في البدء.. ومــع الله.. الأول المبدئ بلا ابتداء، والآخر الباقي بلا انتهاء.
أكرمنا بما لم يكرم به أمّة من قبل، أكرمنا بهذا القرآن، كلامه ونوره وهداه.
وكتابه الكامل في نظمه وبيانه.. المعجز في نهجه وفصاحته وبلاغته وحسن ألفاظه وجميل معانيه.
العجيب في كمال رسالته ومضمونه وفحواه، وفي أحكامه وتشريعاته الباهرة بدقتها وعدلها وشموليتها وتفصيلها، وفي دستوره الأخلاقي الفريد، وفي سرده للأحداث التاريخية الغابرة، وفي تناوله للحقائق العلمية الغيبية، وفي أسلوبه التربوي وخطابه النفسي، وفي وقعه على القلوب والعقول، وفي حلاوته ووقعه على النفوس والأبدان، وقد يسَّره الله للذكر، وجعله شفاءً لما في الصدور ودواءً للعلل والأسقام.
عجيب ليس للإنس وحدهم، بل هو الَّذِي لم تنته الجنُّ إِذ سمعته حتَّى قالوا: "إِنَّا سمعنا قرآنًا عجبًا"!
فالقرآن هو الكتاب الذي "لا تنقضي عجائبه"، بل هو عجيب في ذاته، حيث تكفَّل الله تعالى بحفظه من كل باطل!
وفوق ذلك فهو الكتاب المبارك، والمعجزة الخالدة والمتجدِّدة إلى يوم القيامة لكل الأجيال والأزمان!
ومع هذا كله لم نوفّه حقَّ قدره، ولم ننتفع بعظيم شأنه، فالمسلمون اتخذوه مهجورًا، وحاموا حول عظمته دون سبر أغوارها، فلم يدركوا عظمته وأسراره وإعجازه المطلق، بل لم يحيطوا بها، ولم يقتربوا من ذلك!
وغير المسلمين -إخواننا في الإنسانية- لم يجدوا من يعرض عليهم، بالحجّة والعقل، أسباب وجوب إيمانهم به، ومدى خطورة عدم إيمانهم به! نعم.. خطورة عدم إيمانهم به! إنها الآخرة.. الفوز أو الخسران.. الجنَّة أو النار.
فكم غافل عن الحق خادع نفسه بالظنون والأوهام.
وكم نفس بشرية تموت كل يوم على غير هُدى الإسلام.
حقيقة مؤلمة أن يموت في كل يوم، بل وفي كل ساعة، آلاف البشر وهم على غير دين الحق!
عشرات الملايين يرحلون من هذه الدنيا في كل عام، وهم كافرون مكذبون بهذا القرآن العظيم!
والمؤلم أكثر أننا مسؤولون عنهم يوم القيامة! لماذا لم ندلَّهم إلى الحق؟!
ولماذا لم نقدِّم لهم القرآن كما يجب أن يُقدَّم؟!
إنها مسؤولية كل فرد مسلم سواء أكان ذكرًا أم أنثى.. الدعوة إلى دين الحق وهداية البشرية، والسير بها إلى رضوان الله.
وكلٌ في مجاله، وعلى حسب قدرته ومكانته. فالذي منحه الله علمًا عليه أن يوظِّفه في نشر دين الحق، والذي منحه الله مالًا عليه أن يبذله في الدعوة إلى دين الحق، والذي منحه الله سلطانًا عليه أن يستغله في التمكين لدين الحق.
وإن رسالة الإسلام تتلخص بكلمة واحدة هي: الدعوة!
قُلْ هَذِهِ سَبِيْلِي أَدْعُوْ إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيْرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِيْنَ (108) يوسف
ولم تكن الحاجة إلى الدعوة بل الضرورة إليها ماسّة في عصر من العصور، كعصرنا هذا الذي نعيشه. لقد احتدم فيه الصراع بين الحقِّ والباطل، وبلغ دعاةُ الضلال ما لم يبلغوه في أيِّ عصر مضى. لقد استثمروا كلَّ أدوات الطفرة الرقميّة والمعلوماتيّة في نشر باطلهم، لأنها الأكثر انتشارًا والأسرع رواجًا والأعمق أثرًا.
