عدد الزيارات: 2.9K

تساؤلات صليبية


إعداد: الدكتور/ أحمد محمد زين المنّاوي
آخر تحديث: 31/08/2019 هـ 01-01-1441

الإنسان.. هو الإنسان..

في شرق الأرض.. في غربها.. هو الإنسان..

مخلوق لله.. مفطور على حب الله.. الانقياد والاحتياج إلى خالقه..

يبحث عنه دائمًا.. يقدّم الروح رخيصة في سبيل رضاه..

قلبه لا يقبل عقيدة فاسدة يشعر أنها لا تعبر عن ربه.. ينتظر العقل كي يؤيد القلب..

عندها لا تقف قوة في الأرض أمام إيمانه بالله..

هذا ما ينطبق على قصتنا.. بطلتها منذ صغرها وهي تؤمن بالله.. عندما كبرت ودرست الكتاب المقدس اعتراها قدر مهول من التشويش.. تفاجأت بأن صفات الله عزّ وجلّ الواردة في الكتاب المقدس لا تتسق ألبتة مع عظمته التي عرفتها بالفطرة.. بل وجدت أن تصورها للدين يتناقض تمامًا مع التعاليم الأساسية للكنيسة.. قدّر لها أن تتزوج برجل مسلم وأن تتواصل مع زوجات أصدقائه المسلمات؛ فشرح الله صدرها للإسلام.. إنها النرويجية شهيدة زنابي تحدثنا بنفسها في الفقرات التالية عن قصة اعتناقها الإسلام:

منذ أن كنت صغيرة، وأنا أؤمن بالله.. أذكر أن أمي كانت تصلي لأجلنا -نحن أطفالها- على مقربة من سريرنا كل ليلة.. ما كانت تفعله أمي معنا عزز في دواخلي حقيقة وجود الله، الأمر الذي جعلني أتساءل على الدوام: كيف يمكنني أن أفعل ما يريده الله حتى أحظى بالقبول في الجنة.

عندما بلغت الثانية عشرة من عمري، بدأت أدرس الكتاب المقدس وكلّي أمل في أن أجد الهداية، بيد أن أملي خاب لأن الكلمات المنسوبة إلى الله في ذلك الكتاب لم تشعرني بالقرب منه أبدًا.. في الحقيقة لم أستطع أن أقبل فكرة أن يدع إله "ابنه" يموت على الصليب بغرض إنقاذ البشر! وتساءلت في استنكار: إن كان الله هو الفعال لما يريد، أليس بوسعه أن يسامح البشر دون ترتيبات كتلك المذكورة في الكتاب المقدس؟! بحق كانت لديّ قناعة تامّة لا تتزعزع مفادها أن المسيح رجل حكيم وهبه الله العلم والرشد وليس إلهًا، لأن الله لا ينبغي له أن يتخذ شكل البشر.. من ناحية ثانية تساءلت: لم يولد كل البشر آثمين كما يزعم الكتاب المقدّس؟ ثم تساءلت: ما معنى التثليث؟ وكيف يمكن لأحد -مهما بلغ من العلم- أن يقول إن الإنجيل والتوراة يمثلان كلام الله، بينما كما هو واضح أنهما مجرد كتابة من صنع البشر لا أكثر ولا أقل؟

عندما بلغت السابعة عشرة من عمري، غادرت منزل أسرتي والتحقت بمدرسة مسيحية.. كنت أعتقد أنني لو قطنت مع مسيحيين سأفهم الدين على نحو أفضل. في الحقيقة وجدت فيهم الكثير من الأمور الإيجابية كالصحبة الجيدة، والحفلات الخالية من الكحول، فضلًا عن تسامحهم واهتمامهم ببعضهم بعضًا.. وعندما أخبرتهم عن شكوكي في النصرانية أجابوني بأن ذلك ما هو إلا جزء يسير من سر رائع عليّ قبوله.. وطلبوا مني أن أستمر في إيماني.. بل أخبروني بأن يسوع وهب حياته لأجلي وأنني سوف أنال الخلاص وهذا هو عين ما استنكرته من قبل!

في الحقيقة وجدت حديثهم بعيدًا من العدالة والمنطق، وتساءلت في تعجب: ما هو مصير أولئك المؤمنين الصالحين المنتشرين في مختلف بقاع العالم والذين لم يسمعوا قط بصلب يسوع، فهل سيضيع إيمانهم وعملهم هباءً؟! وبالنسبة إليّ أنا –على سبيل المثال- هل سيرفض الله إيماني وعملي، على الرغم من إيماني به من كل قلبي؟! وهل يمكن أن تكون تلك هي "الحقيقة"؟! أجبت على نفسي قائلة: من المؤكد لا..

