عامرة هي قصص إيمان المسلمين الجدد بعجائب النفس البشرية..
عجائب آيات الله في تقليب القلوب.. في هداية ألد أعداء الهداية!!
لا يحتاج غير المؤمنين أكثر من هذه القصص لتكون سببًا في هدايتهم!!
تأملوها جيِّدا وشاهدوا عظمة الهادي.. وحنان الخالق الرحيم..
إليكم قصة واقعية.. ولكنها أغرب من الخيال!
سوف أبدأ معكم هذه القصة بمشهدين متناقضين تمامًا..
المشهد الأوّل: في شهر آذار من عام 2008 ارتجّ العالم كله بتظاهرات عنيفة قُتل فيها سبعة متظاهرين في عدة دول منددة بالفيلم المسيء للنبي محمد -صلى الله عليه وسلّم- الذي أسهم بشكل فعال في إنتاجه السياسي الهولندي "أرنود فان دورن"، نائب رئيس حزب الحرية، أكثر الأحزاب اليمينية تطرفًا وتشددًا ضد الإسلام والمسلمين.
المشهد الثاني: في شهر نيسان من عام 2013 لفت أنظار زوار المسجد النبوي الشريف رجل في الأربعينيات من عمره ملامحه أوروبية يبكي وينتحب بشدّة أمام قبر النبي محمد -صلى الله عليه وسلّم-، فكان ذلك الرجل هو "أرنود فان دورن" نفسه منتج الفيلم المسيء!
الآن أطلقوا لخيالكم العنان وتأمّلوا..
بطل المشهد الأوّل هو نفسه بطل المشهد الثاني!
فماذا حدث لهذا الرجل حتى ينتقل من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين؟!
نعم.. إنها إرادة الله تعالى القادر على كل شيء!
في عام 1967م ولد أرنود فان دورن في مدينة لاهاي بهولندا.. رضع كراهية الإسلام والمسلمين من ثدي أمه التي ورثت هذه الكراهية بدورها عن أسلافها المتطرفين.. فنشأ نصرانيًّا متزمّتًا.. عشق السياسة منذ صغره فترقى سريعًا في مراتبها حتى تقلد منصب نائب رئيس الحزب الحاكم السابق "من أجل الحرية"، وهو أكثر الأحزاب الهولندية اليمينية تطرفًا وتشددًا ضد الإسلام والمسلمين.. كراهيته للدين الإسلامي جعلته يتخذ من العداء للإسلام والمسلمين فكرة رئيسية لكل دعاية انتخابية، سواء كان في انتخابات البرلمان، أو انتخابات مجالس البلديات، أو المقاطعات الأوروبية.. ليس هذا فحسب، بل دفعته إلى أن ينفق من ماله الخاص ليموّل إنتاج فيلم "فتنة" الذي يسيء للنبي محمد –صلى الله عليه وسلّم-!
التظاهرات العنيفة التي اشتعلت كرد فعل على فيلم "فان دورن" المسيء جعلته يفكر في معرفة الدافع القوي الذي يقف وراء هبّة هؤلاء الغاضبين، بل ولّدت في نفسه الرغبة في ترك الحزب الذي دفعته أفكاره المتطرفة إلى فعل ما أثار هذه التظاهرات العارمة.. بالفعل ترك الحزب وبدأ في المقابل يتعمق في القراءة عن الإسلام.. منذ قراءاته الأولى توصل إلى حقيقة جليّة مفادها أن الإسلام دين إيجابي، وأصيل لا يدانيه في النقاء دين آخر.. هذه القراءات الأولى جعلته يتشوق لمعرفة المزيد عن الإسلام، فقرأ ترجمة معاني القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة.
ظل فان دورن ولمدة عام كامل يداوم على قراءة كل ما له علاقة بالإسلام.. كتب كثيرة أثرت فيه، لكن تأثره الأكبر جاءه من كتاب "محمد" الذي أهداه إياه أبو إسماعيل وهو إمام مسجد في لاهاي.. أكثر ما هزّ مشاعر بطل قصتنا في هذا الكتاب موقف النبي محمد –صلى الله عليه وسلّم- من أهل مكة الذين ناصبوه العداء وطردوه منها.
