عدد الزيارات: 7.3K

مكافحة العمى


إعداد: الدكتور/ أحمد محمد زين المنّاوي
آخر تحديث: 20/03/2019 هـ 03-07-1438

"فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ"

آية قرآنية كريمة تصف بدقة حال بعثات التنصير في أفريقيا..

بعثات ترفع شعار مكافحة العمى.. والحقيقة أن هدفها نشر العمى!!

عمى البصيرة.. عمى الإيمان..

فالبعثات التنصيرية تحرص كل الحرص على أداء عملها على الوجه الأمثل؛ لأن الجهات التي تقف وراءها تحاسبها بدقة فهي تقدم لها الدعم اللوجيستي الكبير وتوفر لها التمويل المالي الضخم، وبالتالي لا تقبل فشلها مهما كانت المبررات. وبذلك فإن رئيس البعثة التنصيرية يكون عادة أكثر أعضائها حرصًا على تجنُّب بعثته للفشل، لأنه المسؤول الأول.. هذه هي القاعدة في العمل التنصيري أما الاستثناء فهو ما نلمسه في قصتنا هذه حيث تعرضت بعثة تنصيرية رفيعة المستوى للفشل الذريع بسبب اعتناق رئيسها للدين الإسلامي.

بطل قصتنا هو الطبيب جي ميشيل الذي توجّه على رأس بعثة تنصيرية من ألمانيا الغربية للعمل في القرن الأفريقي، خلف ستار "مكافحة أمراض العمى"، ولكنه نجح في إفشال عمل البعثة التنصيرية، بعد أن اعتنق الإسلام وغيّر اسمه إلى عبدالجبار.. أما الذي دفعه لاعتناق الإسلام، وكيف كان ردّ الجهات التي تقف وراء بعثته التنصيرية.. فهذا هو ما سنتطرق له في هذه القصة..

 بدأت القصة باختيار منظمة التنصير بألمانيا الغربية الطبيب جي ميشيل ليرأس البعثة التنصيرية المتجهة إلى الصومال، إلى جانب عمله كطبيب لأمراض العيون.. وهناك في الصومال أقام علاقات مع عدد من المسلمين كان أساسها المودة والاحترام المتبادل.

وبعد مرور خمسة أشهر على بدايته لعمله في الصومال تلقت المنظمة تقارير تفيد بتفاني جي ميشيل في عمله كطبيب مقابل إهماله للشق الأهم من مهمته ألا وهو عملية التنصير.. وقبل أن يجف مداد آخر تقرير كتب عنه، تلقى جي ميشيل برقية من رئاسة المنظمة بألمانيا الغربية تطلب منه ضرورة ذهابه إلى إنجلترا لقضاء فترة تدريبية. وهناك أمضى شهرًا كاملًا، عاد بعده إلى ألمانيا الغربية، وبعد أسبوع واحد فقط جاءه الأمر للتوجه إلى تنزانيا، التي لم يمض فيها سوى أربعة أسابيع فقط، ومن ثم طلبت منه رئاسة المنظمة الذهاب إلى الصومال مرة أخرى لإكمال المهمة التنصيرية.

تعرّف جي ميشيل إلى صديق مسلم من الصومال يسمى محمد باهور.. ولم يمر وقت طويل على لقائهما الأول حتى توطدت علاقة الصداقة بينهما.. وفي أحد الأيام دعا باهور صديقه ميشيل لزيارة منزله فلبّى دعوته.. قابلت أسرة باهور صديق ابنها بترحيب كبير، وكذلك أهله والجيران.. وإلى جانب انبهاره بالمقابلة الطيبة اندهش ميشيل عندما فوجئ برجل بين الحضور يتحدث الإنجليزية بطلاقة!!

يقول ميشيل في ذلك: "لقد فرحت كثيرًا عندما علمت أن هذا الرجل هو والد صديقي مُحمَّد.. وقلت في نفسي هذه فرصة وسوف أمارس الجزء الثاني من مهمتي وهو التنصير، لأن اللغة تقف عائقًا أمامي في إنجاز هذه المهمة، لكن وجود مثل هذا الرجل الذي يتحدث الإنجليزية سيساعدني كثيرًا في شرح أبعاد مهمتي التنصيرية، خاصة أن هذا الرجل يحترمه الجميع، ويقدّرونه بصورة تكاد تقترب من الخوف".

