عدد الزيارات: 74.9K

من صفات الدين الحقّ


إعداد: الدكتور/ أحمد محمد زين المنّاوي
آخر تحديث: 06/08/2016 هـ 25-02-1437

حاجة البشر إلى الدين أعظم من حاجاتهم إلى ما سواه من ضرورات الحياة. ولا يستطيع الإنسان بحال أن يعيش بلا دين؛ لأن حاجة الإنسان إلى الدين تتصل بجوهر الحياة، وسر الوجود، وأعمق أعماق الإنسان. ومهما اسْتَعْلَت المذاهب المادية الإلحادية وتزخرفت، ومهما تعددت الأفكار والنظريات وتنوعت، فلن تغني الأفراد والمجتمعات عن الدين الحق.

ولا نجاة للإنسان في حياته وبعد مماته إلا بدين، وهذا الدّين هو دين الحقّ، يعرِّفه كيف يتعامل مع خالقه، وكيف يتعامل مع الخلق، ويجد فيه غايته المنشودة التي يبحث عنها اليوم كثير من الحيارى، وقد ظهرت جماعات كثيرة، تعتنق أديانًا مختلفة وطرائق شتّى، تدّعي كل جماعة أن دينها هو دين الحق وأن طريقتها هي المُثلى. وحينما تسأل أتباع الأديان المحرّفة، أو أتباع الملل البشرية الوضعية عن الدليل على اعتقادهم، يحتجّون بأنهم وجدوا آباءهم على طريقة، فهم على آثارهم مقتدون، ثم يذكرون حكايات وأخبارًا لا يصح سندها، ولا يسلم مَتْنُها من العلل الواضحة، ويعتمدون على كتب متوارَثة وضعها بشر أمثالهم، فعظّموها وتوارثوها جيل بعد جيل.

وفي العالم اليوم ما يزيد على أربعة آلاف ديانة وعقيدة مختلفة! وكل ديانة من هذه الديانات يعتنقها بعض البشر رغبة في الوصول لرضا الخالق سبحانه. فهل كل هذه الأديان والعقائد صحيحة؟ يستحيل أن يكون الجميع على حق، لأن الحق واحد لا يتعدّد، ويستحيل أن تكون هذه الأديان والعقائد المحرّفة والمِلل البشرية جميعها أو بعضها من عند الخالق عزّ وجلّ وأنها حق. إذًا لا بد من ضوابط صارمة نعرِف بها الدين الحق من الدين الباطل، فإذا وجدنا هذه الضوابط منطبقة على دين علمنا أنه الحق، وإذا اختلّت هذه الضوابط في دين علمنا أنه باطل .

ونحن هنا في موقع طريق القرآن نتناول، بعون الله تعالى، الضوابط التي نميز بها بين الدين الحق والدين الباطل، وصفات دين الحق، التي على كل إنسان أن يتأمّلها، وأن يفكّر فيها بعقله وبتجرّد بعيدًا عن التعصّب، فإن كان من المسلمين ازداد إيمانه، وإن كان من غيرهم تأمّل وتدبّر وعرف الفرق بين دين الحق والدّين الذي يعتنقه.

 

أوّلًا: الدين الحق من عند الخالق ويدعو إلى عبادته وحده

الذي خلقنا هو وحده الذي يستحق منا أن ندين له ونعبده. فليس من العدل ولا من العقل أن يعبد الإنسان من لم يخلقه، ويترك عبادة من خلقه؟! ولذلك، فإن أوّل صفات الدين الحق أن يكون منزّلًا من عند الخالق عزّ وجل على رسول من رسله ليبلغه إلى الناس، وأن يدعو هذا الدين إلى إفراد الخالق بالعبادة، ويحرّم الشرك به، لأن الدين الحق هو دين اللَّه الخالق الأوحد سبحانه لا شريك له، وهو وحده الذي يدين ويحاسب الخلائق يوم القيامة على الدين الذي أنزله عليهم. وبناء على ذلك، فأي دين يأتي به شخص ما وينسبه إلى نفسه، فهو دين باطل لا محالة؛ وأي دين يدعو إلى عبادة غير الخالق سبحانه، فهو دين باطل، ولو انتسب أصحابه إلى نبي من الأنبياء .

ولو تأمّلت هذه الصفة بصدق وتجرّد فلن تجدها تنطبق على دين من الأديان سوى دين الإسلام وحده، والإسلام هو الدين الوحيد الذي يدعو أتباعه إلى عبادة الخالق وحده دون شريك، وإلى الإيمان بكماله المطلق سبحانه وتعالى، حيث يقول الخالق سبحانه في القرآن: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِيْ خَلَقَكُمْ وَالَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُوْنَ (21) البقرة. فهذا نداء مباشر من الخالق للبشر جميعًا: أن اعبدوا الذي خلقكم، وخلق أسلافكم، وأوجدكم جميعًا من العدم، وهو الحي بنفسه، وهو الذي يهب الحياة لغيره، فكيف تتركون عبادة الحي الذي لا يموت وتعبدون أمواتًا لا يملكون لأنفسهم ضرًّا ولا نفعًا؟! وهذا استفهام استنكاري من الخالق سبحانه وتعالى في القرآن: كَيْفَ تَكْفُرُوْنَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيْتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيْكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُوْنَ (28) البقرة. كيف تكفرون باللَّه وهو الذي خلقكم، وهو الذي سوف يميتكم، وهو الذي سوف يحييكم مرّة أخرى ليحاسبكم على أفعالكم؟! وكيف تتركون عبادته وتعبدون من دونه بشرًا أمثالكم كانوا أمواتًا فأحياهم اللَّه سبحانه وتعالى في بطون أمهاتهم ثم أخرجهم لهذه الدنيا من مجرى البول، ثم يموتون بعد ذلك ويُقبَرون في داخل الأرض؟!

 

ثانيًا: الدين الحق هو الدين الداعي إلى توحيد الخالق

إن أي دين يدعو إلى عبادة غير الخالق سبحانه، أو يشرك في عبادته غيره، فهو دين باطل ولو انتسب أصحابه إلى نبي من الأنبياء، فالذي خلقك هو وحده الذي يستحق منك أن تدين له وتعبده ولا تشرك في عبادته أحدًا غيره. والدين الحق هو الذي يدعو إلى إفراد الخالق سبحانه بالعبادة وبما يختص به من صفات الكمال والجلال. وهذا هو ملخص دعوة جميع الرسل الذين أرسلهم اللّه إلى عباده من لدن آدم –عليه السلام- إلى خاتمهم مُحمَّد –صلّى اللَّه عليه وسلّم- فجميعهم دعوا إلى توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وقد قال اللَّه عزّ وجلّ في القرآن: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُوْلٍ إِلَّا نُوْحِيْ إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُوْنِ (25) الأنبياء. وكما ترى، فقد جاءت هذه الآية في سورة الأنبياء، واتخذت الرقم 25 لأن الأنبياء الذين ورد ذكرهم في القرآن عددهم 25 نبيًّا. وبما أن هذه الآية تدعو إلى توحيد اللَّه وإفراده بالعبادة، فقد جاء عدد حروفها 53 حرفًا لأن أحرف اسم اللَّه الثلاثة (الألف واللام والهاء) تكرّرت في أولى سور القرآن وهي الفاتحة 53 مرّة، أما عدد كلمات هذه الآية فهو 15 كلمة، بما يعادل عدد كلمات سورة الإخلاص، وهي السورة التي تصف الواحد الأحد سبحانه، وهي على قصرها تشتمل على أنواع التوحيد الثلاثة: الألوهية والربوبية والأسماء والصفات، فتأمّل: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُوْلَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) الإخلاص.

وإذا تأمّلت في الديانات التي يدين بها العالم اليوم، على كثرتها وتنوعها، فلن تجد دينًا يدعو إلى إفراد الخالق سبحانه بالعبادة، ويَنْهى عن الشرك به، إلا دين الإسلام وحده. فجميع الديانات من دون استثناء منغمسه في الشرك، بما في ذلك الديانات المحرّفة التي ينتمي أصحابها إلى نبي من الأنبياء، فهم يعبدون المخلوق ويعظّمونه، أو يصرفون له نوعًا من خصائص الربوبية، أو يجعلون للَّه شريكًا في ملكه أو في أسمائه وصفاته. وإذا تأمّل أصحاب هذه الديانات والعقائد، فإن الشرك بكل صوره ومظاهره ليس إلا امتهانًا للإنسان وإذلالًا له، حيث يلزمه العبودية لمخلوقات وأناس مثله لا يخلقون شيئا وهم يُخلَقون، ولا يملكون لأنفسهم ضرًّا ولا نفعًا، ولا يملكون موتًا ولا حياةً ولا نشورًا، وفي الإيمان باللَّه وتوحيده عزٌّ للإنسان وصونٌ لكرامته.

وعلى سبيل المثال، فإنك إذا تأمّلت جوهر العقيدة المسيحية تجد أن ألوهية المسيح والثالوث الأقدس هو الركن الأهم في عقائد المسيحيين، وفي اعتقادهم أن المسيح هو اللَّه وهو ابن اللَّه، وأنهم ثلاثة شركاء (الآب – الابن - الروح القدس). ولعلكم تسمعون هذه العبارة من المسيحيين كثيرًا: باسم الأب والابن والروح القدس الإله الواحد. فهذه هي كلمة الافتتاح والبسملة عند المسيحيين، وهم يقولون إن الأب إله والابن إله والروح القدس إله ولكنهم ليسوا ثلاثة آلهة، بل إله واحد! الأب هو العظيم والابن هو العظيم، والروح القدس هو العظيم، ولكنهم ليسوا ثلاثة عظماء بل العظيم الواحد! الأب شخص، والابن شخص، والروح القدس شخص، ولكنهم ليسوا ثلاثة أشخاص، بل هو شخص واحد! إله وإله وإله، ولكنهم ليسوا ثلاثة، وإنما إله واحد! عظيم وعظيم وعظيم، ولكنهم ليسوا ثلاثة، وإنما عظيم واحد! شخص وشخص وشخص، ولكنهم ليسوا ثلاثة، وإنما شخص واحد! وهكذا فإن مفهوم عقيدة التثليث غير واضح بالنسبة إلى المسيحيين أنفسهم!

فهناك إله واحد في ثالوث، وثالوث في إله واحد! ولدى كل شخص يؤمن بالديانة المسيحية ثلاث صور ذهنية مختلفة عن الإله! وعندما تحاورهم يقولون: إن هذه الصور الثلاث متطابقة وإنهم لا يرون إلا صورة واحدة! وعلى منوال هذا المنطق، دعوني أقل لكم إن: 1 + 1 + 1 = 1، فهل تقبلون ذلك مني؟ بكل تأكيد لن يقبل ذلك أحد! ولكن مع الأسف هذا هو المنطق الذي يحاول المسيحيون إقناع الناس به!

إذا كان النصارى يعتقدون في ألوهية المسيح عيسى ابن مريم -عليه وعلى أمه السلام- لأنه وُلد من غير أب، فما هو اعتقادهم في آدم – عليه السلام-، وهو الذي وُلد من غير أب ومن غير أم؟! وما هو اعتقادهم في حواء التي ولدت من غير أم؟! كيف يعتقدون ألوهية المسيح وفي الوقت نفسه يعتقدون أنه أُهين وعُذّب ولُطم على وجهه وقُتل وصُلِب! لأن هذا الاعتقاد يعني ضمنيًّا أن الذي أهانه وعذّبه وقتله وصلبه أقوى منه! كيف يعتقدون في إله لا يستطيع أن يحمي نفسه من شرور أعدائه؟! لا أحد من النصارى يستطيع أن يجيبك عن ذلك، لأن الذين كتبوا الأناجيل تعمّدوا استعمال الاستعارات! فهم يَتكلّمونَ ويَكْتبونَ بلغة مجازية غامضة، تحتمل العديد من الوجوه، ولذلك لا يجد عامة الناس من أتباعهم سبيلًا غير التقليد الأعمى والاستسلام للواقع، من دون أن يجدوا إجابات شافية عن العديد من التساؤلات التي تدور في خلجات نفوسهم.

إن عقيدة التثليث أو الثالوث من أكثر العقائد خلطًا وتعقيدًا عند النصارى، فتأمّل الآية الآتية من القرآن والتي تفنِّد عقيدتهم، وتزجرهم بأن ينتهوا عن الاعتقاد والقول بالثالوث: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوْا فِيْ دِيْنِكُمْ وَلَا تَقُوْلُوْا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيْحُ عِيْسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُوْلُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوْحٌ مِنْهُ فَآمِنُوْا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُوْلُوْا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوْا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِيْ السَّمَاوَاتِ وَمَا فِيْ الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيْلًا (171) النساء.

إن النصرانية، كغيرها من الديانات الشركية الأخرى، اشتملت على أنواع من الشرك، كما أن كتابهم المقدس ومصنّفاتهم ومواقعهم قد حفلت بالشرك وأقرته وذكرت أدلته، واعتبرته من صميم العقيدة النصرانية، لكنها لا تعده شركًا وإنما تسميه توحيدًا، فالتثليث وادعاء بنوة المسيح للَّه رب العالمين، واتخاذ الأحبار والرهبان أربابًا من دون اللَّه، يعدون كل ذلك توحيدًا، وليس شركًا، وهذا ما لا يقبله المنطق القويم ولا العقل السليم.