إن الدعوة إلى دين الحق دعوة شاملة في منهجها وأسلوبها وأدواتها، أربعة عشر قرنًا من الزمان ونحن ندعو الناس بمنهج واحد لم نطوِّره! تطورت المفاهيم وتحوَّلت أحوال الناس وثقافاتهم وأزمانهم، وتغيَّرت وسائل الدعوة إلى الله، وتبدَّلت أحوالها، واستجدَّت وسائلها، ونحن لا نزال كما نحن على منهجنا الدعوي الأوّل في منطقه ومضمونه وفحواه!
ولقد حان الوقت لأن نفسح المجال لأدوات دعوية جديدة تقوم على الحقائق العلمية والثوابت الرقميّة التي لا تحتمل المغالطة والجدل، لأن أكثر الذين يدخلون في دين الحق من غير العرب اليوم بسبب انبهارهم بعظمة هذا القرآن!
والمجاهدة بهذا القرآن منازلة كبرى وشاملة لا تستثني شيئًا منه، بل توظِّف كلَّ ما فيه ظاهرًا وباطنًا..
فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِيْنَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيْرًا (52) الفرقان
ومن هذا المنطلق نبعت فكرة هذا الموقع الإلكتروني (طريق القرآن)، وهو يضم ما لم يضمّه أي موقع آخر.
هذا الموقع الذي يزوِّد الدعاة بوسائل جديدة من أدوات المجاهدة بهذا القرآن العظيم.
والفضل والمنّة من قبل، ومن بعد لله وحده سبحانه وتعالى، وليس لنا.
موقع إلكتروني يقدِّم القرآن كما لم يقدّمه أي موقع آخر.
يقدّمه بالحجّة العلمية والبرهان الراسخ والعقل، وبالرقم والإحصاء والمنطق الرصين الذي لا يقبل المغالطة والجدل.
نسيج رقميّ عجيب، ونظام إحصائيّ مُعجز يزخر به القرآن العظيم! معجز بكل ما تعنيه هذه الكلمة.
ففي هذا الموقع الدليل العلمي المجرَّد بأن هذا القرآن، هو من عند الله عزّ وجلّ.
نظام رقميّ قرآني محكم تحتار العقول وهي تتأمّله!
أَفَلَا يَتَدَبَّرُوْنَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيْرًا (82) النساء
منطق رقميّ رصين يخرس ألسنة الباطل!
نقدّمه من خلال أسلوب مبسَّط وميسَّر يفهمه الجميع؛ على مختلف مستوياتهم.
ومع هذا المنطق فلن يكذِّب بعد اليوم بهذا القرآن إلا مُكابر.
فالأمر أصبح جليًّا بيِّنًا واضحًا والناس منه فريقان.. مؤمن ومُكابر.
مؤمن بهذا القرآن ويزيده هذا المنطق إيمانًا على إيمانه ويقينًا على يقينه.
وكافر بهذا القرآن العظيم مُكابر عليه ما يزيده حسرة ويكون عليه حُجَّة إلى يوم القيامة.
أما فسطاط الريبة والشكّ فلن يستظل تحته بعد هذا المنطق بإذن الله أحد!
ومن هنا كان لابد من الاهتمام بالحقائق العلمية والثوابت الرقميّة في القرآن.
تثبيتًا للمؤمنين على إيمانهم في زمن كثرت فيه الفتن والملاحم.
ودعوة لغير المسلمين، الذين فقدوا الثقة بمعتقداتهم، إلى دين الله الحق.
فمن خلال الحقائق العلمية والمنظومة الإحصائية القرآنية أراد الله عزّ وجلّ أن يفتح أبوابًا جديدة لهداية البشر.
وأن يفسح ميدانًا جديدًا للتحدِّي، بل هو أوسع الميادين وأعجبها على الإطلاق.
