عدد الزيارات: 8.0K

الاعتراف المتأخر


إعداد: الدكتور/ أحمد محمد زين المنّاوي
آخر تحديث: 20/03/2019 هـ 03-07-1438

عندما يهتدي الإنسان إلى الحق يعرف لذة الإيمان بالله..

يمتلئ القلب سعادة.. تفيض الروح بالصفاء..

هنا يشعر بالمسؤولية.. "هل سأتذوق لذة الإيمان وحدي وأترك أحبابي؟!"..

من كمال الإيمان أن تشعر برغبة ملحّة في أن يؤمن الناس أجمعون..

فإن لم يكن فليؤمن أحبابك..

هذا ما كان من بطل قصتنا..

عندما أسلم دعا الجميع إلى الإسلام.. وبدأ بزوجته وأبنائه..

فآمنوا جميعًا.. وتذوقوا جميعًا لذّة الإيمان والقرب من الله..

يوسف خطاب.. أمريكي ليس ككل الأمريكيين، ويهودي ليس ككل اليهود!! في البدء كان ينتمي إلى تيار "ساطمر" اليهودي المتزمّت.. ترك ذلك التيار لينضم إلى حركة "شاس" اليهودية المتدينة التي كان شديد الإعجاب بزعيمها يوسف عوفاديا، قبل أن يفاجئ الجميع بخبر إسلامه المدوّي.. إنه يوسف كوهين الذي غيّر اسمه إلى "يوسف خطاب" عقب إسلامه، فما هي حكايته؟!

بدأ يوسف كوهين أولى خطواته في حي بروكلين حيث انضم إلى تيار "ساطمر" اليهودي المتزمت وتعرف إلى زوجته لونا كوهين التي أنجب منها أربعة أبناء.. في عام 1998م غادر كوهين مسقط رأسه إلى إسرائيل وأصبح واحدًا من مجموعة الأشكيناز، أي اليهود القادمين من الغرب، حيث كان يحلم -كغيره من اليهود الذين يعيشون خارج إسرائيل- بالعيش في ظل دولة الديمقراطية والقانون، كما كان يروّج لها حكّام إسرائيل.. وإلى جانب السبب السابق تجدر الإشارة إلى أن إعجاب كوهين بالحاخام عوفاديا (الزعيم الروحي لشاس) كان من الأسباب التي دفعته إلى الانتقال إلى إسرائيل، فقد كان يكنّ له قدرًا من التقدير دفعه إلى أن يسمّي أحد أبنائه على اسمه (غيّره لاحقًا بعد إسلامه).

فور وصوله إلى إسرائيل سكن كوهين في قطاع غزة، وتحديدًا في مستوطنة "غادير" بـ "غوش قطيب".. وبعد فترة ليست بالطويلة انتقل إلى "نتيفوت" الواقعة في جنوب إسرائيل، وأطلق على ابنه الأصغر اسم "عوفاديا" إعجابًا بالحاخام المتطرف عوفاديا يوسف زعيم حركة شاس اليهودية المتطرفة.. ألحق كوهين أبناءه بشبكة التعليم التوراتي، بينما التحق هو بالعمل في إدارة تابعة للقطاع الديني اليهودي.

عقب فترة قصيرة من العيش في إسرائيل تفاجأ كوهين بالمجازر التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وصُدم بواقع وجده يناقض الواقع النرجسي الذي كان يروّج له الإعلام الغربي واليهودي عن إسرائيل؛ فبدأت كراهيته لليهود والإسرائيليين وهي كراهية دفعته إلى البحث عن الحقيقة بشكل محايد.

في ليلة صيفية عصية على النسيان، دخل الوالد يوسف كوهين في دردشة إسفيرية، مع رجل يطلق على نفسه اسم "زهدي".. وظل الاثنان ولساعات طوال يتبادلان وجهات النظر الفلسفية والدينية.. عقب مرور وقت ليس بالطويل انتبه كوهين إلى أنه صار يدمن قراءة رسائل صديقه الإسفيري الغامض، بل وجد نفسه ينتظرها على أحر من الجمر.

النقاش الذي دار بين كوهين و"زهدي" جعل الأول يتعلق بالثاني، كما زاد من رغبته في معرفة المزيد عن الإسلام.. لقد أصبح كوهين أكثر ميلًا نحو الإسلام بعد مقارنته بالعقيدة اليهودية.. وعندما توطدت العلاقة بين الاثنين كشف "زهدي" عن نفسه لكوهين وأخبره بأنه إمام مسجد سعودي يدعى مُحمَّد.. رويدًا رويدًا بدأ كوهين يقتنع بحجج محاوره، بل حصل منه على نسخة من القرآن الكريم أخفاها عن عيني زوجته.. وما أن شرع في قراءة القرآن الكريم حتى لاحت أمام ناظريه عنصرية الدين اليهودي في شكلها السافر، فأخذ يتطلع إلى الإسلام.