 

ثالثًا: الدين الحق هو الذي أمر به وسماه الخالق

إن الخالق سبحانه وتعالى هو وحده دون سواه المستحق للعبادة، وإن الدين الذي يرضاه ويسميه باسمه هذا الخالق العظيم هو الدين الحق، وكل ما عداه باطل. وفي ذلك يقول الخالق سبحانه وتعالى في القرآن: إِنَّ الدِّيْنَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ.. (19) آل عمران. وبهذه الكمات الخمس، التي تعادل عدد أركان الإسلام، يتقرّر أنَّ الإسلام هو دين الله الحق، وهو الدين الذي يجب على كل إنسان أن يدين به تحقيقًا للغَرَض الذي خلقه الله من أجله، حيث يقول سبحانه وتعالى في ذلك: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُوْنِ (56) الذاريات.

والإسلام، بمعناه العام الذي هو الاستسلام للَّه تعالى وإفراده بالعبادة، هو دين جميع الرسل والأنبياء، ومنهم موسى وعيسى –عليهما السلام-، وأتباعهم الصادقون هم من يعملون بما أُخذ على النبيين من الميثاق، في وجوب الإيمان بمُحَمَّد –صلّى اللَّه عليه وسلّم- ونُصرته واتّباعه والإيمان بما جاء به وعدم العدول عنه إلى غيره. وفي ذلك يقول الخالق سبحانه وتعالى في القرآن: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيْثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُوْلٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِيْ قَالُوْا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوْا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِيْنَ (81) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُوْنَ (82) أَفَغَيْرَ دِيْنِ اللَّهِ يَبْغُوْنَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِيْ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُوْنَ (83) قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ وَإِسْمَاعِيْلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوْبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوْتِيَ مُوْسَى وَعِيْسَى وَالنَّبِيُّوْنَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُوْنَ (84) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيْنًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِيْ الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِيْنَ (85) آل عمران. وفي هذا البيان الواضح الصريح أن الإسلام هو الدين الحق والمعتبر والمقبول عند الخالق سبحانه وتعالى، وكل من دان بغير دين الإسلام فدينه باطل.

فهذا الإسلام هو الذي اجتمعت عليه الرسل من أولهم إلى آخرهم، فدَعَوا إلى توحيد الله وإلى الاستسلام له بالتوحيد بعبادته وحده دونما سواه. وإن من بين كل الشرائع التي يتعبّد بها البشر في عالمنا اليوم، شريعةَ مُحمَّد –صلّى اللَّه عليه وسلّم- هي وحدها شريعة الإسلام الذي ارتضاه الخالق سبحانه. وبعد رسالة مُحمَّد –صلّى اللَّه عليه وسلّم-  لم يعد هناك دين يرضاه الله عز وجل ويقبله من أحد إلا هذا "الإسلام" في صورته التي جاء بها مُحمَّد –صلّى اللَّه عليه وسلّم-، وما كان يُقبل قبل بعثته من النصارى لم يعد الآن يُقبل، كما أن ما كان يقبل من اليهود قبل بعثة عيسى –عليه السلام- لم يعد يقبل منهم بعد بعثته. ووجود يهود ونصارى بعد بعثة مُحمَّد –صلّى اللَّه عليه وسلّم- ليس معناه أن الله يقبل منهم ما هم عليه، أو أنهم على دين الحق. لقد كان ذلك قبل بعثة خاتم الرسل، أما بعد بعثته فلا دين –في التصور الإسلامي وفي حس المسلم- إلا الإسلام.. وهذا ما ينص عليه القرآن نصًّا صريحًا واضحًا غير قابل للتأويل.

ومن هنا فليس هناك دين يقف معه الإسلام في وجه الإلحاد! هناك "دين" واحد هو الإسلام، وهناك "لا دين" هو غير الإسلام، ثم يكون هذا اللادين عقيدةً أصلُها سماوي ولكنها "محرّفة"، أو عقيدة أصلها وثني باقية على وثنيتها، أو إلحادًا يُنكر الأديان، تختلف فيما بينها كلها، ولكنها تختلف كلها مع الإسلام، ولا حِلف بينها وبين الإسلام ولا ولاء. والإسلام جاء ليصحح اعتقادات أهل الكتاب، كما جاء ليصحح اعتقادات المشركين والوثنيين على السواء، ودعاهم إلى الإسلام جميعًا؛ لأن هذا هو الدين الحق الذي لا يقبل الله غيره من الناس.

 

رابعًا: الدين الحق يحوي ما يليق بالمعبود من صفات

بما أن الدين الحق هو دين الخالق المعبود، فلابد أن يكون كل ما يحتويه هذا الدين يليق به سبحانه وتعالى من صفات، ولا يوجد به صفات تنتقص قدره؛ لأن ناقص الكمال لا يستطيع أن يَهَب الكمال لغيره، فالخالق العظيم سبحانه كامل في صفاته، وكل دين يصفه بالنقص فهو دين باطل. فكيف يتعبّد الإنسان بدين لا يعظّم المعبود، وكيف يتعبّد بدين لا يقدّر المعبود حقّ قدره؟!

وعلى سبيل المثال، فإن الديانة اليهودية تذمُّ وتعيب الإله الربّ سبحانه وتعالى، وتنسب إليه من الصفات ما تكون سببًا في الانتقاص منه، بحيث لا يمكن للفطر السويّة والنفوس الزكية والعقول الرشيدة قبولها في حق المعبود، ومن مثل تلك الصفات: صفة سوء الاختيار، والجهل وعدم العلم، والضعف، وانتفاء الحكمة، والعنصرية والظلم والفظاظة، إلى غير ذلك من الصفات التي يستحيل لعاقل أن يتقبلها في حق نفسه ناهيك في حق الإله الربّ (تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرا). ويرجع ذلك إلى ما قد نال كتاب اليهودية من التغيير والتبديل والتحريف، تبعًا للأهواء.

أما النصرانية، فقد خرجت في ديانتها بالإله الخالق سبحانه وتعالى عن حدّ المعقول ونسبت إليه من الصفات الناقصة والمعيبة والمذمومة، ما لا تقبله النفوس الزكية والفطر النقية والعقول الرشيدة، وتكلّمت عنه وفقًا لما تُمليه الأهواء المريضة، دون أدنى حياء منه سبحانه وتعالى، ووصفته بصفات لا يمكن أن تليق بذاته العلية جلّ وعلا، كالندم والتأسف والحزن، والاستراحة من التعب، والنوم والاستيقاظ، والصفير والتصفيق، والهتاف والصراخ، إلى غير ذلك من الصفات التي لا يمكن أن تليق بالذات العلية لله سبحانه وتعالى.

كما تزعم النصرانية أن الإله عبارة عن مركّب من 3 أقانيم (الأب، الابن ، الروح القدس)، ومع نكارة ذلك الزعم الكاذب، إلا أن النصرانية تقول بأن الابن، الذي هو أحد الأقانيم الثلاثة لإلهها المزعوم، إنما هو من نسل بشري، وهو بذلك خرج إلى الوجود من مجرى البول، وكان قد اختُتِن بعد ولادته، وكان يرضع من ثدي أمه، وكان يأكل ويشرب الخمر (وفقًا لما تزعمه النصرانية)، وكان يبول ويتغوّط، إلى غير ذلك من الصفات المُحال قبولها في الذات العليّة للإله الخالق جلّ وعلا. ولم تكتف النصرانية في توهّماتها وادّعاءاتها على ذلك، بل إنها تقول بأن ذلك الابن الذي قد نسبت إليه الألوهية، قد مات على الصليب بعدما أُهين وعُذِّب، وبُصِق في وجهه، ولُطِم عليه، وتجعل من ذلك عقيدة لها. ولا شك، أن ذلك الذي تزعمه النصرانية، لا يمكن أن تقبله فطرة سويّة أو عقل رشيد، منسوبًا إلى الإله الخالق (تعالى عن مثل تلك الافتراءات علوًا كبيرًا).

المسيحيون الأوائل لم يكونوا بعيدين عن المفهوم الإسلامي الصحيح، حيث لم يكن المسيح إلهًا في معتقد المسيحيين إلا في مُجمّع (نيقية) الذي قد انعقد سنة 325 للميلاد، أي بعد مرور أكثر من ثلاثمائة سنة من مولده، وفيه تقرّر بزيادة صوت واحد فقط بين المقترعين أن المسيح إله، أي أنه إذا نقص ذلك الصوت لبقي المسيح في النصرانية بشرًا رسولاً، كما يقول الدين الإسلامي الحنيف، وبعد ذلك انحرف معتقدهم انحرافًا واضحًا عن الحق، وصار أُلعوبة بين قساوستهم.

 

الإسلام هو الدين الوحيد الذي يُعظّم الله تعالى أشدّ ما يكون التعظيم، ويرفعه فوق تخيّل كل إنسان، وهذا هو اللائق به سبحانه وتعالى، فهو الإله الخالق العظيم. والقرآن الكريم الذي بين أيدي المسلمين، هو الكتاب الوحيد الذي يُنزّه الله تعالى عن كل ما قد افترته عليه اليهودية والنصرانية وغيرهما، وينزهه سبحانه وتعالى عن كل عَيْب ونقص، وذمٍ وسوء، وذلك لأن الله سبحانه وتعالى قد تعهّد بحفظه (القرآن الكريم) بعدما حُرِّفت وضُيِّعت التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب السابقة، عندما وُكِّل البشر بحفظها.

 

خامسًا: الدين الحق فيه الجواب الشافي عما أراده الخالق من الإنسان

بما أن الدين الحق هو دين الخالق المعبود، فلابد أن يحوي الجواب الشافي عما أراده هذا الخالق العظيم من الإنسان، وأن يبين له الغاية التي خلقه من أجلها، ومن أين أتى وإلى أين مصيره. ولا يليق بجلال الخالق العظيم أن يخلقنا عبثًا، ويتركنا من دون هدف من وجودنا. فلابد من هدف يتناسب مع كمال الخالق العظيم، ولابد من هدف يتناسب مع جلاله، ولابد من هدف يتناسب مع قوته هو القوي، فما هو هذا الهدف؟ الإسلام هو الدين الوحيد الذي يحوي الجواب الشافي عن هذا السؤال بكل شفافية ووضوح، حيث يقول الخالق سبحانه وتعالى في كتابه القرآن: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُوْنِ (56) الذاريات. وكما تبيّن هذه الآية، فإن الغاية من وجود الإنسان في هذه الحياة –باختصار- هي عبادة الخالق وحده لا شريك له، وهذا هو الهدف الذي خُلق من أجله كل إنسان على وجه هذه الأرض، أن تعرف الخالق فتطيعه، فتسعد بقربه. فكل صاحب صنعة يصنع شيئًا لغاية محددة، فالذي يصنع ساعة يريد بها ضبط الوقت، والذي يصنع سيارة يريد أن يتنقّل بها، والذي يصنع قلمًا يريد أن يكتب به، وهكذا لكل صاحب صنعة هدف من صنعته، ولله المثل الأعلى، فقد خلق الإنسان لعبادته وحده سبحانه وتعالى. وعبادة الخالق جلّ وعلا تشمل كل ما يحبه ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، ومن ذلك عمارة الأرض، وتحقيق الاستخلاف فيها بالعدل، وفق المنهج الذي أمر به هو سبحانه وتعالى، وباتباع تعاليم دينه الحق.

الإسلام هو الدين الوحيد الذي يجيب بوضوح تام عن أهم سؤال في حياة كل إنسان: لماذا خلقني الله عز وجل؟ فهذا هو أكبر سؤال يخطر ببال أي أحد من الناس، لأنه ما من إنسان عاقل على وجه الأرض يعمل عملًا من دون هدف، فما هو إذًا هذا الهدف الكبير الذي خلقنا الله من أجله؟ فكل طفل يرسله والداه إلى المدرسة من أجل أن يدرس ويتعلّم، فإذا عرف هذا الطفل الهدف من إرساله إلى المدرسة والتفت إلى الدراسة حقّق هذا الهدف فرضي وأرضى والديه، أمّا إذا ظنّ هذا الطفل أنه أُرسل من أجل اللهو فقد شقي وأشقى والديه، ولذلك فإن معرفة الهدف الكبير من خلق الإنسان شيء مهم جدًا، لأن الناس، ومنذ أن خلقهم اللَّه عزّ وجلّ، يسعَوْن في متاهات، ويمشون في طرق مسدودة، تنتهي جميعها بالموت والفناء، فطريق المال والشهرة والشهوة كلها تنتهي بالمصير المحتوم وهو الموت.

