أيهما الأكثر شهرة: كاسيوس كلاي أم محمد علي كلاي؟!
الأوّل اسمه قبل إسلامه والآخر اسمه الذي قابل به ربه..
من لم يسمع باسمه الأخير الذائع الصيت؟!
إنه أحد أبرز رموز القرن العشرين!!
نعم.. اكتسب محمد علي كلاي شهرته من الملاكمة، حيث يعد أعظم ملاكم من فئة الوزن الثقيل في تاريخ هذه الرياضة، ولكنه اكتسب النجومية الحقيقية من الإسلام..
وهذه دعوة لقراءة قصة هذا البطل العالمي الذي أنعم الله عليه بأن أنار بصيرته وهداه إلى الإسلام..
ولد الطفل "كاسيوس كلاي جونيور" يوم 17 يناير عام 1942 في "كونتاجي" بالولايات المتحدة الأمريكية، وهي منطقة خطيرة وشهيرة باحتوائها على أبشع ألوان التفرقة العنصرية في أمريكا إن لم يكن في العالم... عانى الصغير "كاسيوس" منذ طفولته من هذه التفرقة العنصرية بسبب لونه، بل عاف اسم كاسيوس لارتباطه بالعبودية إذ كان العبد آنذاك ينسب لسيده..
معاناته مع التفرقة العنصرية كانت سببًا في تعلمه الملاكمة حتى يمتلك المقدرة على مجابهة من يسيء إليه من أقرانه البيض.. قوامه الرياضي وعضلاته المفتولة ساعداه في هذا المجال واختصرا له الطريق نحو المجد والشهرة إذ لم يكد يبلغ العشرين من عمره حتى حصل على بطولة الوزن الثقيل في دورة روما الأولمبية التي تم تنظيمها عام 1960م.
بل لم تمر سنوات قليلة على الحدث السابق حتى خطف "كلاي" الأنظار وانتزع بطولة العالم للمحترفين من "سوني ليستون" في مباراة لم تستغرق سوى ثوانٍ معدودة، تم تتويجه بعدها بطلًا للعالم في الملاكمة للوزن الثقيل، ويصبح الملاكم الأول في عصره، وكان عمره 22 عامًا.
في ربيع عام 1965 وبعد تتويجه بلقب بطولة العالم وبين ضجيج هتافات آلاف المعجبين وبريق فلاشات آلات التصوير، فجّر كلاي مفاجأة من العيار الثقيل للعالم بأسره، ووقف وأعلن إسلامه أمام ملايين المشاهدين الذين تحلقوا حول الحلبة وأمام أجهزة التلفاز في مختلف دول العالم، مرددًا: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله"، وغير اسمه إلى "محمد علي كلاي"، ليبدأ وسط دهشة المشاهدين ومراسلي أجهزة الإعلام معركة أخرى أشد شراسة مع الباطل، الذي أزعجه أن يعلن هذا البطل إسلامه بهذه السهولة والبساطة، حتى وصل به الأمر حد دخوله السجن وسحب لقب البطولة منه لأكثر من مرة.
وللتقليل من شأن إسلام البطل محمد علي كلاي وإلقاء شبهات عليه حرصت الدعاية الكنسية على ربط نفوره من المسيحية بالتفرقة العنصرية. ولكن الحقيقة لم تكن التفرقة العنصرية سببًا في دخول كلاي إلى الإسلام بيد أنها تقف وراء تساؤل ملحاح دار بذهنه منذ طفولته: إن كانت العقيدة المسيحية صحيحة فلماذا تسمح بمثل هذه الممارسات غير الإنسانية؟
قد تتساءلون: لماذا وكيف أسلم البطل محمد علي كلاي؟
يجيب محمد علي كلاي نفسه عن هذا السؤال فيقول: إن اتجاهي نحو الإسلام كان أمرًا طبيعيًّا يتفق مع الفطرة، فطرة الله التي فطر الناس عليها، وقد استغرق رجوعي إلى فطرة الحق سنوات من التفكير الممعن، كانت بدايته عام 1960م عندما طلبت من صديق مسلم أن يصطحبني معه إلى المسجد لأسمع شرحًا عن الإسلام، وبينما أنا أستمع إلى خطيب المسجد أحسست بالصدق لأول مرة وهو يتحدث عن حقيقة الإسلام والمسيحية، وأحسست بنداء الحقيقة ينبعث في داخلي، وصاح صائح في أعماقي يدعوني إلى تلمس الحقيقة، حقيقة الله والدين والخلق.. لقد استغرقت رحلتي الإيمانية سنوات من المقارنة بين الإسلام و"المسيحية"، وكانت رحلة شاقة، فالكل من حولي ما بين مثبت ومضلل، والمجتمع نفسه مجتمع يشيع فيه الفساد، ويختلط فيه الباطل بالحق، ثم إن الدعاية الكنسية تصور المسلمين في صورة همجية، وترجـع أسباب تخلفهم إلى الإسلام، إلا أني وقد هداني الله ونور بصيرتي عمدت إلى التمييز بين واقع المسلمين اليوم، وحقيقة الإسلام الخالدة، إذ وجدت في الإسلام دينًا يحقق السعادة للبشر جميعًا، ولا يميز بين لون وجنس وعرق، فالكل متساوٍ أمام الله عزّ وجلّ، أفضلهم عند ربهم أتقاهم، فأدركت أني أمام حقيقة ربانية لا يمكن أن تصدر عن بشر".
