عدد الزيارات: 10.3K

الخلاصة العجيبة


إعداد: الدكتور/ أحمد محمد زين المنّاوي
آخر تحديث: 20/03/2019 هـ 17-06-1439

التدبير.. سر من أسرار قدرة الله في الكون..

لو تفكر فيه غير المؤمنين لكفاهم سببًا للإيمان والهدى!!

عدو للإسلام يدخل إلى عالم القرآن لهدم الإسلام فلا يملك إلا الخضوع للقرآن والإيمان بأنه كلام الله!!

فعندما ينقلب السحر على الساحر فماذا يفعل الساحر؟

لقد قرأ القرآن الكريم بحثًا عن أخطاء وتناقضات توقع أن يجدها بين آياته ليقدمها إلى رجال الكنيسة مهرًا لتعيينه قسيسًا، الحلم الذي طالما دغدغ مشاعره، ولكنه نفسه أصبح بين عشية وضحاها من أنشط الدعاة إلى دين الإسلام.. إنه جمال زكريا أرمانيوس الذي ندعوكم للتعرّف إلى قصة إسلامه.

ولد أرمانيوس في محافظة المنيا بصعيد مصر عام 1956، ترعرع ونشأ في كنف أسرة نصرانية أبًا عن جد، حيث كان جده أحد أشهر الكهنة بأرض الكنانة، وبذلك كان حلمه وكغيره من أبناء عائلته أن يصل إلى منزلة جدّه، ويصبح قسيسًا كبيرًا يشار إليه بالبنان.

منذ أن كان في الثامنة من عمره كان يحرص بشدة على دخول الكنيسة والتطوع فيها حتى يصبح قسيسًا مكان جدّه.. بدأ عمله داخل الكنيسة مساعد شماس، حيث يتمثل عمله في مساعدة الشماس الذي يخدم الكنيسة من خلال معاونة الكاهن في أداء الطقوس الدينية والصلوات الكنسية.

شبّ أرمانيوس صبيًّا واسع النشاط وصبورًا على البحث والدراسة بهمّة لا تعرف الكلل ولا الملل، لذلك تدرّج سريعًا في المناصب الكنسية إلى أن تمّ تتويجه شماسًا في كنيسة مريم العذراء بالقاهرة.. ولما كان طموحه أكبر من ذلك بكثير فقد كان حريصًا على بذل المزيد من الجهد حتى يصبح قسيسًا بأسرع ما يمكن.. ثم جاء اليوم المنتظر فأبلغوه بأن ضالته المنشودة قد أصبحت على مرمى حجر منه، وبالتالي يمكنه أن يحصل على منصب القسيس الذي طالما حلم به، ولكن اشترطوا عليه أن يقدم بحثًا يسلّط الضوء على ما جاء في القرآن الكريم من أخطاء وتناقضات!

أحسّ الشماس الطموح بأنه أصبح قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حلمه الجميل، وأن المطلوب منه أمر في غاية البساطة واليسر، وما عليه إلا أن يقرأ القرآن بحثًا عن أخطاء وتناقضات! وبالفعل بدأ رحلته مع القرآن الكريم بكل همّة ونشاط، لدرجة أنه كان يقرؤه ثلاث مرّات في الشهر الواحد.. بل أصبح يحمل كتاب الله الكريم معه أينما ذهب، حتى كان يقرؤه في المواصلات العامة بشغف يحسده عليه حتى المسلمون.

لم يكن جمال يكتفي فقط بالتركيز في قراءته للقرآن بل كان يحرص على تدبّر معانيه جيِّدًا، الأمر الذي جعله يحفظ الكثير من آياته عن ظهر قلب، ولكنه لاحظ أمرًا غريبًا أصابه بالرهبة في البدء وبالراحة لاحقًا.. نعم لاحظ أنه لا يكاد يقرأ الآية حتى يشعر بها وقد دخلت إلى قلبه مباشرة تمامًا كسهم تم تصويبه بدقة متناهية.. وجد جمال شغفه لقراءة القرآن يزداد يومًا بعد يوم فقد كان يختمه كل عشرة أيام، ثم يعيد الكرة من جديد وبرغم تأثره بكل آيات القرآن الكريم، فإن الآية الثانية من سورة البقرة التي يقول فيها الله تعالى: ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) كان لها عظيم الأثر في نفسه.. وهو يقول عنها كلما قرأت هذه الآية ينتابني إحساس وكأن القرآن يريد أن يخبرني بأنه لا جدوى من البحث وأن هذه الآية هي الرد الشافي لبحثي.

