من الموضوعات القرآنية الجديرة بالتأمّل، تلك الخطبة العصماء التي سيلقيها إبليس على أتباعه من أهل جهنَّم يوم القيامة، حيث يخبرنا القرآن الكريم: بأنه لما يقضي اللَّه تبارك وتعالى في أمر الخلائق، ويدخل أهل الجنَّة الجنَّة وأهل النار النار، ويسدل الستار، هنا يقف إبليس خطيبًا في أهل النار، ويلقي على مسامع أنصاره وأعوانه من الإنس والجن خطبته الجهنميّة المشهورة، فيزدادون حسرات على حسراتهم، وآلامًا على آلامهم.
تأمّل واستمع إلى الكلمات التي تحتها خط فهي مضمون خطبة إبليس الجهنمية:
وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِن سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُوْمُوْنِي وَلُوْمُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّيْ كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُوْنِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِيْنَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيْمٌ (22) إبراهيم
تأمّل..
إنها آية مميزة في طولها، بل هي أطول آية في سورة إبراهيم!
عدد كلماتها 44 كلمة، وجاءت الخطبة الجهنميّة في 34 كلمة منها!
الكلمات الخمس الأخيرة من قول اللَّه عزّ وجلّ، بها تتضاعف حسرات أهل النار!
فالآية تصور مشهدًا رهيبًا من مشاهد العذاب النفسي للكفار والمشركين من أنصار إبليس!
فالشيطان يقرع مسامع أنصاره وأتباعه في خطبته الجهنميّة بهذه الكلمات، ويتبرأ منهم، فيتحسّرون عند ذلك أشد ما تكون الحسرة، ويندمون أيّما ندم، ويأتيهم الحكم من اللَّه عزّ وجلّ: (إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) فتزداد بذلك آلامهم، وهذا الحكم يتضمَّن تأييدًا ضمنيًّا من اللَّه عزّ وجلّ على كل ما قاله إبليس في خطبته!
وإذا تأمّلت البناء الرقمي للآية تجده بناءً عجيبًا يتناسب تمامًا مع مضمون الخطبة! لقد بدأ إبليس خطبته بعد 22 حرفًا من بداية الآية، وهذا العدد يماثل تمامًا رقم الآية، وهو 22، أي 11 + 11، ونصف عدد كلماتها، وهو 44 كلمة، 11 × 4، وفي ذلك كلّه يتجلَّى العدد 11، وهو عدد مرّات ذكر إبليس في القرآن الكريم.
إن الأرقام في القرآن الكريم لا يمكن أن تأتي هكذا عرضًا، وإنما لها مدلولها في سياق الموضوع والمعنى المراد فهمنا ذلك أم جهلناه. لقد جاءت خطبة إبليس من 34 كلمة! وإذا فكَّرنا في السبب الذي دفع إبليس للوقوف هذا الموقف المخزي نجده في أول آية رقمها 34 في المصحف، وهي هذه الآية:
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيْسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِيْنَ (34) البقرة
الإنسان عند لحظة الموت يتذكَّر كل أعماله، ويتحسَّر على كل معصية ارتكبها!
وكأن الشيطان، وهو يُلقي خطبته الجهنميّة الرهيبة وفي خاطره المشهد الأوّل، مشهد التمرُّد ورفض السجود!
لقد جاء اسمه بعد 34 حرفًا في أوّل آية رقمها 34، وهي كذلك الآية الأولى التي تتضمّن الأمر بالسجود!
رفض أمر ربه بالسجود لآدم في الآية رقم 34 فجاء اسمه بعد 34 حرفًا منها، وجاءت خطبته من 34 كلمة!
وجاء القرار بطرده من الجنّة في السورة التي ترتيبها رقم 15، وهذا هو عدد سجدات التلاوة في المصحف!
بل جاء القرار بطرده من الجنّة في الآية رقم 34 من سورة الحجر:
قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيْمٌ (34) الحجر
وفي ذلك إشارة إلى عدد السجدات المفروضة في اليوم واللَّيلة، وهي 34 سجدة!
إن كل كلمة من خطبته تعادل سجدة من سجدات الصلوات الخمس المفروضة!
