عدد الزيارات: 6.2K

الجسد والدم


إعداد: الدكتور/ أحمد محمد زين المنّاوي
آخر تحديث: 20/03/2019 هـ 08-04-1439

العقل.. مناط التكليف في الإسلام..

هذا العقل هو شيء مهمل في غير الإسلام..

فماذا تختار لنفسك؟!.. العقل أم الجنون؟!!..

وإلا فأخبرني بربك.. أيّ عاقل يضع جسد إلهه في علبة ثم لا يكفر به؟!

وأيّ عاقل يأخذ جسد إلهه المتعفن ويرمي به في صندوق القمامة ثم لا يكفر به؟!

وأيّ ديانة تأمر أنصارها بأكل جسد الإله وشرب دمه فيظلون ينصرونها ويبشرون بتعاليمها؟!

قصتنا هذه المرة تصيب المرء بالدهشة مرتين: مرّة عندما ينتبه إلى مدى سذاجة الديانة النصرانية ومصادمتها لأبسط مسلّمات العقل والمنطق، والمرة الثانية عندما يتفاجأ المرء ذاته بأن أحد عتاة كهنة هذه الديانة ينتبه إلى خطورة اعتقاده في طقوسها، ويتحوّل إلى دين الإسلام فيشعر بأنه إنسان قوي يعبد إلهًا قويًّا، بعد أن كان يشعر بأنه إنسان ضعيف يعبد إلهًا ضعيفًا مهانًا..

إنه القس "بيشوي ملك" بطل هذه القصة الذي ندعوكم إلى الإبحار في تفاصيل رحلته من النصرانية إلى الإسلام.

ولد "بيشوي ملك" في عام 1961م.. وككل النصارى الأرثوذكس بدأ حياته يؤمن بيسوع، وبعقيدة الجسد والدم، وبكل المعتقدات النصرانية الأخرى.. واصل تعليمه حتى حصل على بكالوريوس الكلية الإكليركية بالعباسية في عام 1982م.. عقب تخرجه في الجامعة تم تعيينه في مجال الكهنوت.. شهد الجميع بتميزه بمن في ذلك البابا شنودة نفسه.. رضا الجميع عنه وعن كفاءته جعله يحصل على ترقيات سريعة وصلت به إلى سدّة كنيسة القديسة دميانة بالوايلي الكبير حيث أصبح كاهنًا وقسًّا لها لمدة تسعة عشر عامًا.

ارتباطه الوثيق بالكنيسة وتحمسه المتقد للديانة النصرانية، جعلاه نشيطًا في الترويج لمبادئها بكل السبل، فقام بإخراج شرائط أحدثت ردود أفعال كبيرة في المجتمع النصراني، من بينها شريط "أنت أبويا وأنا أبوك"، و"القداسات الثلاثة"، و"طقسيات مرئية".. قاده الشريط الأخير للتعمق في قضية "الجسد والدم" وهو تعمق دفعه إلى أن يكفر بالنصرانية كفرًا بواحًا ويعتنق الإسلام اعتناق مقتنع لا يملك أحد القدرة على ردّه عن الإسلام.

من هذه الخرافات العجيبة لدى النصارى خرافة الأفخارستيا أو القربان المقدّس، وهو أحد أهم أسرار العبادات والطقوس التي تُقام في الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية! يأتي القس بفطيرة خبز، خبزها رجل، ولا يحق للمرأة أن تخبزها، وكأس من الخمر المخفّف بالماء، ثم يضرب على الناقوس ليجتمع الناس في الكنيسة، ثم يقرأ على الفطيرة كلمات وطلاسم مبهمة، ثم يقول للبسطاء هكذا أصبحت الفطيرة جسد المسيح، ويقرأ على كأس الخمر طلاسم مبهمة ويقول لهم لقد أصبح الخمر دم المسيح، ثم يسجد للفطيرة أمامهم فيخرّ النصارى من خلفه ساجدين لهذه الفطيرة المصنوعة من دقيق القمح! ويمرّون على القس يتناولون منه؛ فيطعمهم ويسقيهم من لحم الرب ودمه! وعلى كل نصراني أن يؤمن بهذه الخرافة ويسلّم بها وإن كانت مخالفة للعقل والمنطق والواقع المحسوس، إذ إن الخبز لن يتغيّر طعمه، كما أن الخمر لن يتغيّر مذاقه!