انبهر جمال بالثقة المطلقة التي وجدها في هذه الآية الكريمة والتي لا يمكن أن تتأتّى لأي أحد من البشر مهما بلغ من العلم!.. ففي العادة يعتذر المؤلفون للقرّاء في مقدمة مؤلفاتهم عن أي تقصير أو خطأ أو سهو وقعوا فيه أثناء تأليفهم لهذه المؤلفات، أما القرآن الكريم فهو الكتاب الوحيد الذي يعلن لك من الوهلة الأولى وبكل ثقة أنه كتاب (لا ريب فيه)، ولا خطأ ولا اختلاف فيه ولا خلل ولا تناقض يعتريه، وأنه الكتاب المشتمل على علم اليقين المزيل للشك والريب. 

عندما جاء موعد تقديم جمال لبحثه "متناقضات القرآن الكريم وأخطاؤه" كان رجال الكنيسة المشرفون ينتظرون بشوق اطلاعهم على هذا البحث وما به من تناقضات يشتمل عليها القرآن حتى يقرّروا منح صاحبه الشماس درجة كاهن أو قسيس.

لكن اندهش رجال الكنيسة وأحبطوا عندما قام جمال بتسليمهم بحثه في ورقة واحدة ناصعة البياض إلا من ست كلمات: "لم أجد في القرآن أي تناقض"!! وأسفل هذه الكلمات هناك توقيع باسم "جمال زكريا" عوضًا عن "الشماس جمال زكريا أرمنيوس" الاسم والصفة اللذين كانوا يتوقعون تصدرهما البحث.

صدم الشماس رجال الكنيسة بالخلاصة العجيبة التي خرج بها من دراسته للقرآن الكريم على مدى شهور، حيث لم يجد فيه أي خطأ أو تناقض برغم قراءته له عشرات المرّات!

نتيجة لموقفه الشجاع، والصادق أيضًا، دفع جمال ثمنًا باهظًا يتمثل في فقدانه لآماله وطموحاته ومستقبله ومصدر رزقه.. لكنه كان يشعر في قرارة نفسه بأنه حقق الربح الحقيقي برغم الخسران الظاهري الذي يبدو لبني جنسه.

في حوار أجرته معه صحيفة "المدينة" السعودية، يقول جمال زكريا إبراهيم كنت أختم القرآن الكريم ثلاث مرّات في الشهر لكي أجد أي خطأ أو تناقض يمكن أن نوظفه في محاربة الإسلام، ولكنني لم أجد ما كنت أبحث عنه، وفي المقابل كنت أقرأ الإنجيل وتعمقت في دراسته فاكتشفت فيه خمسة آلاف خطأ وتناقض!

لاحظ جمال أنه وفي كل مرّة يفتح فيها القرآن الكريم ولثلاث مرّات متتالية يجد نفسه وجهًا لوجه أمام هذه الآية من سورة الأنعام:

فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125) الأنعام

كان ينتابه الإحساس بأن هذه الآية تخاطبه شخصيًّا فيتوقف في كل مرّة ويتفكّر طويلًا في معناها، هذا الأمر جعله يتخذ منحى آخر في تفكيره إذ شعر برغبة ملحة في قراءة القرآن الكريم بشكل مغاير ولغرض آخر يختلف عن ذاك الذي كلف به من قبل الكنيسة، فوجد نفسه في حاجة إلى الاستعانة ببعض كتب التفسير لتسهيل عملية الفهم.

بدأ جمال بعد ذلك يفكّر في دخول الإسلام، وحالما شعر رجال الكنيسة بذلك أخذوا يغلقون أمامه كل السبل والمنافذ، فحاربوه في بيته ووصموه بتهمة "الإرهاب"! وعندما فشل أسلوب العصا جربوا معه سياسة الجزرة، فتقدم منه الأسقف وقدم له عرضًا رآه شديد الإغراء يتمثل ذلك العرض في أن يتم تعيينه رسميًّا كقسيس استثنائي يمتلك الحق في أن يختار الدير الذي يريد العمل فيه! عرضوا عليه كذلك أموالاً طائلة! لكنه ضرب بالجزرة عرض الحائط ورفض كل الإغراءات التي يسيل لها لعاب كل بني جنسه.