وهنا يدفع النظام الرقمي القرآني باتجاه زيادة شدّة العذاب النفسي على الكافرين!
ومن المناسب أن تتأمّل هذا الحوار أيضًا:
وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيْسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِيْنَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِيْنٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُوْنُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيْهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِيْنَ (13) قَالَ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُوْنَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِيْنَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيْمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيْهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِيْنَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُوْمًا مَدْحُوْرًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِيْنَ (18) الأعراف
الآية الأولى رقمها 11 ويأتي اسم إبليس بعد 11 كلمة من بدايتها!
في هذا الحوار يقول إبليس 34 كلمة بعدد كلمات خطبته الجهنميَّة!
هكذا تتفاعل الأرقام بلغتها الخاصة مع روح النص!
بل هناك ما هو أعجب من ذلك كلّه! فتأمّل الآية مرّة أخرى:
وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُوْمُوْنِي وَلُوْمُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُوْنِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِيْنَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيْمٌ (22) إبراهيم
من جملة الحروف الهجائية هناك ثلاثة أحرف لم يرد أيّ منها في هذه الآية!
هذه الأحرف هي: حرف الثاء وترتيبه الهجائي رقم 4، والزاي وترتيبه رقم 11، وحرف الغين وترتيبه رقم 19
مجموع الترتيب الهجائي للأحرف الثلاثة التي تجاهلتها الآية = 34
وهكذا تتفاعل الأرقام وكأني بها تنطق لتقول إن إبليس رفض السجود لآدم، ولم يرفض السجود للَّه عزّ وجلّ! لقد دفعه كبره إلى ألَّا يسجد لآدم ظانًا أنه أفضل منه! أما أنتم أيها الكفار فقد رفضتم السجود لخالقكم.. وشتان بين الاثنين! إبليس كان يرى أن السجود للَّه عزّ وجلّ عزٌّ وشرف، والسجود لآدم ذلّ ومهانة، ولذلك قبل الأوّل ورفض الثاني! وإن الشيطان يعي تمامًا خطورة الشرك باللَّه عزّ وجلّ، وأنه ظلم عظيم، ولذلك حرص في خاتمة خطبته أن يتبرّأ من شرك أنصاره! وكأني به يقول لهم: إني لم أشرك باللَّه وأنتم أشركتم، ولم أرفض السجود للَّه وأنتم رفضتم! وبرغم ذلك فإنني عندما دعوتكم استجبتم! وعندما دعاكم ربكم وخالقكم أبيتم وأعرضتم!
عجيب هو أمر هذا الشيطان! رفض السجود لآدم، ولم يرفض السجود للَّه عزّ وجلّ، بينما يدعو أنصاره للسجود للأصنام والحجارة، وعدم السجود للَّه، ويدعو أنصاره للشرك باللَّه، وهو نفسه لم يشرك باللَّه، لأنه يعلم علم اليقين أن اللَّه هو ربه، وهو الواحد الأحد لا إله غيره، ولذلك جاء في قوله: (رَبِّ فَأَنْظِرْنِيْ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُوْنَ)!
تأمّل الذنب: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيْسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِيْنَ (34) البقرة
وتأمّل العقاب: قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيْمٌ (34) الحجر
وتأمّل المصير: الَّذِينَ يُحْشَرُوْنَ عَلَى وُجُوْهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا (34) الفرقان
الآن عُلم لماذا جاءت الخطبة الجهنميّة من 34 كلمة!
أَنَا!!!
تأمّل آية الخطبة الجهنميَّة من جديد:
وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُوْمُوْنِي وَلُوْمُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُوْنِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِيْنَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيْمٌ (22) إبراهيم
يتحدّث الشيطان عن نفسه في قلب الخطبة ويقول (أَنَا)!
فإذا تتبّعت حروف الآية تجد أن أول حرف من أحرف هذه الكلمة (أَنَاْ)، وهو حرف الألف، ترتيبه رقم 121 من بداية الآية، وهذا العدد = 11 × 11، ولا تنسَ أن رقم الآية 22، وأن إبليس بدأ خطبته بعد 22 حرفًا من بداية الآية، وهذا العدد = 11 + 11، وقد ورد اسم إبليس في القرآن الكريم 11 مرّة!
