سلطان البيئة والعائلة والثقافة والدين على الإنسان.. سلطان حاكم متجبر..
إلا أن من أراد الله له الهدى والإيمان لا يقف أمامه أي سلطان..
إنها الفطرة السليمة التي وهبها الله للإنسان.. أفلح من تمسك بها واتبع نقاءها..
بطل قصتنا.. خضع لسلطان البيئة والعائلة والدين.. ثم خدع السلطان.. بالإيمان!!
ولد في تايلند وسط أسرة ومجتمع يكنان عداوة شديدة للإسلام.. ألحقته أسرته بمدرسة دينية محلية حرصًا منها على إعداده حتى يصبح مؤهلًا لكي يعمل داعيًا ينشر معتقداتهم الفاسدة التي ورثوها عن الأجداد وحتى يصبح ضليعًا في تشويه صورة الإسلام وسط أفراد مجتمعه.. استمع إلى داعية إسلامي بغرض انتقاده فوجد الأخير قد شده بحديثه الذي يدخل العقل والقلب وحبب له الإسلام فكان سببًا في إسلامه.. إنه التايلندي نستور جرميو تاذي ندعوكم للإبحار معنا في قصة إسلامه.
تقف وراء إسلام نستور جرميو حادثة غريبة تستحق الوقوف عندها كثيرًا.. خرج الطالب نستور جرميو يومًا من مدرسته وهو يحمل في يديه كتبًا تطعن في الإسلام وتعمل على تشويه صورته بينما يحمل في قلبه تجاه الإسلام كل صنوف الكراهية.. وبينما هو سائر في طريقه شاهد داعية إسلاميًّا يخطب في مجموعة من الناس تجمعت حوله.. كان الداعية يشرح للحضور رسالة الإسلام الخالدة ويتحدث لهم عن مبادئه العظيمة.. غيرة على عقيدته شعر نستور جرميو بالضيق ومن ثم قرر أن يفسد عليه حديثه بأن يخبر من تجمعوا حوله بأن ما يسمعونه منه ليس سوى أباطيل تفسد القلوب والعقول مستخدمًا في ذلك الحجج الكاذبة المضمنة في الكتب التي يحملها معه.. وحتى يبدو نقده موضوعيًّا ومقبولًا رأى نستور جرميو ضرورة أن يقف ويستمع للداعية حتى يصادف ثغرة في حديثه يستخدمها مدخلًا لمهاجمته.. لكن وعلى غير توقع منه وجد نفسه يستمع ويتتبع بعمق حديث الداعية حتى نهايته دون أن يفكر مجرد التفكير في مقاطعته.
مضى نستور جرميو بعد ذلك إلى بيته وهو يفكر متأملًا ما قاله الداعية عن الإسلام، إذ وجده يختلف تمامًا عن ما قرأه في كتبه.. لم يذق طعمًا للنوم في تلك الليلة إذ أخذ يقارن بين ما قرأه عن الإسلام في السابق وما سمعه من الداعية المسلم.. منذ ذلك الوقت أخذ نستور جرميو ينظر إلى الإسلام من زاوية أخرى.. نعم هذا الدين الذي كان يكرهه فيما مضى شعر نحوه بانجذاب أدهشه إذ وجده دينًا سهلًا واضح المبادئ قوي الحجة أقرب إلى الفطرة من غيره من الأديان.
لم تشرق شمس اليوم التالي على نستور جرميو حتى أخذ يبحث عن الداعية المسلم.. وعندما عثر عليه وجّه له أسئلة كثيرة كانت تقلقه.. وبعد سماعه لإجابات أسئلته من الداعية المسلم قرر اعتناق الإسلام.. ترك بطل قصتنا المدرسة التي وجدها تناقض ميوله وقناعاته الجديدة.. وعندما علم المسؤولون باتجاهه الجديد الذي لم يداره عن أحد حاولوا إغراءه بكل ما لديهم من وسائل بيد أنهم فشلوا في مساعيهم فقد تشبث بالإسلام بقوة إذ وجد فيه ما كان يبحث عنه من سعادة حقيقية فاعتنقه عن قناعة تامة.
لم يكتف نستور جرميو بمجرد اعتناقه الإسلام إذ بدأ يتعمق في دراسته من مصادره الأصلية، أي من خلال نسخ مترجمة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، كما أصبح شديد الحرص على تطبيق شعائر الدين الإسلامي والتزام تعاليمه، حيث يقول في ذلك: "لقد أصبحت منذ ذلك الوقت حريصًا على أداء شعائر الدين، والتزام طاعة الله في كل ما أمر به، والبعد عن كل ما نهى عنه، لأن الله معي في كل وقت يراني ويطلع على أحوالي...
إنني فخور الآن بأن ديني الإسلام الذي أدركت أخيرًا أنه هو الدين الحق".
إنها حلاوة الإسلام.. لذة الإيمان.. شوق الإنسان لدخول الجنان..
فطوبى لمن قادته قدماه دون أن يدري إلى أسباب الهدى والإيمان..
وطوبى لمن لم يبخل على غيره من غير المسلمين بالدعوة والدعاء بنعمة الإسلام..
من كان غير مسلم ثم أكرمه الله بالإسلام هو خير من يشعر بمن لا يزال بعيدًا عن نعمة الإسلام..
فساعدوا غيركم.. فقد كنتم بالأمس تفتقرون إلى يد العون من المسلمين.. فإن قصروا فلا تقصروا!!
اسألوا الله الهداية.. فبالله نهتدي إلى الله.
--------------------
المصدر:
عبد الصمد، محمد كامل (1995)؛ الجانب الخفي وراء إسلام هؤلاء؛ ثلاثة أجزاء؛ القاهرة: الدار المصرية اللبنانية للنشر.