليأس: "شرعت في دراسة الأديان الرئيسية في العالم.. درست البوذية، فوجدت أنها وإن كانت تهدف إلى الخير فإنها تفتقر إلى التفاصيل، وينقصها وضوح الاتجاه.. ودرست الهندوسية، ورأت أنها أمام مئات الآلهة لا ثلاثة فقط، ولكل منها قصة وهمية مثيرة لا يمكن قبولها.. ثم قرأت اليهودية في العهد القديم، وخرجت من قراءتها بأنه تنقصها المقومات التي ترى أنها لا بد من توافرها في الدين.. ودرست علم الروحانيات، ولكن دون جدوى أيضًا".

وفي يوم مشهود يظل عالقًا بذاكرتها أرسلت مافيز بمقال إلى إحدى الصحف المحلية كانت تنتقد فيه تأليه المسيح كما ورد في الإنجيل. وعقب نشر الصحيفة للمقال، التقط رأس الخيط شاب قارئ مسلم واتصل على الفور بكاتبة المقال، فكانت تلك نقطة البداية في دراستها للإسلام.

عقب ذلك جمعتها مع القارئ المسلم جلسات نقاش عديدة انتهت بأن أقنعها بصحة ما جاء به الإسلام، بل وصلت إلى قناعة تامة مفادها أن ما جاءت به أرقى الحكومات في أواخر القرن العشرين من تشريعات لا يرقى لمستوى التشريعات التي جاء بها الإسلام منذ ما يزيد على أربعة عشر قرنًا.

بدأت خطوتها الأولى في طريق الهداية بقراءة القرآن.. صعب عليها استيعابه في بادئ الأمر بيد أنها وجدته يصل إلى سويداء القلب رويدًا رويدًا حتى تعلقت به بوله، بل أصبح جزءًا منها لا تقدر على مفارقته ولو للحظات.. في تلك المرحلة من حياتها كانت تتساءل باستمرار وفي بالها تأليه النصارى للسيد المسيح: "كيف يعقل أن يأتي هذا الهدي الكامل للإنسانية بطريق البشر المتصفين بالنقص في حين لم يقل المسلمون قط أن محمدًا -صلى الله عليه وسلّم- فوق البشر؟!".

لكي تكتسب المزيد من المعلومات عن الإسلام تعرفت مافيز إلى عدد من المسلمين، كما قابلت بعض السيدات الإنجليزيات اللاتي اعتنقن الإسلام واللاتي بذلن أقصى ما يستطعنه لمعاونتها ولإطلاعها على المزيد من المعلومات عن الدين الإسلامي.

بدأت تشغلها آنذاك أسئلة كثيرة.. بيد أنها كانت تجد الإجابات الشافية لكل أسئلتها في القرآن الكريم الذي وجدته كتابًا شاملًا فيه تبيان لكل شيء..

وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89) النحل

ومن الأسئلة الملحّة التي كانت تراودها سؤال عجيب مفاده: لماذا لا ينزل الوحي على رسول في القرن العشرين؟! ولماذا انقطعت رسالات الله إلى البشرية منذ قرون عديدة؟! وكالعادة وجدت في القرآن الكريم إجابة مقنعة لهذا السؤال مفادها أن محمدًا -صلى الله عليه وسلّم- هو خاتم الأنبياء والمرسلين، وأن رسالته صالحة لكل زمان ومكان حتى قيام الساعة.. 

مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40) الأحزاب

هنا نتوقّف قليلًا مع هذا السؤال العجيب الذي كان يراود بطلة هذه القصّة.. من بين 24 ألف نبي و313 رسولًا أرسلهم الله إلى البشرية، فإن الرسول الوحيد الذي قال إنه خاتم الرسل والأنبياء جميعًا هو مُحمَّد –صلى الله عليه وسلّم-! الرسول الوحيد الذي قال إن الله لن يبعث رسولًا بعده! النبي الوحيد الذي قال إنه لن يأتي نبي بعده! وفي هذا دليل قطعي لكل من له أدنى درجة من الفهم لأن يؤمن بأن مُحمَّدًا –صلى الله عليه وسلّم- هو بالفعل خاتم الرسل والأنبياء، لأنه انقضى حتى الآن أكثر من أربعة عشر قرنًا ولم يُبعث بعده رسول ولا نبي، وهذه هي أطول فترة انقطاع لرسالات الله إلى البشرية. ومعلوم أن كل رسول نبي، ولكن ليس كل نبي رسول، وبذلك قال القرآن الكريم عن محمد –صلى الله عليه وسلّم- إنه "خاتم النبيين" فيكون بذلك خاتم الأنبياء والمرسلين معًا، لأن الرسل يتم اصطفاؤهم من بين الأنبياء.

تشير بطلة قصتنا أيضًا إلى تأثرها بالظلم الذي يتعرض له الإسلام من قبل الغربيين فيما يتعلق بإباحة الإسلام لتعدد الزوجات وتقول إنها اقتنعت بالحكمة من التعدد لأنها تتم في الحدود الضيقة المقررة، وعندما تدعو إليه ضرورات الحياة، بل يمكن له أن يكون علاجًا ناجعًا لما يجري الآن في الغرب من العلاقات السرية الكثيرة بين الجنسين..

وتدافع كذلك عن هذا التعدد بحجة أنه يحصّن النساء غير المتزوجات خاصة في فترة الحروب التي تزيد فيها أعداد النساء على أعداد الرجال.. وفي هذا الجانب تذكر أنها ما زالت تذكر ذلك البرنامج الإذاعي "سيدي العزيز" الذي سمعت فيه يومًا فتاة إنجليزية نصرانية تطالب بتشريع يبيح تعدد الزوجات حيث قالت إنها تفضل العيش كزوجة أخرى على أن تظل عانسًا.

وهكذا بدأت نفس السيدة مافيز تطمئن تدريجيًا إلى الحق الذي جاءت به تعاليم الإسلام، فطرحت كل العواطف الأخرى التي كانت تشدها شدًّا إلى الطريق المضاد، فأعلنت إيمانها واعتناقها الإسلام عن قناعة تامّة، وبعد تفكير عميق ودراسة واعية مستفيضة تواصلت لقرابة عامين وليس عن عاطفة خاطفة مؤقتة يمكن لها أن تزول في أي لحظة..

عامان من عمر الإنسان.. بل من حياته الحقيقية.. لا يساويان شيئًا..

"الآخرة هي الحيوان لو كانوا يعلمون".. الآخرة هي الحياة الحقيقية..

فكيف يبيع البعض الخلود في النعيم.. بعرض زائل في دنيا فانية؟!!..

خذ من قصة مافيز عبرة توفر بها سعيك وعناءك..

فما وصل الباحثون قبلك.. وما أكثرهم.. إلى شيء سوى الإسلام!!..

ولن تجد أنت سوى الإسلام.. دين الله الحق..

اسأل الله الهداية.. فبالله نهتدي إلى الله.

--------------

المصادر:

عثمان، محمد عثمان (2004)؛ لمَ أسلم هؤلاء الأجانب؟ (ثلاثة أجزاء)؛ سوريا: حلب: دار الرضوان.

عبد الصمد، محمد كامل (1995)؛ الجانب الخفي وراء إسلام هؤلاء؛ ثلاثة أجزاء؛ القاهرة: الدار المصرية اللبنانية للنشر.    

 


تعليقات (
0
)

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وإنما هي وجهات نظر أصحابها فقط.