عدد الزيارات: 2.3K

التثليث العجيب


إعداد: الدكتور/ أحمد محمد زين المنّاوي
آخر تحديث: 20/03/2019 هـ 29-03-1439

ما درس أحد الإسلام من منابعه الأصيلة إلا ووجد فيه السعادة الحقيقية التي يبحث عنها..

وقتها.. لا يملك غير المسلم إلا أن يعتنقه عن قناعة تامة..

حتى من يُصنفون ضمن أعداء الإسلام من الساسة أو رجال الدين أو رجال الفكر أو رجال الاقتصاد..

الكل يستسلم على أعتاب الإيمان.. لو تعرف إلى الإسلام الصحيح.. دون تشويه..

وقتها.. يكون لإسلامهم دوي هائل في نفوس أفراد مجتمعهم!!..

ولنأخذ على سبيل المثال رجال الاقتصاد.. أصحاب رؤوس الأموال.. من لا يدينون إلا لمصالحهم.. وأرباحهم الدنيوية..

فأهل الاقتصاد في الدول الغربية يُعتبرون من أقوى جماعات الضغط التي تحرك رجال السياسة وبالتالي تهدد الإسلام وتقف حائط صد أمام زحفه الحضاري..

إذا كان الأمر كذلك تخيل كيف يكون وقع خبر اعتناق أحد أشهر رجال الاقتصاد في نفوس من يستخدمون الاقتصاد وأهله لمحاربة الإسلام؟!!

في هذه المرّة نتناول قصة إسلام العالم الاقتصادي "كريستوفر شامونت".. ومن أهم الأسباب التي كانت تقف وراء إسلامه شكوكه في مسائل كثيرة تزخر بها النصرانية من بينها مسألة "التثليث" التي كانت تؤرق مضجعه منذ طفولته ولم يجد لها تفسيرًا مقنعًا إلا في القرآن الكريم فقرر اعتناق الإسلام باعتباره دينًا قيمًا حنيفًا يخاطب العقل والتفكير المنطقي قبل القلب والميول العاطفية.

 يقول بطل قصتنا إنه لم يكن مقتنعًا بعملية "التثليث" على الرغم من تعصّبه الذي عرف به للنصرانية دين آبائه وأجداده.. وعندما أرهقته وساوس الشك والحيرة بدأ يبحث عن أصل مسألة "التثليث" في القرآن الكريم لعله يجد الإجابة الشافية.

وبالفعل بدأ كريستوفر يقرأ القرآن الكريم بعمق، وقد ساعدته قراءته على فهم ماهية الإسلام وعظمته، كما مكّنته من التوصل إلى قدرته الفائقة على إقناع عقل الإنسان عبر الخطاب العلمي الموضوعي.. عثر كريستوفر على ما كان يبحث عنه بشأن عملية "التثليث" حينما وجد أن القرآن الكريم يتحدث عن أن هناك إلهًا واحدًا فقط هو الذي يستحق العبادة والطاعة، هذا فضلًا عن وصفه للسيد المسيح بأنه رسول الله، وأنه بشر ممن خلق..

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171) النساء

إن أعجب ما في الديانة النصرانية المحرّفة ألوهية المسيح والثالوث الأقدس! عقيدة التثليث المستمدّة من أفكار الوثنيِّين الرُّومان، وباعتراف الكنيسة نفسها، عقيدة لا تُفهَم بالعقل البشري مهما بلغ من العبقرية والذكاء! فالآب والابن والروح القدس ذاتٌ واحدةٌ، ثم هم ثلاث ذَوات في آن واحد! لا تسأل كيف، ولا تشغل بالك بفهمها؛ لأنها ليست للفهم! وخارجة عن حدود عقلك المحدود! برغم أن من اخترعها بشر مثلك! فقط عليك إلغاء عقلك والإيمان بها كما هي من دون أي نقاش!

إن لفظ "ثالوث" لم يرد على لسان المسيح –عليه السلام- ولا مرّة واحدة في أي كتاب من كتب النصارى! فكيف يهمل المسيح –عليه السلام- هذا الثالوث الأقدس وهو بهذه الأهمية لدى النصارى؟! كل ذلك يؤكد أن الثالوث أو التثليث من الخرافات التي أقحمتها الكنيسة في الديانة النصرانية بعد قرون من المسيح –عليه السلام-. وبذلك كان هذا الثالوث العجيب سببًا في إسلام العديد من النصارى، فكل من فكّر في حقيقة هذا الثالوث بصدق وتجرّد قاده تفكيره إلى هجر النصرانية والبحث عن عقيدة أخرى! 

وللحصول على المزيد من فهم الإسلام واستيعابه بدأ "كريستوفر شامونت" يقرأ معاني القرآن الكريم المترجمة إلى اللغة الإنجليزية.. لقد وجد صعوبة كبيرة في بادئ الأمر في الفهم بيد أنه استطاع إدراك بعض الآيات ذات المعاني الواضحة.