وهذه هي الحقيقة التي لا يستطيع أن ينكرها أحد، فكل إنسان يعلم علم اليقين أنه مهما طال أجله فهو ميت لا محالة. ولكن السؤال: ثم ماذا بعد الموت؟! أيُعقل أن يُخلق الإنسان ولا يُسأل عن أعماله؟ فالمسيء مُسيء، والمحسن مُحسن، والظالم ظالم، والعادل عادل، والضعيف ضعيف، والقوي قوي، والفقير فقير، والغني غني، والصحيح صحيح، والمريض مريض وهكذا، هذا عمّر إحدى وتسعين سنة، وثانٍ عاش تسع عشرة سنة، وثالث بقي أربعين سنة، وآخر مات مبكرًا، ولم يهنأ بحياته، فلماذا هذا يولد ابن غني وكل شيء متوفر لديه؟ وهذا لا يحصل قوت يومه؟ وهنا يأتي الاستفهام الاستنكاري من الخالق جلّ وعلا في القرآن: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) القيامة. ومن دقّة نظم القرآن العظيم أن هذه الآية جاءت في سورة القيامة ولم تأت في أي سورة أخرى، ويوم القيامة هو يوم الحساب وهو يوم الفصل، وهو اليوم الذى يبعث اللَّه فيه الناس، ليثيب المحسنين على إحسانهم والصابرين على صبرهم، ويعاقب الكافرين على كفرهم، وهذا من مقتضى عدل الخالق سبحانه وتعالى، فالدنيا دار ابتلاء وامتحان، والآخرة دار قرار.

في بداية النهضة اليابانية، أرسل ملك اليابان مجموعة من الطلاب إلى أوروبا وأمريكا للدراسة، فلما وجدوا أنفسهم في بلاد ومدن كبرى فيها مفاتن كثيرة وملذات رخيصة لا توجد في بلدهم اليابان، انغمسوا فيها، وقصّروا في تحصيل العلم ونقل المعرفة، ولم ينجحوا في تحقيق الهدف الذي أرسلوا من أجله، وعادوا إلى اليابان فأعدمهم الملك، لأنه أرسلهم لمهمة محددة فنسوها وانغمسوا في شيء آخر. وهكذا الإنسان خلقه اللَّه عزّ وجل وأرسله إلى الدنيا لأداء مهمّة محددة، وبيّن له هذه المهمّة بدقّة يوم أهبطه إلى الأرض لأوّل مرّة، حيث يقول اللَّه عز وجلّ في كتابه العزيز: قُلْنَا اهْبِطُوْا مِنْهَا جَمِيْعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّيْ هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُوْنَ (38) وَالَّذِيْنَ كَفَرُوْا وَكَذَّبُوْا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيْهَا خَالِدُوْنَ (39) البقرة. وتحقيقًا لهذا الوعد، فقد توالت رسالات اللَّه عزّ وجلّ إلى الناس، وجاءت رسله تترى على فترات من الزمن لتبيّن للناس هدى اللَّه ودينه الحق، والمهمّة التي خُلق الإنسان من أجلها، وهي عبادة الخالق وحده لا شريك له. فإذا عرف الإنسان هذه المهمّة، ونفّذها على الوجه المطلوب سعد في الدنيا والآخرة، وإذا تغافل عنها أو جهلها أو عمل عملًا يتناقض معها فسوف يُعاقب على ذلك، وسوف يندم أشد ما يكون الندم حين لا ينفعه الندم، حيث يصف القرآن حاله: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُوْلُ يَا لَيْتَنِيْ اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُوْلِ سَبِيْلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِيْ لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيْلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِيْ عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِيْ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُوْلًا (29) الفرقان.

وبذلك فإن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يضع كل إنسان أمام مسؤولياته مباشرة، ويقول له إنك مخلوق في هذه الدنيا من أجل مهمّة خطيرة جدًا، وحياتك كلها متعلقة بهذه المهمّة، وإنك حينما تعرف مهمّتك في الدنيا، وتسعى لتحقيقها تسعد سعادة الدنيا كلها، فلا ترضيك إذا أقبلت، ولا تسخطك إذا أدبرت، وأن الموت ليس النهاية، بل هو بداية الحياة الأبدية التي تكون سعادة أو شقاء الإنسان فيها بقدر ما أخلص واجتهد وعمل في تحقيق المهمّة التي خُلق من أجلها.

 

سادسًا: الدين الحق يضمن مبدأ العدالة في الثواب والعقاب

لم يُخلق الإنسان سدىً ولم يُترك هملًا، وقد اقتضت حكمة الخالق عزّ وجلّ، وعدالته المطلقة، أن يكون للإنسان حساب وعقاب على ما يأتيه من أعمال، ويؤديه من التزامات، سواء في إطار علاقاته الإنسانية والمجتمعية، أو في إطار علاقته مع ربه وخالقه، فهناك وعد ووعيد في الدنيا والآخرة. ولذلك كان لابد للدين الحق أن يرسّخ مبدأ عدالة الثواب والعقاب، الثواب لمن أطاع أوامر الخالق، وانتهى عما نهى عنه، والعقاب لمن خالف ذلك، وأصرّ على المعصية. والإسلام هو الدين الوحيد الذي جاء عادلًا ومنصفًا ومتوازنًا وواضحًا في مبدأ الثواب والعقاب، خلاصة ذلك جاءت في قول الخالق سبحانه وتعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) الزلزلة.

باستثناء الإسلام، فإن الأديان والعقائد المحرّفة والملل البشرية الوضعية، جميعها اضطربت اضطرابًا واضحًا، وتناقضت تناقضًا صريحًا في مبدأ العدالة في الثواب والعقاب. وعلى سبيل المثال، فقد نفت الديانة اليهودية عن الإله الربّ سبحانه وتعالى صفة العدل، تعالى الله عن مثل ذلك علوًا كبيرًا، وبذلك فهي تنسف مبدأ العدالة في الثواب والعقاب من أساسه؛ بل إن اليهود يعتقدون أنهم أبناء اللَّه وأحبّاؤه وحدهم، وأن الإله إنما هو إله بني إسرائيل فقط، وأن الربّ إنما هو ربّ بني إسرائيل دون سواهم من البشر، وأن مختلف الأمم والشعوب من غير جنسهم اليهودي لا أمل لهم في الإله الربّ سبحانه وتعالى، حيث يزعمون أن سائر الأمم والشعوب مرفوضة منه. وبما أن إله اليهود لا يقبل سواهم، ولا يتقبل عبادة إلا منهم، إذن فلا أمل لسائر الأمم والشعوب في التعبد والتقرّب لذلك الإله الربّ الذي خلقهم وأوجدهم من العدم، وليبحثوا حينئذ عن إله آخر يرضونه فيتقبلهم! فتعالى اللَّه عز وجل عما قد نسبته إليه اليهودية علوًا كبيرًا. وتعجّ الديانة اليهودية بغير ذلك مما يستحيل لعاقل ذي فطرة نقيّة ونفس زكيّة أن يقبله.

أما النصارى، فيعتقدون أن المسيح قُتل وصلب، وأنه بصلب المسيح  كُفِّرت خطايا البشر، لذا فعلينا أن نقدّس الصليب، ومن بعد ذلك نفعل ما نشاء، لأن المسيح مات من أجلنا وحمل عنّا أوزارنا، ونحيا حياة بلا قيود، ونفعل ما نشتهيه طالما أن المسيح قد تعذّب ليحمل عنّا آثامنا. وبحسب هذا المفهوم النصراني، فإن الكل سيدخلون الجنة، البَرُّ والفاجر، ولا يهم ماذا تفعل طالما أن المسيح قد حمل عنك خطاياك. فأين الرحمة وأين العدل لو صُلِبَ إنسان طاهر بريء تكفيرًا عن خطيئة إنسان آخر منغمس في المعاصي؟! وهل يحتاج اللَّه عزّ وجلّ إلى الصليب ليغفر خطايا البشر؟! وكيف يضحي الرّب بولده الوحيد ليكفِّر بذلك عن خطايا البشر؟! وهل الرّب عاجز عن مغفرة خطايا البشر من دون هذه المسرحية الهزيلة؟! إله عاجز عن حماية نفسه من أعدائه، وربٌّ لا يستطيع أن يغفر ذنوب البشر إلا بسفك الدماء والتضحية بابنه! مع الأسف، هذا ما يؤمن به المسيحيون وهو في إنجيلهم: "الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة، لكي نموتَ عن الخطايا فنحيا للبر، الذي بجلدته شفيتم"؛ العهد الجديد، (بطرس الأولي، 24:2).

 

سابعًا: الدين الحق تعاليمه متصلة السند بالنبي المُرسل

الحكمة الإلهيّة تقتضي تزويد الإنسان بطريق الهداية إلى الله تعالى، غير طريق الحسّ والعقل لقصورهما وعدم قدرتهما بذاتهما على معرفة طريق الهداية إلى الله بكلِّ أبعاده وتفاصيله. فكانت الحاجة إلى طريق آخر غير الحسّ والعقل، وهذا الطريق هو طريق الوحي والنُّبوَّة. وعلى مدى تاريخ البشر، من لدن آدم –عليه السلام- وحتى مُحمَّد –صلى اللَّه عليه وسلّم-، اختار اللَّه عزّ وجلّ أنبياء واجتباهم وأرسلهم إلى الناس ليخرجوهم من ظلمات الشرك إلى نور الهداية والتوحيد، ففيهم المثل الأعلى، والقدوة الحسنة، التي تهدف إلى تربية الناس على الخير الخالص بما تقول وبما تفعل. ولذلك كان لابد للدين الحق أن يبلّغه نبي مُرسل، ولابد أن تكون تعاليم هذا الدين متصلة السند بذلك النبي، إذ إن اتصال السند شرط أساسي للتأكد من أن تعاليم هذا الدين وتشريعاته من عند الله عزّ وجلّ، ولم تصل إليها يد البشر فتخرجها عن إطارها الرباني. ومن أخطر الخطر أن يعبد الإنسان ربّه بشيء لا يدري مصدره النهائي، أو غير متأكّد منه.

ومن بين جميع الأديان التي يدين بها سكان العالم اليوم، فإن الإسلام هو الدين الوحيد الذي تتصل تعاليمه وتشريعاته بسند صحيح إلى النبي المُرسل، وهو مُحمَّد –صلى الله عليه وسلم-. فالقرآن الذي بين أيدينا اليوم، وهو دستور الإسلام، ظل يتوارثه الحُفَّاظ عبر الأجيال، في الصدور وفي السطور، من خلال أسانيد موثوق بها ومتَّصلة بالنبيّ –صلى اللَّه عليه وسلّم-. وفي ذلك، يقول المستشرق موير: "إنَّ المصحف الذي جمعه عثمان –رضي اللَّه عنه- قد تواتر انتقاله من يد ليد حتى وصل إلينا بدون أي تحريف، ولقد حُفظ بعناية شديدة بحيث لم يطرأ عليه أي تغيير يُذكر، بل نستطيع أن نقول: إنه لم يطرأ عليه أي تغيير على الإطلاق في النسخ التي لا حصر لها، والمتداولة في البلاد الإسلامية الواسعة، فلم يوجد إلا قرآن واحد لجميع الفرق الإسلامية المتنازعة، وهذا الاستعمال الإجماعي لنفس النص المقبول من الجميع حتى اليوم يُعدّ أكبر حجة ودليل على صحة النص المنزل الموجود معنا".

وفي المقابل، فإنك لا تجد أي دين آخر من الديانات التي ينتمي أهلها إلى نبي من الأنبياء، له سند متصل بذلك النبي. وعلى سبيل المثال، فإن الإنجيل الذي قد جاء به المسيح عيسى ابن مريم- عليه السلام- لم يُكتب في عهده، وإنما كانت كتابته بعد ما يُقارب 300 عامًا من رسالته، ومن ثم تعدّدت الأناجيل مع ما بها من اختلافات وتناقضات، وتعرّضت للمراجعات والتنقيحات، حتى أصبح لدينا اليوم أكثر من ستة آلاف إنجيل مختلف. ولم يتوقَّف الأمر عند هذا الحد، فمع مرور الوقت تعجز نصوص الإنجيل المحرَّفة أصلًا عن مواكبة التطورات والأحداث، فيعمد إليها النصارى من حين إلى آخر بمزيد من التنقيح والتحريف.

أما التوراة، وهي الكتاب الذي أنزله اللَّه –سبحانه وتعالى– على موسى –عليه السلام-، وقد نزل باللغة الهيروغليفية، وهي لغته ولغة بني إِسرائيل في مصر في ذلك الزمان، أي قبل نشأة اللغة العبرية بأكثر من مائة سنة، إِذ العبرية – في الأصل– لهجة كنعانية. والسؤال: أين هي التوراة التي نزلت على موسى بالهيروغليفية؟ فهل لها أي وجود أو أثر في التراث الديني اليهودي؟  الجواب الذي يُجمع عليه اليهود: أنه لا وجود لهذه التوراة. والأمر الأهم من ذلك، هو أن التوراة نزلت على موسى –عليه السلام- بالهيروغيلفية في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، بينما حدث أوّل تدوين لأسفار العهد القديم، وفي مقدمتها أسفار موسى الخمسة، على يدي "عزرا"، أي في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد، وبعد عودة اليهود من السبي البابلي (597 – 538 ق. م)، الأمر الذي يعني أن التراث اليهودي قد ظل تراثًا شفهيًا ومتقطّع السند لمدة ثمانية قرون، عبد خلالها بنو إِسرائيل الأوثان، وانقلبوا فيها على أنبيائهم في الكثير من الأحيان فقتلوهم.

وقد أخبرنا الله عز وجلّ في آيات القرآن عن تحريف اليهود للتوراة، وتحريف النصارى للإنجيل،  وطالبهم بأن يتّبعوا رسوله مُحمَّد –صلى اللَّه عليه وسلّم- والكتاب الذي أنزل عليه وهو القرآن الكريم: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُوْلُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيْرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُوْنَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُوْ عَنْ كَثِيْرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُوْرٌ وَكِتَابٌ مُبِيْنٌ (15) يَهْدِيْ بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوْرِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيْهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيْمٍ (16) المائدة.