وأوّل أحرف (أَنَا) وآخرها، وهو حرف الألف، تكرّر في الآية 33 مرّة، وهذا العدد = 11 × 3
حرف الألف الذي بدأت به كلمة (أَنَا)، هو التكرار رقم 22 لحرف الألف من بداية الآية!
وحرف الألف الذي خُتمت به كلمة (أَنَا)، هو التكرار رقم 11 لحرف الألف من نهاية الآية!
تأمّل..
جاء ذكر إبليس في القرآن 11 مرّة!
هذه الآية جاءت من 44 كلمة، وهذا العدد = 11 × 4
هذه الآية رقمها 22، وهذا العدد = 11 × 2
هذه الآية عدد حروفها 187 حرفًا، وهذا العدد = 11 × 17
مجموع رقم الآية 22، وعدد كلماتها 44 = 66
مجموع ترتيب سورة إبراهيم وعدد آياتها = 66
وعد الحق
تأمّل كيف افتتح الشيطان خطبته:
وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ!
إذًا هناك اعتراف صريح من الشيطان، بأن وعد اللَّه هو (وَعْدَ الْحَقِّ)!
هذا هو الشيطان، وهذا هو اعترافه بالحقيقة!
الآن ما هو موقف الأرقام من هذا الاعتراف الصريح فهل ستؤيّده؟!
دعنا نَرَ الآن:
تكرّر حرف الواو في الآية 14 مرّة.
تكرّر حرف العين في الآية 6 مرّات.
تكرّر حرف الدال في الآية 4 مرّات.
تكرّر حرف الألف في الآية 33 مرّة.
تكرّر حرف اللَّام في الآية 21 مرّة.
تكرّر حرف الحاء في الآية مرّة واحدة.
تكرّر حرف القاف في الآية 4 مرّات.
هذه هي أحرف (وَعْدَ الْحَق) وقد تكرّرت في الآية 83 مرّة!
احتفظ بهذا العدد، وتأمّل:
تكرّر حرف الألف في الآية 33 مرّة.
تكرّر حرف اللَّام في الآية 21 مرّة.
تكرّر حرف الشين في الآية مرّتين.
تكرّر حرف الياء في الآية 10 مرّات.
تكرّر حرف الطاء في الآية مرّتين.
تكرّر حرف النون في الآية 15 مرّة.
هذه هي أحرف (الشَّيْطَانُ) وقد تكرّرت في الآية 83 مرّة!
تأمّل وتعجَّب:
الشيطان يعترف صراحة بأن وعد اللَّه هو (وَعْدَ الْحَق)!
(وَعْدَ الْحَق) يتألّف من 7 أحرف هجائية، تكرّرت في الآية 83 مرّة!
(الشَّيْطَانُ) يتألّف من 7 أحرف هجائية، تكرّرت في الآية 83 مرّة!
وقد تتعجَّب إذا علمت أن عدد كلمات سورة إبراهيم 830 كلمة!
7 عدد أوّليّ، وكذلك 83 عدد أوّليّ أيضًا!
ترتيب العدد 83 في قائمة الأعداد الأوّلية رقم 23، وهذا العدد أوّليّ أيضًا، وهو عدد أعوام الوحي!
قُضِيَ الأَمْرُ!
تأمّل مرّة أخرى كيف افتتح الشيطان خطبته:
وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ!
توقف عند هذا النص: (لمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ)!
فمن الذي قضى الأمر؟ إنه اللَّه عزّ وجلّ هو الذي قضى الأمر!
إذًا المعنى الدقيق لهذا النص هو (لمَّا قضى اللَّه الأمر)!
ولكن لم يرد اسم اللَّه في هذا النص!
والقاعدة العامة في النظم الرقمي القرآني هي أن كل ما سكتت عنه الألفاظ أفصحت عنه الأرقام!
فتأمّل إذًا:
تكرّر حرف القاف في الآية 4 مرّات.
تكرّر حرف الضاد في الآية مرّة واحدة.
تكرّر حرف الياء في الآية 10 مرّات.