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات
عقب استماعه إلى حديث إمام المسجد بدأ كلاي قراءة معاني القرآن الكريم وهي مترجمة إلى الإنجليزية فازداد قناعة بأن الإسلام هو الدين الحق وأن القرآن هو كلام الله الذي أوحى به إلى رسوله محمد –صلى الله عليه وسلّم-.
ومن الأمور التي هزت البطل كلاي توقير المسلمين لنبي الله عيسى -عليه السلام- وأمه العذراء السيدة مريم، الأمر الذي وجده يتسق مع المسيحية في حقيقتها النقية التي تخلو من التشويه وعقيدتها الأصلية غير المحرفة.
ولم يكتف "محمد علي كلاي" بقراءة الكتب بل أخذ يكثر من الاختلاط بجماعات المسلمين، فوجد فيهم العشرة الطيبة والتسامح الكريم والمحبة الصادقة وكل المعاني النبيلة التي افتقدها في تعامله مع المسيحيين الذين اكتفوا بالنظر إلى لونه لا إلى جوهره.. فاعتنق الإسلام عن قناعة تامة.
الفطرة السليمة هي التي مهدت الطريق أمام البطل "محمد علي كلاي" نحو الإسلام وإن استمر الأمر معه لسنوات طويلة قضاها في المقارنة بين الإسلام والمسيحية مع وجود دعاية مضللة تعمل على تشويه الإسلام بمساعدة بعض المسلمين غير الملتزمين تعاليم الإسلام، ولكل ذلك بدأ كلاي من خلال قراءاته الواعية التمييز بين واقع المسلمين اليوم، وحقيقة الإسلام الخالدة.. وعندما فعل ذلك وجد نفسه أمام دين قويم يساوي بين الجميع.. إلهه إله واحد لا شريك له وليس كما هو الحال مع الديانة المسيحية المحرفة.. ديانة التثليث.
وما أن أسلم حتى شعر "كلاي" بأنه تحول إلى إنسان آخر وأصبح نموذجًا طيبًا للداعية المسلم الذي لا يدع فرصة إلا ويوظفها للدعوة إلى الإسلام، فبدأ دعوته بعشيرته الأقربين فأصبح ربّ أسرة مسلمة كل أفرادها يحملون أسماء إسلامية أصيلة، إذ إن لديه من الذرية ولد واحد وست بنات جميعهم يتلقون تعليمًا إسلاميًّا ويرتادون المسجد بانتظام.. بل تجاوز بدعوته عشيرته وبلده أمريكا التي يعتبر من أنشط رجال الدعوة الإسلامية فيها، وأكثرهم عطاءً، واتجه إلى بلدان العالم الأخرى التي تنقّل عبرها في الكثير من الرحلات الدعوية.
في التاسع من يونيو عام 2016 توافد الآلاف من مختلف الأعراق والعقائد من محبي هذا البطل الاستثنائي على بلدته لويفيل لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة على جثمانه، حيث أنهى الموت حياة واحد من أبرز رموز القرن العشرين.. وكان محمد علي كلاي يخطط بنفسه لجنازته منذ عشرة أعوام من هذا التاريخ مؤكدًا بذلك أن مراسم جنازته ستكون علامة على اعتزازه بالدين الإسلامي الذي يدين به.. وخلال لقاء تلفزيوني مشهور سأله أحد الأطفال: "ماذا تريد أن تفعل بعد اعتزال الملاكمة؟" فردّ عليه بثلاث كلمات: "أستعد لملاقاة الله"! وها هو اليوم بجوار ربه!
فقد سخّر حياته وشهرته وحب العالم له في الدعوة إلى الله.. في إنقاذ البشر..
تُوج في الدنيا بطلًا باللكمات.. فسعى للتتويج في الآخرة بالكلمات.. كلمات طاف بها الدنيا لتشهد له في الآخرة!!
فلا تبخل على نفسك أنت بهذه الكلمات..
أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله..
اسأل الله الهداية.. فبالله نهتدي إلى الله.
------------------
عبد الصمد، محمد كامل (1995)؛ الجانب الخفي وراء إسلام هؤلاء؛ ثلاثة أجزاء؛ القاهرة: الدار المصرية اللبنانية للنشر.
فارس، نايف منير (2010)؛ علماء ومشاهير أسلموا؛ الكويت: دار ابن حزم.