إن القرآن الكريم، دستور الإسلام، هو الكتاب الوحيد الذي تكفّل اللَّه عزّ وجلّ بحفظه من أي تحريف أو تغيير أو تبديل. ومن واقع إيماننا الراسخ بقول ربنا عزّ وجلّ: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) الحجر، فإننا على يقين تام واعتقاد جازم بأن القرآن الكريم الذي بين أيدينا اليوم لا يختلف في شيء من مضمونه ولا نظمه وترتيبه عمّا هو عليه في اللَّوح المحفوظ، وأن كل آية وكل كلمة في القرآن الكريم الذي بين أيدينا الآن نزل بها الوحي من عند الله عزّ وجلّ.

والسؤال الذي قد يتبادر إلى الذهن: لماذا لم يتكفّل اللَّه عز وجل بحفظ الكتب الأخرى؟ إذا تأمّلت جميع الكتب التي نزلت قبل القرآن الكريم، وفي مقدمتها التوراة والإنجيل، كانت خاصة بأمّة من الأمم، أو زمان من الأزمنة، ولم يُرد اللَّه عزّ وجل لها الخلود والدوام، بل أراد من هذه الكتب أن تكون مصدر إرشاد وتعليم لفترة من الزمن ولفئة من البشر، وما فيها من أحكام كانت ملبية لاحتياجات تلك الفترة الزمانية، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: أُعطيتُ خمسًا لم يُعطَهنَّ أحد قبلي.. وذكر منها "وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة". (رواه البخاري). ويفهم من ذلك أن بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- للناس كافة، وأن كل الأديان السماوية السابقة منسوخة بالإسلام، ومن عرفه ولم يؤمن به فهو هالك، ولا ينفعه إيمانه بالأنبياء السابقين. فالأديان السابقة جميعها كانت محدودة الزمان والمكان والمحتوى، ولذا روي عن المسيح عليه السلام قوله: "لم أرسل إلا إلى خراف بني إسرائيل الضالة". (إنجيل متى 15-21). وفي المقابل، يقول اللَّه عزّ وجلّ في القرآن مخاطبًا عبده ونبيه مُحمَّدًا -صلى الله عليه وسلم-: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيْرًا وَنَذِيْرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُوْنَ (28) سبأ. ولذلك حفظ اللَّه عز وجل القرآن الكريم، دون غيره من الكتب، لأنه دستور الدين الحق الذي ارتضاه للناس جميعًا، وهو الدين الأشمل والأكمل والأتم، فلا دين بعد الإسلام، ولا كتاب بعد القرآن.


ثامنًا: الدين الحق لا يفرّق بين رسل اللَّه

الأنبياء والرسل هم خير الخلق وأفضلهم، لأنهم رسل اللَّه وخاصته، أقرب الخلق إليه وسيلة، وأرفعهم عنده درجة، وأحبهم إليه وأكرمهم عليه، والواسطة بينه وبين خلقه في تبليغهم شرعه ومراده من عباده. وشرف الرسول من شرف الذي أرسله وشرف الرسالة التي يحملها. ويكفي من فضلهم على سائر البشر أن اللَّه عزّ وجلّ اختصهم بوحيه، وجعلهم قدوة وأئمة لعباده، فلا أحد يصل إلى ربه إلا من طريقهم، ولا أحد يدخل جنته إلا من خلفهم، فهم أكثر البشر فضلًا على البشر. ولذلك كان لابد للدين الحق أن يحترم الأنبياء والرسل ولا ينقص من قدرهم، وأن لا يُفرّق بين أحد منهم لأنهم جميعًا رسل اللَّه اصطفاهم ورباهم وأدّبهم وأرسلهم إلى الناس.

وإذا تأمّلت هذا المبدأ، فستجد أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يدعو للإيمان بجميع الرسل، وبما أُنزل عليهم من كتب. وعلى النقيض من ذلك، تجد الكتاب المقدس للنصرانية –على سبيل المثال- يصف الأنبياء بالدموية والوحشية، وينسب إلى نبي الله داود –عليه السلام-، ارتكابه للزنا مع وصفٍ لأحداث تلك الفاحشة المنكرة بالتفصيل وبألفاظ نتعفّف عن ذكرها. كما نسبت النصرانية إلى نبي الله داود –عليه السلام-، أنه قد تسبّب بأساليب ماكرة شريرة في قتل أحد الأشخاص من أجل ممارسة الزنا مع زوجته، كما نسبت له أيضًا، أنه كان يرقص عاريًا. ونسبت النصرانية إلى نبي الله سليمان –عليه السلام- أنه عَبَدَ آلهة أخرى في آخر حياته. إلى غير ذلك مما قد نسبته النصرانية إلى أنبياء الله ورسله، من افتراءات وأكاذيب. وبشكل عام، فإن اللغة المستخدمة في الأناجيل لغة بغيضة إلى النفس، لغة الدرك الأسفل من حضارة المدن، حيث لا يمكن لعقل رشيد أن يتقبلها على أنها وحي من عند الله عزّ وجلّ.

أما اليهودية، فلم تكتفِ بتكذيب نبوة عيسى –عليه السلام-، بل زعمت بأنه ابن زنا، وُلِد بُغية، ونسبت أمه مريم –عليها السلام- إلى الفجور، وإلى غير ذلك من الافتراءات. ومن هنا يمكنك أن ترى صورة متناقضة تمامًا لنبي اللَّه عيسى –عليه السلام- في الديانتين اليهودية والنصرانية، حيث أنزله اليهود إلى حضيض الجُناة، ورفعه النصارى إلى مقام الألوهية، وكلاهما على باطل.

وبما أن أن الإسلام هو دين اللَّه الحق، فقد جاء مُناقضًا لما قد نسبته النصرانية واليهودية إلى أنبياء الله ورسله، ومُدافعًا عنهم، مما قد نُسب إليهم من ادّعاءات كاذبة وافتراءات باطلة، ومؤكدًا أن اللَّه عز وجل قد أرسل أنبيائه ورسله ليكونوا مصابيح هدى، يهتدي الناس بهم إلى الله تعالى عن طريق الاقتداء بهم وبأخلاقهم وأفعالهم، والانتهاج بمنهجهم الربّاني. وقد أنزل الإسلام جميع الرسل والأنبياء منازلهم، ووصفهم بما يليق بهم، حيث نجد أن القرآن الكريم يُبجّل المسيح عليه السلام ويُكرمه كأحد أولي العزم من الرسل، أجرى الله تعالى على يديه الكثير من المعجزات كغيره من الأنبياء، تأييدًا لدعوته ورسالته، ويكرّم أمّه السيدة مريم العذراء –عليها السلام-، ويبرّئها مما قد لحق بها ونسبته إليها اليهود من الفحش والبغاء.

والقرآن هو الكتاب الوحيد الذي يُكرم أنبياء الله تعالى ورسله دون تمميز، ويحفظ لهم منزلتهم الرفيعة، ويشيد بأعمالهم وأخلاقهم السامية، ويدعو الناس للاقتداء بهم، ويدفع عنهم الشبهات التي لحقت بهم من أقوامهم. وقد اشتمل القرآن على قصّة 24 رسولًا مع أممهم وأقوامهم، ولذلك تكرّرت أسماؤهم في القرآن أكثر من 500 مرّة. موسى –عليه السلام- ورد ذكره في القرآن 136 مرّة، وعيسى –عليه السلام- ورد ذكره 25 مرّة، وورد لقبه "المسيح" في القرآن 11 مرّة، بينما تكرّر اسم "مُحمَّد" –صلى الله عليه وسلّم- في القرآن 4 مرّات وورد مرّة واحدة باسم "أحمد".

وفي ذلك كله دليل واضح على أن الإسلام، ودستوره القرآن، يقوم على مبادئ سامية تنبذ العصبية العمياء، وتدعو إلى احترام رسل اللَّه جميعهم، والإيمان بهم وبما أُنزل عليهم من كتب؛ بل إن المسلم لا يكتمل إيمانه إلا بهذا المبدأ، وهو ما لا يوجد في أي ديانة أخرى غير الإسلام. وقد جاء ذلك صريحًا في أكثر من موضع في القرآن، منها قوله سبحانه وتعالى: قُوْلُوْا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيْمَ وَإِسْمَاعِيْلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوْبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوْتِيَ مُوْسَى وَعِيْسَى وَمَا أُوْتِيَ النَّبِيُّوْنَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُوْنَ (136) البقرة، ومنها قوله سبحانه وتعالى: آمَنَ الرَّسُوْلُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُوْنَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوْا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيْرُ (285) البقرة.

إذًا، وبنص القرآن الكريم، فإن المسلم مطالب بالإيمان بعيسى ابن مريم –عليه السلام- وأن هناك كتابًا اسمه الإنجيل أُنزل عليه، كما أنه مطالب بالإيمان بموسى –عليه السلام- وأن هناك كتابًا اسمه التوراة أُنزل عليه، ولكنه في الوقت نفسه، مطالب بالإيمان بأن النصارى قد حرّفوا الإنجيل وبدّلوه، وأن اليهود قد حرّفوا التوراة وأضاعوها، وأن التوراة والإنجيل الموجودة الآن بين أيدي اليهود والنصارى، أو ما يعرف عندهم بالعهدين القديم والجديد، محرفة مبدّلة، وليست كلام اللَّه، ولا كتاب اللَّه، وأنهما مليئتان بالأكاذيب والأباطيل، وأنه لا يجوز الإيمان بهما، أو التعبّد بمقتضاهما؛ لأن البديل عنهما هو القرآن، الصحيح الثابت المحفوظ، الباقي حتى قيام الساعة.

 

تاسعًا: الدين الحق يخلو من التعارض والتناقض

مع تقدم معرفة البشر وفهمهم، فإنهم لا يزالون يرتكبون الأخطاء، ولا تزال جميع الدساتير والتشريعات والأنظمة التي يضعها البشر في جميع الأزمنة والعصور تحتاج بشكل مستمر إلى التصحيح والتنقيح والتغيير كلما ظهر للناس عيوبها وأخطاؤها وتبعاتها السلبية. ويقول القاضي الفاضل أستاذ العلماء البلغاء عبدالرحيم بن علي البيسانيّ وهو يعتذر إلى العماد الأصفهاني عن كلام استدركه عليه: "إنه قد وقع لي شيء وما أدري أوقع لك أم لا؟ وها أنا أخبرك به وذلك أني رأيتُ أنه لا يكتب أحد كتابًا في يومهِ إلا قال في غَدِهِ: لو غُيَّر هذا لكان أحسن، ولو زيد هذا لكان يُستحَسن، ولو قُدَّم هذا لكان أفضل، ولو تُرِك هذا لكان أجمل.. وهذا أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر".

وبما أن الدين الحق هو دين الخالق المعبود، المتّصف بصفات الكمال كلها، والذي يعلم ما كان وما هو كائن وما سيكون، فلابد لهذا الدين أن يكون خاليًا من التعارض والتناقض. وأي دين يحوي متناقضات ومتعارضات وغير مطابق للواقع، فليس هو الدين الحق المنزّل من عند عالم الغيب والشهادة سبحانه وتعالى، وإنما هو دين بشري من كلام البشر، أو دين سماوي دخلته أيدي البشر فأخرجته عن إطاره الرباني، فالبشر أخبارهم قد توافق الواقع وقد تخالفه.

وأيّ دين يحوي مطابقة بعض أخباره المستقبلية للواقع دون بعض فهو من كلام البشر، فالبشر قد يتنبأون بالشيء فيحدث وقد لايحدث، وأيّ دين يحوي موافقة العقل لبعض أحكامه دون بعض فهو دين بشري من كلام البشر؛ لأن كلام البشر قد يتوافق مع المعقول وقد يختلف، وأيّ دين يناقض بعضه بعضًا فهو من كلام البشر، فدين الله الحق منزّه عن التناقضات. وإجمالًا، فإن كل دين ليس من عند الله عزّ وجلّ لا يخلو عن تناقض واختلاف. وصدق اللَّه القائل في القرآن: أَفَلَا يَتَدَبَّرُوْنَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوْا فِيْهِ اخْتِلَافًا كَثِيْرًا (82) النساء. ولو كان القرآن الكريم ليس من عند الله، فستكون هناك حتمًا اختلافات وتناقضات وأوجه قصور عبر العصور.