يقول ميشيل: "تمنيت أن أجذب والد صديقي إلى الدين المسيحي حتى تتحقق لي عملية التنصير.. وبدأت برنامجًا تنصيريًّا له بالحديث معه عن المسيحية.. لاحظت أنه ينصت إليّ بإصغاء تام، وتوقعت أنه مقتنع بحديثي له.. فرحت بشدة إذ تخيّلت أن تنصيره يعني الحصول على مفتاح سحري يقود إلى إنجاح عملية التبشير والتنصير في المنطقة كلها".

استرجع ميشيل شريط الذكريات واسترسل في حديثه يقول: "لقد هيأت نفسي أن أبدأ معه الحديث عن الأديان والإنجيل والمسيح.. وعقب حديث طويل تحدثت فيه عن المسيحية باعتبارها دينًا لا يماثله في الرقي دين آخر، إلى جانب تركيزي في حديثي على قداسة الإنجيل وعظمة المسيح عيسى ابن الله تفاجأت بوالد صديقي وهو يمسك نسخة من القرآن في يديه ويسألني: أتعرف هذا الكتاب.. ابتسمت في وجهه ولم أجب.. الحقيقة كنت خائفًا من أن أثيره أو ألمح له بمهمتي، بيد أن إحساسًا صادقًا اعتراني مفاده أن هذا الرجل يدرك تمامًا ما يدور داخل عقلي.. في تسامح جميل وكرم بالغ أتاح لي فرصة الخروج من مأزق أوصلني إلى قمة الحرج حيث بدأ يتحدث عن الإنجيل وعن المسيح.. والحق يقال، أوصلني حديثه إلى حقيقة جلية مفادها أن المسلمين جميعًا يحبون نبي الله عيسى ويعترفون به.. أكثر من هذا توصلت إلى أن الإسلام يدعو إلى الإيمان به وبغيره من الرسل والأنبياء، ليس هذا فحسب بل جعل ذلك من دعائم الإيمان بالإسلام.. عقب ذلك طلب مني والد صديقي أن أوجه له أي سؤال في الإنجيل أو في القرآن.. اندهشت وسألته قائلًا: "كيف ذلك؟!".. أجابني قال: "يحتوي القرآن على كل شيء". 

انتهت الزيارة وميشيل يفكّر في كيفية اختراق عقل ذلك الرجل وفكره، لأنه لو نجح في ذلك سيكون قد قطع شوطًا بعيدًا وسيسهل اصطياد الآخرين الواحد تلو الآخر.. ولذلك عاد إلى بيته واستجمع بعض النشرات والكتيبات وسخّر وقته للاطلاع، وكأنه مقبل على امتحان، وحان موعد اللقاء الثاني. ويقول ميشيل: "فور جلوسي سألني الرجل عن طبيعة مهنتي فقلت: الطب، فقال لي: القرآن الكريم يشرح بالتفصيل عملية الخلق والنشأة وكل ما يحدث في الإنسان من تغيرات وهو في رحم أمه، واندفع الرجل يشرح ذلك وبحماس شديد.. وبصراحة انبهرت بهذا الرجل ودهشت لكتاب عمره أكثر من 1400 عام يتحدث عن كيفية نمو الجنين في رحم أمه، وأنا الطبيب الذي تعلّم الطب لسنوات عديدة، وفيها تدربت تدريبًا شاقًّا على معرفة مراحل نمو الجنين، لكن ما ذكره الرجل شدّني كثيرًا، وآلمني ذلك كثيرًا.. ولكن ما زالت مهمتي هي التنصير المغلف بمكافحة العمى".