تكرّر حرف الألف في الآية 33 مرّة.
تكرّر حرف اللَّام في الآية 21 مرّة.
تكرّر حرف الميم في الآية 25 مرّة.
تكرّر حرف الراء في الآية 5 مرّات.
هذه الأحرف السبعة هي حروف (لمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) وقد تكرّرت في الآية 99 مرّة!
99 هو عدد أسماء اللَّه الحسنى!
وتأمّل..
ورد ذكر إبليس في القرآن 11 مرّة!
بدأت الآية بكلمتين (وَقَالَ الشَّيْطَانُ) مجموع حروفهما 11 حرفًا!
جاء بعدهما ثلاث كلمات (لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ) مجموع حروفها 11 حرفًا!
بدأ إبليس خطبته بعد هذا النص مباشرة: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ!
مجموع حروف هذا النص 22 حرفًا، وهذا العدد = 11 + 11
هذا النص نفسه تضمَّن 11 حرفًا تحديدًا من الحروف الهجائية!
والأعجب من ذلك كلّه كيف تكرّرت حروف هذا النص ضمن الآية!
فتأمّل:
الحرف |
و |
ق |
أ |
ل |
ش |
ي |
ط |
ن |
م |
ض |
ر |
المجموع |
تكراره في الآية |
14 |
4 |
33 |
21 |
2 |
10 |
2 |
15 |
25 |
1 |
5 |
132 |
هذه الحروف وعددها 11 حرفًا هي حروف هذا النص (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ)!
وهو النص الذي جاء قبل خطبة إبليس الجهنميَّة!
وكما ترى فقد تكرّرت حروف هذا النص في الآية 132 مرّة، وهذا العدد = 11 × 11 + 11
إِبْرَاهِيمُ أم إِبرَٰهِيمُ؟!
قبل أن أسدل الستار على موضوع الخطبة الجهنميَّة، أودّ أن أتوقَّف معك قليلًا عند السورة التي وردت فيها هذه الخطبة، وهي سورة إبراهيم، ولكن قبل ذلك دعني أعرض عليك الآية مرّة أخيرة:
وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُوْمُوْنِي وَلُوْمُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُوْنِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِيْنَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيْمٌ (22) إبراهيم
تأمّل أوّل حرف في الآية، وهو حرف الواو الحرف رقم 27 في قائمة الحروف الهجائيّة.
حرف الواو هو الحرف الوحيد الذي تكرّر في هذه الآية 14 مرّة، وترتيب سورة إبراهيم في المصحف رقم 14
إذا جمعت الترتيب الهجائي لحرف الواو، مع مجموع تكراره في الآية يكون الناتج 41، وهو معكوس العدد 14
اسم (إبراهيم) ورد في سورة إبراهيم مرّة واحدة وقد حملت السورة اسمه.
تأمّل كيف جاءت آية إبراهيم في سورة إبراهيم بحسب قواعد الإملاء الحديثة:
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيْمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِيْ وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) إبراهيم
وتأمّل كيف جاءت آية إبراهيم في سورة إبراهيم بحسب الرسم العثماني للمصحف:
وَإِذ قَالَ إِبرَٰهِيمُ رَبِّ ٱجعَل هَٰذَا ٱلبَلَدَ ءَامِنا وَٱجنُبنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعبُدَ ٱلأصْنَامَ (35) إبراهيم
لاحظ الاختلاف في رسم اسم (إِبْرَاهِيمُ – إِبرَٰهِيمُ)!
بحسب الرسم العثماني للمصحف فإن (إِبرَٰهِيمُ) من 6 أحرف ليس بينها أي حرف مكرَّر.
وبحسب قواعد الإملاء الحديثة فإن (إبراهيم) من 7 أحرف بها حرف واحد مكرَّر، وهو حرف الألف.
الآن دعنا نخضع الرسمين للمسطرة الرقمية لنرى كيف تكرّر كل منهما في الآية رقم 22.. فتأمّل:
الحرف |
إ |
ب |
ر |
ا |
هـ |
ي |
م |
المجموع |
تكراره في الآية |
33 |
6 |
5 |
33 |
2 |
10 |
25 |
114 |
إذًا تكرّرت حروف (إبراهيم) بحسب قواعد الإملاء الحديثة في الآية 114 مرّة!