ولكن كيف يتحول الخبز إلى جسد الرب؟! وكيف يتحول الخمر إلى دمه؟! يقول لك القس هذا سر من الأسرار السبعة المقدّسة في الكنيسة فلا تسأل عنه! وما دمت نصرانيًّا عليك أن تؤمن أنه بأكلك لحم الرب وشرب دمه تصبح متّحدًا مع الرب فجسدك من جسد الرب ودمك من دم الرب! قالوا إن الإله اتحد مع جسد المسيح فأصبح ناسوت ولاهوت، والآن يقولون لك إن الرب اتحد معك أنت عن طريق أكل لحمه وشرب دمه! إذًا أصبحت أنت إلهًا باتحادك مع الإله وأصبح لك ناسوت ولاهوت!

يأكلون لحم الرب يسوع ويشربون دمه ويصرفونها في دورات المياه كفضلات فتختلط بالقاذورات! يجد غير النصارى صعوبة كبيرة في تصديق هذه المعتقدات والطقوس، ولكن الأمر مختلف بالنسبة إلى النصارى الذين وجدوا أقوامهم عليها وتشرّبوا بها وأصبحت جزءًا من تكوينهم النفسي والعقلي، وكل من يرفع رأسه منهم ويتأمّل في هذه المعتقدات ويجرّد نفسه من هذه الأوهام ويحرّر نفسه من هذه القيود هو فقط المؤهل لأن يبصر الحقيقة. 

العجيب أن هذه الفطيرة التي سوف تتحوّل إلى جسد المسيح لا يحق للمرأة أن تخبزها، بل لا يحق للمرأة الحائض أن تأكلها لأن هذه المرأة المسكينة نجسة في نظرهم، فلا يحل لها أن تأكل لحم الرب أو تشرب دمه، لأنه لا يجوز أن يمتزج الرب بجسد المرأة ودمائها ويبقى فيها وهي حائض! ولكن كيف بدم الرب أن ينزل مع دم الحيض النجس! ألم ينزل الرب يسوع نفسه من مكان دم الحيض النجس؟! ألم ينزل الرب ملوثًا بدماء الحيض النجس؟! فكيف نحرم المرأة الحائض من لحم الرب ودمه؟! بل المرأة أولى بهذا اللحم والدم من الرجل! ولو قبلوا أن الإله يتجسد في رحم امرأة واحدة مرّة واحدة، فكيف يقبلون أنه يتجسّد آلاف وملايين ومليارات المرّات في الخبز بعدد الكنائس حول العالم وفي كل يوم وكل لحظة!!

وإذا كان لديك مناسبة سعيدة تريد أن تحتفل بها من خلال الكنيسة، فيمكنك أن تطلب منهم عمل قدّاس خاص بك، حيث يتم تحضير الإله وتقطيع جسده على المذبح من أجلك أنت! نعم.. من أجلك أنت فقط يتم استدعاء الروح القدس من السماء لمهمّة خاصة، فيترك كل شيء ويأتي ويلمس قرابينك كي تتحوّل إلى جسد المسيح!! الآن جسد الإله متمدد أمامك على المذبح فانهش منه كما تشاء واستمتع بوجبة لذيذة من لحم الإله! تخريف في تخريف!! أين ذهبت العقول؟!

العجيب أن فكرة الكأس والفطيرة كانت هاجسًا في العالم الوثني القديم، حيث كانوا يعتقدون أن كل من يأكل من جسد الإله الميت ويشرب من دمه يتحقق له الخلود. وقد كان قدماء المصريين يعبدون الإله (أوزيريس) ويصنعون له جسدًا من عجين القمح ثم يأكلونه مع الجعة المخمّرة من الشعير معتقدين أنهم يستمدون السطوة والقوة من جسد (أوزيريس) ودمه.. والآن النصارى يفعلون ذلك نفسه مع المسيح!

