عدد الزيارات: 4.1K

النجم الزاهد


إعداد: الدكتور/ أحمد محمد زين المنّاوي
آخر تحديث: 20/03/2019 هـ 18-04-1438

سبحان من بيده القلوب.. يقلّب ويثبّت منها ما يشاء!!

سبحان من يغيّر ولا يتغيّر..

إنسان واحد.. باسمين ودينين وتاريخين وفريقين من المعجبين..

كات ستيفنز اسم موسيقي ساحر لا يكاد ينطق في الثلث الأخير من القرن العشرين حتى تتوقف أنفاس مئات الآلاف من الشباب.. إنه إمبراطور جيله!!

يوسف إسلام اسم وضيء لا يكاد ينطق الآن حتى تغمر السعادة نفوس مئات الملايين من المسلمين!!

بين الاسمين بون شاسع من المعجبين وبين التاريخين قصة باهرة تستحق أن تروى!!

هذا الأسطورة.. بطل قصتنا.. ولد لأسرة تدين بالمسيحية.. نشأ في بيئة مترفة مرفهة تغمرها أضواء العمل الفني.. تعلم من الكنيسة حقيقة وجود الله لكن مع استحالة الوصول إليه دون وسيط.. لم يكن مقتنعًا بالتعاليم المسيحية لكنه صمت احترامًا لمعتقدات والده الدينية.. انخرط في عالم الموسيقى والغناء فأصبح مشهورًا واسع الثراء.. حققت مبيعات ألبوماته ما يقارب 60 مليون نسخة.. أصبح المال همّه الأوحد.. رغبته في الوصول إلى فائق القدرات دفعته إلى الانغماس في عالم الخمور والمخدرات.. دخل المستشفى لإصابته بالسل.. شعر بمدى ضعفه.. تذكر الموت فبدأ يكتسب عادات روحانية.. بدأ رحلة البحث عن الحقيقة.. اعتنق البوذية فهجرها هربًا من الرهبانية.. حاول أن يجد ضالته في علم الأبراج وفي كثير من المعتقدات بيد أنه لم يجدها.. وأخيرًا وجد ضالته المنشودة في الإسلام.. من هو: إنه المغني الإنجليزي المعروف ستيفنز الذي غيّر اسمه إلى يوسف إسلام أما كيف وجد ضالته؟ فهذا هو ما سوف نعرفه من خلال قصة إسلامه.

ولد ستيفن ديمتري جورجيو في 21 يوليو 1947 بلندن لأم سويدية وأب من القبارصة اليونانيين وتربى في حي ويست إند بلندن في شقة تقع فوق المطعم الذي يملكه والداه. كان يعتنق مذهب الأرثوذكس ومع ذلك تلقى تعليمه في مدرسة كاثوليكية.. تعلّم من أسرته ومن الكنيسة أن الله موجود مع استحالة التواصل معه مباشرة دونما وسيط، كما تعلّم أن عيسى هو الباب الوحيد للوصول إلى الله.. وعلى الرغم من اقتناعه الجزئي بهذه الفكرة فإن عقله –الذي ما زالت به بقايا من الفطرة السليمة- لم يتقبلها تمامًا.. ليس هذا فحسب بل كانت تساوره الشكوك في الكثير من التعاليم والطقوس المسيحية؛ فتماثيل النبي عيسى –وعلى العكس من بني جلدته- كان ينظر إليها كحجارة جامدة لا نفع فيها ولا حياة، أما فكرة التثليث فقد كانت تقلقه وتؤرق مضجعه، ولكن على الرغم من ذلك لم يكن يناقش أو يجادل أحدًا في كل ما ورد ذكره من أمور برًّا بوالده واحترامًا لمعتقداته الدينية.

شيئًا فشيئًا بدأ ستيفنز يبتعد عن معتقدات الدين المسيحي.. وفي المقابل انخرط في مجال الموسيقى والغناء رغبة منه في أن يصبح مغنيًا مشهورًا.. وتدرّج في هذا المجال حتى تحقق له حلمه المنشود من الشهرة، بل حصل على 8 ألبومات ذهبية متتالية، كما حازت أغانيه شهرة واسعة في كل من بريطانيا والولايات المتحدة.. خلبت لبّه حياته البراقة الجديدة فأصبحت إلهه كما يقول.. أما الثراء المطلق فقد تحول إلى هدف أساسي في حياته، متأسيًا في ذلك بأحد أخواله الذي كان واسع الثراء، هذا إلى جانب تأثره بأفراد مجتمعه الذين اتخذوا من الدنيا إلهًا يعبدونه.. وهنا تجدر الإشارة إلى أن ستيفنز اتخذ في تلك المرحلة من كبار مطربي البوب العالميين قدوة له ومثالًا أعلى.

