عدد الزيارات: 5.0K

المقارنة العجيبة


إعداد: الدكتور/ أحمد محمد زين المنّاوي
آخر تحديث: 20/03/2019 هـ 19-01-1438

 

السعادة.. كلمة السر في حياة الإنسان..

الكنز المفقود الذي يبحث عنه الجميع.. برغم وضوحه التام..

لذا تجد المؤمنين يعرفون طريقه ومصدره.. يرونه جليًّا.. يملكونه بالفعل..

بينما غير المؤمنين يتخبطون.. فلا يجدونه أبًدا.. لأنهم يبحثون في المكان الخطأ..

إنه الإيمان.. وحده سر السعادة..

الإسلام.. وكفى به نعمة من الله..

بطل قصتنا اكتشف ذلك بعد أن عاش مقارنة عجيبة.. حيث نشأ في بيئة مسيحية بروتستانتية.. تأثره بالفلسفة الوجودية جعله ينظر إلى الأديان كمعتقدات خرافية.. عمله بالصحافة مكّنه من زيارة العديد من البلدان.. سافر إلى السويد في نهاية الحرب العالمية الثانية وعمل بها مراسلًا صحفيًّا لأكثر من خمس سنوات.. لاحظ تعاسة الناس هناك برغم رفاهيتهم المترفة.. سافر إلى بعض البلدان الإسلامية.. وجد المسلمين يعيشون في سعادة وهناء على الرغم من فقرهم المدقع.. تساءل في دهشة: لماذا يشعر المسلمون بالسعادة الغامرة في بلدانهم على الرغم من مظاهر الضنك والفقر والتخلف الشديد التي تتسم بها حياتهم؟! ولماذا يشعر السويديون بالتعاسة والضيق برغم سعة العيش والرفاهية والتقدم الذي يعيشون فيه؟! هذان السؤالان دفعاه إلى دراسة الإسلام بعمق.. فانتهى به الأمر إلى اعتناقه.. إنه المفكر السويسري روجيه دوباكييه بطل هذه القصة.

المقارنة العجيبة بين مستوى السعادة في كل من السويد والدول الإسلامية التي زارها بطل قصتنا جعلته يفكر بعمق في معنى الحياة، كما دفعته إلى تأملها من خلال النموذجين السابق ذكرهما.. فقال في ذلك: "كنت أسأل نفسي: لماذا يشعر المسلمون بالسعادة الغامرة في حياتهم على الرغم من أنهم يرزحون تحت نير الفقر والتخلف؟! في المقابل لماذا يشعر السويديون بالتعاسة والضيق على الرغم من سعة العيش والرفاهية التي يعيشون فيها؟! ليس في السويد فحسب بل حتى في بلدي (سويسرا) كنت أشعر بنفس التعاسة التي يشعر بها السويديون، على الرغم من أن سويسرا بلد تتميز فيه الحياة بالرخاء، ومستوى المعيشة مرتفع!"

أضاف روجيه قائلًا: "ما سبق ذكره دفعني إلى أن أدرس وأبحث في ديانات الشرق.. بدأت بحثي بدراسة الديانة الهندوكية فلم أجد فيها ما يقنعني.. تحولت إلى دراسة الدين الإسلامي.. شدتني إليه حقيقة أنه لا يتعارض مع الديانات الأخرى، ولا يعمل على إقصائها، وإنما يتسع لها جميعها.. ولا غرابة فهو خاتم الأديان.. نعم إنها حقيقة ظللت أزداد يقينًا بصحتها كلما توسعت في قراءاتي.. رسخت تلك الحقيقة في ذهني تمامًا عقب اطلاعي على مؤلفات الفيلسوف الفرنسي المعاصر "رينيه جينو" الذي اعتنق الإسلام.. الحقيقة وكما هو الحال مع الكثيرين ممن تأثروا بكتابات هذا الفيلسوف الفرنسي واعتنقوا الإسلام، اكتشفت أن الإسلام يعطي معنًى حقيقيًّا للحياة، على عكس الحضارة الغربية التي تسيطر عليها المادية.. فهذه الأخيرة لا تؤمن بالحياة الآخرة، وإنما تؤمن فقط بهذه الدنيا".