نعود ونتابع مع بطل قصتنا القس "بيشوي ملك"، حيث يقول في حوار أجراه معه موقع "قصة الإسلام": إنه ذهب إلى البابا شنودة وناقشه في قضية "الجسد والدم"، العقيدة بالغة الأهمية في الأرثوذكسية النصرانية، وأول سؤال طرحه عليه هو: كم قداسًا في اليوم؟ فردّ عليه البابا بقوله: نحو عشرة آلاف قداس! فسأله ثانية: هل هذا يعني أن جسد المسيح يتم تقسيمه عشرة آلاف مرّة في اليوم الواحد؟ فقال له البابا: من قال لك إننا نتناول من ذبائح المسيح؟ أي إن العشرة آلاف قداس هم ذبيحة المسيح الواحدة! ولكن كيف؟! لا تسأل أبعد من ذلك!!

عندما يقف الكاهن أمام المائدة ويرفع يديه إلى السماء، يستدعي الروح القدس فيأتي ويلمس القرابين!!

جبريل –عليه السلام- بجلالة قدره وهو الروح القدس قيد إشارة الكاهن الذي يستطيع أن يستدعيه في أي لحظة!!

ليس العجب في ذلك بل العجب كل العجب في أن كهنة جميع الكنائس لو وقفوا في لحظة واحدة ورفعوا أيديهم إلى السماء لاستدعاء الروح القدس، فكيف سيأتي الروح القدس إليهم جميعًا في وقت واحد ويلمس لهم قرابينهم كي تتحوّل إلى جسد المسيح!! هل سيتجزأ هذا الروح القدس إلى آلاف الأجزاء، أم سيكون هناك استنساخ للروح القدس بعدد الكهنة وبعدد الكنائس في جميع أرجاء الأرض؟! العجيب أنك عندما تسأل الكهنة هذا السؤال الذي يمكن أن يسأله أي طفل بريء لا تجد إجابة عنه، ويقولون لك إنه من أسرار الكنيسة! فلا تسأل عنه!

إذا افترضنا أن آلاف الكهنة حول العالم استدعوا الروح القدس في آن واحد، وكان حضور المسيح بلاهوته في أمكنة متعدّدة في آن واحد ممكنًا بحسب هذه الخرافة النصرانية، فكيف يكون ممكنًا باعتبار ناسوته؟! لأنه بهذا الاعتبار كان بشرًا مثلنا يجوع ويأكل وينام ويتألّم ويبكي ويخاف من الأعداء ويفر من اليهود! فكيف يمكن تعدده بهذا الاعتبار بالجسد الواحد وفي الوقت الواحد في أمكنة متعددة؟ ولم يثبت عنه أنه وُجد قبل عروجه إلى السماء بهذا الاعتبار في مكانين في آن واحد، فضلًا عن تعدد الأمكنة! وكيف يأتي بعد ذلك من يصدّق هذه الخرافة المختلقة؟! أين ذهبت العقول؟! أفيقوا أيها النصارى من غفلتكم!! أفيقوا قبل أن يدرككم الموت!! وحينها لن ينفعكم الندم!!

إذا استحال الخبز مسيحًا كاملًا تحت يد الكاهن، كما يزعمون، وكسر هذا الكاهن هذا الخبز كسرات كثيرة أو أجزاء صغيرة، فإما أن يتقطّع جسد المسيح قطعة قطعة على عدد الكسرات أو الأجزاء، أو تتحوّل كل كسرة أو كل جزء مسيحًا كاملًا. فإذا ذهبنا إلى الخيار الأول فلن يكون آكل الخبز قد التهم مسيحًا كاملًا، وإذا ذهبنا إلى الخيار الثاني فنتساءل في عجب: من أين جاء كل هؤلاء المسحاء؟ لقد كانت الخبزة واحدة والكاهن لم يحضّر إلا جسدًا واحدًا للمسيح!

والأعجب من ذلك كلّه كيف يمكن للعقل البشري أن ينحط إلى درجة أن يضع الإله العظيم خالق كل هذا الكون في جسد إنسان، ثم يضع جسد هذا الإنسان الإله في قطعة خبز، ويسكب دمه في كأس خمر، ويلتهم الخبز ويشرب الخمر، ويتخلص منهما في المرحاض، فيختلط إلهه المزعوم مع القاذورات!

