سرعة الضوء عبر الفراغ هي أحد الثوابت المهمّة في علم الفيزياء، حيث تعدّ أقصى سرعة يمكن أن يتحرك بها أي شكل من أشكال الطاقة أو المادة في الفضاء الكوني، ولكن لا يمكن لأي جسم أن يصل إلى هذه السرعة عمليًّا، إذ إنه كلما زادت سرعة الجسم تباطأ الزمن بالنسبة إليه، ومتى وصل أي جسم إلى سرعة الضوء تحول إلى طاقة، وأصبحت كتلتُه صفرًا وحجمُه لا نهائيًّا، وتوقف الزمن بالنسبة إليه، وهذا ملخص نظرية النسبية. وفي عام 1983 انعقد في العاصمة الفرنسية باريس المؤتمر الدولي للقياسات، حيث تمّ الاتفاق على أن سرعة الضوء في الفراغ تعادل 299792.458 كلم/ ثانية.
القرآن يرصد سرعة الضوء!
قد تتعجَّب كثيرًا إذا علمت أن القرآن قد سبق العالم بأكثر من 14 قرنًا من الزمان، وأشار إلى سرعة الضوء بهذه الدقة! وقد انتبه أحد علماء المسلمين(*) إلى أن الآيتين التاليتين تشيران إلى زمنين متساويين.. تأمّل:
وَيَسْتَعْجِلُوْنَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّوْنَ (47) الحج
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّوْنَ (5) السجدة
وهذا نوع من أنواع النسبية! فلدينا يوم واحد يساوي ألف سنة!
ولكن كيف يمكن لنا أن نفهم ذلك؟!
لقد أورد ابن حيّان في تفسيره حقيقة في غاية الأهميّة، وهي أن "السنة مبنية على سرعة القمر"!
ومعلوم فإن القمر يدور حول الأرض دورة كاملة كل شهر وبعد 12 دورة يتم السنة.
ويقدّر العلماء المسافة التي يقطعها القمر ليكمل دورة كاملة حول الأرض بنحو 2152612.34 كيلومتر.
اليوم ليس 24 ساعة!
الحقيقة التي لا ينتبه إليها كثير من الناس هي أن اليوم ليس 24 ساعة تمامًا، وقد تمّ تقريبه لعامة الناس لتسهيل عملية حساب الزمن، حيث تختلف لحظة بداية الفصول من عام إلى آخر، وأن الأرض تكمل دورة كاملة حول نفسها في أقل من 24 ساعة بقليل، وعلى وجه الدقة 23 ساعة و56 دقيقة و4.0906 ثانية.
استنتاج
وبذلك يمكننا أن نستنتج الآتي:
الشهر القمري = المسافة التي يقطعها القمر في دورته حول الأرض في شهر = 2152612.34 كلم.
السنة القمرية = المسافة التي يقطعها القمر في دورته حول الأرض في 12 شهرًا = 25831348.08 كلم.
ألف سنة قمرية = 1000 × 25831348.08 كلم = 25831348080 كلم.
اليوم الأرضي (الزمن) = 23 ساعة و56 دقيقة و4.0906 ثانية = 86164.0906 ثانية.
اليوم = ألف سنة!
تأمّل الآية مرّة أخرى:
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّوْنَ (5) السجدة
وبحسب أبجديات علم الفيزياء فإن: السرعة = المسافة ÷ الزمن
سرعة الضوء (الأمر الكوني) = المسافة التي يقطعها القمر في 12000 دورة حول الأرض ÷ الزمن (يوم أرضي).
سرعة الضوء (الأمر الكوني) = ألف سنة مما نعد (12000 دورة للقمر حول الأرض) ÷ الزمن (يوم أرضي).
سرة الضوء = 25831348080 كلم ÷ 86164.0906 ثانية = 299792.458 كلم/ ثانية!
وهذه هي على وجه الدقة والتحديد سرعة الضوء المعتمدة دوليًّا التي أُعلنت في المؤتمر الدولي للقياسات في العاصمة الفرنسية باريس عام 1983
وبذلك فإن المسافة التي يقطعها القمرُ في مداره الخاص حول الأرض في ألف سنةٍ قمريةٍ تساوي المسافةَ التي يقطعها الضوءُ في يوم أرضي واحد، وهذا ما يتفق مع معنى الآية، فتأمّل:
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّوْنَ (5) السجدة
أهم قوانين القرن العشرين.. في القرآن!
وهكذا يؤكد القرآن صحّة أهم قانون عرفته البشرية في القرن العشرين!
ووجه الإعجاز في هذه الآية هو أنها أكدت أن الحد الأقصى للسرعة الكونية في الفراغ يعادل دوران القمر حول مداره اثنتي عشرة ألف دورة أي ما يعادل ألف سنة قمرية!
العلم يتأكد بالقرآن!
لا نقول كما يحاول بعضهم تأكيد القرآن بالعلم!