وهكذا نجد أن "روجيه دوباكييه" تأثر بفكر الفيلسوف الفرنسي "رينيه جينو" الذي اعتنق الإسلام، كتأثره السابق بالسعادة التي وجد المسلمين يعيشون في كنفها عند زيارته للدول الإسلامية.. لقد وجد المسلمين كما سبق ذكره يعيشون سعداء برغم الظروف المادية السيئة التي يعيشون في ظلها.. انبهر بشدة عندما وجد نفوسهم تتمتع بقدر كبير من الإيمان الراسخ.. بل اندهش عندما وجدهم لا يعانون الأزمات الأخلاقية التي يعانيها أهل الغرب، تلك الأزمات التي جعلت كثيرًا من الشباب يهربون من الحياة بالانتحار أو بتعاطي المخدرات، الأمر الذي يعني أن الحياة في نظرهم ليس لها معنى أو قيمة.

وصل المفكر السويسري روجيه دوباكييه إلى نتيجة يعبر عنها بقوله: "لقد اتضح لي أن الإسلام بمبادئه القويمة يبسط السكينة في النفس.. على عكس الحضارة الغربية المادية التي تقود أصحابها إلى اليأس نتيجة للخواء الروحي لأنهم لا يؤمنون بأي شيء.. كما اتضح لي أن الأوروبيين لم يدركوا حقيقة الإسلام، لا لشيء إلا لأنهم يحكمون عليه بمقاييسهم المادية".

وعندما سئل روجيه دوباكييه عن الشيء الذي جذبه نحو الإسلام قال: "في البدء، جذبتني إلى الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله.. إذ اكتشفت أن الإسلام دين متكامل ليس به فراغ، وأن كل شيء فيه مرتبط ومحكوم بالقرآن والسنة.. وحسب اعتقادي أن بإمكان الإنسان التأمل في هذه الشهادة طوال حياته". 

فمن ناحية تقول الشهادة: لا إله إلا الله.. وهذا يعني أنه ليس هناك حقيقة نهائية ودائمة سوى الله.. في المقابل تقول الفلسفة الحديثة -الفلسفة الوجودية وغيرها- إنه ليس هناك حقيقة سوى هذه الدنيا.. وقد أصبت بالدهشة عندما وجدت أن الإسلام يعبر عن الحقيقة التي تناساها كل من العلم والفلسفة الحديثة".

بعد لحظات من التأمل استطرد روجيه دوباكييه يقول: "لقد تأثرت كثيرًا بالقرآن الكريم عندما بدأت أدرسه، وتعلمت وحفظت بعض آياته الكريمة.. والحمد لله أستطيع الآن أن أقرأ فيه باللغة العربية: وتستوقفني كثيرًا الآية الكريمة: "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" (آل عمران: 85).

ويضيف المفكر السويسري روجيه دوباكييه قائلًا وقد غمرته السعادة: "قرأت السنة النبوية الشريفة كذلك، وتأثرت بما ورد فيها من حكم وبيان دقيق".

لقد أعلن "روجيه دوباكييه" إسلامه أمام الملأ، إذ وجد أنه ليس هناك مبرر لإخفائه، وكان قبل إشهاره لإسلامه نشر مقالات كثيرة عن الإسلام في صحف غير إسلامية مثل صحيفة "جورنال دي جنيف"، وصحيفة "جازيت دي لوزان".. وقد دافع في تلك المقالات عن قضايا الإسلام كمسلم مخلص متحمس وجد نفسه في دين الإسلام.

وعبّر روجيه عن رأيه في المكابرين الذين ينتقدون الإسلام ويتهمونه بالتخلف، في ثبات الواثق برأيه مقابل رأي يراه مدعاة للسخرية بل ويحمد الله سبحانه وتعالى على أن تقدُّم الإسلام تقدُّم حقيقي لا يشبه ذلك التقدُّم المادي المزيف الذي يعيشه أهل الغرب والذي يقودهم إلى هاوية سحيقة.. ويشير إلى أن تقدُّم الإسلام لو كان يشبه التقدُّم المادي الذي يقصدونه لما أثار انتباهه ولا انتباه العديد من المفكرين الذين وجدوا فيه الخير والسعادة للبشرية.