إن مثل هذه الخرافات النصرانية هي التي جعلت كثيرًا من النصارى أصحاب العقول المستنيرة يتحرّرون من سياسة تغييب العقول ويعيدون النظر في اعتقاداتهم الموروثة، بل ويسخرون منها ويستهزئون بها، ويهجرون ديانة آبائهم وأجدادهم إلى غير رجعة، ومنهم صاحب قصتنا هذه القس بيشوي ملك. هذه الخرافات غير العقلانية، وغيرها، هي التي أيقظت فكر هذا القس وغيره من النصارى وجعلتهم يتحوّلون إلى الإسلام، وهو الدين الوحيد الذي يبجّل المسيح عيسى -عليه السلام- ويضعه فوق كل هذه الخرافات، ويقول إنه رسول كريم، أدى رسالة ربّه على أكمل وجه، وعصمه الله عزّ وجلّ من كيد أعدائه، ورفعه إليه عزيزًا مكرّمًا!

موقف عجيب هو الذي دفع بطل قصتنا القس "بيشوي ملك" إلى الكفر بالعقيدة النصرانية، ولكن قبل ذكر هذا الموقف نشير إلى حقيقة أن قوانين الكنيسة تتيح لأي قس أو كاهن أن يأخذ معه قطعة من جسد المسيح (الإله) خارج الكنيسة إن كان لديه سبب وجيه.. بناءً على ذلك أخذ القس بيشوي معه ذات يوم قطعة من "جسد المسيح" من الكنيسة ووضعها في علبة بسيارته.. وفي لحظتها شعر بهيبة الموقف، إذ إن جزءًا من جسد الإله يقبع معه داخل سيارته! وانتابه شعور بهيبة الموقف وأن السيارة تكاد تنفجر من رهبة ما بداخلها.. بعد مرور يومين فتح العلبة بلهفة وشوق ليلقي نظرة على هذا الجزء العزيز من "جسد الإله" الذي بداخلها، ولكنه لاحظ أنه تصلّب نوعًا ما.. وفي اليوم الثالث فتح العلبة فإذا بجسد الإله يتعفّن وتتغيّر رائحته، فأخذه ورمى به في صندوق القمامة! هذه الحادثة أعادت إليه وعيه! كيف يتعفّن جسد الإله ويُرمى به في المزبلة!

أثارت هذه الحادثة انتباهه بل جعلته يشعر بمدى خطورة اعتقاده في النصرانية وطقوسها التي لا تتسق مع المنطق!.. تساءل في حيرة : هل يعقل أن يتعفّن جسد الإله ويُرمى به في القمامة؟! توصل بعدها إلى قناعة تامة مفادها أن القداس لا علاقة له بالعقيدة النصرانية.. عندما شعر البابا شنودة أن القس بيشوي بدأ يفقد إيمانه بالعقيدة الأرثوذكسية، عقد له مجلس تأديب نتج من ذلك المجلس صدور قرار يقضي بوقفه عن العمل.. حصل بطل قصتنا على شهادة من البطريركية القبطية الأرثوذكسية بالقاهرة تفيد بتركه الكهنوت ورجوعه إلى اسمه الحقيقي بشهادة الميلاد وهو "منير ملك داوود".

شعر البابا شنودة بأن هذا القس المتمرّد ينوي الانسلاخ كلية من عباءة النصرانية فقرر أن يهدّئ الأمر حتى لا تفقد الكنيسة أحد رجالها المؤهلين.. دخل البابا مع القس بيشوي في حوار ساخن استمر ذلك لست سنوات (من عام 2003 حتى عام 2008) لكن الحوار انتهى إلى فشل ذريع في إقناعه بالعدول عن رأيه.. وكان بيشوي طوال فترة الحوار يمارس شعائر الإسلام في السر، حيث اجتهد في تعليم نفسه بنفسه مستعينًا في ذلك بالمصحف المعلم.. وفي عام 2008 أشهر بطل قصتنا إسلامه رسميًّا، واختار لنفسه اسم "مؤمن إبراهيم داوود سليمان".

هنا نتوقف لنشير إلى دراسات سريّة في غاية الأهمية تسرّبت من الكنيسة المصرية عام 2009 تؤكد أن هناك العديد من الشباب النصارى من الجنسين، خاصة طلبة الجامعات المصرية، يتحولون إلى الإسلام يوميًّا، ولكنهم يكتمون أمر إسلامهم، ويؤدون شعائر دينهم الجديد سرًّا في الخفاء، خوفًا من بطش الأهل وجبروت الكنيسة. والإسلام لا يلزم الداخلين فيه بضرورة إشهار إسلامهم أمام أحد، ولا في المحاكم أو المؤسسات الدينية، ولا تغيير أسمائهم أو إثبات حقيقة إسلامهم في الأوراق الثبوتية.