فهل تعلم أن ما يزيد على 20% من آيات القرآن، ومعظمها يتعلق بالحقائق العلمية والكونية، لا تفسّرها السنّة النبوية، ولا يوجد حديث يتناولها بالشرح، وذلك من بين أكثر من أربعمئة ألف حديث؟!
وفي هذا إعجاز نبوي في حدّ ذاته، حيث علم رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن جهود العلماء ستفسّر هذه الآيات، وكلما تقدّم العلم كشف جانبًا من عظمة هذه الآيات التي تتوافق مع أحدث ما توصل إليه العلم من اكتشافات كونية وعلمية، ولو أقدم على تفسيرها في ذلك الزمان لصدم مجتمعه من جهة، وضيَّق أفقًا واسعًا من جهة أخرى.
فَلَكَ أن تتخيَّل، يا رعاك الله، لو خرج النبيّ صلى الله عليه وسلّم وقال للناس إن الأرض كروية، وأكثر من ذلك ليست كروية تمامًا وإنما بيضاوية، وأن هذا الشكل ضروري جدًّا لتعاقب الفصول، وهو من مقتضيات تهيئة الأرض لحياة البشر؟!
ماذا تتخيّل ردّ فعلهم في ذلك الزمان؟!
زمان قريب عهده بعصر "الجاهلية"!
ولك في حادثة الإسراء والمعراج الدروس والعبر!
والقرآن العظيم يخاطب الناس على قدر عقولهم، وفي كل زمان فهو يمُدّك بأدوات للمجاهدة تناسب عصرك وزمانك!
وواهم من ظنّ أن مجاهدة الكفار بالقرآن تقتصر على الموعظة والمنطق، بل هي مجاهدة شاملة لا تستثني منه شيئًا!
وإذا تأمّلت في حال زماننا هذا تجد أن المجاهدة من خلال البراهين العلمية والحقائق اليقينية أبلغ وأنجع وسائل المجاهدة.
وإذا تأمَّلت حال الأعاجم الذين انبهروا بالقرآن، تجدهم لا يجيدون حرفًا واحدًا من اللُّغة العربية، ولكنهم وقفوا إجلالًا لهذا القرآن، بسبب إخباره بالغيبيّات والحقائق العلمية التي تعرّض لها، بل إن هناك علماء وقساوسة أعاجم آمنوا بهذا القرآن واعتنقوا دين الإسلام عندما وقفوا على جانب يسير جدًّا من نظامه الإحصائي والرقمي المحكم، ولا يمكن لهؤلاء الأعاجم أن يفهموا آياته وسوره، ولكنهم علموا أن هذا النظام الذي يحكم هذا القرآن لا يمكن لبشر أن يأتي به، وأنه لم يكن في زمان النبي صلى الله عليه وسلّم من الأجهزة والبرامج الإلكترونية المتطورة في علم الأرقام ما يمكّنه من بناء القرآن وفق نظام رقمي معجز، فسلَّموا أن الأمر من وحي السماء، فأسلموا وآمنوا.
والله عزّ وجلّ لم يضع آية في موضع ما في كتابه، إلا كان لهذا الموضع مدلول واضح، ولك أن تتأمّل أين جاءت آية المجاهدة في سورة الفرقان، وهي الآية الوحيدة التي تطالبنا صراحة بمجاهدة الكفار من خلال هذا القرآن.
فهل جاءت هذه الآية في خضم آيات الفقه، أو التوحيد والأخلاق والمعاملات؟
كلا! لقد جاءت في قلب آيات تتحدث عن حقائق علمية.. عن الرياح والمياه والبحار وخلق الإنسان!
فتأمّل.. يا رعاك الله:
تأمّل الضمير (الهاء) في كلمة (به) والمقصود به القرآن!
فقد جاء محاطًا بآيات وحقائق علمية أشار إليها القرآن، ولم يتوصل العالم إلى حقيقتها إلا حديثًا جدًّا!
إذًا المجاهدة بالقرآن معركة شاملة مستمرة منذ نزول الوحي حتى قيام الساعة.
