عدد الزيارات: 4.0K

دين الفطرة


إعداد: الدكتور/ أحمد محمد زين المنّاوي
آخر تحديث: 20/03/2019 هـ 16-11-1437

"بلغوا عني ولو آية"..

صدقت يا سيدي يا رسول الله..

الهداية إلى الله قد لا تحتاج أكثر من آية.. وهذا في حد ذاته آية..

آية واحدة تنفذ إلى قلب من يبحث عن الله فتسكنه إلى الأبد..

يجتهدون في الحياة.. يجمعون الأموال.. يتقلدون المناصب والسلطات.. ولا يجدون السعادة..

أيها السادة.. من عرف الله لم يذق للتعاسة طعمًا.. ومن كفر به.. لم يذق للسعادة طعمًا..

انظروا إلى بطل قصتنا.. منذ نعومة أظفاره أقحموا فكره وعواطفه بالكثير الكثير من المفاهيم الخطأ عن الإسلام، فلقّنوه أن المسيح عيسى –عليه السلام- هو ابن الله، وأن محمدًا –صلى الله عليه وسلّم- ليس بنبي، وأن الإسلام انتشر بالعنف المفرط وبحدّ السيف، وإلى غير ذلك من العلل التي تعانيها المسيحية نفسها فنسبتها إلى الإسلام وهو منها براء، مصداقًا للمثل العربي "رمتني بدائها وانسلت"!

لكن مشيئة الله الغالبة قلبت الموازين رأسًا على عقب من خلال آيات كريمة مترجمة اطّلع عليها بطل هذه القصة، وحديث شريف وجد فيه ضالته فدخل الإسلام حيث وجد أن المرء فيه لا يحتاج إلى وسيط بينه وبين ربه وخالقه سبحانه وتعالى، كما هو الحال في مسيحيته التي كان عليها.

إنه الأديب الفرنسي المعروف، فانسان مونتيه، الذي نشأ وترعرع في كنف النصرانية، ونهل من ثقافتها، ونال حظًّا وافرًا من تعاليمها الموجهة بشكل خاص ضد الإسلام والمسلمين.. كانوا يعلّمونه كما يعلّمون غيره من النصارى أن الإسلام ليس دينًا، وأنه انتشر بالعنف المفرط وبحدّ السيف! وتناسى هؤلاء ضحايا الحروب والنزاعات المسلّحة التي يشنّها المسيحيون في مختلف أرجاء العالم، الذين بلغ عددهم خلال القرن الماضي وحده نحو 100 مليون قتيل معظمهم من المدنيين الأبرياء! وتناسى هؤلاء أن هذا السيف الذي يتحدّثون عنه لم يرد في القرآن ولا مرّة واحدة، بينما جاء ذكره في "الكتاب المقدَّس" عندهم أكثر من 350 مرّة!

وتناسى هؤلاء أن دولًا مثل إندونيسيا التي يعيش فيها أكثر من 215 مليون مسلم، والهند التي يعيش فيها أكثر من 227 مليون مسلم، وبنجلاديش التي يعيش فيها أكثر من 155 مليون مسلم، لم يدخلها جيش إسلامي إطلاقًا، بينما يتضاعف عدد المسلمين في الدول الأوروبية كل عشر سنوات، وأن ما يزيد على ثُلث عدد المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية اليوم كانوا مسيحيين في الأصل! فأين العنف والسيف أمام هذه الحقائق الدامغة؟!

إن الإسلام هو أكثر الديانات انتشارًا في العالم اليوم، ويتقدم بقوّة لا تدفعه إلا مبادئه وتعاليمه السمحة.. ومن بين عشرات الآلاف من المسيحيين الذين يعتنقون دين الإسلام سنويًّا في الدول الأوروبية وغيرها من بقاع العالم، يأتي ضيفنا لهذه الحلقة الأديب الفرنسي المشهور فانسان مونتيه، الذي كان يشغل منصب أستاذ اللغة العربية والتاريخ الإسلامي بجامعة باريس.

يحدثنا هذا الضيف الاستثنائي عن تجربته في التحول من النصرانية إلى الإسلام فيقول: لقد كانوا يعلّمونني كما يعلّمون غيري أن عيسى إله ابن إله، وكانوا يزعمون أن محمدًا -صلى الله عليه وسلّم- ليس نبيًّا، وبالتالي ينكرون الإسلام جملة وتفصيلًا.. ثم حدث أن وقع بين يدي -لأوّل مرة في حياتي- ترجمة لمعاني القرآن الكريم، واستوقفتني معاني كلماته، مثل سورة الإخلاص:

(قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ (1) اللَّـهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4).

كما استوقفتني ترجمة قوله تعالى:

(فِطْرَةَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّـهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [الآية 30 من سورة الروم]. 