انغمس بطل قصتنا في مباهج الحياة بكل طاقته.. وقبل أن يكمل العقدين من عمره الفني صنعت منه أجهزة الإعلام أسطورة يشار إليها ببنان الخيال.. وحتى يتجاوز حدود الزمن ويصل سريعًا إلى فائق القدرات انغمس تمامًا في عالم الخمور والمخدرات.. لكن، على الرغم من حياته الصاخبة وأغانيه التي أوصلته إلى قمة الشهرة والغرور، كان مكتئبًا يبحث عن السعادة ومتنازعًا يشعر بنفسه يفتقر إلى الطمأنينة والسكينة التي عبّر عنها قائلًا: "عندما كنت في القمة، كنت أنظر إلى أسفل خوفًا من أن أسقط من القمة، وبدأ القلق ينتابني، وبدأت أشرب زجاجة خمر كل يوم لأستجمع الشجاعة كي أغني.. كنت أشعر أن الناس حولي يلبسون أقنعة، ولا أجد من يكشف عن وجهه القناع.. قناع الحقيقة.. كان لا بد من النفاق حتى تبيع وتكسب.. وحتى تعيش.. وشعرت أن هذا ضلال، وبدأت أكره حياتي، واعتزلت الناس، وأصابني المرض، ونقلت إلى المستشفى مريضًا بالسل.. وكانت فترة المستشفى خيرًا لي، حيث إنها قادتني إلى التفكير، حيث بدأت أفكر، إلى أن هداني الله". 

لحكمة إلهية أصيب ستيفنز بداء السل فدخل المستشفى ما أدخله في استراحة إجبارية من اللهاث وراء الكسب الدنيوي الزائل الرخيص.. وأثناء وجوده بالمستشفى أخذ يفكر في حاله وينظر إلى حياته بمنظار مختلف.. ولأوّل مرة في حياته يفكّر في الموت ويدرك أن هناك مصيرًا حتميًّا وحياة أخرى في انتظاره.. بدأ يكتسب عادات روحانية إيجابية مثل التفكّر والتأمّل.. وبحثًا عن الصفاء الروحي أصبح نباتيًّا، كما أصبح يؤمن بقوة السلام النفسي ويتأمّل الزهور.. وأهم ما خرج به من المستشفى قبل صحة الجسد إدراكه حقيقة أنه ليس مجرد جسد، كما أدرك أنه إنسان ذو إرادة.. وعقب شفائه عاد إلى عالم الغناء والموسيقى من جديد، ولكنها عودة اكتست بطابع أفكاره الجديدة التي أدهشت الكثيرين؛ فمن ضمن أغنيات المرحلة الجديدة أغنية قال فيها: "ليتني أعلم من خلق الجنة والنار.. ترى هل سأعرف هذه الحقيقة وأنا في فراشي.. أم في حجرة مترية.. بينما يكون الآخرون في حجرات الفنادق الفاخرة"!!.

كما كتب كذلك أغنية أخرى تحمل اسم "الطريق إلى معرفة الله".

صراع نفسي رهيب دار بين قطبين متنافرين: شهرته المتزايدة وبحثه المتواصل عن الحقيقة.. بدأ رحلة بحثه عن ضالته المنشودة بتفكيره في اعتناق البوذية، بيد أن ما تتمتع به الأخيرة من رهبانية جعله يبتعد عنها، إذ لم يكن مستعدًا لترك المتاع الدنيوي ويتحول إلى راهب بوذي معزول عن العالم.. ترك البوذية برهبانيتها جانبًا وأخذ يبحث عن الحقيقة في الكثير من المعتقدات بما فيها علم الأبراج أو الأرقام بيد أنه فشل في بحثه.. في تلك الفترة، وتحديدًا في عام 1975، تعرّف إلى الإسلام عبر أخيه الذي سافر إلى القدس ثم عاد مبهورًا بالحركة المذهلة التي وجدها تعج بين جنبات المسجد الأقصى.. قارن أخوه تلك الحيوية بحال الكنائس والمعابد اليهودية التي اعتاد على رؤيتها أكثر خواء من فؤاد أم موسى فحسبها نقطة في مصلحة الإسلام.. لم يكتف أخوه بما حكاه له عن القدس بل أحضر له نسخة مترجمة من معاني القرآن الكريم عساه يجد فيها ضالته، إذ أعجبته على الرغم من كونه غير مسلم.