وتكرّرت حروف (إِبرَٰهِيمُ) بحسب قواعد الإملاء الحديثة في الآية 81 مرّة!
هناك اختلاف كبير بين العددين 81 و114 ولكن مدلولهما واحد! كيف يكون ذلك؟
تأمّل الترتيب الهجائي لأحرف (القرآن):
الحرف |
ا |
ل |
ق |
ر |
ا |
ن |
المجموع |
ترتيبه الهجائي |
1 |
23 |
21 |
10 |
1 |
25 |
81 |
وتكرّرت أحرف (إِبرَٰهِيمُ) بحسب الرسم العثماني في الآية 81 مرّة!
تكرّرت أحرف (إبراهيم) بحسب قواعد الإملاء الحديثة في الآية 114 مرّة!
العدد 114 هو مجموع سور القرآن، والعدد 81 هو مجموع الترتيب الهجائي لأحرف (القرآن)!
إذًا الدلالة واحدة في الحالتين فالرسمان كلاهما يشير إلى القرآن ولكن بأسلوبين مختلفين!
خاتمة نادرة
نعود إلى الخطبة الجهنميَّة لأهميتها!
إن أشدّ الناس حسرة يوم القيامة هو من يسمع هذه الخطبة مرتين!
يسمعها في الدنيا ولا يتَّعظ بها، ثم يسمعها من إبليس مباشرة في نار جهنم!
فتأمّل خاتمة الآية.. إِنَّ الظَّالِمِيْنَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيْمٌ!
وردت هذه الخاتمة في موضعين اثنين فقط في القرآن العظيم!
فتأمّل أين جاءت في الموضع الثاني:
أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوْا لَهُم مِنَ الدِّيْنِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِيْنَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيْمٌ (21) الشورى
آية سورة إبراهيم خُتمت بهذه الكلمات (إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيْمٌ) وعددها 21 حرفًا، ورقم آية الشورى 21
آية سورة الشورى خُتمت بهذه الكلمات (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيْمٌ) وعددها 22 حرفًا، ورقم آية إبراهيم 22
تأمّل هذا التناظر العجيب! وتأمّل كيف دخل حرف الواو على خاتمة آية الشورى ليحدث هذا التناظر!
بل الأعجب من ذلك أن عدد كلمات آية الشورى 22 كلمة، وعدد كلمات آية إبراهيم 44 كلمة أي 22 + 22
وقد رأينا كيف استهل الشيطان خطبته الجهنميَّة بعد 22 حرفًا من بداية الآية!
حوار مع إبليس!
ليس للإنسان عدو أشد ضراوة وأكثر حقدًا من إبليس، حتى إنه أوقف حياته كلها لإيذاء الإنسان والإيقاع به في شَرَك الشّرك والمعاصي؛ ولذا يجب الحذر كل الحذر من اتّباع خطوات هذا العدو المبين:
ولَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِيْنٌ (208) البقرة
في الآيات التالية يدور حوار مهم بين ربّ العزّة سبحانه وتعالى، وإبليس عليه لعنة اللَّه؛
بل إن هذا الحوار هو أخطر حوار يمكن أن تسمعه في حياتك فانتبه جيّدًا:
قَالَ يَا إِبْلِيْسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِيْنَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِيْنٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيْمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُوْنَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِيْنَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُوْمِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِيْنَ (83) قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُوْلُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِيْنَ (85) ص
تأمّل..
في هذا الحوار يقول اللَّه عزّ وجلّ لإبليس 41 كلمة!
41 هو مجموع تكرار أحرف اسمه عزّ وجلّ في الحروف المقطعة!
مجموع ما قاله إبليس في هذا الحوار 21 كلمة، وهذا العدد = 7 + 7 + 7
يختم إبليس حديثه بقسم غليظ جاء من 7 كلمات (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)!
كل كلمة من كلمات هذا القسم تقابل بابًا من أبواب جهنم السبعة!!
في الآية رقم (77) يطرد اللَّه عزّ وجلّ إبليس من الجنة (فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ)!