صمت جي ميشيل للحظات استرجع خلالها ذكريات لقائه الأول مع والد صديقه الذي تحدث معه محاولًا جذبه إلى المسيحية فأصغى إليه بمنتهى الأدب، ثم عقَّب على حديثه وتحدث عن الإسلام في سلاسة ويسر بصورة مبسطة وسهلة يستسيغها العقل ويقبلها التفكير المنطقي.. وأردف ميشيل يقول: "تكرّرت زياراتي إلى والد صديقي مُحمَّد باهور في منزله، وأثناء هذه الزيارات كنت أجد نفسي محاصرًا تمامًا من ذلك الرجل، وكنت أشعر أمامه بأني تلميذ صغير، وأثناء ذلك كله لم أكن أدري أني مراقب من أعضاء البعثة التنصيرية، حيث طلبوا مني عدم الذهاب إلى ذلك المنزل.. وجاء أمر من ألمانيا بضرورة مغادرتي المعسكر، بل لم يمر وقت طويل حتى فوجئت بقرار يقضي بنقل صديقي من المنطقة للعمل في مكان آخر، أعقبه اعتقال تعرض له بدون سبب منطقي.. أما أنا فلم تكن هناك قوة تمنعني من حب مُحمَّد باهور ووالده وأسرته، وبذلك مكثت في مقديشو (عاصمة الصومال) فترة، وكنت خلالها أتسلل إلى والد مُحمَّد باهور، برغم الصعوبات التي تواجهني، وتحت ضغوط أعضاء البعثة صدرت أوامر لي بالذهاب إلى كينيا لقضاء إجازة ممتعة على حدّ تعبيرهم.. وقبل الذهاب ذهبت خلسة إلى منزل مُحمَّد باهور وقوبلت هناك بكل مودة وترحاب، وكان ذلك مع قدوم شهر رمضان، حيث تناولت معهم وجبة السحور، وقبل الفجر شاهدت المنطقة كلها تخرج للصلاة واضطررت أن أصوم أوّل يوم معهم احترامًا لمشاعرهم".

وجاء موعد الرحيل، حيث حقب ميشيل أغراضه متوجهًا إلى نيروبي عاصة كينيا تنفيذًا للأوامر الصادرة له، ولكنه صدم عندما علم أنه ممنوع من العودة إلى الصومال مرّة أخرى، وقبل أن تستقر أوضاعه في نيروبي وصلته برقية من والده يطالبه فيها بالعودة إلى ألمانيا فورًا، وحينها اكتشف ميشيل أن تفاصيل تحركاته كانت مرصودة بدقة، فاتخذ قرارًا حاسمًا بالاستقالة من عمله في ألمانيا، ومن ضمن ما ذكر في استقالته: "اطمئنوا تمامًا فكل شيء على ما يرام، وسوف أعتنق الإسلام". ووضع الرسالة في البريد، وقرّر بعدها العودة إلى الصومال مهما كلفه ذلك من ثمن!

وما أن أعلن ميشيل نيّته اعتناق الإسلام حتى بدأ يتعرض لمحاولات مستميتة من قبل البعثات التنصيرية تهدف إلى أن تثنيه عن عزمه وهي محاولات وصلت إلى حد التهديد بالقتل. لم تنجح حملات التهديد والوعيد في إخافة ميشيل بعدما تغلغل الإسلام إلى شغاف قلبه، فباع متاعه كله، بما في ذلك ملابسه الشخصية، من أجل الحصول على تذكرة سفر إلى الصومال، فحطّت به الطائرة في مطار مقديشو ومن هناك توجه فورًا إلى منزل والد صديقه مُحمَّد باهور، حيث يقول ميشيل: "وفور أن عانقني قلت هامسًا في أذنه: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن مُحمّدًا رسول الله".

اعتنق الإسلام وواصل عمله في الصومال كطبيب في أمراض العيون، وغيّر اسمه ليصبح عبدالجبّار..

فسبحان الهادي إلى الحق وإلى الطريق المستقيم!!

رئيس بعثة تنصيرية رفيعة المستوى كان فيما مضى همّه الأوحد تنصير الفقراء من خلال استغلال فقرهم وعوزهم يتحول في طرفة عين إلى رجل مسلم همّه الأوحد مساعدة أولئك الفقراء حتى لا يقعوا في براثن بني جلدته من المنصرين..

هل رأيتم أعجب من هذا؟!!

هل لو لم يكن هذا الدين من عند الله.. لو لم يكن الإسلام هو الدين الحق الذي يرتضيه الله للإنسان.. أكانت قوة على وجه الأرض تستطيع فعل ذلك مع جي ميشيل؟!!

أيها السادة.. إنه الإسلام.. دين الله..

فماذا بعد كل هذه الدلائل والمؤشرات؟!

ماذا ينتظر غير المسلمين؟!

اسألوا الله الهداية.. فبالله نهتدي إلى الله.

--------------------------------------

المصادر:     

الطويل، محمد ناصر (1414 هـ)؛ إسلام القساوسة والحاخامات؛ الرياض: دار طويق للنشر والتوزيع. 

فارس، نايف منير (2010)؛ علماء ومشاهير أسلموا؛ الكويت: دار ابن حزم.

معدِّي، الحسيني الحسيني (2009)؛ الإنجيل قادني إلى الإسلام؛ حلب: دار الكتاب العربي.

 


تعليقات (
0
)

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وإنما هي وجهات نظر أصحابها فقط.