 ففي رأيه أن الإسلام يعبر عن شيء خالد لا يحده زمان ولا مكان، وبالتالي فإن وصفه بالتخلف لا يعدو كونه نوعًا من السخف ودليل على جهل أو مكابرة قائله.. فالتقدم الذي يتشدق به الغربيون لم يقدهم إلا إلى اليأس والضياع الناتجين من الفراغ الروحي.. فالحضارة والمدنية الحديثة تمثلان صراعًا حادًّا مدمرًا بين الإنسان من جهة والمادة والحياة من جهة أخرى، أما الإسلام فهو يعبر عن التقدم الحقيقي وعن الحقيقة المطلقة التي فيها نفع خالد لبني البشر، بالتالي لو سلك الإسلام طريق التقدم بفهمهم القاصر للتقدم والرقي لانتهى به المطاف إلى عاصفة هوجاء من الفوضى والدمار واليأس وكل المهلكات التي وصلت لها حياة أهل الغرب.

وفي إطار رأيه عمّا يثار حول الفرق بين الإسلام كدين، والمسلمين كأشخاص أشار إلى قصة يرى أن فيها الرد على ذلك إذ قال:

لديّ صديق يدعى "محمد أسعد" ترك اليهودية واعتنق الإسلام وهو في السادسة والعشرين من عمره .. أصبح محمد أسعد من علماء الإسلام، وله مؤلفات كثيرة من بينها كتاب يحمل عنوان "الطريق إلى مكة"... قابلته في باكستان حيث يعيش هناك وسألته نفس هذا السؤال: هل هناك فرق بين الإسلام كدين والمسلمين كأشخاص؟ رد عليّ قائلًا: نحن لم نعتنق الإسلام بسبب المسلمين، وإنما لأن الإسلام يعتبر حقيقة لا ينكرها أحد.

نعم صحيح ما يقال إن هناك تدهورًا في حال المسلمين ولكن تبقى الحقيقة أن التدهور عند أصحاب الأديان الأخرى أكثر مما هو عليه وسط المسلمين.. حتى لو كان المسلمون في حالة تدهور فإن دينهم مؤهل وقادر على منحهم السكينة والاطمئنان والحياة السعيدة التي تعينهم على التغلب على تلك الأزمات الأخلاقية التي يعيشها الغرب.

وعن تفسيره لظاهرة الإقبال الملحوظ على اعتناق الإسلام من قبل الأوروبيين أرجع السبب إلى الأزمة التي يعيشها الأوروبيون نتيجة للنهج المادي الأعمى الذي تسير عليه الحضارة والمدنية الحديثة.. لقد وجد الأوروبيون أنفسهم يعيشون في حالة خواء روحي مريع ويأس مدمر جرّاء افتقارهم إلى الإيمان بأي شيء سوى المادة، ما جعلهم يتيهون حيارى في أغوار أنفسهم وفيما حولهم بحثًا عن معنى حقيقي لحياتهم.. وعندما وجدوا ضالتهم المنشودة في الإسلام أقبلوا عليه دونما تردد..

كيف لا وهو سر سعادتهم التي ظنوها في المادة والثراء والرفاه..

بالتجربة.. والموضوعية في دراسة الإسلام..

اكتشفوا الحقيقة.. حقيقة الإسلام.. حقيقة السعادة.. فسعدوا..

أسلموا.. اغتنموا الكنز.. أقبلوا على القرآن.. استمعوا لكلام خالقكم..

اسألوا الله الهداية.. فبالله نهتدي إلى الله.

--------------------------------------------

المصادر:

أديب، الطيب (2012)؛ عباقرة الغرب لماذا أنصفوا الإسلام؟ القاهرة: دار المعرفة للنشر والتوزيع.

الألفي، أسامة (2005)؛ لماذا أسلموا؟ القاهرة: أطلس للنشر والإنتاج الإعلامي.

برير، الصادق أحمد عبد الرحمن (2010)؛ عظماء أسلموا؛ الرياض: دار الحضارة للنشر والتوزيع.

فارس، نايف منير (2010)؛ علماء ومشاهير أسلموا؛ الكويت: دار ابن حزم.

معدِّي، الحسيني الحسيني (2009)؛ الإنجيل قادني إلى الإسلام؛ حلب: دار الكتاب العربي.

 


تعليقات (
0
)

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وإنما هي وجهات نظر أصحابها فقط.