77 هو عدد تكرار اسم (جهنَّم) في القرآن الكريم!
والعدد 77 يساوي 11 × 7 (عدد تكرار اسم إبليس في القرآن × عدد أبواب جهنَّم)!
المشهد نفسه يتكرّر بشكل جديد في سورة الحجر، فتأمّل:
قَالَ يَا إِبْلِيْسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُوْنَ مَعَ السَّاجِدِيْنَ (32) قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُوْنٍ (33) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيْمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ (35) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُوْنَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِيْنَ (37) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُوْمِ (38) قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِيْنَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيْمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِيْنَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِيْنَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُوْمٌ (44) الحجر
تأمّل..
في هذا الحوار يقول إبليس 28 كلمة، وهذا العدد يساوي 7 × 4
الحوار الأوّل جاء في سورة ص، وعدد آياتها 88 آية، وهذا العدد يساوي 11 × 8
الحوار الثاني جاء في سورة الحجر، وعدد آياتها 99 آية، وهذا العدد يساوي 11 × 9
مجموع ما قاله إبليس في الموضعين 49 كلمة، وهذا العدد = 7 × 7
تأمّل الآية الأخيرة من النص السابق:
لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُوْمٌ (44) الحجر
وتأمّل كيف جاء لفظ (سَبْعَةُ) الذي يشير إلى عدد أبواب جهنم في ترتيب الكلمة رقم 7 من نهاية النص!
وتأمّل اسم (الشَّيْطَانُ) نفسه، وكيف جاء من 7 أحرف، بعدد أبواب جهنّم!
وتأمّل أماني الشيطان الزائفة، وكيف جاءت في 7 كلمات بعدد أبواب جهنّم:
يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيْهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوْرًا (120) النساء
إنها الأماني الشيطانية الزائفة! وهي من أشد مداخل الشيطان على بني البشر، ومن خطورتها أن الناس غافلون عنها إلّا من رحم اللَّه.. إنها وحي الشيطان إلى أوليائه من الأنس يهوِّن عليهم دخول الجنة وهم لم يقدِّموا من أجلها شيء، فيأتي إلى الإنسان ويقول له أنت أفضل من فلان، وأنت أرفع درجة عند اللَّه منه، وإن اللَّه غفور رحيم ورؤوف كريم، وهكذا يكيل الشيطان لأوليائه بهذا المكيال الزائف، ويظل يفتّ في عضد الإنسان حتى يضعف من همّته وعزيمته، وتهون في نظره المعاصي. يقول الحسن البصري- رحمه اللَّه- في ذلك: "إن قومًا ألهتهم الأماني حتى خرجوا من الدنيا وما لهم حسنة ويقول أحدهم: إني أحسن الظن بربي؛ وكذب لو أحسن الظن لأحسن العمل".
إن الشيطان، وهو محروم ومطرود من الجنة، يضمن للجميع دخولها، وبرغم ذلك يجد من يصدّقه ويتبعه!
وإن أبانا آدم عليه السلام أخرجه اللَّه عزّ وجلّ من الجنة وأنزله إلى الأرض، بسبب ذنب واحد اقترفه!
نعم.. ذنب واحد فقط!
فهذا هو النهي: وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ!
وهذا هو الذنب: فَأَكَلَا مِنْهَا!
فتأمّل يا رعاك اللَّه كم من أمر نهانا عنه رب آدم في القرآن ولم ننته:
وَلَا تَقْرَبُوْا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ!
وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيْلًا!
وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيْمِ إِلَّا بِالَّتِيْ هِيَ أَحْسَنُ!
تِلْكَ حُدُوْدُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوْهَا!
فتأمّل كم من ذنب لأبينا لآدم ننغمس فيه، واللّه نهانا عن القرب منه!
وتأمّل يا رعاك اللَّه كم من شجرة للخطيئة نأكل منها كل يوم، ولا نتعظ بصاحب الشجرة الأوّل!
--------------------------------------------------------------------------
المصدر:
مصحف المدينة المنَّورة برواية حفص عن عاصم (وكلماته بحسب قواعد الإملاء الحديثة).