عدد الزيارات: 9.5K

الأساطير المقدّسة


إعداد: الدكتور/ أحمد محمد زين المنّاوي
آخر تحديث: 20/03/2019 هـ 03-07-1438

تتوق النفس إلى فطرتها.. إلى نقاء خلقتها..

يشرق النور ساطعًا بين أرجاء الروح..

غير أن من حولنا قد يطفئون بريق النور..

ينظرون إليك ويشحذون همّتك بما يعتقدونه هم..

يصورون لك أنك مميز في ما يرونه.. يفيضون عليك هالات الإعجاب..

النتيجة!!.. تُعجب النفس لمكانة المتميز الفذ بين الناس..

تصارع النفس ما يزينه لها المعجبون من مكانة بارزة..

تحاول التشبث بالحق المنير.. يطول الصراع.. ويطول..

النتيجة!!.. ينتصر الحق.. يشرق النور..

ها هي آن كولينز.. امرأة نشأت في عائلة مسيحية متدينة.. كانت تحرص على قداس الأحد ذات حرصها على التمسك بقناعتها المتذبذبة في بعض تعاليم المسيحية.. درست الكتاب المقدس فهالتها بعض أفكاره الغريبة مثل فكرة "الخطيئة الأصلية"، و"الثالوث الأقدس".. اشترت ترجمة لمعاني القرآن الكريم من إحدى المكتبات.. داومت على قراءتها فكانت لها بمنزلة مفتاح النجاة.. فلحقت بركب المتحولين من النصرانية إلى الإسلام في بلدها الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تشير الدراسات والإحصاءات إلى أن ثلث المسلمين الأمريكيين كانوا في الأصل مسيحيين!

آن كولينز بطلة هذه القصة، تتحدث عن إسلامها فتقول: كان والداي ملتزمين بالجماعة الكنسية، وكنا في أحايين كثيرة نستضيف قساوسة بروتستانتيين في منزلنا.. وكنت أساعد أمي التي كانت تعمل بالتدريس في مدرسة الأحد.

كان أقاربي يميّزون بيني وبين أختي في درجة التدين.. أذكر أن خالتي أهدتني في عيد ميلادي الكتاب المقدس، بينما أهدت أختي دمية.. لاحقًا طلبت من والدي كتاب صلاة، وظللت أقرأ فيه يوميًّا لسنوات طويلة.. وعندما التحقت بالمدرسة التزمت برنامج دراسة الكتاب المقدس لعامين، وحتى ذلك الحين كنت قد قرأت بعض الأجزاء من الكتاب المقدس بيد أنني لم أستوعبها على نحو جيد.

أصابتني بالارتباك مقاطع كثيرة في كل من العهدين القديم والجديد.. لقد وجدت أنها غريبة وغير قابلة للتفسير أذكر منها –على سبيل المثال- فكرة "الخطيئة الأصلية"، التي تعني أن البشر جميعهم آثمون عند مولدهم.. كان لي أخ رضيع.. كنت أنظر إليه وأنتقد فكرة "الخطيئة الأصلية"، لأنني توصلت إلى قناعة مفادها أن الرضّع ببراءتهم المعهودة لا يمكن لهم أن يكونوا آثمين.

كذلك كان في الكتاب المقدس الكثير من القصص الغريبة والأساطير المثيرة بيد أن أكثرها غرابة وأشدها حرجًا هو موضوع "الثالوث الأقدس".. لم يكن بوسعي أن أفهم كيفية أن يكون لله ثلاثة أقسام، أحدها بشري! وعقب دراستي للأساطير اليونانية والرومانية في المدرسة اعتقدت أن فكرة التثليث تماثل كثيرًا أفكار الرومان واليونانيين الذين كانوا يؤمنون بما يسمى "آلهة" تضطلع بجوانب الحياة المختلفة.

كانت هناك الكثير من الأمور بالكتاب المقدس التي كنت غير مقتنعة بها بيد أن حرصي على وصف من حولي لي بأنني متدينة جعلني أمتنع عن طرح الأسئلة.. لكن ومن حسن الحظ كان معنا صبي يعبّر تمامًا عن مشاعري إذ كان يطرح الكثير من الأسئلة حول "التثليث"، وكان يتلقى إجابات كثيرة غير أنه لم يقتنع بها قط، وكذلك الحال بالنسبة إلي.. كان معلمنا أستاذًا في اللاهوت من جامعة ميتشيغان وعندما وجد أن الصبي الملحاح غير مقتنع بإجاباته طلب منه أن يصلي من أجل الإيمان.

الحقيقة عندما كنت في الثانوية رغبت سرًّا في أن أكون راهبة جذبتني إلى ذلك الحياة المكرّسة لله تمامًا، إلى جانب ارتداء لباس يظهر نموذج حياتي الدينية.. العقبة التي كانت تقف في طريقي حقيقة أنني لم أكن كاثوليكية، فقد عشت في مدينة تقع في الوسط الغربي من أمريكا حيث إن الكاثوليكيين يشكلون أقلية لا تحظى بشعبية.. هذا بالإضافة إلى أن تربيتي البروتستانتية جعلتني أنفر من التماثيل الدينية إلى جانب أنها أكسبتني إنكارًا قويًّا لفكرة أن القديسين الموتى لديهم القدرة على مساعدة الأحياء.

