لا يهبّ النسيم عليلًا داخل البيت على الدوام، فقد يتعكَّر الجو، وقد تثور الزوابع، فالراحة الكاملة نوع من الوهم، ومن العقل توطين النفس على قبول بعض المضايقات، وترك التعليق المرير عليها.
الطلاق كلمة، لا ينازع أحد في جدواها، وحاجة الزوجين إليها، حينما يتعذر العيش تحت سقف واحد، وإذا بلغ النفور بينهما مبلغًا يصعب معه التودّد، فعليهما أن يتفرّقا بالمعروف والإحسان، كما اجتمعا بهذا القصد. وقد أباحه اللَّه رحمة منه بعباده لحاجتهم إليه أحيانًا، ولكنه يتنافى مع العديد من القيم، لما يترتّب عليه من تبعات سلبية. ومن هنا يكشف لنا القرآن الكريم أنّ الطلاق الذي شرّعه الإسلام هو حالة استثنائية غير محبّبة؛ ولكنّها آخر الدواء عندما تعجز سائر المحاولات عن حلّ مشكلة الزيجات المتعثّرة.
ولذلك قيّده اللَّه بقيود لم يقيد بها أي أمر آخر، وحدود عدّة تعوق حصوله، وبرغم ذلك فإن حصل، فإن التشديد على الالتزام بحدود اللَّه جاء مغلّظًا، ويكفي أن تعلم أن "حدود اللَّه" وردت في القرآن الكريم 12 مرّة، منها 8 مرّات جاءت في شأن الطلاق.
عجائب "حدود اللَّه"
تأمّل فيما يلي الآيات الست التي وردت فيها "حدود اللَّه" حسب تسلسلها:
- أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُوْنَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوْهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوْا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوْهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُوْنَ فِيْ الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُوْدُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُوْنَ (187) البقرة
- الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوْفٍ أَوْ تَسْرِيْحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوْهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيْمَا حُدُوْدَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيْمَا حُدُوْدَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيْمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُوْدُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوْهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُوْدَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُوْنَ (229) البقرة
- فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيْمَا حُدُوْدَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُوْدُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُوْنَ (230) البقرة
- تِلْكَ حُدُوْدُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُوْلَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِيْنَ فِيْهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيْمُ (13) النِّسَاء
- التَّائِبُوْنَ الْعَابِدُوْنَ الْحَامِدُوْنَ السَّائِحُوْنَ الرَّاكِعُوْنَ السَّاجِدوْنَ الْآمِرُوْنَ بِالْمَعْرُوْفِ وَالنَّاهُوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُوْنَ لِحُدُوْدِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِيْنَ (112) التوبة
- فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّيْنَ مِسْكِيْنًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُوْلِهِ وَتِلْكَ حُدُوْدُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِيْنَ عَذَابٌ أَلِيْمٌ (4) المجادلة
- يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوْهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوْهُنَّ مِنْ بُيُوْتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيْنَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُوْدُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُوْدَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) الطلاق
تأمّل هذه الآيات جيّدًا
من مجموع 12 مرّة وردت "حدود اللَّه" 8 مرّات بشأن الطلاق!
وردت "حدود اللَّه" في القرآن الكريم 12 مرّة، وسورة الطلاق عدد آياتها 12 آية!
أوّل آية وردت فيها "حدود اللَّه" عدد كلماتها 65 كلمة، وسورة الطلاق ترتيبها في المصحف رقم 65
آخر مرّة وردت "حدود اللَّه" جاءت في سورة الطلاق نفسها، وتكرّرت مرّتين في الآية الأولى منها!
الآية الوحيدة التي بدأت بكلمة (الطلاق) هي الآية 229 من سورة البقرة، ووردت فيها "حدود اللَّه" 4 مرّات!
ووردت "حدود اللَّه" في القرآن الكريم 12 مرّة، وفي 8 مرّات منها جاءت متعلقة بالطلاق، وفي 4 مرّات منها جاءت متعلقة بأمور أخرى، ولذلك تكرّرت "حدود اللَّه" 4 مرّات في الآية التي تبدأ بكلمة الطلاق.
أوّل آية وردت فيها "حدود اللَّه" رقمها 187، وهذا العدد = 17 × 11
عدد كلمات سورة الطلاق 289 كلمة وهذا العدد = 17 × 17
------------------------------------------------------
المصدر:
مصحف المدينة المنَّورة برواية حفص عن عاصم (وكلماته بحسب قواعد الإملاء الحديثة).