عدد الزيارات: 4.7K

مفتاح السعادة


إعداد: الدكتور/ أحمد محمد زين المنّاوي
آخر تحديث: 20/03/2019 هـ 11-03-1438

وما يعلم جنود ربك إلا هو..

عندما يريد الله أمرًا يسخّر له ما يشاء من مخلوقاته..

يظن المرء أن الأمر في غاية الصعوبة.. فإذا بأقل مخلوق لله ينهي المهمة!!

أيها السادة.. إنه الله.. وكفى..

فربّ صدفة خير من ألف ميعاد، وربّ عثرة خير من ألف قفزة..

عثرة في حفرة ارتقت ببطل قصتنا من درك مادي سحيق إلى فلك نوراني شفيف..

لقد تفوّقت حفرة صغيرة على منطق الكتب والمراجع وتراكم الخبرة والتجارب لتكون سببًا في تغيير مسار حياة بطل قصتنا هذه!!

إنه مارك شليفر أستاذ علم الصحافة الأمريكي بجامعة نيويورك.

على الرغم من انتمائه إلى أسرة مسيحية كاثوليكية، فإنه لم يكن ملتزمًا بدين معيّن.. ففي فترة من فترات حياته كان يعمل في المغرب مراسلًا للإذاعة الأمريكية، ولعدد من المجلات في نيويورك.. سخّر له الله تعالى حفرة هناك كانت سببًا في إسلامه.. قد يبدو الأمر في غاية الغرابة لكن يجب ألا ننسى أن الله تعالى يضع سرّه في أضعف خلقه.. ويهدي إليه من يشاء كيف يشاء سبحانه.

تحدث مارك عن ذلك في إطار حديثه عن إقامته في المغرب فقال: "الفترة التي قضيتها في المغرب كانت تمثل مفتاح السعادة بالنسبة إليّ ولأسرتي.. حقيقة لقد رأيت هناك ولأوّل مرّة في حياتي عالمًا جديدًا يختلف كليّة عن العالم المادي الذي تركته ورائي في الولايات المتحدة الأمريكية.. ما لمسته عن قرب من جمال في تلك الديار، وما وجدته من روعة في السلوك الإسلامي شدّني بقوّة وجذبني نحو شريعة الحق".

استرسل مارك في حديثه وهو يذكر -في إعجاب- موقفًا حدث له في المغرب عندما كان يرقد طريح فراش المرض فقال: أصبت ذات مرّة بعلّة ألزمتني الفراش.. انبهرت آنذاك بمقدم العشرات من الجيران والمعارف لزيارتي والاطمئنان على صحتي.. كان كل منهم يحاول جاهدًا وفي منتهى الصدق والإخلاص أن يصنع لي شيئًا.. حقيقة أنستني الدهشة مرارة المرض.. كيف لا وقد فوجئت بسلوك إنساني نبيل لم أجد له نظيرًا في بلدي الأم، حيث الجميع يهتمون فقط بأنفسهم، إذ إن الطابع المادي البحت للحياة هناك صبغ الناس بصبغة أنانية شرسة جعلتهم مجرّد آلات باردة خالية من المشاعر، ما جعلهم لا يكترثون ألبتة بما يصيب الآخرين.. فهناك -في الولايات المتحدة- يكون المرء محظوظًا للغاية إذا حظي بمساعدة من أحد أو إذا زاره أهله خلال فترة مرضه، أو حتى إذا سألوا عنه مجرد سؤال.. وكانت دهشتي الكبيرة حينما سمعت إجابتهم عن سؤالي لهم عن الدافع الذي حملهم على ما فعلوه من أجلي دون مقابل؟!

فأجابوا جميعًا: إننا لم نفعل إلا ما فرضه علينا ديننا الإسلامي الحنيف، وما أمرنا به رسولنا الكريم سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلّم-.

أضاف مارك في مزيد من الإعجاب إلى الموقف السابق موقفًا آخر تعرض له في المغرب فقال: "وأنا بالمغرب خرجت لأوّل مرة إلى سوق شعبي بمدينة الرباط.. تعثرت قدمي في حفرة صغيرة فسقطت على الأرض.. في اللّحظة ذاتها التي ارتطم فيها جسدي بالأرض تدافع نحوي عدد من المغاربة وهم ينشدون مساعدتي على النهوض.. كانوا يسألونني في لهفة وإشفاق -وقد ارتسمت على وجوههم دلائل القلق- عمّا إذا كنت قد أصبت بسوء!!"