وإنما العلم هو الذي يتأكد لدينا بالقرآن.. فالقرآن لا يُختبر!
المعروف والثابت علميًّا أن حركة الأجسام في السماء لا تكون في خطوط مستقيمة إنما تكون في مسارات منحنية أو متعرجة، وهو ما سمّاه القرآن الكريم (العروج)! ولم يتوصّل العالم إلى هذه الحقيقة العلمية إلَّا في العصر الحديث بعد أن تطورت علوم الفضاء واستطاع الإنسان أن يفلت من الجاذبية الأرضية نحو الفضاء الكوني! وقد ورد لفظ العروج بمعنى الصعود إلى السماء 5 مرّات في القرآن، بل هناك سورة بأكملها تحمل اسم (المعارج)! وبذلك فقد سبق القرآن العلم الحديث وهو يطلق على الصعود إلى السماء اسم العروج معبِّرًا بذلك عن حقيقة في غاية الأهميّة وهي أن مسارات هذا الصعود لن تكون في خطوط مستقيمة وإنما متعرجة أو منحنية!
ولتأكيد ما توصل إليه العلم الحديث.. تأمّل هذه الآيات:
وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيْهِ يَعْرُجُوْنَ (14) الحجر
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّوْنَ (5) السجدة
يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِيْ الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيْهَا وَهُوَ الرَّحِيْمُ الْغَفُوْرُ (2) سبأ
هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيْهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُوْنَ بَصِيْرٌ (4) الحديد
مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِج (3) المعارج
تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوْحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِيْنَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) المعارج
أسرع من الضوء!
بعد كل ما تقدّم.. هل هناك سرعة أكبر من سرعة الضوء؟
تأمّل قوله تعالى في آية سورة السجدة:
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّوْنَ (5) السجدة
وتأمّل قوله تعالى في آية سورة الحج:
وَيَسْتَعْجِلُوْنَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّوْنَ (47) الحج
عندما كان اليوم مقداره ألف سنة وصفه سبحانه وتعالى بقوله (مِّمَّا تَعُدُّونَ)!
وقد كان العرب وغيرهم يعبِّرون عن المسافات بالزمن، كأن يقال مثلًا إن بيت المقدس يبعد عن المسجد الحرام مسيرة شهر (مقياس زمني)، كما كان العرب يتبعون التقويم القمري في حساباتهم، ولذلك جاءت خاتمة الآيتين متطابقًا تمامًا: (مما تعدون)، حيث يقتضي السياق هنا الأخذ بالحركة الظاهرية للقمر، وهذا ما أورده ابن حيّان في تفسيره في القرن الثامن الهجري، أن "السنة مبنية على سرعة القمر".
فعندما كانت المقارنة بين يوم أرضي يعادل ألف سنة تمّ استنباط سرعة الضوء!
والآن لدينا يوم أرضي مقابل 50000 سنة! فتأمّل:
تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوْحُ إِلَيْهِ فِيْ يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِيْنَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) المعارج
في هذه المرّة جاءت (خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَة) مجرّدة من أي تعقيب!
فهل يا ترى تشير هذه الآية إلى سرعة تعادل سرعة الضوء 50 مرّة؟! ولكن كيف؟!
أسرع من الضوء!
بعد أن ظل من المسلّمات العلميّة الراسخة، ولفترة طويلة من الزمن، أن سرعة الضوء هي السرعة القصوى في الكون، توصّل علماء الفيزياء في مطلع عام 2014، من خلال تجربة بحثية نووية في واحد من أكبر المختبرات في العالم، إلى اكتشاف جسيمات ذرية تتجاوز سرعتها سرعة الضوء عدّة مرّات، وقد أوردت ذلك وكالة "نوفوستي" الروسية، ونشر في عدد من المجلات العلمية، وأكده العلماء في مركز "سيرن" الأوروبي للتجارب النووية.
وكان قد سبق هذا الحدث بسنوات قليلة أصوات تدّعي أن هناك إشعاعات وموجات تتحرك بسرعة تفوق سرعة الضوء، كما اتضح أن الكون يتوسّع بصورة أسرع كلما اتجهنا نحو أطرافه البعيدة، لدرجة الوصول إلى مستوى يتجاوز سرعة الضوء، حيث يستحيل بعدها رؤية أي شيء أو رصده!
وهكذا يتجه العالم تدريجيًّا لقبول حقيقة أن هناك ما هو أسرع من الضوء!
-------------------------------------------------------------------------
المصدر:
مصحف المدينة المنَّورة برواية حفص عن عاصم (وكلماته بحسب قواعد الإملاء الحديثة).
حاشية:
(*) الدكتور/ محمد دودح، الباحث بالهيئـة العالميــة للإعجاز العلمي في القرآن والسنـة؛ رابطة العالم الإسلامي بمكَّة المكرَّمة.