بينما نجد أن الأديان البشرية أو الشركية أو المحرّفة، وفي مقدمتها اليهودية والنصرانية، جميعها مليئة بالتناقضات والتعقيدات، نجد أن الإسلام رسالة عالمية واضحة لا تعارض فيها ولا تناقض، ولا غموض فيها ولا أسرار، رسالة عالمية يسيرة مُيسِّرة، صالحة لكل زمان ومكان. وجميع الشبهات التي أثارها الملحدون أو أصحاب الديانات الأخرى، بأن هناك تناقضات في القرآن الكريم، تنم عن جهلهم به أو بلغته، وقد قيّض الله للإسلام علماء راسخين يبيّنون زيف شبهاتهم. ولو كان في القرآن شيء من التناقض لأثاره أعداء الدين الإسلامي قديمًا، فقد نزل القرآن على أمّة برع أهلها في علم الكلام إنشاءً ونقدًا وبلاغة، ولم يستطيعوا أن يجدوا في القرآن مطعنًا، رغم رفضهم لرسالة الإسلام ومحاولاتهم المختلفة أن يظهروا للناس معايب تلك الرسالة ويصدون الناس عنها. لقد قالوا عن النبي مُحمَّد –صلى الله عليه وسلّم- إنه ساحر أو مسحور أو شاعر أو مجنون، ولكنهم لم يطعنوا في القرآن من حيث أسلوبه وإحكام سبكه؛ بل مُنْصفهم يقرُّ أن هذا القرآن ليس من كلام البشر، وهذا مدوّن في كتب السير والتاريخ وغيرها، فكيف يأتي الآن من لا يفهم العربية أصلًا، ولا يتكلمها على وجه صحيح فصيح، ثم ينتقد هذا الكتاب العظيم، فيما لم يمكن لأولئك أن ينتقدوه فيه؟!! أظن أن أيّ عاقل منصف لا يقبل ذلك. فمشركو العرب المتقدمون أكثر احترامًا لعقولهم وعقول من يخاطبونهم من هؤلاء المتأخرين.

القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي يخلو من أي قصور أو خطأ أو تناقض، بل جميع ما فيه هو الحكمة والخير والعدالة والإعجاز، وعلى خلاف ذلك كتب الأديان الأخرى، فالتوراة التي بين أيدي اليهود الآن، مليئة بالأخطاء والتناقضات والتحريفات البيّنة الواضحة التي يصعب حصرها. ويقول المسيحيون القدماء، بأن اليهود قد حرّفوا التوراة لتصبح الترجمة اليونانية غير معتبرة، ولعناد المسيحية. وباعتراف اليهود أنفسهم، فإن ما بأيدي اليهودية الآن ليست بالتوراة التي جاء بها موسى -عليه السلام-، لأن التوراة نزلت باللغة الهيروغليفية في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، بينما حدث أوّل تدوين لأسفارها في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد، الأمر الذي يعني أن التراث اليهودي قد ظل تراثًا شفهيًا ومتقطّع السند لمدة ثمانية قرون، أصاب التوراة خلال هذه القرون ما أصابها من التغيير والتبديل، والتحريف والتلويث، من قِبَل الأيدي الخفيَّة ذات المصالح والمطامع، والانقياد تبعًا للأهواء والشهوات.

أما كتاب النصارى المقدّس، فهو يحوي مئات الأخطاء والتناقضات، وذلك باعتراف النصارى أنفسهم. ومع فساد العقيدة النصرانية في الإله الخالق، فإنه لا يوجد في كافة الأناجيل المطروحة مع اختلافها تصريح واحد، أو عبارة واحدة يدّعي فيها المسيح –عليه السلام- أنه الله، أو يقول فيها (اعبدوني)، مما يؤكّد أن الكتاب المقدّس ليس إلا صناعة بشرية من أعداء الله تعالى، وأعداء دينه وأعداء أنبياءه ورسله.

ومن المُناقض للعقل الرشيد، أيضًا أن المسيح –عليه السلام- كان يصلّي، و كان مُتعبِّدًا، وإذا كان ذلك الابن إلهًا كما تزعم النصرانية، فمن كان يعبد؟! فلا يتعبّد إلا من كان مخلوقًا، وليس إلهًا خالقًا، لذلك، فإنه يتبيّن لنا تناقض عقيدة النصرانية بشهادة كتابها مع صريح العقل السويّ. ومن تناقضات النصرانية، أنك تجد في كتابها المقدّس أن المسيح –عليه السلام- نفسه يعلّمهم كيف يُصلّون للَّه، ويعلمهم كيفية الدعاء، حيث قال لهم: "صلوا كذلك، صلوا للَّه وقولوا: واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن للمذنبين إلينا" (انجيل متى 6: 14). وإذا ما علّمهم المسيح –عليه السلام- ذلك من أجل أن يغفر اللَّه خطاياهم، ويكفّر عنهم ذنوبهم، فكيف يكون مات تكفيرًا لخطاياهم؟!

ونجد في أناجيل النصارى أن إلهَهُم المزعوم كان يشرب الخمر، وقد جَرَّبه الشيطان وضلّله أربعين يومًا، وكان يبكي ويحزن ويكتئب، وأنه كان ضعيفًا، وكان يخاف ويهرب متخفيًّا، وأنه كان قد تمّ القبض عليه، وأسْرُه وتقييده، بل إنه (الإله الابن المزعوم) قد بُصق في وجهه، ولُطِم أيضًا على وجهه، ولم يستطع فعل أي شيء، كما يتبيّن ذلك من كتب النصرانية في إنجيل لوقا، وإنجيل متى، وإنجيل يوحنا. ولم تكتف النصرانية في توهّماتها وادّعاءاتها على ذلك فحسب، بل إنها تقول بأن ذلك الابن الذي قد نُسبت إليه الألوهية، قد مات على الصليب بعدما أُهين وعُذِّب، وبصق في وجهه، ولُطِم عليه، وتجعل من ذلك عقيدة لها. ولا شك، أن ذلك الذي تزعمه النصرانية، لا يمكن أن تقبله فطرة سويّة أو عقل رشيد، منسوبًا إلى الإله الخالق جلّ وعلا. تعالى الله عز وجل عن كل تلك الادّعاءات الكاذبة والافتراءات الباطلة، علوًا كبيرًا.

ومن التناقضات الصريحة التي تقع فيها النصرانية، أنها تنسب إلى الله تعالى الولد افتراءً عليه، وتقول بأن المسيح هو ابن الله المولود، وليس المخلوق. والتساؤل: كيف يكون مولودًا وليس مخلوقًا؟! وهل يولد الإله (حيث تزعم النصرانية ألوهية المسيح)؟! وأي عقل راجح رشيد يقبل مثل ذلك؟! فكون المسيح مولودًا، فإن ذلك يعني أنه (المسيح) في احتياج لمن خلقه وأوجده. ويعني أيضًا، أن المسيح كان قبل ولادته عدمًا، أي لم يكن شيئًا، ومن ثم فإنه لا يملك شيئًا. ومن ثم يتضح لنا: أن المسيح لم يكن إلا مخلوقًا مُكرمًا من الله تعالى، خلقه المولى سبحانه وتعالى من غير أب، كما خلق آدم عليه السلام من غير أب، بل ومن غير أم أيضًا.

إن النصرانية قد غالت في المسيح إلى درجة تأليهه ومن ثم عبادته، في الوقت الذي قد علم فيه الجميع ولادته بعد أن حملت به أمه (السيدة مريم). والتساؤل المهم: هل يولد الإله؟! وهل يمكن خروج مثل ذلك الإله المولود، المعبود من قِبَل النصارى، من مجرى البول؟! وهل يمكن لفطرة نقية وعقول سويّة قبول مثل تلك التوهمات والافتراءات؟! بالطبع: لا يمكن لشخص سويّ، ليس بمتعصب، وغير متبع لهوى أن يقبل أيًّا من تلك الافتراءات التي تزعمها النصرانية.

ومن التناقضات الكبيرة في عقيدة النصرانية، نجد أن لوقا (أحد مؤلفي أناجيل النصرانية)، والذي تدّعي النصرانية أنه كان مُلهمًا فيما يكتبه، يذكر في إنجيله الذي ألفه، أن المسيح كان ابن يوسف، وذلك يعني أن المسيح ليس إلها وليس ابنًا للإله، حيث إن أباه معروف، وهو يوسف النجار، وبذلك يكون ما سجله لوقا في إنجيله مخالفًا ومناقضًا للمسيحيين أنفسهم، من حيث تأليههم للمسيح، وذلك يدل على التناقض الكبير الذي تقع فيه النصرانية، مما يبرهن على بطلان معتقدها المخالف والمناقض لأدنى درجات المعقول.

وهكذا تتخبّط النصرانية في ذلك المعتقد الذي تزعمه تخبطًا عظيمًا، وأن ما جاء في إنجيل لوقا يعني أن السيدة مريم إما أنها قد تزوجت من يوسف النجار، وأنجبت المسيح، ومن ثم فإن ذلك يكون مخالفًا لما عليه المسيحيون بل والمسلمون أيضًا، حيث إن السيدة مريم لم تكن متزوجة؛ أو  أنها (السيدة مريم) كانت غير متزوجة من يوسف النجار، وبذلك يكون إنجيل لوقا قد نسبها إلى الفحش والفجور، ومن ثم نَسْب ولدها إلى أنه وَلَد زنا، موافقًا بذلك ادّعاء اليهود،
ولا شك أن ذلك ادّعاء باطل، وكذب محض.

وعلى الرغم من أن المسيح –عليه السلام- لا نسب له أصلًا، لأنه قد وُلد من غير أب، نجد أن النصرانية قد اخترعت له نسبًا، متضمنًا لستة من الزناة وذريتهم، مع أنه كان من المفترض أن يُرجموا (كزناة). ومن التناقض العجيب أيضًا، أن أحد مؤلفي الأناجيل المتضمن لها الكتاب المقدس للنصرانية، وهو متى، قد قام بتسجيل 26 اسمًا في سلسلة، مُدّعيًا بأنها سلسلة نسب المسيح من جهة أبيه، على الرغم من أن المسيح قد وُلِد من غير أب. أما لوقا (أحد مؤلفي الأناجيل)، فيضع هو الآخر في إنجيله نسبًا للمسيح، ولكنه لم يوافق متى على تلك السلسلة من النسب المزعوم للمسيح، ولم يكتف بـ (26) أبًا وجدًا لإلهه الذي يعبده (المسيح)، بل إنه سجل (41) أبًا وجدًّا لإلهه ومخلصه الذي يؤمن به. وفي كلتا سلسلتي النسب المزعوم للمسيح، بإنجيل متى ولوقا، لا يوجد اسم واحد مشترك، سوى اسم يوسف، الذي يزعم كل منهما (متى ولوقا) في غرابة ودهشة، أنه والد المسيح.

وفي سبيل معالجة هذه التناقضات، نجد من يضيف إلى الأناجيل، ويحذف منها، ويبّدل ويغيّر فيها، كيفما يمليه عليه عقله وهواه، كأن يتم إضافة عبارة (على ما كان يُظن) بين علامتي تنصيص، في محاولة للخروج من ذلك المأزق ذا الحرج الشديد الذي أوقعهم فيه لوقا (أحد مؤلفي أناجيل النصرانية) في إنجيله، حيث نسب المسيح إلى أنه كان ابنَ يوسف، موضحًا سلسلة طويلة لنَسبه. ثم نجد المكر والخداع، والتحريف البيّن، بأن يتم حذف القوسين اللذين بداخلهما عبارة – على ما كان يُظن – لإدراجها داخل إنجيل لوقا كجزءٍ منه، غير مضاف إليه.

والمسيحيون يعتقدون بألوهية المسيح لأنه وُلد من غير أب، فلو تفكّروا في هذا الكون المرئي من حولهم للاحظوا أن المخلوقات فيه لا تعدو أن تكون واحدة من أربعة: إما إنسانًا أو حيوانًا أو نباتًا أو جمادًا، وهذا ما يُعرف عند العلماء بالقسمة الرباعية. وإذا تفكّروا في النوع الإنساني نفسه يجدونه يخضع لهذه القسمة الرباعية، حيث يهب اللَّهُ عز وجل لمن يشاء إناثاً فقط، ويهب لمن يشاء الذكور فقط، أو يجمع لمن يشاء بين الذكور والإناث، ويجعل من يشاء عقيماً. وكذلك هي القسمة الرباعية في أصل هذا النوع الإنساني، حيث خلق اللَّهُ عز وجل أبانا آدم – عليه السلام- بلا ذكر ولا أنثى، وخلق أمنا حواء من ذكر بلا أنثى، وخلق بقية البشر من ذكر وأنثى، ثم لتكتمل هذه القسمة الرباعية كان لا بد أن يكون من البشر ما هو مخلوق من أنثى بلا ذكر، وتحقّق ذلك في المسيح عيسى ابن مريم -عليه السلام-، الذي أراد اللَّهُ أن يكون في خلقه بهذه الطريقة آيةً للناس على كمال قدرته سبحانه وتعالى. فلو أن الله عز وجل أراد أن يخلق الملايين من المسيح لخلقهم بكلمة منه سبحانه وتعالى. ولو تفكر أهل الكتاب في هذه الحكمة من خلق عيسى –عليه السلام-، لما تشتتت بهم الأهواء، حتى أنزله اليهود إلى حضيض الجُناة، ورفعه النصارى إلى مقام الألوهية، وكلاهما على باطل.

 

عاشرًا: الدين الحق يأمر بالفضائل وينهى عن الرذائل 

إذا كان الدين هو ما شرعه اللَّه سبحانه وتعالى للناس من أحكام ترشدهم إلى الحق في الاعتقادات والعبادات، وإلى الخير في السلوك والمعاملات، فلابد أن يكون في اتباع تعاليم الدين الحق صلاح البشرية دينًا ودنيا، لأن اللَّه هو الذي خلق الإنسان ويعلم ما ينفعه وما يضرّه، ويعلم عواقب الأمور، وحقائق الأشياء، وما هو كائن وما سيكون، ويعلم ما فيه السعادة للأفراد والمجتمعات، وما فيه الشر لهم.