في حوار أجراه معه موقع "قصة الإسلام"، وجه الشيخ مؤمن إبراهيم نصيحة للنصارى حيث طلب من كل نصراني أن يقرأ الإنجيل حتى يصل من خلاله إلى القرآن؛ إذ سيجد فيه العديد من المتناقضات التي ستهدم له العقيدة النصرانية أولًا، ثم عليه أن يبدأ في ترسيخ وبناء العقيدة الصحيحة ألا وهي عقيدة الإسلام.. ويقول الشيخ مؤمن إن السيِّد المسيح -عليه السلام- لم ينسب لنفسه صفة الألوهية ألبتة، بل نفاها عن نفسه تمامًا.. الواقع أن الكنيسة تسلب النصراني حق التفكير واستخدام العقل.. على سبيل المثال عندما يَسأل أيّ شخص عن كيفية ولادة المسيح وكيف يعيش في رحم امرأة وهو الله؟ يتم الرد عليه من قبل الكنيسة بأن هذه إيمانيات يجب عليه عدم التفكير فيها، وهذا أمر يؤدي إلى طمس الحقيقة عن أي شخص مستنير.

ويستمر الشيخ مؤمن إبراهيم في نصحه للنصارى بأن يقرؤوا الأناجيل التي هي كفيلة بأن تصل بهم إلى القرآن.. كما نصحهم بأن ينتبهوا أثناء قراءتهم الأناجيل إلى أقوال المسيح وما قيل عن المسيح.. إذ إن كل ما قاله المسيح عن نفسه ينفي أنه إله.. وعليه فإن كل الذين قالوا إن المسيح إله أهانوه، وكل الذين قالوا إنه رسول أكرموه.. ويشير الشيخ مؤمن إلى مقارنة باهرة بين الإسلام والنصرانية في نهاية السيد المسيح حيث يقول: إن الإسلام كرّم المسيح بأن جعله رسولًا وجعل له خاتمة مشرّفة لم يبلغها أحد غيره من البشر، وهي صعوده إلى السماء، بينما النصارى الذين صنعوا منه إلهًا جعلوه يموت على الصليب ذليلًا مهانًا.

ويقول الشيخ مؤمن إبراهيم إن الجميع يتهمونه بأنه باع المسيح على الرغم من أنه من أكثر الناس الذين اشتروه؛ لأن من يبيع المسيح هو من يضعه في غير موضعه الحقيقي، أي يضعه على كرسي الألوهية بدلًا من كرسي الرسل الذي وضعه فيه الإسلام.

على امتداد التاريخ، ما من نصراني يفكّر في استخدام عقله والانعتاق من ضلالات النصرانية، إلا ويدفع الثمن.. قد يكون هذا الثمن ماديًّا أو أدبيًّا أو كليهما، وقد يزيد أو ينقص ولكن لا بدّ من ثمن.. بالنسبة إلى بطل قصتنا فقد كان الثمن باهظًا لأنه فقد كل شيء! فقد مصدر رزقه وراتبه المغري الذي كانت تغدق به الكنيسة عليه، وفقد أهله وأولاده، وقبل ذلك فقد زوجته التي رفعت عليه قضية خلع فخلعته وتزوجت من نصراني وأخذت معها أولادها. وفي تعليقه على ذلك يقول الشيخ مؤمن إبراهيم: "أنا الآن أشعر بأنه لا ينقصني شيء، على الرغم من أنه ينقصني كل شيء"!

هجر الشيخ مؤمن النصرانية ومعتقداتها الفاسدة، ولكنه أصبح وحيدًا لا يدري ماذا يفعل! ولم يطل به التفكير كثيرًا حتى قيّض الله له أحد رجال الدين الإسلامي من مدينة الإسكندرية فلفت نظره إلى ملاحظة جوهرية دقيقة فقال له: "إن أي نصراني يعلن إسلامه يظل في وظيفته كما هي"!! عجيب! كيف يستقيم ذلك! المهندس يظل مهندسًا، والطبيب يظل طبيبًا، والكاهن أو القسيس يظل شيخًا وداعية في الإسلام؛ ومنذ تلك اللحظة سلك الشيخ مؤمن إبراهيم طريق الدعوة إلى الله وإلى دين الإسلام، فأسلم على يديه كثير من النصارى.