الى جانب معاني القرآن المترجمة بدأ كريستوفر يطلع على بعض الكتب التي تتحدث عن الإسلام وهي كتب مترجمة أيضًا إلى الإنجليزية كان قد حصل عليها خلال فترة عمله بالمملكة العربية السعودية تلك الفترة الخصبة من حياته التي اختلط فيها بمسلمين ينتمون الى جنسيات مختلفة دارت بينه وبينهم مناقشات ثرية أسهمت كثيرًا في إثراء معرفته بالإسلام، أما قراءته للقرآن المترجم التي سبق ذكرها فقد أكدت له البون الشاسع بين الإسلام والنصرانية في الخطاب المباشر بين الله سبحانه وتعالى وعباده عبر رسله المكرمين، وهنا يقول كريستوفر شامونت:

"كل ما قرأته في القرآن الكريم كان يعلق بذهني طوال الوقت.. فالله سبحانه وتعالى يخاطب عباده مباشرة دون أي وساطة، عكس الكتاب المقدس، فالكلام فيه دائمًا على لسان الرسل".

ويشير كريستوفر إلى أنه قرأ ست سور من القرآن الكريم بدأها بسورة البقرة وظل يعيد قراءة تلك السور لعدة مرّات حرصًا منه على فهمها بعمق، لأنها تشمل مفهوم الإسلام.. وهي قراءات استوعب عبرها مدى عظمة الله سبحانه وتعالى ومدى الرحمة المطلقة التي لا يملكها غيره عزّ وجلّ.. فهو يغفر لعباده كل ذنوبهم طالما لجأوا إليه مباشرة طالبين التوبة والمغفرة، دونما حاجة إلى وسيط من البشر أو من الرسل.

ويذكر كريستوفر شامونت أنه فهم عظمة الخالق من خلال التدبر والتأمل في آياته الكونية المنظورة التي تعتبر من أجلِّ النعم بل نصح غيره من المسلمين بالمحافظة على تلك النعم التي أنعم الله تعالى بها عليهم إذا قال: "من مبادئ الإسلام العظيمة دعوة الإنسان إلى عدم الإيذاء أو الإضرار بأحد ولو كان جمادًا".

ويشير "كريستوفر شامونت" إلى حقيقة مهمة مفادها أن التمسك بتعاليم الإسلام يعني تطور المسلمين وبلوغهم أقصى درجات التقدم والرقي بدليل أن المسلمين الأوائل كانوا أول من سلك طريق الحضارة والتقدم العلمي بشقيه الطبيعي والاجتماعي.. بل صنعوا عولمة فريدة من نوعها لا تعتمد على إقصاء الحضارات الأخرى بقدر ما تعتمد على أخذ الصالح من تلك الحضارات وهضمه من منطلق أن الحكمة ضالة المؤمن.

بعد قناعات راسخة تلت دراسة عميقة للإسلام اعتنق البروفيسور "كريستوفر شامونت" الإسلام وأطلق على نفسه اسم "أحمد" تيمنًا باسم رسول الإسلام -صلى الله عليه وسلّم-، الذي ورد اسمه في القرآن الكريم على لسان السيد المسيح (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) الصف: 6.

ثم بلور البروفيسور "أحمد شامونت" نظرته للإسلام فقال: "إن الإسلام هو الدين الذي يخاطب عقل الإنسان... ويضع يده على بداية الطريق ليحقق السعادة في الدنيا والآخرة... هذه حقيقة، فلقد وجدت في الإسلام، ما كنت أبحث عنه... وأي مشكلة يواجهها الإنسان يجد حلها في القرآن الكريم".

واختتم البروفيسور "أحمد شامونت" حديثه بأنه يتمنى من كل قلبه أن يتعلم اللغة العربية، حتى يستطيع أن يقرأ القرآن الكريم بسهولة ويسر وحتى يستوعب معانيه بصورة أعمق، ويصبح قادرًا على تحقيق التواصل الحميم مع إخوته من المسلمين.. وفي المقابل يعبّر عن أمله في أن تتوافر في العالم كتب وصحف دينية تتحدث عن الإسلام باللغة الإنجليزية بعيدًا عن كتابات المستشرقين المغرضة..

وهكذا ربح الاقتصاد العالمي عالمًا اهتدى إلى الحقيقة المطلقة..

وربح العالم الإسلامي اقتصاديًّا حقق الشهرة بعلمه فأدخله الله تعالى الإسلام بفضله..

هكذا.. ربح أحمد شامونت نفسه.. وهذا هو الأهم بالنسبة إليه..

فمن عرف الله.. ربح نفسه.. فاز بخير الدنيا والآخرة..

بمفهوم الاقتصاد والربح الأخروي الأبدي.. لا الربح الدنيوي لأهل الاقتصاد المادي!!..

اسألوا الله الربح الحقيقي..

اسألوا الله الهداية.. فبالله نهتدي إلى الله.

-----------------------

المصادر:

السرجاني، راغب (2013)؛ عظماء أسلموا؛ القاهرة: دار أقلام للنشر والتوزيع والترجمة.   

عبد الصمد، محمد كامل (1995)؛ الجانب الخفي وراء إسلام هؤلاء؛ ثلاثة أجزاء؛ القاهرة: الدار المصرية اللبنانية للنشر.    

مقال بعنوان: "سر انتشار الإسلام"؛ استرجع بتاريخ 30 يونيو 2017، من موقع طريق الإسلام: www.islamway.net

 


تعليقات (
0
)

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وإنما هي وجهات نظر أصحابها فقط.