وبما أن عقول البشر قاصرة، وقد يرى الإنسان بهواه النافع ضارًا والضار نافعًا متأثرًا بشهواته وتطلّعه للنفع العاجل اليسير، دون التفات إلى الضرر الآجل الجسيم، كما أن هذه العقول متفاوتة في نظرتها للأمور، فقد يكون الحسن عند أحدهم قبيحًا عند الآخر، وأهواء الناس تختلف ورغبات الناس تتنوع، ولو شرع الله لهم ما يوافق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومَن فيهن، وفي ذلك يقول اللَّه عزّ وجلّ في القرآن: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيْهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُوْنَ (71) المؤمنون.

ولذلك كله وضع الله سبحانه وتعالى للناس دينًا ولم يكلهم لعقولهم القاصرة، ورسم لهم طريقًا يسيرون فيه، ووضع لها منهجًا يعملون بمقتضاه، وهو ما أرسل به رسله وأنزل به كتبه، فإذا قام الناس باتباع الرسل وعملوا بمقتضى الكتب صلحوا دينًا ودنيا، وإذا كانوا بخلاف ذلك فسدوا دينًا ودنيا. ولذلك كان لابد أن يأمر الدين الحق بالفضائل وينهى عن الرذائل، وأعظم فضيلة هي الإيمان، وأقبح رذيلة هي الكفر والشرك باللّه عزّ وجلّ. والدين الحق هو الدين الذي يدعو إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال، كالصدق والأمانة والحياء والعفاف والكرم الصبر والرحمة والعفو عن الناس، وينهى عن سيء الأخلاق والأفعال، كعقوق الوالدين وقتل النفس والفواحش والكذب والظلم والبخل والفجور والخمر والميسر والربا.

والدين الحق هو الذي يأمر بالعدل والإنصاف في حق الخالق سبحانه وتعالى بتوحيده، وعدم الإشراك به، وفي حق عباده بإعطاء كل ذي حق حقه، ويأمر بالإحسان في حقه بعبادته وأداء فرائضه على الوجه المشروع، وإلى الخلق في الأقوال والأفعال، ويأمر بإعطاء ذوي القرابة ما به صلتهم وبرُّهم، وينهى عن ظلم الناس والتعدي عليهم، وكل ما قَبُحَ قولًا أو عملًا. وصدق الله القائل في القرآن: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِيْ الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ (90) النحل.

والإسلام يدعو إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونموذج ذلك في قول اللَّه عزّ وجلّ في القرآن: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُوْنَ بِالْمَعْرُوْفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُوْنَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُوْنَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُوْنَ (110) آل عمران؛ بل جَعْل القرآنُ خيرية هذه الأمة الإسلامية مشترطة بهذه الدعوة السامية الكريمة.

لقد حفظ الإسلام الدّين؛ ولذا حرّم الإسلام الرّدة، وحفظ الإسلام النفوس؛ ولذا حرّم الله القتل وسفك دم أي إنسان بغير حق مسلمًا كان أو غير مسلم، وحفظ الإسلام العقول؛ ولذا حرم الله كل مسكر وكل مخدّر ومفتّر؛ وحفظ الإسلام المال؛ فحرّم السرقة والرّبا وأكل أموال الناس بالباطل، وحفظ الإسلام الأنساب؛ فحرّم الله الزنى والوسائل التي تقرّب منه.

وللإسلام أهداف يرمي إليها بتعاليمه السمحاء، ويأمر بالعمل من أجلها، ومنها: السمو الروحي عن طريق تقوى الله تعالى ومحاسبة النفس، ومنها المساواة التامة بين عموم الأفراد، ومنها الأخوة الصادقة القائمة على التوادّ والتراحم، ومنها القسط والعدالة العامة، ومنها التعاون، ومنها الإحسان، ومنها التزام الصدق في القول والإخلاص في القول والعمل، والوفاء بالعهد والمحافظة على المواعيد، والصبر على الشدائد، والبر بالوالدين وتوقير الكبير والعطف على الصغير، مع التواضع والحلم والعناية باليتيم والفقير والمسكين، ومنها الامتناع عن الغيبة والنميمة والحسد والخيانة والكذب والتجسس، والغش في المعاملة والتطفيف في الميزان، وغير ذلك من كل ما يؤدي إلى العداوة والبغضاء كالسُكر والمعاملة بالربا.

والإسلام يدعو إلى الشرع القويم، الذي فيه علاج لمشكلات البشرية كافة، في أيّ زمان ومكان، وإلى العبادات الهادية، والمعاملات الكريمة، والأخلاق الرفيعة، والتعاليم السامية، وإلى السماحة والرحمة، والطهر والعفاف، وحسن الأخلاق والمعاملات، وإلى كل الفضائل والمكرمات، ولا ينهى إلا عن كل ما فيه ضرر بالعقل أو الجسم، أو كان مناقضًا لما يُرضي الله، كما أنه ينهى عن الاعتداء على حقوق المسلمين وغير المسلمين، أو الإساءة إليهم، ويربأ بمعتنقيه عن كل أمر فيه دناءة أو مساس بالشرف أو مدعاة للانحطاط والمنافاة للأدب وعزة النفس وعلو الهمّة.

وفيما تزعم اليهودية بأن الجنس اليهودي هو خير الأجناس، بل تسعى جاهدة لترسيخ مثل تلك العنصرية المقيتة في الأذهان الإسرائيلية اليهودية منذ الصغر ومنذ النشأة المبكرة، فإن الإسلام ينبذ العنصرية، ويدعو إلى العدل والإنصاف، فالقاعدة الإسلامية في المفاضلة بين بني البشر كما أُعلن عنها في القرآن، هي: التقوى والعمل الصالح، والتخلّق بالأخلاق الكريمة، وحسن التعامل مع الله (آداء حقه جل وعلا) ومع الناس، وليس اللون أو الجنس أو المال. وفي ذلك يقول اللَّه عزّ وجلّ في القرآن الكريم: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوْبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوْا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيْمٌ خَبِيْرٌ (13) الحجرات.

وعلى النقيض من ذلك، نرى أن اليهودية تنسب إلى أنبياء الله تعالى الكثير من الجرائم والافتراءات التي يستحيل لفطر نقيّة ونفوس زكيّة وعقول سويّة أن تقبلها في حق إنسان فاضل، عفيف طاهر، فضلًا عن نبي أو رسول قد اختاره الله تعالى واصطفاه عن علم منه جلّ وعلا للنبوة والرسالة. ومن تلك الجرائم والافتراءات التي نسبتها اليهودية إلى أنبياء الله ورسله: أنها نسبت إلى نبي الله هارون عبادة العجل، وأنه قد بنى معبدًا لذلك العجل الذي يعبده، وأنه أمر بني إسرائيل بعبادته، وذلك كما هو مصرّح به في (سفر الخروج، الباب 32)، كما أنها نسبت إلى نبي اللَّه سليمان السحر، وأنه كان ملكًا ساحرًا، وأنه قد ارتدّ في آخر عمره، وكان يعبد الأصنام بعد الارتداد، وأنه قد قام ببناء المعابد لها، ونسبت إلى نبي اللَّه لوط شربه للخمر، وليس ذلك فحسب، بل إنها نسبت إليه أيضًا: أنه قد زنى بابنتيه الكبرى ثم الصغرى، وأن ابنتيه قد حملتا منه من الزنا. وذلك يعني أن اليهود لم تنسب إلى نبي الله لوط الزنا فحسب، بل نسبت إليه أقبح أنواع الزنا، ألا وهو زنا المحارم، لا سيما زنا الأب بابنتيه، كما في (سفر التكوين، الباب 19). ونسبت اليهود إلى نبي الله نوح شربه للخمر وتعرّيه، أي تجرّده من ملابسه، كما في (سفر التكوين 9: 20 – 21). وغير ذلك الكثير والكثير من الجرائم المنكرة، والفواحش الرذيلة، والافتراءات الكاذبة التي نسبتها اليهودية المحرّفة إلى أنبياء الله تعالى ورسله.

إن ما نسبته اليهودية إلى أنبياء الله تعالى، من وقوع وزللٍ في وحل مثل تلك الفواحش والرذائل، يعد دعوة صريحة إلى التيسير والتمهيد والترويج لمثل تلك الفواحش والرذائل المنكرة. وإذا ما ارتضت اليهودية مثل تلك الافتراءات على أنبياء اللَّه ورسله، وهم خير الخلق وأفضلهم، وأقرب الخلق إلى اللَّه وسيلة، وأرفعهم عنده درجة، وأحبهم إليه وأكرمهم عليه، والواسطة بينه وبين خلقه في تبليغهم شرعه ومراده من عباده، فإن ذلك يكون بمثابة التقليل من خطورة هذه الجرائم وغيرها، ويعني التشجيع على ارتكاب مثل تلك الرذائل والفواحش والجرائم، لأنه إذا لم يسلم أنبياؤها ومرسلوها من السقوط والانغماس في وحل تلك الرذائل والمنكرات، فهل يسلمون هم؟!!

 

الحادي عشر: الدين الحق يوافق العلم ولا يخالفه

بما أن الدين الحق من عند الخالق سبحانه وتعالى، وهو خالق كل شيء، وهو أعلم بما خلق، فلابد أن يوافق هذا الدين الحقائق العلمية الثابتة التي لا تقبل التغيير ولا التبديل. وغني عن القول أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يتوافق مع كل ما توصّل إليه العلم الحديث من حقائق، فهناك مئات الكتب والمواقع الإلكترونية التي تتحدّث عن الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، وهناك العديد من العلماء المنصفين من غير المسلمين شهدوا للإسلام بذلك.

وعندما بدأ المسلمون في العصور المتأخّرة يتحدّثون عن حقائق علمية في القرآن، سبقت اكتشاف البشر لها بقرون عديدة، بدأ أصحاب الكتب الدينية الأخرى يتفقّدون كتبهم المحرّفة علّهم يجدون فيها شيئًا مناظرًا، وهم من حيث لا يشعرون فقد فتحوا الباب على العديد من الدراسات المقارنة في هذا الميدان. وقد صدرت مؤخرًا مؤلفات تتحدث عن الإعجاز العلمي في الإنجيل أو الكتاب المقدّس لدى النصارى، ولكنها بدلًا من أن تثبت توافق هذا الكتاب المقدّس مع الثوابت العلمية الراسخة، تضمّنت هذه المؤلفات مغالطات واضحة أثبتت من حيث لا تدري مخالفة الكتاب المقدس عند النصارى للعقل ولأكثر الثوابت العلمية رسوخًا، ولذلك وجدت هذه المؤلفات انتقادات لاذعة من النصارى أنفسم، وعادوا يقولون: "إن الكتاب المقدس ليس كتاب علوم ولا كتاب تاريخ، بل هو كتاب روحاني تسمو فيه ارواحنا للرب"؛ وغاب عنهم أن مصداقية الكتاب المنسوب للوحي الإلهي تستوجب صحة جميع المعلومات الواردة فيه علميًا وتاريخيًا، وإن كان هناك تعارض مع حقائق علمية مؤكدة في كتاب يُنسب إلى اللَّه تعالى، فإن هذا يثبت التلاعب والإضافات في هذا الكتاب .

يقول مؤلف كتاب "القرآن والتوراة والإنجيل.. دراسة في ضوء العلم الحديث"، موريس بوكاي: "لقد قمت أولًا بدراسة القرآن الكريم، وذلك من دون أي فكر مسبق وبموضوعية تامّة، باحثًا عن اتفاق نصّ القرآن ومعطيات العلم الحديث.. أدركت بعد الانتهاء منها أن القرآن لا يحتوي على أي مقولة قابلة للنقد من وجهة نظر العلم في العصر الحديث. وبنفس الموضوعية، قمت بالفحص نفسه على العهد القديم والأناجيل. أما بالنسبة إلى العهد القديم فلم تكن هناك حاجة للذهاب إلى أبعد من الكتاب الأوّل، أي سفر التكوين، فقد وجدت مقولات لا يمكن التوفيق بينها وبين أكثر معطيات العلم رسوخًا في عصرنا. وأما بالنسبة إلى الأناجيل فما نكاد نفتح الصفحة الأولى منها حتى نجد أنفسنا دفعة واحدة في مواجهة مشكلة خطيرة، ونعني بها شجرة أنساب المسيح، وذلك أن نص إنجيل متى يناقض بشكل جلي إنجيل لوقا، وأن هذا الأخير يقدّم لنا صراحة أمرًا لا يتفق مع المعارف الحديثة الخاصة بقدم الإنسان على الأرض".

لقد أودع الله في القرآن من العلوم والمعارف ما سيحتاج إليه البشر إلى قيام الساعة، فكل جيل يأتي وينهل منه، كلٌ في مجاله، فيستفرغوا جهدهم ويستنفدوا وسعهم، ويظل هذا الكتاب المبارك مفعمًا بعجائبه، وكأن لم يقف أحد على سر من أسراره. وإن معجزة القرآن العلمية، تظهر لأهل العلم، في كل مجال من مجالاته، فهي ظاهرة في نظمه، وفي إخباره عن الأولين، وفي إنبائه بحوادث المستقبل، وغيرها. وما من زاوية تنظر منها إلى القرآن إلَّا ورأيت منها وجهًا من هذه العجائب التي لا تنقضي، ومن هنا تتعدَّد أوجه الإعجاز في كتاب الله بتعدّد جوانب النظر فيه.