العجيب في قصة الداعية الإسلامي الشيخ مؤمن إبراهيم أنه يتبع في دعوته نهج الهدم لا البناء! وهذا النهج الدعوي فعّال جدًّا ولا يجيده إلا من كان متبحّرًا في العقيدة النصرانية ومارس طقوسها.. وبذلك وجّه دعوته نحو هدم العقيدة النصرانية من أركانها لأنه الخبير المتمرّس الملمّ بأسرارها ومداخلها ومخارجها، فضلًا عن إتقانه لأسلوب الهدم.. لقد استفاد كثيرًا من علاقاته الجيدة التي لا تزال تربطه بالعديد من الأقباط، حيث أصبح يحدثهم عن العقيدة النصرانية ويفند لهم بطلانها.

وللشيخ مؤمن إبراهيم العديد من المعاول التي يستخدمها في هدم العقيدة النصرانية الباطلة، وتعد صفحته الرسمية على الفيسبوك الصفحة الأكثر نشاطًا في تفنيد مبادئ العقيدة النصرانية، وبها حقائق نادرة وتجارب عملية في غاية الأهمية مثلت مصدرًا غنيًّا لكل من يريد أن يعرف حقيقة النصرانية، حيث يثبت لهم أن كتبة الأناجيل الأربعة، وهي أصح كتب الديانة النصرانية، مجهولون لا يعرفهم أحد، ويفضح تحريفات الكتاب المقدس بالأدلة الملموسة والبراهين الساطعة، وكيف أصبح هذا الكتاب عجينة في أيدي رجال الكنيسة يحوّرونه ويفسّرونه بما يلبي رغباتهم، وهذا ما تؤكده الموسوعة الكاثوليكية التي تعترف بتحريف الكتاب المقدس فتقول: "لم تصلنا نسخة أصلية من الكتاب المقدس وكل ما وصل إلينا محرّف، وأن الله لم يشأ أن يعتني بهذا الكتاب.. ويوجد أكثر من 150,000 اختلاف بين المخطوطات القديمة للعهد الجديد، ما يثبت أن الكتاب المقدس ليس الوسيلة الوحيدة أو الأساسية للوحي". هذا هو كلام الموسوعة الكاثوليكية من دون أي تصرّف! ولا تعليق عليه!!

من خلال صفحته الرسمية على الفيسبوك يفند الشيخ مؤمن إبراهيم ضلالات النصارى، ويشير إلى ورطة النصارى بقولهم إن المسيح هو الله وله ناسوت ولاهوت! فإذا قلت لهم لماذا مات المسيح يقولون لك مات الناسوت وبقي اللاهوت ولم يمت! وهذا فصل واضح للناسوت عن اللاهوت بعد التجسد المكذوب! فلو كان متّحدًا اللاهوت بالناسوت لأصبح يشاركه في أي صفة وأي فعل لأنه لا يمكن أن ينفصل عنه في الذات ولا في الصفات فلماذا انفصلت الصفات هنا؟ فصار هذا يموت وهذا لا يموت؟! كيف تبرّر الكنيسة هذا الانفصال في الأعمال حيث لا يمكن أن تنفصل أعمال شيئين متحدين وصفاتهما إلا إذا انفصلت ذواتهما انفصالًا حقيقيًّا؟! انظر كيف يتناقضون مع اعتقادهم أن اللاهوت لا ينفصل عن الناسوت أبدًا. ثم إذا كان اللاهوت يدير الكون والناسوت لا يديره أثناء الموت فهذا إثبات أن المسيح ليس إلهًا لأنه ناقص وفيه جزء إلهي وجزء إنساني عاجز عن أفعال الألوهية وعاجز عن إدارة الكون في وقت ما وهذا يعني أنه لا يصلح أن يسمّى إلهًا. وهكذا فإن الديانة النصرانية التي حرفتها الكنيسة تحمل عوامل هدمها داخلها فقط يحتاج الأمر إلى النصراني المستنير الذي يحسن إعمال العقل واستخدام القلب.