وأساليب المجاهدة متعددة ومتنوِّعة..
منها ما هو متعلِّق بالمعنى والمضمون والحجج والبراهين..
ومنها ما هو متعلِّق بأوجه الإعجاز القرآني المتعددة.
وإن المجاهدة مطلوبة بالحقائق العلمية، والبراهين الثابتة، والأدلة القطعية التي لا تقبل المغالطة والجدال، وما أكثرها في كتاب الله عزّ وجلّ، وهي مطلوبة أيضًا بنظم القرآن المعجز الذي يقوم على الأعداد الأوّليّة الصماء التي حيَّر العالم فهم سلوكها!
المجاهدة بلغة العصر
إن القرآن العظيم هو المصدر الأوّل لهداية البشرية حتى قيام الساعة، وهو المُعجزة المستمرة والمتجددة على مرّ العصور والأزمان، ففي كل عصر يتجلّى بوجه جديد يناسب أهل زمانه. وإن عجائب القرآن لا تُحصى ولا تنقضي، فهي متعددة ومتنوعة ومتجددة في آن، ولكل زمان حظه من هذه العجائب، وقد وجد الذين عاشوا في حقبة الوحي في لغة القرآن الكريم وبيانه المُعجز، الدليل الحاسم على صدق النبوة، فآمنوا بما جاء به، وبرغم ذلك كان هناك من يزعم بأن القرآن الكريم من تأليف مُحمَّد صلى الله عليه وسلّم وقد تولّى القرآن الرّد على هؤلاء ودحض افتراءاتهم.
وفي هذا العصر ابتعد العرب عن لغتهم، فأصبحوا لا يستطيعون فهم القرآن وفصاحته وبلاغته بشكل صحيح، ومع الأسف يزداد هذا الجانب ضعفًا يومًا بعد يوم، بينما ازداد أعداء القرآن وخصومه والمفترون عليه عددًا وشراسة.
وفي هذا العصر "العصر الرقمي" الذي يدخل فيه الرقم في جميع مجالات الحياة، شاء الله جلّت قدرته أن تشرق صورة عجيبة من صور إعجاز القرآن الكريم، متمثلة في نظامه الرقميّ الذي يربط السور والآيات والكلمات والحروف بعضها ببعض، في تناغم فريد، وبطريقة تتجاوز قدرات البشر متفرّقين ومجتمعين.
لقد بدأت رحلة التحدِّي القرآني بالمُعجزة اللُّغوية والبلاغية يوم كانت اللُّغة العربية في أوج عظمتها، والآن نعيش عصرًا مختلفًا ظهرت فيه القوة الرقميّة، فأصبح الرقم أكثر إقناعًا من الحرف والعدد أفصح بلاغة من الكلمة، فجاءت المنظومة الإحصائية القرآنية لتتحدّى البشر كافة بأن يأتوا بمثل النظم القرآني العجيب!
ومن هنا ظلت الأعداد الأوّليّة الصمّاء التي تؤطر جميع أبعاد هذه المنظومة لغزًا يتحدّى عقول البشر، وكلما أدرك الإنسان بعض عجائب القرآن الكريم، أدرك الحق، وهو المراد.
إن المنظومة الإحصائية القرآنية تزيد المؤمنين إيمانًا وإعجابًا بكتاب ربهم، فيعرفون له قدره وعظمته. وهي فوق ذلك تشكِّل إحدى أدوات الدعوة الحاسمة إلى دين الله الحق، إذا أحسن الدعاة استخدامها، حيث تعدّ إحدى الأدلة الواضحة على أن القرآن الكريم كتاب الله ورسالته الخالدة ليس للمسلمين وحدهم وإنما للبشر كافة.
فهناك العديد من العلماء والمفكرين الأعاجم اعتنقوا الإسلام لأنهم انبهروا بعجائبه الرقميّة، فلماذا نحرم الناس من هذا الخير ونغلق أمامهم بابًا للهداية أراد الله له أن يُفتح في هذا الزمان؟!