دخل محمد –صلى الله عليه وسلّم- مكة مع عشرة آلاف من أصحابه مطأطئًا رأسهُ متواضعًا خاشعًا لله، حارمًا نفسه رؤية النصرِ الذي أفنى في سبيله حياته، ثم يقول لأعدائه بعد أن تمكّن من رقابهم: يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرًا، أخ كريم، وابن أخ كريم.. قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء!
أكثر من عشرين عامًا قضاها مشركو مكة في معاداة مُحمَّد –صلى الله عليه وسلّم- وحربه وحرب دعوته.. وما تركوا من وسيلة ولا حيلة إلا جرّبوها، ولا طريقًا إلا سلكوه ليصدوا الناس عن دعوته.. وكم تفنّنوا في تعذيب أتباعه، والنيل منهم، والتضييق عليهم.. حتى أخرجوهم من ديارهم وأموالهم، ومع هذا كلّه يدخل مكة ومعه عشرة آلاف مقاتل رهن إشارته! وأعداؤه عديمو الشفقة وقساة القلوب الآن منطرحون عند قدميه وتحت رحمته تمامًا، وهو يقول لهم: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"! فهل عرف التاريخ كلّه مثيلًا لهذا الموقف النبيل في العفو والصفح!
ومن المواقف التي يقول "فان دورن" إنها هزّت مشاعره موقف النبي محمد –صلى الله عليه وسلّم- من فضالة بن عمير.. فبعد فتح مكة وعفو النبي –صلى الله عليه وسلّم- عن أعدائه أراد أن يطوف حول الكعبة، فدنا منه رجل يدعى فضالة يخفي خنجرًا تحت ثيابه، فالتفت إليه وهو يهم بتنفيذ جريمته، وقال له بم تحدثك نفسك يا فضالة؟ فقال لا شيء إني أذكر الله، فقال له: استغفر الله، ثم وضع يده على صدر فضالة فسكن قلبه فكان فضالة يقول بعد ذلك: والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله أحب إلي منه، وكان هذا الموقف النبيل سببًا في إسلام فضالة.
هنا فقط أدرك "فان دورن" حجم الظلم الفادح الذي حمله فيلم "فتنة" المسيء لصاحب هذه المواقف النبيلة محمد –صلى الله عليه وسلّم-! وكلما قرأ أكثر عن سيرته وخلقه أصبح يزداد ندمه على الجرم الكبير الذي اقترفه حزبه السابق بعدائه الصارخ للإسلام والمسلمين، ويشعر بالانجذاب أكثر وأكثر ناحية الدين الإسلامي، ما دفعه إلى أن يقرأ عن الإسلام بصورة موسعة ويقترب أكثر من المسلمين في هولندا.. وفي لحظة حاسمة من حياته توجه إلى مسجد "السنة" في مدينة لاهاي، حيث يقول في ذلك: "ذهبت مع ابن صديقي الخولاني وعمره تسعة أعوام للمسجد، وهناك أهدوا لي مجموعة من كتب السيرة النبوية وبعض التفاسير، وأخذت أقرؤها هي الأخرى وبعد نحو شهرين من زيارة المسجد أشهرت إسلامي وبالتحديد في 27 فبراير 2013م".
يصمت فان دورن للحظات ثم يستطرد في حديثه قائلًا: "في البداية وجدت صعوبة في دخول الإسلام، فأنا لم أنشأ في مجتمع مسلم يعلمني أكثر عن هذا الدين العظيم، لكن الحقيقة أني وجدت ما كنت أصبو إليه وأفتقده في حياتي السابقة، وأتصور أن كل عمري قبل إشهار إسلامي كان مثل "قبض الريح"، والآن أصبحت ذلك الشخص السعيد الذي تتملكه الطمأنينة والسكينة".
عقب إعلان إسلامه اتصلت على "فان دورن" مجموعة كبيرة من وسائل الإعلام والصحف البلجيكية والعالمية تطلب تسجيل حوارات معه لكي تتأكد من خبر إسلامه، بيد أنه اعتذر لهذه الوسائل، بعد أن نشر تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" ضمنها شهادة الإسلام لكي يعلم الجميع أن خبر اعتناقه الإسلام خبر صحيح. وبعدها تلقى العديد من الهجمات الشديدة رفض التعليق عليها قائلًا: "هي مسألة شخصية"، مضيفًا: "بدا الأمر لهؤلاء أني أسلمت هكذا في يوم وليلة، ولكن الأمر لم يكن كذلك بالطبع، بل كانت عملية طويلة".