في الجامعة كنت أستمع إلى مناقشات الطلاب حول موضوع الدين فطرقت مسامعي الكثير من الأفكار المختلفة حول هذا الأمر.. لقد قمت بدراسة المسميات الدينية الشرقية كالبوذية، والكونفوشية، والهندوسية، بيد أنني لم أقتنع بأي منها. 

وقدّر لي أن ألتقي مسلمًا ليبيًّا.. حدثني ذلك الليبي قليلًا عن الإسلام والقرآن الكريم.. قال لي في ثقة إن الإسلام هو الدين العصري والشكل الأكثر حداثة بين الأديان السماوية.. ما جعلني آنذاك غير مقتنعة بحديثه لاعتقادي أن أفريقيا والشرق الأوسط أماكن متخلّفة وبالتالي لم أكن أتوقع أن ينبعث منها دين عصري.. وفي إحدى المرات صحبت عائلتي المسلم الليبي إلى قداس عيد الميلاد.. كان احتفال القداس بالنسبة إلينا جميلًا شديد الروعة.. لكن وعقب انتهائه سألني الليبي: "من وضع هذه الطريقة؟ ومن علمكم كيف تصلون؟" أجبته بأن حدثته عن تاريخ الكنيسة الباكر.. وعلى الرغم من أن سؤاله أغضبني في بداية الأمر فإنه دفعني لاحقًا إلى التفكير في الطقوس التعبدية المسيحية فوجهت لنفسي عدة أسئلة: ترى هل الأشخاص الذين صمموا هذا الطقس التعبدي الذي انتقده الليبي مؤهلون لفعل ذلك؟ ما هي كيفية تعرّفهم الشكل الأمثل الذي ينبغي أن تتخذه تلك العبادة؟ وهل لديهم أمر إلهي بذلك؟

 فكرت مليًّا وتوصلت إلى أنني لا أؤمن بالعديد من تعاليم الديانة المسيحية، ومع ذلك كنت أرتاد الكنيسة.. وأذكر عندما كانت تتلو جماعة المصلين مقاطع لست مقتنعة بصحتها، مثل "عقيدة نيسن" كنت أصمت ولا أقرؤها، ما جعلني أشعر وكأنني امرأة غريبة ومقحمة على الكنيسة.

ثم حدث أمر كان بالنسبة إليّ بمنزلة القشة التي قصمت ظهر البعير.. ففي أحد الأيام ذهبت إحدى قريباتي إلى قس كنيستنا وهي تطلب منه النصح في مشكلات زوجية كانت تعانيها، لكن القس استغل ظرفها النفسي فأخذها إلى "موتيل" وأغواها.

منذ ذلك الحين كنت حينما أرتاد الكنيسة أجلس وأنظر إلى الكهنة الذين يتقدمون جموع المصلين.. كنت أقول في نفسي إنهم ليسوا بأفضل من جموع المصلين، بل إن بعض الكهنة كانوا أسوأ منهم.. وطرحت على نفسي عدة أسئلة من بينها: كيف ينبغي أن يكون هناك وسيط بيني وبين الله؟ لمَ لا أتعامل مباشرة مع الله، والحصول على مغفرته دون ذلك الوسيط؟

لم يمر وقت طويل حتى وجدت ترجمة لمعاني القرآن الكريم في إحدى المكتبات، فاشتريتها، وظللت أحرص على قراءتها، مع مواصلة بحثي في الأديان الأخرى.. خوفي من خطاياي أخذ يزداد يومًا بعد يوم، وكذلك الحال مع القلق الذي كان يساورني إذ كنت أبحث عن الكيفية التي تؤكد لي أن الله غفر خطاياي وأنا المرأة التي تتوق بصدق إلى الصفح والغفران.

راودني الأمل في أنني سوف أجد الإجابة عن تساؤلاتي في الدين الإسلامي عندما قرأت قول الله تعالى: (.. وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّـهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84)).

وبمحض المصادفة شاهدت في شاشة التلفزيون مسلمين يصلون وعندها فقط عرفت أن لدى المسلمين طريقة خاصة في الصلاة تختلف عن صلاة المسيحيين.. عقب ذلك عثرت على كتاب -من شخص غير مسلم- يشرح طريقة صلاة المسلمين.. جربت أداء الصلاة بنفسي بالطبع لم أكن أعرف شيئًا عن الطهارة ولم أكن أصلي على نحو صحيح ومع ذلك أديت تلك الصلاة سرًّا وبمفردي ولعدة سنوات.

وبعد مرور نحو سنوات من اقتنائي القرآن، قرأت فيه: (... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا).