استطرد مارك في حديثه قائلًا: "بعد هذا الموقف الذي تعرّضت له دخلت في مناقشات طويلة وواسعة مع العشرات من علماء الإسلام.. تعلّمت من تلك المناقشات الكثير من أمور الإسلام ما جعل إعجابي به يزداد يومًا بعد يوم.. شيئًا فشيئًا ومع مرور الوقت وجدت كلًّا من عقلي وقلبي يكادان يفيضان بعقيدة التوحيد.. انكببت بعدئذٍ أدرس في شغف ترجمة لمعاني القرآن الكريم.. وما أن استوعبت بعضًا من معاني الآيات القرآنية الكريمة حتى وجدت نفسي تتوجه إلى الله تعالى راجية منه عزّ وجلّ الهداية إلى الطريق المستقيم".

صمت مارك هنيهة وسرح ببصره بعيدًا ثم أضاف وهو يهز رأسه في ثقة ممزوجة بسرور من حصل على أعظم جائزة في حياته قال: وبينما أنا أقلّب في خشوع صفحات القرآن الكريم إذ بي أجد نفسي مستغرقًا في قراءة تفسير الآيتين الكريمتين التاليتين:

"لا تُدرِكُهُ الأَبصارُ وَهُوَ يُدرِكُ الأَبصارَ وَهُوَ اللَّطيفُ الخَبيرُ (103) قَد جاءَكُم بَصائِرُ مِن رَبِّكُم فَمَن أَبصَرَ فَلِنَفسِهِ وَمَن عَمِيَ فَعَلَيها وَما أَنا عَلَيكُم بِحَفيظٍ (104)" (الأنعام).

وما أن أكملت قراءتي لتفسير الآيتين السابقتين حتى وجدت نفسي غارقًا وسط فيوض من الدموع.. نعم كانت الدموع تنهمر من عيني بلا توقف.. أيقنت حينذاك أن هذه إشارة صريحة من الله عزّ وجلّ ترشدني إلى أن أسرع الخطى نحو الدخول في دينه الحنيف، واللّحاق بركب الموحدين.. استجبت سريعًا للنداء؛ فحزمت حقائبي على الفور ثم سافرت إلى أمريكا حيث أشهرت إسلامي أنا وزوجتي وولدي بالمسجد الكبير في نيويورك.

في خاتمة هذه القصة لا نملك إلا أن نردد بقلوبنا قبل ألسنتنا.. سبحان الله!!

سبحان الله تعالى الذي قيض لبطل قصتنا مارك شليفر حفرة صغيرة انتشلته من حفرة المادة الآسنة وسمت به عاليًّا ليدور في فلك نوراني شفيف..

حفرة تعثر فيها بغتة وسقط على الأرض فعثر عبرها على جوهرة الحق التي سمت بنفسه عاليًّا لتحلّق بها إلى ما وراء الغيوم..

فحينما يشير إليك الله بالنور.. اتبعه.. ولو بخطوة واحدة..

حينما يضع في طريقك علامة.. اتبعها.. اغتنمها..

خطوة واحدة منك نحو الله.. ستتبعها خطوات من الله إليك..

اسأل الله الهداية.. فبالله نهتدي إلى الله.

---------------------------------

المصادر:

ابن علي، أبو إسلام أحمد (2008)؛ عادوا إلى الفطرة؛ مكتبة صيد الفوائد الإلكترونية.

جمعية النجاة الخيرية؛ سلسلة قصص مشاهير المهتدين (29): أستاذ الصحافة الأمريكية.. عبد الله شليفر.

عبد الصمد، محمد كامل (1995)؛ الجانب الخفي وراء إسلام هؤلاء؛ ثلاثة أجزاء؛ القاهرة: الدار المصرية اللبنانية للنشر.    

فارس، نايف منير (2010)؛ علماء ومشاهير أسلموا؛ الكويت: دار ابن حزم.

 


تعليقات (
0
)

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وإنما هي وجهات نظر أصحابها فقط.