استمرت العلاقة بين الاثنين تزداد قربًا، بينما زاد تعمّق كوهين في فهم الدين الإسلامي.. عندما وصل كوهين إلى هذه المرحلة، وفي بداية عام 2001 أقنع محمد محاوره يوسف كوهين بالذهاب إلى القدس الشرقية لمقابلة بعض رجال الدين المسلمين.. بالطبع كانت تلك مهمة تتسم بالخطر! إذ كيف يمكن ليهودي أن يذهب إلى هناك.. لحل هذه المعضلة كان كوهين يتذرع بأنه يريد الذهاب إلى الكنيسة لأداء صلاة المساء، فكان يلتقي برجال الدين المسلمين قبل ذهابه إلى مقصده.

وعندما صعب عليه الاستمرار في التحايل أخبر زوجته بأنه على وشك التحول من اليهودية إلى الإسلام، وأوضح لها عظمته ومزاياه، ثم ترك لها حرية الاختيار وإن كان يتمنى لها من داخل قلبه أن تسلم.. طلبت منه زوجته أن يمنحها فترة من الوقت حتى تتعرف بدورها إلى الإسلام.. وبالفعل بدأت زوجته دراسة الدين الإسلامي حتى اقتنعت فأسلمت.. عقب ذلك أخذ يوسف زوجته وأبناءه الأربعة إلى المحكمة الشرعية بالقدس الشرقية ليعلنوا فيها تحولهم رسميًّا إلى الإسلام، كما تحولوا كذلك للسكن بالمنطقة الإسلامية في فلسطين. 

في مقابلة أجرتها معه قناة TV 10 التلفزيونية الإسرائيلية، يقول يوسف كوهين: "قلت لزوجتي إني أحبك حبًّا جمًّا... وأريد أن أكون صادقًا معك، لقد قرأت القرآن الكريم، وإني أوافق على كل شيء ورد فيه، وإن ثابرت على القول إني يهودي متدين فأنا سأكون كاذبًا".. وهنا تقول زوجته: "جاءني زوجي ذات يوم وأخبرني بنيّته اعتناق الإسلام.. صدمني حديثه بقوة لأنني تعلمت دائمًا في الديانة اليهودية أن علينا أن نكره الأديان الأخرى.. قال زوجي إن بوسعي أن أبقى يهودية لأن الإسلام يبيح للمسلم أن يتزوج من أهل الكتاب.. قررت بعد أسبوعين أن أقرأ القرآن، وما أن قرأته حتى شعرت بأنني حصلت على أجوبة شافية عن تساؤلات ملحّة ظلت تدور بذهني لسنيين عديدة فاعتنقت الإسلام".

تحول اسم كوهين البالغ من العمر 36 عامًا إلى "يوسف الخطاب" وتحول اسم زوجته لونا (34 عامًا) إلى قمر، بينما غيرا الأسماء العبرية لأولادهما إلى أسماء إسلامية.. وهنا تجدر الإشارة إلى أن اليهوديات اللائي يتزوجن بمسلمين يعتنقن الإسلام في بعض الأحيان.. بيد أن المدهش في هذه الحالة أن عائلة يهودية بأكملها قد تحولت من اليهودية إلى الإسلام!

الأمر الأكثر إثارة للدهشة يتمثل في حقيقة أن بطل قصتنا الذي كان يدعم حزب "شاس" اليهودي المتطرف أصبح نصيرًا لحركة "حماس" الإسلامية، بل وصل به الحال في دعم حركة "حماس" حدًّا جعله يقول في حماسة: "يجب أن تمتد فلسطين من البحر المتوسط إلى نهر الأردن، وعلى اليهود أن يخرجوا".. من جاء ليحتل أصبح مجاهدًا لإخراج المحتل!! من كان معاديًا للإسلام أصبح داعيًا إليه!! فسبحان مغيّر الأحوال ومقلّب القلوب!!

تصدّر خبر اعتناق أسرة خطاب جميعها الإسلام الصفحات الأولى في العديد من الصحف الإسرائيلية والغربية، وأحدث ضجة كبرى في المحافل الدينية اليهودية، خاصة في أوساط حركة شاس التي كان ينتمي إليها ربّ الأسرة. واعتبر أحد الإسرائيليين من حركة شاس الدينية أن ما قام به يوسف ضرب من الجنون ويجب معالجته بوضعه في مستشفى الأمراض العقلية.

انتقلت أسرة خطاب بعد إعلان إسلامها للسكن في قرية الطور العربية الواقعة في القدس الشرقية.. وأصبح خطاب يرتدي الزي العربي التقليدي، كما أصبح هو وأولاده يحرصون على أداء الصلوات وسائر العبادات الإسلامية، ومثلهم فعلت زوجته التي ارتدت الحجاب.