وقدّر لي أن تزوجت رجلًا مسلمًا.. وبعد مضي عام من زواجي به، كانت حياتي من الناحية الدينية أكثر خواء من فؤاد أم موسى.. بيني وبين نفسي كنت أعرف أنني أؤمن بالله فقط، ولا أعرف شيئًا آخر.. بعض زوجات أصدقاء زوجي النرويجيات كنّ قد اعتنقن الإسلام.. لم أكن راضية عن ذلك فقد كان يغضبني أن تعتنق امرأة غربية الإسلام!

كنت أناقشهن في مسائل الدين حتى حلول الساعات الأولى من الفجر، ومع ذلك ظلت الشكوك تساورني حيال الإسلام.. فكرت قليلًا ثم قلت في نفسي متسائلة: لم لا أنضم إليهن في المسجد لأتعلم شيئًا من العربية حتى يسهل عليّ التحرّي عن الإسلام بصورة أفضل؟ لقد كانت لديّ رغبة ملحّة في تعلم اللغة العربية.. دخلت معهن المسجد لأول مرة في حياتي، وقد كانت تجربة عاطفية مذهلة ومؤثرة بدرجة تفوق الوصف والتصور.

أذكر جيّدًا أنني نظرت إلى نفسي في مرآة المسجد، وقد وضعت الحجاب.. لقد أعجبت به غاية الإعجاب! لقد كان مضبوطًا عليَّ بصورة باهرة.. وعقب ذلك أخذت أراقب المسلمين وهم يؤدون صلاتهم.. فتمنيت من أعماق قلبي لو أنضم إليهم في سجودهم لله.. كان يغمرني شعور رائع بالخضوع لله.. بحق تمنيت أن أصلي مثلهم غير أنني لم أكن أعرف كيفية الصلاة؛ فبكيت بحرقة ومن داخل أعماقي لأنني لا أستطيع أن أصلي مثلهم.. لأعزي نفسي اشتريت ترجمة إنجليزية لمعاني كلمات القرآن الكريم.. وما أن شرعت في قراءتها حتى أحسست بكلمات الله، وقد طرقت شغاف قلبي في حنو.

كثيرون أولئك الذين حذروني من اعتناق الإسلام بسبب إعجابي به.. بالنسبة إليّ كنت أعرف أن إعجابي بالإسلام أمر عاطفي جدًّا، وأن عليّ أن أقتنع بعقلي.. هذا الأمر جعلني أشعر بأنني أحتاج إلى معرفة المزيد عن الإسلام.. وكان نتيجة ذلك أنني أمضيت الأشهر السبعة التالية في القراءة عن الإسلام ودراسته بصورة أعمق.

وفي أيار من عام 1988م سافرت إلى اليونان لقضاء عطلتي.. لقد كانت عطلة مميزة ورائعة فيها كل ما تشتهيه الأنفس من مأكولات ومشروبات، فضلًا عن توافر مختلف وسائل اللهو والترفيه.. وفي الأسبوع الأول استمتعت بتلك العطلة كل الاستمتاع إلا أنني سرعان ما بدأت أشعر بالضيق من تلك الأشياء التي بدت لي فارغة وبلا معنى.. شعرت بأن أمرًا ما مفقودًا من حياة أولئك الناس.. وأنا داخل بركة السباحة اتخذت قرارًا جادًّا مفاده عودتي إلى بلدي فورًا لأعتنق الإسلام.

اعتنقت الإسلام.. وبدأت عبادتي بالصلاة التي كنت أتوق لها بشغف..

ومنذ ذلك اليوم لم أشعر بالندم في حياتي على الإطلاق..

كم أنا الآن سعيدة بالنعمة والرحمة العظيمتين اللتين أنعم الله تعالى بهما عليَّ..

فعندما يدخل الإسلام من اتحد قلبه وعقله في الاقتناع به.. تكون السعادة ويكون الإيمان الصادق..

هذا الاتحاد لا يأتي من فراغ.. يأتي بنور يبزغ في القلب ودراسة وبحث من العقل..

الأهم.. أنه يأتي برحمة من الله..

لذا اسألوا الله الهداية.. فبالله نهتدي إلى الله.

-------------------

المصدر:

اللولو، هالة صلاح الدين (2005)؛ كيف أسلمت؟ دمشق: دار الفكر.

 


تعليقات (
0
)

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وإنما هي وجهات نظر أصحابها فقط.