عدد الزيارات: 5.6K

صاحب القلبين


إعداد: الدكتور/ أحمد محمد زين المنّاوي
آخر تحديث: 20/03/2019 هـ 19-05-1438

الإيمان.. لا يتعارض مع تولي أكبر مناصب الدنيا..

الهدى.. يساعد القادة على كبح جماح السلطة الغاشمة..

الرهبانية.. لا وجود لها في الإسلام..

كن ملكًا.. كن رئيسًا.. كن ما شئت.. ولكن كن عبدًا لله..

هذا ما توصل إليه بطل قصتنا.. بطلها رجل فوق العادة، ويكفي شخصيته تفردًا حقيقة أنه تربّع على قمة هرم السلطة في بلاده.. إنه ديفد كيربا.. رئيس جمهورية جامبيا، الذي هداه الله تعالى إلى الإسلام فاستصغر عظمة السلطة الدنيوية الخاوية من كل معنى حقيقي، فخرّ ساجدًا لله تعالى ثم نهض وهو يردد في تواضع الخانع الذليل: الله أكبر الله أكبر مني ومن كل شيء في الأرض والسماء.

هاجر بطل قصتنا في مقتبل شبابه إلى الغرب حيث اعتنق المذهب البروتستانتي وشرب من فكره وقيمه وعقيدته حتى الثمالة.. في البدء دخل عالم السياسة على استحياء.. استهوته لعبة السياسة وعمته شهوة المناصب فتعمّق في دهاليزها وتدرّج في المناصب حتى وصل إلى أقصاها وأصبح رئيس الجمهورية في بلده!! ثم ماذا بعد هذا؟!

في هذه المحطة كان أمام ديفد كيربا خياران: إما التكبر والتجبر والتعنت، وإما الرجوع إلى الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها، حيث يقول: "كان ينتابني الإحساس دائمًا بأن لي قلبين في جوفي: قلبًا لي وقلبًا عليّ.. القلب الذي لي كان يدفعني بشدة إلى الدراسة والسياسة وخوض معركة الحياة.. أما القلب الذي عليّ فكان في كل لحظة يلقي على عقلي وقلبي سؤالًا قصيرًا قاطعًا: من أنت؟ وما بين القلبين المتنازعين قطعت رحلة طويلة استطعت معها ومن خلالها أن أحقق كل ما كنت أصبو إليه.. فقد تمكنت من تحرير وطني الأفريقي الأسود، ووضعته على خريطة العالم كدولة ذات سيادة".

واستطرد صاحب القلبين في حديثه قائلًا: "لم يكن بالنصر السهل.. لقد كان هذا نصرًا منتزعًا من فم الأسد.. لقد أدار رؤوسنا وأصابنا كشبان حالمين بدوار السلطة.. لم تكن بالمعركة السهلة التي خضناها.. لقد كانت معركة كبرى سلبت من أعمارنا نصف قرن من الزمان قضيناها مشغولين مع الحرب والنضال، والمفاوضات وتكوين الأحزاب، فضلًا عن المراوحة بين خسارة المعارك والفوز بها.. كم سعدنا حينذاك عندما نجحنا في أن ننشل وطننا من وهدة الاحتلال والتخلف والضياع الفكري والاقتصادي.. الفوز الذي تحقّق لم يكن إلا لإرضاء النفس وغرورها، أما الفطرة فقد أخذت تحضّني على خوض المعركة الكبرى.. نعم حالما كسبت معركتي مع الحياة بدأت أفكر في الكيفية التي أكسب بها معركتي مع نفسي.. كان يتحتم عليّ أن أعود إلى ذاتي لأكتشف المعدن النفيس الذي بداخلي.. نعم كان عليّ أن أزيح ما تراكم عليه من ركام التغريب والعلمانية ومخرجات دراسة اللاهوت". إن أعظم المعارك هي تلك التي يتم خوضها داخل النفس البشرية ففيها تصنع الانتصارات والهزائم الكبرى.

صمت بطل قصتنا عن الحديث لثوانٍ ثم أردف قائلًا: "لا شيء في الدنيا يعادل أن يخسر الإنسان نفسه.. قررت أن أعود لإسلامي الذي ضاع مني وسط بريق السلطة ومشاغل الحياة.. الحقيقة أستشعر الآن أنني كسبت نفسي التي كنت قد خسرتها سنين طويلة وتعلمت درسًا لا يتعلمه إلا من كان في قلبه إحساس وفي عقله نور. فالإسلام هو دين الفطرة، وهو الدين الذي يهب الإنسان تصوّرًا صحيحًا عقلانيًّا عن الإله وعن الكون وعن الإنسان والهدف من وجوده، ويهبه تشريعًا يلائم الفطرة الإنسانية ملاءمة تامة.

برغم أنه كان يتربّع على هرم السلطة في بلده، كان ديفد كيربا يشعر أن حياته بلا هدف، وأن روحه مسكونة بالظلام، وقلبه غارق في أوحال المادة، حتى عاد إلى فطرته السليمة وأزاح عنها ركام الماديات وأعاد اسمه من (ديفد كيربا) إلى (داود جاوارا) بعد أن شرح الله تعالى قلبه للإسلام..

تحول من رئيس دنيوي غارق في عالم مادي يعتنق المذهب البروتستانتي إلى شخصية إسلامية سياسية وداعية إلى الله سبحانه وتعالى لا يشق له غبار..

أرأيتم أيها السادة.. إنه الإيمان.. ما يعطي للحياة قيمتها وحقيقتها..

فما الحياة بلا قرب من خالق الحياة؟!!

الإيمان يحول السراب إلى حقيقة..

يحول السلطة إلى رحمة..

يحول القوة إلى عون ومحبة..

يعطي الإنسان هدفًا يستحق أن يحيا له..

إنها هداية الله التي تكسب الإنسان إنسانيته..

لذا.. اسألوا الله الهداية.. فبالله نهتدي إلى الله.

-----------------------------

المصادر:     

ابن علي، أبو إسلام أحمد (1429 هـ)؛ عادوا إلى الفطرة: 70 قصة حقيقية مؤثرة؛ مكتبة صيد الفوائد: http://www.saaid.net

عبد الصمد، محمد كامل (1995)؛ الجانب الخفي وراء إسلام هؤلاء؛ ثلاثة أجزاء؛ القاهرة: الدار المصرية اللبنانية للنشر.    

فارس، نايف منير (2010)؛ علماء ومشاهير أسلموا؛ الكويت: دار ابن حزم.

محمود، عبد الرحمن (2005)؛ رحلة إيمانية مع رجال ونساء أسلموا؛ المكتبة الإسلامية الشاملة.

 


تعليقات (
0
)

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وإنما هي وجهات نظر أصحابها فقط.