التحق خطاب بالعمل في جمعية إسلامية خيرية في المدينة، بينما أدخل أولاده إحدى المدارس الإسلامية حيث أصبحوا يتحدثون اللغة العربية بطلاقة.. وتجدر الإشارة هنا إلى أن معظم أفراد أسرة خطاب قد غيّروا أسماءهم، حيث تغيّر اسم الأب من يوسف كوهين إلى يوسف خطاب، وتغيّر اسم الابن الأكبر من عزرا إلى عبدالعزيز، وتغيّر اسم الابن الأوسط من رحمايم إلى عبدالمجيد، بينما تغيّر اسم الابن الأصغر من عوفاديا إلى عبدالله، أما الابنة الوحيدة حسيبة فقد احتفظت بذات الاسم.. لقد تفاجأ الجميع بالحدث غير العادي؛ إذ إنها المرة الأولى التي تعتنق فيها أسرة يهودية بأكملها الدين الإسلامي، ويتحول ولاؤها لليهود إلى كره.. وبمرور الأيام تطورت كراهية خطاب لليهود وتحولت إلى تصريحات مدوية يعبر فيها على العلن عن هذه الكراهية ويستنكر كل ما يلحق بالفلسطينيين من ظلم واضطهاد على يدهم، بل صار يؤيد العمليات الفدائية التي يقوم بها الفلسطينيون ويبررها بأنها تأتي كردّ فعل لممارسات إسرائيل الوحشية ضدهم.

عقب إسلامه واجه خطاب مجموعة من المشكلات من بينها رفض الإسرائيليين الاعتراف الرسمي بإسلامه على الرغم من أن القانون الإسرائيلي يسمح بحريّة الأديان ويعطي للمواطن حق اعتناق الدين الذي يرغب فيه، وهو رفض يعزى إلى الخوف من اعتناق إسرائيليين آخرين للدين الإسلامي.. لكن وبعد معاناة طويلة وصعبة دامت زهاء العامين ونصف العام تمكنت المحامية دينا شبلي من أن تنتزع له ولأسرته هذا الحق بعد وصولها للمسؤولين في وزارتي الداخلية والأديان، حيث تمكّن يوسف وكل أفراد أسرته من تغيير ديانتهم وتسجيلها رسميًّا في بطاقات هويتهم ومن ثم تغيير أسمائهم العبرية إلى عربية.. وطوال تلك المدة حرم يوسف وأفراد عائلته من دخول دور العبادة الإسلامية لأنهم كانوا لا يزالون يعتبرون رسميًّا يهوديين.

وفي خاتمة هذه القصة نشير إلى أن الاعتراف المتأخر من قبل السلطات الرسمية بإسلام يوسف وأسرته لم يكن يعني نهاية المطاف، إذ واجهته مشكلات عديدة من بينها الخوف الكبير الذي ظل ينتابه من أن المجتمع الإسلامي الفلسطيني لن يرحب به، وذلك لانتقاله من بيئة يهودية إلى أخرى إسلامية، وتحوله من يهودي متطرف إلى إسلامي فلسطيني..

هذا إضافة إلى المضايقات الكثيرة التي كان يقوم بها بنو دينه، فضلًا عن الشرطة الإسرائيلية التي كانت تقوم بإزعاجه في بيته الجديد.. ولكنه ثمن بخس يدفعه بطل قصتنا مقابل إسلام عظيم يضمن له خيري الدنيا والآخرة..

نعم.. اجتمع الكل ضده.. احتشد الجميع ضده..

مجتمعه القديم.. "كيف تتركنا وتعادينا اليوم"؟!!

مجتمعه الجديد.. "كيف ننسى ما فعلته ضدنا بالأمس"؟!!

الشرطة.. "كيف نتركك تنعم.. سنفتعل المداهمات ونقوم بكل ما يزعجك"!!

الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ..

وهل هناك أعظم من فضل الله؟!!

وهل هناك فضل أعظم من الهداية؟!

اسألوا الله الهداية.. فبالله نهتدي إلى الله.

--------------------------------------

المصادر:     

ابن علي، أبو إسلام أحمد (1429 هـ)؛ عادوا إلى الفطرة: 70 قصة حقيقية مؤثرة؛ مكتبة صيد الفوائد: http://www.saaid.net

اللولو، هالة صلاح الدين (2005)؛ كيف أسلمت؟ دمشق: دار الفكر.

فارس، نايف منير (2010)؛ علماء ومشاهير أسلموا؛ الكويت: دار ابن حزم.

محمود، عبد الرحمن (2005)؛ رحلة إيمانية مع رجال ونساء أسلموا؛ المكتبة الإسلامية الشاملة.

 

Al Khattab, Yousef (14 May 2007). Stories of New Muslims: Yousef al Khattab, Ex-Jew, USA. Retrieved August 25, 2017, from: www.islamreligion.com.

 


تعليقات (
0
)

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وإنما هي وجهات نظر أصحابها فقط.