 بحق بكيت فرحًا.. انتابني الإحساس وكأن هذا القرآن كتب لأجلي أنا.. نعم شعرت بأن الله الذي أنزل هذا القرآن منذ زمان قديم يعلم أن كولينز التي تقطن منطقة (Cheektowaga) – نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية، ستقرأ هذه الآية من القرآن في أيار 1986، وسوف تنعم بالخلاص الذي تبحث عنه.

عرفت آنذاك أنه ينبغي لي تعلم أشياء كثيرة، مثل كيفية أداء الصلاة على النحو الصحيح.. شعرت بحاجة إلى استقاء معلوماتي من أحد المسلمين لكن مشكلة كبيرة واجهتني تتمثل في أني لم أكن أعرف أي مسلم.

إن المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية في وقتنا الراهن أكثر ظهورًا بكثير مما كانوا عليه في تلك الآونة التي كنت أبحث فيها عن مسلم ليعينني على فهم الإسلام.. بحثت في دليل الهاتف فعثرت على رقم هاتف "الجمعية الإسلامية".. اتصلت بهم هاتفيًّا لكن ما أن ردّ عليّ أحدهم حتى شعرت بالخوف وقطعت المكالمة الهاتفية.. سألت نفسي: ترى ماذا سأقول لهم؟ وكيف ستكون إجابتهم؟ هل ستساورهم الشكوك بشأني؟ وهل سيرغبون في انضمامي إليهم ما داموا مترابطين مع بعضهم بعضًا ومع إسلامهم؟

في الشهرين التاليين لمكالمتي الهاتفية الأولى مع الجمعية الإسلامية اتصلت عدة مرات هاتفيًّا بالمسجد، بيد أنني كنت أشعر بالخوف في كل مرة وأقطع المكالمة حالما يرد عليّ أحدهم.

أخيرًا، كتبت رسالة أطلب فيها معلومات عن الإسلام وعن كيفية الصلاة.. بصدر رحب اتصل بي أحدهم هاتفيًّا، من ثم ظل يرسل إليّ الكتيبات التي تتعلق بالإسلام.. قلت له إنني أريد أن أصبح مسلمة فقال لي: "انتظري حتى تكوني واثقة بذلك". أزعجني حديثه ذاك، لكنني وبعد تفكير عميق عرفت أنه كان على حق، إذ إن عليّ أن أكون واثقة برغبتي في الإسلام، لأن اعتناقي له يعني حدوث تغيير جذري في حياتي وإلى الأبد.

الحقيقة استحوذ عليّ الإسلام كليّة وظللت أفكر فيه ليلًا ونهارًا، بل عندما كنت أقود سيارتي إلى أقرب مسجد من مسكني –وكان آنذاك مجرد بيت قديم– كنت أطوف حوله مرات عديدة وكل أملي أن أرى مسلمًا ليخبرني عمّا يوجد ويدور داخله.

وفي أحد أيام تشرين الثاني 1986، وبينما كنت منشغلة بعملي في المطبخ، انتابني شعور مفاجئ بأني مسلمة فأرسلت رسالة إلى المسجد أقول فيها: "إني أؤمن بالله الواحد الحق، وأؤمن بمحمد رسولًا، وأريد أن أكون من الشاهدين".

في اليوم التالي، اتصل بي هاتفيًّا الشخص ذاته الذي كان يتواصل معي من قبل ونطقت الشهادة أمامه عبر الهاتف.. أخبرني حينذاك أن الله قد غفر لي في تلك اللحظة جميع أخطائي، وأنني الآن نقية مثل طفل وليد.. شعرت بأطنان من الخطايا تنزل من على كاهلي وتفارقني إلى الأبد.. بكيت فرحًا.. لم أنم طيلة تلك الليلة فقد كنت أكبر وأنا أردد اسم الله، كيف لا وقد نلت الصفح والغفران ولله الحمد والمنّة.

نعم الحمد لله على جموع المهتدين الذي يدخلون في دينه أفواجًا يومًا بعد يوم..

يا الله.. لقد مر معنا طفلان في قصة آن!!

طفل رضيع محمّل بالآثام.. بـ"الخطيئة الأصلية"..

وطفل بريء من الآثام شعرت به آن عندما نطقت بالشهادتين..

الفارق بين الطفلين هو الفارق بين العقيدتين!!

اختر لنفسك أحد الطفلين..

اسأل الله الهداية.. فبالله نهتدي إلى الله. 

-----------------------------------

المصادر:

أوسمان، حياة (27 يونيو 2016)؛ مقال بعنوان: قصة إسلام حياة كولينز من التثليث إلى التوحيد؛ استرجع بتاريخ 30 مارس، 2017 من موقع "نساء من أجل فلسطين": http://www.womenfpal.com

اللولو، هالة صلاح الدين (2005)؛ كيف أسلمت؟ دمشق: دار الفكر.

مهدي، مصطفى (17 يناير 2017)؛ مقال بعنوان: قصة إسلام الأخت حياة كولينز "من التثليث إلى التوحيد"؛ استرجع بتاريخ 30 مارس، 2017 من موقع شبكة الألوكة: http://www.alukah.net

 


تعليقات (
0
)

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وإنما هي وجهات نظر أصحابها فقط.