يقول فان دورن: "لم يدر في خلدي كعضو حزب الحرية اليميني الهولندي السابق أن أدخل الإسلام الحنيف، وأتوجه بعد ذلك لزيارة الحرمين الشريفين، خصوصًا أني أنتمي للحزب الذي أسهم في إنتاج الفيلم المسيء لمحمد بن عبدالله -صلى الله عليه وسلّم- بل كنت منتج ذلك الفيلم الذي يعد نقطة سوداء في حياتي.. فقد كنت منتميًا لأشد الأحزاب تطرّفًا وعداءً للدين الحنيف"!
وفي شهر نيسان من عام 2013م زار "فان دورن" الحرمين الشريفين وأدى مناسك الحج في ذلك العام وهو يتحدث عن تلك الزيارة قائلًا: "إن دموعي لم تتوقف فمنذ وصولي مكة، وأنا أعيش أجمل اللحظات، وأدعو الله أن تمسح دموعي كل ذنوبي بعد توبتي".
وفي حوار أجرته صحيفة "عكاظ" السعودية معه بعد أدائه فريضة الحج، يقول فان دورن: "هنا وجدت ذاتي بين هذه القلوب المؤمنة، ودعواتي أن تمسح دموعي كل ذنوبي بعد توبتي، وسأعمل على إنتاج عمل كبير يخدم الإسلام والمسلمين ويعكس خلق وأخلاق نبي الرحمة بعد عودتي من رحلة الحج"، معربًا عن أمنيته بأن يمضي أيام عمره كلها في المدينة المنورة بجوار قبر النبي محمد –صلى الله عليه وسلّم- لكي يشعر بالراحة والأمان.
وفي تشرين الأول 2013 جاء "فان دورن" للمرة الثانية للمدينة المنورة لزيارة قبر النبي محمد -صلى الله عليه وسلّم- وشرح مدى الطمأنينة والروحانيات التي شعر بها، حيث يقول في ذلك: "لم أجد راحتي الكاملة إلا بجوار قبر محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وسلّم-"! وقال أيضًا: "خجلي تضاعف أمام قبر النبي محمد -صلى الله عليه وسلّم- حيث جال بخاطري حجم الخطأ الكبير الذي وقعت فيه قبل أن يشرح الله صدري للإسلام، لقد قادتني عملية البحث لاكتشاف حجم الجرم الكبير الذي اقترفته"!
العجيب أن أرنود فان دورن الذي بدأ حياته السياسية مع حزب الحرية حتى وصل منصب نائب رئيس هذا الحزب الأكثر تطرفًا وتشددًا ضد الإسلام والمسلمين، فاز في منتصف عام 2017 برئاسة حزب "الوحدة"، وهو الحزب الذي أسسه المسلمون عام 2010، بل كان أرنود فان دورن هو المرشح الوحيد للمنصب، في اجتماع الأمانة العامة للحزب!
كم هو موقف مؤثر تهتز له الصخور الصلبة أن يبكي منتج الفيلم المسيء للرسول –صلى الله عليه وسلّم- عند قبره!! وكم هو باهر أن يعمل سفيرًا لعلاقات المشاهير في جمعية الدعوة الإسلامية الكندية في أوروبا..
وكم هو مذهل أن يترأس بجدارة الحزب الإسلامي في بلده!
فسبحان الله تعالى مغيّر الأحوال من حال إلى حال!.
أساء إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-.. ففوجئ برد فعل محبيه المذهلة.. فسعى إلى فهم السبب.. ففهم.. فآمن!!..
هل عرفتم أعظم من هذا الإله؟!
اسألوا الله الهداية.. فبالله نهتدي إلى الله.
--------------------
المصادر:
الموسوعة الحرة (أرنود فان دورن): https://ar.wikipedia.org/wiki
جمعية النجاة الخيرية؛ سلسلة قصص مشاهير المهتدين (43): البرلماني الهولندي فان دورن.
صحيفة البيان الإماراتية (21 إبريل 2013)؛ أرناود فان دورن يصلي بالروضة ويذرف الدموع.