يقول عالم الرياضيات الكندي الدكتور جاري ميلر: "كنت من المبشرين للديانة النصرانية، وفي أحد الأيام أردت أن أقرأ القرآن بقصد أن أجد فيه بعض الأخطاء التي تعزز موقفي عند دعوتي للنصرانية، وكنت أتوقَّع أن أجد تمجيّدًا للنبي مُحمَّد صلى الله عليه وسلّم وأهل بيته، ولكنني ذُهلت عندما وجدت أن عيسى -عليه السلام- ذُكر بالاسم 25 مرّة في القرآن الكريم، في حين أن النبي مُحمَّدًا صلى الله عليه وسلّم نفسه لم يُذكر إلا 5 مرّات فقط، ووجدت أن هناك سورة كاملة في القرآن باسم مريم، وفيها تشريف لها لا يوجد مثيل له في كتب النصارى ولا في أناجيلهم، وتكرّر اسمها في القرآن الكريم 34 مرّة، بل إن مريم هي المرأة الوحيدة التي ورد اسمها في القرآن"! وهكذا كانت لغة الأرقام هي المنطق الذي أقنع هذا الرجل للدخول في دين الإسلام، وهو اليوم من أكثر الدعاة نشاطًا في الدعوة إلى دين الحق، وله في ذلك برامج تلفزيونية وإذاعية وعدد من المؤلفات.
إن هذا الوجه العجيب للقرآن مجال خصب للدعوة، من خلال لغة مشتركة تفهمها كل الشعوب وهي لغة الأرقام. وهذا النوع من العجائب القرآنية لا يرتبط بتغيّر الأزمان، أو تطور العلوم والاكتشافات والاختراعات وسخاء من يجود على المسلمين بها، ولا يبحث عن صدق براهينه ونتائجه من خارج حروف الكتاب العزيز وكلماته وآياته وسوره، وإنما يعتمد الإحصاء والعدّ، حتى بأصابع اليد، الذي يجيده كل إنسان.
إن لغة الأرقام والعدد والحساب والإحصاء في القرآن، ليست لغة مستقلة بذاتها، ولكنها تتبع الحروف والكلمات والآيات والسور، وتدور في فلك القرآن، نظمًا ومعنًى من أوله إلى آخره. ومن سمات المنظومة الإحصائية القرآنية، أنها تعزز معاني القرآن، وتفتح آفاقًا جديدة لتوسيع دائرة الفهم، وتلفت النظر إلى معانٍ جديدة لم ينتبه إليها السابقون.
للناس كافَّة
إن القرآن لكل جيل ولكل زمان، وإن النظام الإحصائي الذي نسج منه هذا القرآن يعني جيلنا هذا والأجيال التي من بعده، جيل الأرقام والثورة المعلوماتية. فنحن الذين سوف نقف على عظمة البناء الإحصائي للقرآن، ونحن الذين ضعفت عندنا ملكات اللُّغة العربية، ونحن الذين نمتلك الأدوات والوسائل التقنية التي نستطيع من خلالها استنباط النسيج الرقميّ للقرآن وفهمه.
وسوف تأتي أجيال من بعدنا تكتشف من عظمة القرآن ما لم نقف نحن عليه وما لم يقف عليه أسلافنا. ولذلك فقد أودع الله فيه من العلوم ما سيحتاج إليه الخلق إلى قيام الساعة، فكل جيل يأتي وينهل من القرآن، كلٌ في مجاله. ونحن الآن في عصر برع أهله في لغة الأرقام، وطوَّروا لها الأدوات والبرامج اللازمة التي تعينهم على التعامل معها.
السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح:
كيف يكون هذا القرآن مُعجزًا للأعاجم؟
وهم لا يعرفون العربية ولا يفهمونها، وهم اليوم غالبية سكان المعمورة؟
إذا قابلك أحد الأعاجم وسألك سؤالًا مباشرًا: هل عندك ما يثبت أن هذا القرآن هو من عند الله عزّ وجلّ؟
فماذا تقول له وكيف تردّ عليه؟! هل ستقول لأنه جاء بليغًا فصيحًا أفحم أساطين اللُّغة العربية، فعرفوا أنه ليس من عند بشر فآمنوا به؟ أعطني إذًا مثالًا واحدًا على ما تقول؟! عند هذا الحد سوف تجد نفسك تتحدث مع نفسك، لأن الطرف الآخر لن يفهم ما تقول! وإن الأعاجم لا يُتحدّون عن طريق البلاغة والفصاحة، فوجب أن يكون التحدِّي لهم من وجوه أخرى يفهمونها ويجيدونها.
هل تعرف شخصًا واحدًا من الأعاجم دخل الإسلام لأنه اقتنع ببلاغة القرآن وفصاحته وأسلوبه المُعجز؟! بكل تأكيد لا.. ولكن في المقابل هناك آلاف العلماء والمفكرين الأعاجم الذي آمنوا بهذا القرآن عندما وقفوا على جانب يسير جدًّا من نظمه الرقميّ العجيب وإعجازه في مجالات العلوم الحديثة.
فكم من حائر اهتدى إلى الدّين الحق لما اقتنع بدقة البناء الرقمي للقرآن!
وكم من مسلم استنبط من ذلك مزيدًا من الأدلة والبراهين، فترسَّخت قناعته بكتاب ربه!
وكم من متردد ترسَّخت قناعته بالقرآن لما رأى دقة نظمه الرقمي؟
فالمؤمن يزداد إيمانًا ويقينًا بكتاب ربه كلما تبيّن له وجه من وجوهه المُعجزة.
والكافر قد يجد فيه برهانًا ماديًّا يكون حجّة عليه أو سببًا في هدايته.
وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُوْرَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُوْلُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِيْنَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيْمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُوْنَ (124) التوبة
وما كان لهذه المنظومة الإحصائية القرآنية أن تتجلّى، في بعض جوانبها، لولا تطورات العلم وتطور البرامج الإلكترونية الرقميّة التي تساعد كثيرًا في الوقوف على بعض ملامح هذه المنظومة.
ومن خلال هذه المنظومة المعجزة يتبيَّن للناس كافة، المسلمين منهم وغير المسلمين، أن هذا القرآن العظيم الذي أنزله الله عزّ وجلّ قبل أكثر من ألف وأربعمئة عام، على أمّة كانت غالبيتها الساحقة من الأميِّين يحوي نظامًا إحصائيًّا ورقميًّا عجيبًا، لن يستطيع البشر أن يأتوا بمثله حتى لو استعانوا بأحدث ما لديهم من برامج وأدوات متطوّرة في علم العدد والأرقام، ولو كان بعضهم لبعض عونًا وظهيرًا، وفي ذلك البرهان الحاسم الذي تنهار معه كل المحاولات للتشكيك في القرآن.
وإذا كان فصحاء العرب وبلغاؤهم، الأوَّلون منهم والآخرون، قد عجزوا عن أن يأتوا بمثل ثلاث آيات فقط تقارب في بلاغتها وفصاحتها القرآن، فإنهم أعجز كذلك عن أن يأتوا بسورة واحدة تقارب في نظمها الإحصائي والرقمي هذا القرآن العظيم، ولو استعانوا على ذلك بأحدث ما لديهم من برامج وأدوات متطورة في علم الأرقام. ولا أقول ذلك افتراضًا أو مبالغة أو من منطلق عاطفي، فالقرآن أعزّ وأجلّ من ذلك كلّه (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيز) (وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، بل سوف تجد في هذا الموقع (طريق القرآن) تجارب عملية على مستوى الكلمة الواحدة، وعلى مستوى الحرف الواحد، وفي ذلك البرهان الحاسم والدليل القاطع الذي تنهار معه كل المحاولات للتشكيك في كتاب الله العظيم.
------------------------------------------------------------------------
المصدر:
مصحف المدينة المنَّورة برواية حفص عن عاصم (وكلماته بحسب قواعد الإملاء الحديثة).