قرأ الكتاب الكريم فوجد فيه الهداية التي ظل يبحث عنها السنين الطوال؛ فقد أخبره عن حقيقة وجوده وعن الهدف من الحياة، وعندها أيقن أن الإسلام هو الدين الحق وأن حقيقته تختلف تمامًا عن فكرة الغرب عنه.. من ناحية ثانية انبهر ستيفنز بحقيقة أن الإسلام ديانة عملية وليست مجرّد معتقدات يستعملها المرء عندما يكبر في السن وتقل رغبته في الحياة، كما هو حال المعتقدات الأخرى.

أكثر من هذا توصل ستيفنز إلى أنه لا توجد علاقة بين التزام الدين والتطرّف، كما يرى أهل الغرب، كما أعجبته كثيرًا في الإسلام العلاقة التكاملية المثلى بين الروح والجسد، حيث لا انشغال تام بالمتاع الدنيوي كما هو حال بني جنسه، ولا رهبانية تعزل المرء عن العالم كتلك التي نفّرته من البوذية.. أيضًا عرف أن على المرء أن يخضع لإرادة الله إن كان ينشد السمو والرقي.. وهو رقي يمكن أن يرفعه -أي المرء- إلى مرتبة الملائكة.. وعندما وصل إلى تلك النقطة قويت رغبته في اعتناق الإسلام. وفي طور تعلمه للإسلام أصبح معلّمًا أيضًا فتستضيفه جامعات بريطانية عريقة مثل كامبرديج وأكسفورد للحوار عن حياته والدين الإسلامي.

وهنا يقول ستيفنز: "بدأت أتنازل عن تكبري لأنني عرفت خالقي وعرفت أيضًا السبب الحقيقي وراء وجودي وهو الاستسلام التام لتعاليم الله والانقياد له وهو ما يعرف بالإسلام.. وعندها فقط اكتشفت أنني مسلم في أعماقي.. وعند قراءتي للقرآن علمت أن الله أرسل الرسل كافة برسالة واحدة بيد أن اليهود لم يتقبلوا المسيح لأنهم غيّروا كلامه.. بل إن المسيحيين أنفسهم لم يفهموا رسالة المسيح ووصفوه بأنه ابن الله.. إن كل ما قرأته في القرآن من الأسباب والمبررات بدا لي معقولًا ومنطقيًّا".

ويشير ستيفنز إلى آيات الله الكونية فيقول: "يكمن جمال القرآن في حقيقة أنه يدعوك إلى أن تتأمّل وأن تتفكّر، وأن لا تعبد الشمس أو القمر، بل تعبد الخالق الذي خلق كل شيء.. فالقرآن الكريم أمر الإنسان أن يتأمّل الشمس والقمر وأن يتأمّل مخلوقات الله جميعها.. فعندما صعد رواد الفضاء إلى أعلى ولاحظوا صغر حجم الأرض مقارنة بالفضاء الخارجي أصبحوا مؤمنين بالله لأنهم شاهدوا آيات قدرته".

ويضيف ستيفنز قائلًا: "بقراءتي للقرآن عرفت الكثير عن الصلاة والزكاة وحسن المعاملة فأدركت أن القرآن هو ضالتي المنشودة ولكني أبقيت ما بداخلي سرًّا لم أبح به إلى أحد.. وعندما قرأت أنه لا يحل للمؤمنين أن يتخذوا أولياء من الكفار تمنيت أن ألقى إخواني في الإيمان.. فكّرت آنذاك في زيارة القدس تأسّيًا بما فعله أخي، وهذا ما قمت به بالفعل.. وهناك وبينما أنا أجلس داخل المسجد سألني رجل: ماذا تريد؟ فأخبرته بأني مسلم.. سألني عن اسمي فقلت له: "ستيفنز".. تحير الرجل وبانت الحيرة على وجهه!! انضممت إلى صفوف المصلين.. حاولت تقليدهم في حركاتهم قدر المستطاع.. عقب عودتي إلى لندن وفي عام 1977 قابلت أختًا مسلمة تدعى نفيسة فأخبرتها برغبتي الملحّة في اعتناق الإسلام.. دلتني على مسجد "نيو ريجنت".. كان ذلك بعد عام ونصف العام تقريبًا من قراءتي للقرآن.. ذهبت إلى المسجد المعني.. وفي يوم الجمعة وعقب انتهاء الصلاة اقتربت من الإمام وأعلنت الشهادة بين يديه وغيّرت اسمي إلى يوسف إسلام".