كما أنني قرأت حديثًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلّم- شعرت تجاهه بأن الإسلام هو دين الفطرة بحق: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ) [صحيح البخاري].

ثم يستطرد فانسان مونتيه فيقول: لقد اخترت دين الفطرة.. وهو الإسلام، وكنت فيما مضى كاثوليكيًّا.. وفي الكاثوليكية أمور كثيرة لم أقتنع بها، ولم أفهمها، مثل كرسي الاعتراف؛ والوسيط لدى الإله، فضلًا عن اعتمادها على أسرار، وقربان، وغير ذلك من أمور لم أستطع الإيمان بها.. في حين أن دين الإسلام بريء من هذا كله، فيكفي المسلم أن يتوجه إلى ربه مباشرة دون وسيط، ودون كرسي اعتراف، فيستجيب الله دعاءه.

ثم يفنّد مزاعم أعداء الإسلام وافتراءاتهم فيقول: إنهم يتهمون الإسلام بالقسوة المفرطة، مع أن الإسلام دين السلام والتسامح والعفو والمغفرة.. لقد تناسى هؤلاء كل العقوبات النصرانية فيما مضى، التي أفرطت في القسوة، والتعذيب الذي وصل إلى حد الإحراق، وفصل أجزاء الجسد، فضلًا عن كثرة حالات الإعدام، وهو ما لم يشهده الإسلام أبدًا في تاريخه!

كما أنهم يتهمون الإسلام بظاهرة الرّق التي وجدت قبل الإسلام وليس بعده، بل حين انتشر الإسلام وطبّقت تعاليمه كان يسعى إلى إلغاء الرّق والاستعباد، بل إن كثيرًا من الكفارات للذنوب التي يقدم عليها المرء هي تحرير الرقاب الذي عدّه الإسلام تقربًا وطاعة لله.

ويقول الأديب الفرنسي فانسان مونتيه: إن الإسلام بعظمته وعمقه، وبنقائه ورقيّه، وبتسامحه ودعوته لكرامة الإنسان في كل زمان ومكان لن يستطيع أحد أن ينال منه.. لأن الإسلام في ذاته قوي.. وتعاليمه تدعو إلى القوة بعدم ارتكاب المعاصي والذنوب التي تضعف القوة، مثل الزنى، وشرب الخمر، وأكل لحم الخنزير، وغير ذلك مما يحرمه الدين الحنيف.

ويتابع القول: لقد اخترت الإسلام دينًا، ألقى به وجه ربي لأسباب شتى، منها الأسباب الدينية، والأسباب الأخلاقية والاجتماعية والثقافية والعاطفية.. وقد رأيت في الإسلام تسامحًا مدهشًا، والأخلاق الرفيعة هدف كل مسلم.. كما رأيت رفضًا للرهبنة التي تجافي طبيعة الإنسان البشرية، فالإسلام يحفظ للإنسان إنسانيته، ويدفعه إلى التمتع بالحياة وطيباتها، ما لم تتعارض المتعة مع تعاليم الله تعالى.

لقد آمنت برسالة مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- ومصداقيتها، مثلما آمنت تمامًا بوحدانية الله.. إن مُحمدًا رسول الله حقًّا.. والقرآن الكريم موحى به من عند الله وليس من تأليف مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- أو صنعه... ورسالته السماوية ليست مقصورة على العرب.. وإنما هي للناس كافة.

لهذا اخترت الإسلام.. من أجل أن أشعر بالراحة في رحابه وظلاله.. نعم، اعتنقت الإسلام لأشعر وأدرك أنني اعتنقت دينًا لا يفصل بين البدن والروح، وبين النفس والجسد... يكفيني أن الإسلام دين نقي، يدفع إلى الأخلاق والتحلي بها، وإلى الكرامة الإنسانية والتمسك بها، من أجل ذلك شهدت أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله.. وعلى ذلك ألقى ربي.

هذا ما اختاره بطل قصتنا.. الأديب الفرنسي فانسان مونتيه.. هذا ما شهد به..

فماذا اخترت أنت؟! بمَ تشهد؟!!

لا تختر إلا ما اختار.. ولا تشهد إلا بما شهد..

اسأل الله الهداية.. فبالله نهتدي إلى الله.

--------------------------------------

المصادر:

الألفي، أسامة (2005)؛ لماذا أسلموا؟ القاهرة: أطلس للنشر والإنتاج الإعلامي.

فارس، نايف منير (2010)؛ علماء ومشاهير أسلموا؛ الكويت: دار ابن حزم.

محمود، عبد الرحمن (2005)؛ رحلة إيمانية مع رجال ونساء أسلموا؛ المكتبة الإسلامية الشاملة.

 


تعليقات (
0
)

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وإنما هي وجهات نظر أصحابها فقط.