والمتأمل في أحوال العالم قبل نزول القرآن الكريم، يرى التخلف الهائل في مجال العلوم الكونية، وكيف اختلطت المعارف الكونية للإنسان، بالسحر والكهانة والأوهام، حتى غلبت الخرافة، وسادت الأساطير، على الفكر الإنساني. ولقد انتظرت البشرية طويلاً -بعد نزول القرآن الكريم- إلى أن امتلكت من الوسائل العلمية، ما يكشف لها أسرار الكون، وإذا بالذي يكتشفه العلماء والباحثون بعد طول بحث ودراسة، تستخدم فيها أدق الأجهزة الحديثة، يُرى مقررًا في آية، أو حديث، قبل ألف وأربعمائة عام، وذلك فيما تعرض له الوحي من حقائق.

وإذا كان المعاصرون لرسول الله –صلى اللَّه عليه وسلّم- قد شاهدوا بأعينهم، كثيرًا من المعجزات، فإن الله أرى أهل هذا العصر، معجزة لرسوله تتناسب مع عصرهم، ويتبين لهم بها أن القرآن حق، وتلك البينة المعجزة هي: بينة الإعجاز العلمي، في القرآن والسنة، وأهل عصرنا لا يذعنون لشيء مثل إذعانهم للعلم، وبيناته ودلائله، على اختلاف أجناسهم وأوطانهم وأديانهم. فمازال القرآن كتاب المسلمين المعجزة يتحدى العقول بعد ألف وأربعمائة عام من نزوله وكأنه نزل اليوم ليتحدث عن تفاصيل دقيقة حول أحدث ما توصل إليه العلم في مختلف المجالات.

 

الثاني عشر: الدين الحق هو الأسرع انتشارًا بين الناس

إن الدين الحق يقبل الناس عليه ولا ينفرون منه، لأنه دين الخالق سبحانه وتعالى، الدين الذي يوافق فطرتهم، ويمتاز باليسر والوسطية والاعتدال. وفيما شهدت الديانة المسيحة انكماشًا ملحوظًا خلال السنوات الماضية، فإن الإسلام هو أسرع الديانات انتشارًا في العالم اليوم، حيث تجاوز عدد المسلمين في العالم 2.1 مليار نسمة في نهاية عام 2014، بالمقارنة مع 1.2 مليار نسمة في عام 1999، أي بزيادة 900 مليون نسمة خلال 15 عام فقط. ومن هنا يمكنك أن تستنتج أن الإسلام ينمو في المتوسط بنسبة 5% سنويًا، وهذه أعلى نسبة للنمو بين الأديان.

فبينما كانت كانت نسبة المسلمين من سكان العالم 12.4% فقط في عام 1900، ارتفعت هذه النسبة لتصل إلى 16.5% في عام 1980، وخلال عشرين عامًا، أي في عام 2000 بلغت نسبة المسلمين في العالم 19.2%، ومع التطور الكبير الذي شهدته الإنترنت ووسائل التواصل الأخرى منذ بداية هذه الألفية، ارتفع عدد الداخلين الجدد إلى الإسلام من الديانات الأخرى بمعدلات كبيرة جدًّا، حيث بلغت نسبة المسلمين من سكان العالم 29% في عام 2014.

في تقرير مصوَّر، أعدته صحيفة "الديلي ميل" البريطانية واسعة الانتشار، قارنت فيه بين ثلاث صور التقطت في كنيستين ومسجد، لا يبتعد بعضها عن بعض أكثر من مئة ياردة. وتقول الصحيفة في تعليقها على هذه الصور: لا تلتفت إلى إحصائية عام 2011، التي وصف فيها 33.2 مليون بريطاني في "ويلز" أنفسهم بأنهم مسيحيون، ولكن إذا أردت نظرة أعمق على الدّين في بريطانيا اليوم، عليك فقط النظر إلى هذه الصور. وتضيف الصحيفة: إن الفرق في أعداد المتعبِّدين هائل، ففي كنيسة القديس جورج لا يزيد العدد على 12، أما في كنيسة القديسة ماري فلا يزيد العدد على 20، وفي المقابل، يواجه المسجد مشكلة مختلفة تمامًا، فهو لا يتسع إلى أكثر من مئة مصلٍّ، وبرغم ذلك يرتاده أكثر من 500 مسلم، لذا يضطر المصلون إلى افتراش الشوارع المحيطة بالمسجد! وتقول الصحيفة: إن هذه الصور تكشف التوجّهات الحالية للدّين في بريطانيا، وإنها تقول ببساطة إن المسيحية هي دين الماضي، والإسلام هو دين المستقبل.

وبعد هذا كلّه، يزعم النصارى أن الإسلام انتشر بحدّ السيف!! والعجيب أن هذا السيف الذي يتحدّث عنه النصارى لم يرد ذكره في القرآن الكريم ولا مرّة واحدة، بينما جاء ذكره في "الكتاب المقدَّس" أكثر من 350 مرّة! وفي دراسة حديثة لجامعة متشيجن الأمريكية بلغ عدد ضحايا الحروب والنزاعات المسلّحة التي شنّها المسيحيون خلال القرن الماضي وحده نحو 100 مليون قتيل معظمهم من المدنيين الأبرياء! وفي الفترة التي عاشها النبي مُحمَّد –صلى اللَّه عليه وسلّم- وهو يدعو البشرية إلى الإسلام، دارت بين المسلمين والمشركين 28 غزوة (يقودها النبي –صلى اللَّه عليه وسلّم- بنفسه) ونحو 40 سرية (يقودها أحد أصحابه)، وكانت حصيلة كل هذه الغزوات والسرايا 386 قتيلًا فقط من الطرفين، وبمعنى آخر، في 23 عامًا لم يتجاوز عدد القتلى 386 رجلًا مقاتلًا، ليس بينهم طفل ولا إمرأة، نقلهم لنا التاريخ بأسمائهم!

لم ينتشر الإسلام بالسيف، ولكنه انتشر رغم السيوف التي واجهته ووقفت في طريقه، فلقد تمكّن من التوغل في بلاد الشرق الأقصى وفي إفريقيا، ومع هذا فلم يسجل التاريخ أي غزوات للمسلمين في تلك البلاد. وإذا كان الإسلام لم يدخل هذه الدول غازيًا بالسيوف فقد دخلها غازيًا القلوب بالرحمة والعدل والمحبة، وتقف أكبر دولة إسلامية، وهي إندونيسيا، خير شاهد على هذا، حيث انتشر الإسلام في أكثر من ألفي جزيرة فيها دون أن تلامس ثراها أقدام أي جيش إسلامي، وكذلك كان إسلام ماليزيا بدون حروب أو سيوف.

وإن أكبر دولة تضم سكانًا مسلمين في العالم اليوم هي الهند، حيث يوجد فيها أكثر من 255 مليون مسلم، وفي أندونيسيا أكثر من 218 مليون مسلم، وفي باكستان أكثر من 183 مليون مسلم، وفي بنغلاديش أكثر من 155 مليون مسلم، وفي الصين أكثر من 130 مليون مسلم، وفي الدول الأوربية اليوم أكثر من 56 مليون مسلم. والسؤال: كيف انتشر الإسلام في هذه الدول؟! فهل انتشر في هذه الدول بالسيف، أم انتشر بتعاليمه السمحة وقيمة الراقية؟! وأين هو السيف في عصرنا الحاضر حيث ينتشر الإسلام بمعدلات لم يشهدها منذ نزول الوحي؟

إن جميع هذه الدول دخلها الإسلام، وملأ قلوب أهلها دون جيش منظم، أو سياسة مرسومة لذلك، وإنما هو الإسلام نفسه، جعله الله خفيفا على القلوب، قريبا إلى النفوس، ما تكاد كلمة الحق تصافح الأذن حتى يصل الإيمان إلى القلب، فإذا استقر في القلب لم يكن هناك قط سبيل إلى إخراجه منه، فهو الري الذي تظمأ إليه النفوس وتستقي منه، وهو الأمل الذي يخفف على الإنسان وطأة المسير في هذه الدنيا، ويهوّن عليه الموت، فالموت ليس آخر رحلة الإنسان مع الحياة، بل هو المدخل إلى حياة أسعد وأبقى لمن صدق إيمانه واتقى.

فهناك الآلاف من أصحاب الديانات الأخرى في أرجاء العالم، خاصة المسيحيين، يدخلون في دين الإسلام يوميًّا، وفي مصر وحدها هناك ما يزيد على 50 ألف مسيحي يعتنقون الإسلام سنويًّا، وما يزيد على ربع عدد المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية اليوم كانوا مسيحيين في الأصل. ويعيش في الدول الأوروبية حاليًّا ما يقرب من 60 مليون مسلم، ويشير خبراء الديموغرافية إلى أن عدد المسلمين في أوروبا يتضاعف كل 10 سنوات، وهذا يعني أنه بحلول عام 2040 يتوقع أن يشكّل المسلمون غالبية سكان أوروبا. ولم يحدث قط في أمّة من الأمم ذات الحضارة العريقة أنها تركت عقيدتها لتتحول إلى دين كتابي غير الإسلام، وإنما تفرد الإسلام بهذه المزية دون سائر العقائد الكتابية، فتحولت إليه الشعوب من شتّى بقاع الأرض.

وقبل ما يزيد على 1400 عام، وفي مرحلة ضعف المسلمين وقلة عددهم، وفي وقت لم يكن أكثر المسلمين تفاؤلًا يتوقع أن الإسلام سوف ينتشر في أرض الجزيرة العربية وبلاد الشام، ناهيك عن بقاع الكرة الأرضية كافة، أخبرنا النبي مُحمَّد –صلى الله عليه وسلّم- بما تقوله لنا هذه الإحصاءات، وأن دين الإسلام سوف ينتشر في جميع أرجاء المعمورة، حيث ورد ذلك واضحًا في صحيح المسند عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يبقى على ظهر الأرض بيت مَدَرٍ، ولا وَبَرٍ، إلَّا أدخله الله كلمة الإسلام، بِعزِّ عَزِيزٍ، أو ذُلِّ ذَلِيلٍ، إمَّا يُعِزُّهم الله، فيجعلهم من أهلها، أو يُذِلهُّم، فيدينون لها". وجاء في السلسلة الصحيحة للأباني عن تميم الداري رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر.

ومن دلائل النبوّة أن هذا الحديث الشريف جاء ليواسي المؤمنين على ضعفهم وقلة عددهم، وأنه قرن بين انتشار الإسلام وبين الليل والنهار، وهذه المقارنة دقيقة جدًّا. فكما أن الليل والنهار يبلغ كل نقطة من نقاط الكرة الأرضية، كذلك فإن الإسلام قد بلغ كل نقطة على سطح الأرض، وهذا ما لا يمكن تخيله في ذلك الزمان. مع الانتباه إلى أنه لم يكن أحد يعلم حدود الليل والنهار، ولم يكن أحد يعلم أن الأرض كروية، ولم يكن أحد يعلم حدود العالم في ذلك الوقت.

الإسلام وهو ينتشر بين الناس في كافة بقاع الأرض بيسر وبساطة، وهو يهزم الديانات الأخرى والأفكار المتعددة ويتقدم إلى الطليعة لا تدفعه إلا مبادئه السمحة وتعاليمه المعقولة الهادئة البسيطة. وإن الإسلام نفسه كدين يحمل سر انتشاره، حيث لم يشهد الوجود دينًا انتشر بسرعة جاوزت حد العجب، وعمّ جزءًا كبيرًا من المعمورة ودخل الناس فيه أفواجًا في زمنٍ قليلٍ مثل الدين الإسلامي. ويقول اللَّه عزّ وجلّ في القرآن: يُرِيْدُوْنَ لِيُطْفِئُوْا نُوْرَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُوْرِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُوْنَ (8) هُوَ الَّذِيْ أَرْسَلَ رَسُوْلَهُ بِالْهُدَى وَدِيْنِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّيْنِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُوْنَ (9) الصف. فتأمّل جيِّدًا قوله تعالى: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّيْنِ كُلِّهِ)، ومعناه أن الإسلام سوف يظهر على الديانات جميعها ليكون الديانة الأولى في العالم، وفي ذلك تشير توقعات علماء الديمغرافيا أنه بحلول عام 2030 سوف يشكل المسلمون نصف سكان العالم.

لقد طلب بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي من الرئيس الأسبق، رونالد ريغان، أن يمنع دخول الإسلام في أمريكا فقال لهم: "لو استطعتم أن تمنعوا الشمس أن تُشرق على أمريكا أستطيع أن أمنع الإسلام أن يدخل أمريكا، لأنه دين يتفق مع الفطرة، ولا يتعارض مع المنطق". والإسلام هو أسرع الديانات انتشارًا في جميع الولايات الأمريكية، حيث بلغ عدد المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2014 أكثر من 8 ملايين مسلم، بينما يتحوّل أعداد كبيرة من المسيحيين الأمريكيين إلى الإسلام، وما يزيد على ربع عدد المسلمين الأمريكيين كانوا مسيحيين في الأصل.