يعود الشيخ مؤمن إبراهيم بذاكرته فيقول: عندما كنت كاهنًا بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وجدت أنه لا يوجد كاهن من زملائي القساوسة وإلا ولديه شك في أن المسيح هو الله، وعندما كنا نجلس سويًّا في جلسة مودّة نخرج فيها من الطقوس وننسى الكهنوت كزملاء دراسة كنت أقول لهم مازحًا (لو طلع المسيح مش إله!!) فما كنت أرى منهم إلا الضحك والانبساط، لكنني أشعر من دواخلي أنهم متأكدون من عدم ألوهية المسيح، وكثيرًا ما كنت أسمع بهذه الشكوك من اعترافات الشباب والشابات، ولكني كنت أخفي ذلك عن الناس.

من أقوال الشيخ مؤمن إبراهيم: مشكلة النصارى أنهم لا يقرؤون كتابهم المقدّس! وكل من يقرأ هذا الكتاب بحياد وتجرّد ورغبة في معرفة الحق سوف يعرف أن دين النصرانية باطل.. عجبت لمن يعبد مخلوقًا مثله خرج من أنثى مخلوقة، ثم يجادل بالباطل في الإسلام دين التوحيد ويرميه بالشبهات! عجبت لمن يقولون إن إلههم مات ثم يبشرون بموته ولا يخجلون! وعجبت لمن يقولون إن اليهود صلبوه ولا يخجلون من أنفسهم أنهم عبدوه فإذا كان إلهًا فكيف يُصلب؟! عجبت لمن يرفض إمكانية دخول الفيل داخل زجاجة ويسخر من ذلك، ولكنه في المقابل يؤمن بدخول الله العظيم في رحم امرأة ضعيفة! وتلد هذه المرأة إنسانًا يجعلونه إلهًا ويعبدونه مع الله! وكم كنت أستغرب حينما عدت إلى الذكريات حينما كنا نحتفل بميلاد يسوع فلماذا لم أفكر حينها أننا نحتفل بميلاد إله وليس إنسانًا؟!

نختتم هذه القصة بتصريحات للشيخ مؤمن إبراهيم يقول فيها: اخترت الإسلام لأنه الدين الوحيد الذي يجعلك تعبد الله وحده، وعقيدته واضحة، وتوحيد الله في الإسلام يعني أن الله واحد لا شريك له ومن دون أي تفسيرات ملتوية، على عكس النصرانية وابتداعها عقيدة الثالوث المنافية للتوحيد.. ويؤكد أن الإنجيل هو سبب إسلامه، لأنه لا يوجد في أي من الأناجيل أو الكتاب المقدس أي نص يقول فيه المسيح أنا إله أو أنا الله أو أنا اللاهوت! ولم ترد كلمة ثالوث على لسان المسيح أبدًا، فكيف يهمل هذا الثالوث إن كان له أصل في العقيدة النصرانية؟! الكنيسة فقط هي التي تقول ذلك! وبعد أن أسلمت أصبحت أشعر كأني كنت في سجن فشرح الله صدري وأخرجني من الضيق ونلت خلاصي وحريتي وسعادتي الحقيقية، وأصبحت إنسانًا قويًّا يعبد إلهًا قويًّا، بعد أن كنت أشعر بأني إنسان ضعيف يعبد إلهًا ضعيفًا مهانًا...

فسبحان من بيده الهدى والإيمان..

جعل الإنجيل سببًا في دخول الإسلام!!..

إنها آيات ربانية.. للإله الحق.. لا من يؤكل جسده ويُشرَب دمه!!

فهل تنتظر أبلغ من هذه الآيات لتؤمن بهذا الإله العظيم؟!

احفظ نفسك وعقلك وروحك.. آمن بمن خلقك وسوّاك فعدلك..

اسأل الله الهداية.. فبالله نهتدي إلى الله.

----------------------

المصادر:

مؤمن إبراهيم، القس بيشوي سابقًا؛ الصفحة الرئيسية على فيسبوك: www.facebook.com/momen.ibrahi

هشام عبد المنعم (13 نوفمبر 2012)؛ القس بيشوي ملك يكشف سر إسلامه؛ استرجع بتاريخ 15 أغسطس 2017 من موقع قصة الإسلام (https://islamstory.com).

 


تعليقات (
0
)

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وإنما هي وجهات نظر أصحابها فقط.