ويختم يوسف إسلام حديثه قائلًا: "أدعو الله أن تكون في قصتي عبرة لمن يقرؤها.. وأشير هنا إلى أنني لم أقابل أي مسلم قبل اقتناعي بالإسلام ولم أتأثر بأي شخص.. فعقب قراءتي للقرآن الكريم توصّلت إلى أنه ليس هناك إنسان كامل، وتوصلت في الوقت ذاته إلى أن الإسلام هو دين كامل.. وتوصلت إلى قناعة مفادها أننا إن قمنا بتطبيق تعاليم الإسلام الواردة في القرآن الكريم وفي السنة النبوية فسوف ننجح في هذه الحياة".. وهو يرى أن على المسلمين أن يتواضعوا ويتركوا كل أنواع السلوك التي لا تشبه الإسلام، وأشار إلى أن الخطر على الإسلام يأتيه من قبل أولئك المسلمين الذين يعطون بسلوكهم مثالًا سيئًا يحسب عليه..

هناك نوعان من الفتنة على الإنسان الباحث عن الحق..

المسلم الذي لا يعبر عن قيم الإسلام!!.. فتنة..

وغير المسلم المتصف بصفات جميلة.. صفات الإسلام!!.. فتنة.. 

أنت.. يا من تبحث عن الحق.. اعرف الرجال بالحق.. ولا تعرف الحق بالرجال!!

الحق شاهد.. لا مشهود عليه.. اعرف الإسلام من الإسلام!!

فها هو مغني البوب البريطاني الشهير مالك الثروة والجاه، وحاصد الميداليات الذهبية يركل الشهرة والثراء في لحظة ويعتنق الإسلام حيث يجد السعادة الحقيقية التي كان ينشدها..

للباحثين عن المال.. ستيفن ديمتري بلغ من الثراء حدًّا مذهلًا.. فلم يجد السعادة!!

للباحثين عن الشهرة.. ستيفن ديمتري بلغ من الشهرة ما طبق الآفاق.. فلم يجد السعادة!!

للباحثين عن المتعة.. ستيفن ديمتري لم يترك مجالًا للاستمتاع مما عرفه البشر إلا وارتوى من بحره.. فلم يجد السعادة!!

وحده الإيمان بالله.. وحده الإسلام هو ما وجد فيه السعادة..

فعندما يجد الإنسان العادي غير المسلم، الساعي إلى السعادة، أن غيره من الذين وصلوا إلى ما يبحث عنه من أسباب السعادة.. ولكنهم لا يشعرون بالسعادة!!.. يتأكد له بالدليل العملي أن هذه الأسباب ليست الوسيلة المثلى للسعادة..

وفي هذا حكمة إلهية لهداية غير المسلمين..

حكمة تؤكد لهم أن السعادة في الإيمان بالله..

فما بالنا حين لا يشعر بالسعادة من أصبح أسطورة في عالم الشهرة والثراء؟!!

وما بالنا لو ترك هذا كلّه ليجد السعادة في الإسلام؟!

وما بالنا لو أصبح داعية إلى الإسلام؟!!

بل أنشأ المدارس الإسلامية؟!

هل نحتاج بعد ذلك دليلًا على أن الإسلام هو الدين الحق؟

سؤال يجب أن يجيب عنه كل إنسان باحث عن الحقيقة..

اسألوا الله الهداية.. فبالله نهتدي إلى الله.

-------------------------------

المصادر: 

ابن علي، أبو إسلام أحمد (1429 هـ)؛ عادوا إلى الفطرة: 70 قصة حقيقية مؤثرة؛ مكتبة صيد الفوائد: http://www.saaid.net

الألفي، أسامة (2005)؛ لماذا أسلموا؟ القاهرة: أطلس للنشر والإنتاج الإعلامي.

المدرس، علاء الدين شمس الدين (2009)؛ القرآن يقوم وحده؛ بغداد: مكتبة أنوار دجلة.

الموسوعة الحرة (يوسف إسلام): https://ar.wikipedia.org/wiki          

فارس، نايف منير (2010)؛ علماء ومشاهير أسلموا؛ الكويت: دار ابن حزم.

محمود، عبد الرحمن (2005)؛ رحلة إيمانية مع رجال ونساء أسلموا؛ المكتبة الإسلامية الشاملة.

 


تعليقات (
0
)

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وإنما هي وجهات نظر أصحابها فقط.