وفي ظل هذا الانتشار المتسارع الذي يشهده دين الإسلام في جميع أرجاء المعمورة، فإن اسم نبي الإسلام (مُحمَّد) هو الآخر أكثر الأسماء انتشارًا في العالم اليوم من دون منازع. ووفق بيانات مكتب الإحصاء الوطني البريطاني، يتصدر اسم "مُحمَّد" قائمة أسماء المواليد الجدد في العاصمة البريطانية لندن. ومن مجموع المواليد الذكور الذين ولدوا منذ عام 2012 تم إطلاق اسم "مُحمَّد" على أكثر من 25% منهم. تأمّل هذا الإقبال الكبير على اسم خاتم الأنبياء "مُحمَّد" في دولة غير مسلمة. إن مُحمَّدًا –صلى اللَّه عليه وسلّم- هو المحبوب الأوّل في العالم، ليس للمسلمين وحدهم بل لغيرهم أيضًا ممّن عرفوا قدره وعظيم خُلقه. فهذا هو الفيلسوف الإنجليزي توماس كارليل يقول في كتابه (محمد المثل الأعلى): "إنِّي لأحب مُحمَّدًا، إنَّه يخاطب بقوله الحرِّ المبين قياصرة الروم وأكاسرة الفرس".

إن سر انتشار الإسلام بارزٌ في فطرته، وهو الدين الذي يوافق سنن الله تعالى في الخلقة الإنسانية؛ لأنه يعطي القوى الجسدية حقوقها، والقوى الروحانية حقوقها، ويسير مع هذه القوى على طريق الاعتدال حتى تبلغ كمالها. ويكمن السر أيضًا في سماحة الإسلام؛ إذ يضع الإسلام قوانين عادلةً رحيمة مع الأعداء، بدون تدمير، أو ظلم، أو إبادة، أو انتقام؛ فالقرآن يَهدِي للتي هي أقوم، والرسول مُحمَّد -صلى الله عليه وسلم- ابتُعِث رحمةً للعالَم كُلِّه مسلمِه وغير مسلمِه.

 

إن داعية الإسلام الأكبر هو الإسلام نفسه، فقد تضمنت عقيدته وشريعته من الفضائل ما يجعل الناس يحرصون أشد الحرص على أن يدخلوا فيها، ثم إن الإسلام يعطي الداخل فيه كل شيء ولا ينتقصه شيئًا، فإن الإنسان يكسب الصلة المباشرة بالله سبحانه وتعالى، ويجد الطريق إليه فيقف بين يديه خمس مرات في اليوم، ويدعوه دون حجاب، ويكسب الأمل في حياة أسعد وأرغد في هذه الحياة الدنيا، ثم حياة الخلود في دار البقاء، ولا يكلفه ذلك إلا النطق بالشهادتين، واتباع شريعة الإسلام، وكلها خير ومساواة وعدل،

 

وقد شكّلت بساطة تعاليم الإسلام ووضوحها الأثر الأكبر في جذب القلوب نحوه، إذ كل ما يطلب من الذي يدخل فيه هو نطق الشهادتين، وإنك إذ تؤمن بالإسلام لا تؤمن بأسرار أو أمور لا يقبلها عقلك، كما ترى في الأديان الأخرى، حتى الغيب الذي تؤمن به في الإسلام حقيقة، فإن الإنسان لا يرى الله بالعين المبصرة، وإنما يحس به في نفسه، وفي كل ما حوله بالبصيرة المنيرة، والحقيقة الكبرى في هذا الكون هي خالقه، فهو الحق ولا حق غيره.

 

 ورغم الجهود المكثّفة التي جنّد لها أعداء الإسلام القنوات الفضائية، والمدارس، والكتب والصحف والمجلات والأفلام، وجميع وسائل الإعلام الممكنة، لتشويه صورة الإسلام والافتراء عليه، فإن الإسلام هو أسرع الديانات انتشارًا في جميع دول العالم اليوم، لأنه الدين الحق الذي يدعو إلى توحيد المعبود وإفراده بالألوهية، وهو أمرٌ مركوز في الفطرة البشرية السوية قبل تلويثها بالشرك والإلحاد. ولأنه دين الوسطية والاعتدال الذي اختصه المولى عزّ وجلّ بأقوم المناهج وأكمل الشرائع وأوضح السبل، وهو وسط في كل الأمور عقيدة وشريعة وأخلاقًا، وهو وسط بين غلو الديانات الأخرى وتفريطها، وهو وسط يجمع بين مطالب الروح والجسد والفرد والمجتمع، فلا يُغَلِّب جانبًا على آخر إلا بما يتناسب مع صلاح الروح وسلامة الجسد وفلاح الفرد وإصلاح المجتمع. فالإسلام هو سماحة التعامل ورقي السلوك وجمال القيم، وهو دين الوسطية والحنيفية التي لا حرج فيها ولا غلو ولا تضييق.

 

الإسلام هو الدين الحق

ومن خلال هذا الموجز الذي استعرضناه حول صفات الدين الحق، يتبين بجلاء لأصحاب الفطر النقية، والنفوس الزكية، والعقول السوية، مدى صفاء العقيدة الإسلامية ونقاؤها، وبساطتها ووضوحها، وخلوها من الشوائب والعوالق التي أصابت غيرها، ومن ثم سهولة فهمها واستيعابها من جميع الفئات والطبقات البشرية ومن جميع المستويات العقلية المختلفة.

إن الإسلام هو الدين الوحيد الذي تجتمع فيه جميع صفات الدين الحق، فهو دين من عند الله وآخر الأديان السماوية، والناسخ لجميع الشرائع التي قبله، وهو دين يدعو لعبادة الله وتوحيده، وتعاليمه متصلة السند بالنبي المبلغ، والإسلام يحوي ما يليق بالله من صفات ولا يوجد فيه صفات تنتقص من الله، ويخلو من التعارض ويوافق العلم ويدعو لمحاسن الأخلاق وجميع الفضائل، وينهى عن المنكرات وجميع الرذائل، وفي اتباعه صلاح البشرية، و يحوي ما يليق بالأنبياء والرسل، ولا يحوي ما ينتقص منهم، ويحوي الجواب عما أراده الخالق من الإنسان، ومن أين أتى وإلى أين المصير، ويوافق العلم والعلم الحديث ولا يتعارض معه في شيء .

لذلك فإن ما أشرنا إليه وأوضحناه يعدّ شاهدًا دامغًا، ودليلاً بيّنًا وبرهانًا قاطعًا لأولى الألباب والبصائر على أن الإسلام هو دين الله الحق الذي ارتضاه سبحانه وتعالى للعالمين، وأن كل ما سواه من أديان وعقائد ليست بحق بحال من الأحوال، لأنها إما معتقدات بشرية، أو رسالات سماوية أدت دورها في زمن من الأزمان وانتهى دورها ولم تسلم من يد البشر التي تناولتها بالتحريف والتغيير والتبديل فأخرجتها عن إطارها الرباني.

إن الإسلام دين الكمال والشمول، جاء بما يحتاج إليه البشر في دينهم ودنياهم وفي عباداتهم ومعاملاتهم وفي شتى المجالات ومختلف نواحي الحياة، فهو منهج للحياة البشرية بكل مقوّماتها، وقد اشتمل على المبادئ الراقية والأخلاق والنظم العادلة والأسس الكاملة، ولذلك فالعالم البشري مفتقر بأجمعه إلى أن يأوي إلى ظله الظليل؛ ذلك لأنه المبدأ النافع للبشر.

فعقائده أصحّ العقائد وأصلحها للقلوب والأرواح ويهدي إلى أحسن الأخلاق، فما من خُلق فاضل إلا أمر به، ولا خلق سيئ إلا نهى عنه، لهذا كانت القاعدة الكبرى لهذا الدّين رعاية المصالح كلها ودفع المفاسد، فهو يساير الحياة وركب الحضارة، فيأمر بطلب الأرزاق من جميع طرقها النافعة المباحة من تجارة وصناعة وزراعة وأعمال متنوعة، ولم يحرّم إلا الأسباب الضارة التي تحتوي على ظلم وجور وبغي وعدوان وذلك من محاسنه.

إن المنصفين من عقلاء الشرق والغرب من غير المسلمين، درسوا هذا الدين وعلموا ورأوا ما يشتمل عليه من محاسن وخصائص ومزايا لا توجد في أيّ دين غيره، ومنها:

  • لا يوجد دين صالح لكل الأمم والأزمان إلا الإسلام.
  • ولا يوجد دين جامع لجميع ما يحتاجه البشر إلا الإسلام.
  • ولا يوجد دين من الأديان يؤاخي العقل والعلم في كل ميدان إلا الإسلام.
  • ولا يوجد دين روحي مادي إلا الإسلام.
  • ولا يوجد دين شهد له فلاسفة العالم المتحضّر من غير معتنقيه إلا الإسلام.
  • ولا يوجد دين يسهل إثباته بالتجربة إلا الإسلام.
  • ولا يوجد دين من أصوله الإيمان بجميع الرسل والأنبياء والكتب الألهية إلا الإسلام.
  • ولا يوجد دين تشهد له الاكتشافات العلمية إلا الإسلام.
  • ولا يوجد دين يسهل العمل به في كل حال إلا الإسلام.
  • ولا يوجد دين لا إفراط فيه ولا تفريط إلا الإسلام.
  • ولا يوجد دين حُفظ كتابه المقدس من التحريف إلا الإسلام.
  • ولا يوجد دين صرح كتابه المنزل بأنه عامّ لكل الناس إلا الإسلام.
  • ولا يوجد دين تحدّى كتابه المقدّس الإنس والجن إلا الإسلام.
  • ولا يوجد دين لا يحتوي كتابه المقدّس على أيّ تناقضات واختلافات إلا الإسلام.
  • ولا يوجد دين يأمر بجميع العلوم النافعة إلا الإسلام.
  • ولا يوجد دين وحّد قانون المعاملات بين البشر إلا الإسلام.
  • ولا يوجد دين أزال امتياز الطبقات إلا الإسلام.
  • لا يوجد دين تعاليمه متصلة السند بالنبي المبلِّغ  إلا الإسلام.
  • ولا يوجد دين في اتباع تعاليمه صلاح البشرية  إلا الإسلام.
  • ولا يوجد دين يمكن أن يحفظ الإنسان كتابه المقدس وهو لا يعرف لغته إلا الإسلام.
  • ولا يوجد دين حقق العدالة الاجتماعية إلا الإسلام.
  • ولا يوجد دين لا يشذ عن الفطرة في شيء إلا الإسلام.
  • ولا يوجد دين منع استبداد الحكام وأمر بالشورى إلا الإسلام.
  • ولا يوجد دين أمر بالعدالة مع الأعداء إلا الإسلام.
  • ولا يوجد دين بشرت به الكتب السماوية إلا الإسلام.
  • ولا يوجد دين أنصف المرأة في أدوارها أمًا وزوجة وبنتًا إلا الإسلام.
  • ولا يوجد دين أمر بالتعليم وحرّم كتمان العلم النافع إلا الإسلام.
  • ولا يوجد دين قرّر الحقوق الدولية إلا الإسلام.
  • ولا يوجد دين يضمن الحلول لمشاكل العالم إلا الإسلام
  • ولا يوجد دين أمر بالإحسان والرفق بجميع الخلق إلا الإسلام.
  • ولا يوجد دين قرّر أصول الحقوق المدنية على قواعد فطرية إلا الإسلام.
  • ولا يوجد دين اعتنى بصحة الإنسان وثروته إلا الإسلام.
  • ولا يوجد دين أثر في النفوس والأخلاق والعقول إلا الإسلام.

وهذه إشارات تبيّن شمول الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان، وأنه قد حوى من المحاسن ما يشهد له بالكمال المطلق. ولذلك كان الإسلام هو الدين الذي ارتضاه اللَّه عزّ وجلّ للناس كافة، وأن من يبتغ غيره دينًا فلن يقبل منه وسيكون يوم القيامة من الخاسرين، مصداقا لقول الله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيْنًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِيْ الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِيْنَ (85) آل عمران.

------------------------------------------------------------------------------------------------------

المصادر:

أوّلًا: القرآن الكريم.

ثانيًا المصادر الأخرى:

  • محمد، السيد محمد؛ "المقارنة بين الإسلام والنصرانية واليهودية والاختيار بينهما"؛ دراسة منشورة في موقع الألوكة الإلكتروني (www.alukah.net)، أُسترجع بتاريخ 28 نوفمبر 2015.
  • ديدات، أحمد (2010)؛ الاختيار بين الإسلام والنصرانية (الجزء الثاني). (أكرم ياسين الشريف، مترجم). المملكة العربية السعودية- الرياض، العبيكان للنشر.
  • الزنداني، عبد المجيد بن عزيز (2012، 31 ديسمبر)؛ تأصيل الإعجاز العلمي في القرآن والسنة؛ بحث منشور في موقع جامعة الإيمان: http://www.jameataleman.org
  • السلفي، ربيع أحمد (2008، 20 ديسمبر)؛ إعلام الأنام أن صفات الدين الحق تجتمع في دين الإسلام؛ أُسترجع بتاريخ 28 نوفمبر 2015 من www.alukah.net
  • الهندي، رحمة اللَّه (1989)؛ إظهار الحق. المملكة العربية السعودية، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد- الإدارة العامة للطبع والترجمة.
  • العرفج، محمد بن إبراهيم (2011)؛ لمحات من محاسن الإسلام. المملكة العربية السعودية، الرياض، دار الآل والصحب.

 


تعليقات (
0
)

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وإنما هي وجهات نظر أصحابها فقط.