وبعدها علمت الكنيسة أنه أشهر إسلامه رسميًّا في جامعة الأزهر لدى رئيس لجنة الفتوى بالجامعة فجرّدوه من كل شيء: بيته وسيارته وكل ممتلكاته، بل وصل بهم الأمر أن أخذوا ملابسه! ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل قاموا بتهريب زوجته المسيحية وأبنائه إلى أمريكا، وتعرض للقتل ثلاث مرات بتوجيهات من الكنيسة لأنهم خسروا أحد القسيسين المخلصين.

لكن ذلك كله لم يثنه عن قراره المصيري الشجاع والمضي قدمًا في طريق الحق حتى النهاية..

عندما أشاح جمال بوجهه عن الكنيسة والقائمين على أمرها بدأ يفكر في أهله وأصابته الحيرة في كيفية إخبارهم بإسلامه؟! فقرر أن يبدأ بأمه وهي أقرب الناس إليه وأحنهم عليه فقد كان يبرّها بشدة.. ذهب إليها بخطى متثاقلة ليخبرها أنه ينوي الدخول في الإسلام وهو قد دخله بالفعل!.. تساءل محتارًا: كيف يخبرها بهذا القرار الخطير؟ وكيف سيكون ردّ فعلها تجاه هذا الأمر الجلل؟!

جلس جمال أمام أمه المريضة بأدب يشوبه الحياء.. حاول أن ينتقي كلماته بعناية، إذ إن للموضوع أهميته الكبيرة، كما أن لأمه مكانتها العظيمة في حياته ومقامها السامي في نفسه.. قال لها في شبه همس متوقعًا منها رد فعل عدائيًّا عنيفًا:

 "يا أمي الحبيبة لقد أسلمت لله رب العالمين، ولا أريد أن أغضبك بهذا ولكني عرفت الحق فلا تغضبي مني وأرجو أن تفهمي موقفي"!

تفاجأ جمال بأن ردّت عليه قائلة في منتهى الهدوء:

"ياه يا جمال يا ابني أنت اتأخرت أوي.."!

انبهر جمال وكاد يطير من الفرح عندما علم أن أمه الحنون سبقته إلى الإسلام بفترة طويلة.

يا ابني أنت اتأخرت أوي!!.. كلمات سهلة المبنى عميقة المعنى ولكنها تنطوي على جملة من المعاني والمشاعر التي يتطلب شرحها مجلدات! هذه الكلمات التي نطقت بها الأم حلّقت بجمال في فلك نوراني شفيف.. منذ نعومة أظفاره سمع جمال من أمه العديد من الكلمات الجميلة بيد أن جملة "يا ابني أنت اتأخرت أوي" تعتبر الأجمل على الإطلاق رسمًا ومعنى.. فرح جمال بشدة حينما أخبرته أنها أسلمت منذ زمن بعيد، وأنها كانت تشعر بأنه سيصبح مسلمًا في يوم من الأيام، وأنه كلما ارتقى في مناصبه الكنسية كانت تعلم يقينًا أنه سيبحث ويجتهد في بحثه ومن ثم يصل إلى الحقيقة بنفسه.

إن حالة أم جمال التي أسلمت وأخفت أمر إسلامها حتى عن أقرب الناس إليها، ظاهرة عامة درستها الكنيسة المصرية بعناية، وتوصلت إلى نتائج وحقائق في غاية الأهمية. ففي عام 2009 تسرب إلى العلن بعض هذه النتائج التي تؤكد أن هناك الآلاف من النصارى يتحولون إلى الإسلام سرًّا، ويكتمون أمر إسلامهم خوفًا من بطش الأهل وجبروت الكنيسة، ويؤدون شعائر دينهم الجديد في الخفاء.

وفي هذا الخصوص يؤكد الأنبا ماكسيموس رئيس المجمع المقدّس بكنائس الشرق لكنائس القديس إثناسيوس في مصر والشرق الأوسط، سابقًا، أن عدد النصارى الذين يشهرون إسلامهم سنويًّا في مصر وحدها يصل في المتوسط إلى 50 ألف نصراني.. وهذا الرقم تؤكده سجلات الأزهر الشريف التي تشير إلى أن عدد حالات التحول من النصرانية إلى الإسلام المسجلة رسميًّا بلغت مليونًا و150 ألف حالة خلال الفترة من 1995 إلى 2016، أي بمتوسط سنوي يزيد على 54 ألف حالة.

إن ظاهرة دخول النصارى في دين الإسلام بهذه المعدلات المتزايدة تقلق رجال الكنيسة المصرية كثيرًا، ولذلك فهم يسعون بشتى الطرق إلى تشكيك عوام المسلمين في دينهم، حيث يشكلون اللجان المتخصصة من أجل تحقيق هذه الغاية.. ويؤكد جمال زكريا أنه سبق وقد تم اختياره ضمن لجنة مهمتها محاربة الإسلام بالإسلام، وسلموا كل فرد من أعضاء هذه اللجنة نسخة من القرآن الكريم بهدف قراءته والخروج بسور وآيات تحتمل أكثر من معنى، ويتم نزعها من سياقها وتفسيرها بشكل خطأ وتعليمها للأطفال والشباب المسيحي من خلال دروس الأحد، حتى إذا اكتشف المسيحي أي تناقضات في الكتاب المقدس مستقبلًا يكون قد سبق إلى علمه أن القرآن الكريم وهو كتاب المسلمين المقدس يحتوي تناقضات أيضًا حسب زعمهم.

غير جمال زكريا أرمانيوس اسمه ليصبح "جمال زكريا إبراهيم"، وظل على مدى سنتين عقب إسلامه يحمل وشم الصليب على يديه.. ولأنه كان يشعر بالحرج عند ذهابه إلى المسجد وعلى يديه علامة لا يحملها إلا النصارى المتعصبون أخذ يضع ضمادات على هذين الصليبين بغرض إخفائهما، حتى تمكن من أزالتهما نهائيًّا بعملية جراحية بعد أن صبر عليهما لسنتين.

ما أن دخل جمال الإسلام حتى حمل هم الدعوة الإسلامية وسط بني جنسه، فأسلم على يديه خلال فترة وجيزة 15 من المسيحيين.

نختتم هذا القصة بالإشارة إلى أن الداعية جمال زكريا إبراهيم أصدر كتابًا يحمل عنوان: "لماذا اخترت الإسلام؟" يروي فيه رحلة الإنسان في البحث عن الحقيقة، مع إشارته إلى صعوبة هذا البحث عندما يتعلق الأمر بالعقيدة، لأنه من الصعوبة بمكان على الإنسان أن يبدل دينه الذي نشأ وتربى في ظله إلا إذا كان هذا التغيير والتبديل نابعًا عن اقتناع تام وهذا هو عين ما حدث معه شخصيًّا إذ لم يكن مسيحيًّا عاديًّا بل كان من رجال الكنيسة المخلصين لذلك ما أن وصل للحقيقة حتى قرر ألا يحتفظ بها لنفسه، وإنما عليه أن ينشرها للآخرين عساها تسهم في هداية من أراد الله تعالى أن يهديه للإسلام.

حقًّا إن رحلة البحث عن الحقيقة هي أهم رحلة في حياة الإنسان..

الرحلة التي يتزود بها الإنسان في رحلته الأبدية..

المهم أن يصل الإنسان إلى محطة الوصول قبل نهاية الحياة الدنيا!!

هذا الوصول.. نعمة من الله.. فاسألوا الله الهداية.. فبالله نهتدي إلى الله.

------------------------------------------

المصادر:

أرمنيوس، جمال زكريا (2006)؛ لماذا اخترت الإسلام؟ القاهرة: مكتبة النافذة.

صحيفة الشروق الجزائرية (2 إبريل 2015)؛ حوار مع جمال زكريا إبراهيم.

صحيفة الشرق الأوسط اللندنية (8 نوفمبر 2011)؛ حوار مع جمال زكريا إبراهيم.

 


تعليقات (
0
)

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وإنما هي وجهات نظر أصحابها فقط.