الماء من أشهر المركبات الكيميائية، وكل من درس أبجديات علم الكيمياء يعلم أن جزيء الماء يتكوّن من ذرتي هيدروجين وذرة أوكسجين، وترتبط هذه الذرات الثلاث بعضها مع بعض برابطتين تشكلان فيما بينهما زاوية قدرها 105 درجات، ما نتج منه أن جزيء الماء له قطبان كهربائيان يحمل أحدهما شحنتين موجبتين، ويحمل الآخر شحنة سالبة واحدة مكافئة، كما يعدّ الماء أشهر مذيب يعرفه الإنسان، ويدخل في كل الأنشطة الحيوية في الخليّة الحيّة في الحيوان والنبات.
هذه معلومات بسيطة يعرفها كل من درس أصول الكيمياء عن الماء، ولكن ربما لا يعلم الكثيرون أن العلماء حتى الآن يستبعدون تمامًا إمكانية تحضير الماء من هذين الغازين، لأن الهيدروجين غاز سريع الاشتعال والأكسجين يساعد على الإشتعال، وكل ما نحتاجه مع هذين العنصرين مجرد شرارة صغيرة ونكون بذلك قد صنعنا انفجارًا قاتلًا وقنبلة كبرى يختلف حجمها حسب كمية الماء المطلوب تصنيعه! هذا هو بالضبط ما حدث في كارثة هيندينبيرغ (Hindenburg) المشهورة في عام 1937.
الآن تأمّل هذه الآية الكريمة من سورة القمر:
فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) القمر
هذه الآية رقمها 11، وتأتي بعدها 44 آية حتى نهاية سورة القمر!
كلمة (بِمَاء) في هذه الآية ترتيبها من بداية المصحف هي الكلمة رقم 68596، وهذا العدد = 6236 × 11
العدد 6236 هو مجموع آيات القرآن، والعدد 11 هو رقم الآية!
كلمة (بِمَاء) في هذه الآية ترتيبها رقم 71 من بداية السورة!
قد تتعجّب من هذا العدد الذي قد يراه بعضهم لا معنى له في هذا الموضع!
وحتى تزداد تعجّبًا من وجود هذا العدد سوف انتقل بك إلى محطة خارجية وأعود بك سريعًا.. فنحن الآن في سورة القمر، وهي السورة رقم 54 في ترتيب المصحف، وسوف ننتقل 11 خطوة إلى الوراء.. فتذكّر هذا العدد جيّدًا فهو رقم الآية، وسوف نجد أنفسنا وجهًا لوجه أمام سورة الزخرف، وهي السورة رقم 43 في ترتيب المصحف، حيث تلاحظ أن الفرق بين ترتيبها وترتيب سورة القمر هو 11.. وفي سورة الزخرف سوف نتوجه مباشرة إلى الآية رقم 11، وهي:
وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُوْنَ (11) الزخرف
سوف تتعجّب كثيرًا إذا علمت أن كلمة (مَاء) في هذه الآية أيضًا ترتيبها رقم 71 من بداية السورة!
تأمّل..
ورد ذكر الماء في سورة القمر في الآية رقم 11، وفي ترتيب الكلمة رقم 71 من بداية السورة!
ورد ذكر الماء في سورة الزخرف في الآية رقم 11، وفي ترتيب الكلمة رقم 71 من بداية السورة!
ورد ذكر الماء في سورة القمر في ترتيب الكلمة رقم 68596 من بداية المصحف..
وهذا العدد = 6236 × 11
العدد 6236 هو مجموع آيات القرآن الكريم، والعدد 11 هو رقم الآية!
علاقة الماء بالعدد 71
هذه العلاقة في غاية الأهميّة، وسوف نستعرضها بالتفصيل في موضع آخر خارج هذا المشهد!
ولكن عليك أن تعلم أن معدَّل المياه إلى اليابسة على سطح الكرة الأرضية هو 71: 29
أي أن الماء يحتل 71% من سطح الكرة الأرضية بينما تحتل اليابسة 29%!
أوّل ذكر للماء في القرآن
تأمّل أين جاءت أوّل إشارة إلى الماء في القرآن..
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً11 فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلَا تَجْعَلُوْا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُوْنَ (22) البقرة
تأمّل جيدًا..
لقد ورد لفظ الماء لأوّل مرّة في القرآن في الآية التي رقمها 22، أي 11 + 11، وفي ترتيب الكلمة رقم 11
ولكن الأعجب من ذلك أنك إذا قمت بإحصاء كلمات سورة البقرة من بدايتها فسوف تجد أن كلمة (مَاء) في هذه الآية ترتيبها رقم 253، والعجيب أنك إذا قمت بجمع أرقام الآيات من بداية سورة البقرة أي من الآية رقم 1 حتى الآية رقم 22 تجدها أيضًا 253
والعدد 253 يساوي 11 × 23
تأمّل تجلّيات العددين 11 و23
العدد 11 هو ترتيب كلمة (مَاء)، والعدد 23 هو عدد كلمات الآية نفسها!
قد يتبادر إلى الذهن من الوهلة الأولى أن العدد 23 يشير إلى عدد أعوام الوحي، حيث إن الوحي نزل من السماء كما نزل هذا الماء من السماء، وأن الوحي حياة للقلوب، كما أن الماء حياة للأرض ومن عليها، ولكن الأمر غير ذلك تمامًا، فالعدد 23 في هذا الموضع يشير إلى أمر آخر مختلف تمامًا!
عجيب أمر المنظومة الإحصائية القرآنية، فإنها توظف الأعداد في الإشارة إلى العديد من المعطيات في وقت واحد، فلا تتضارب ولا تتناقض، مهما تعدّدت وتنوّعت!
23 نوعًا من المياه
سوف نعود إلى موضوع الماء في القرآن، وسوف نبدأ بتتبّع جميع المواضع التي ورد فيها ذكر الماء، وسوف يلفت انتباهنا صفات متعدِّدة وأنواع مختلفة للماء، وردت جميعها في القرآن، فتجد أولًا ماء الأمطار الذي ينزل من السماء إلى الأرض، فتنتفع به ومن عليها، ويجري في مسالك معروفة كالأنهار والوديان والينابيع وغيرها، والماء السلسبيل، وهو ماء في غاية السلاسة، يسهل مروره في الحلق من شدة العذوبة، والماء الفرات أي الشديد العذوبة، وماء الشرب بشكل عام، والماء المبـارك الذي يحيي الأرض وينبت الزرع وينشر الخير، والماء الطهور وهو العذب الطيب، والماء المسكوب الملطِّف للأرض ويعطي الإحساس بالراحة للعين، والماء المعين الذي يسيل ويسهل الحصول عليه والانتفاع به، والماء الغـدق الوفير، والماء الثجاج وهو السيل، وماء الأرض الذي خلق معها وهو في دورة ثابتة حتى قيام الساعة، وفي مواضع أخرى يصف الماء بأنه غير آسن أي غير متغيّر الرائحة، والماء الغور الذي يذهب في الأرض ويغيب فيها فلا ينتفع منه، والماء المغيض وهو الذي نزل في الأرض وغاب فيها، وماء مـدين وهو ماء البئر التي وردها موسى -عليه السلام- والماء السراب الذي يحسبه الظمآن ماءً، والماء المنهـمر أي المتدفق بغزاره من السماء فيهلك الزرع والحرث، والماء الأجاج أي شديد الملوحة، وتجده يصفه بالماء المهين وهو الضعيف والحقير ويقصد به ماء الرجل لعدم تحمّل مكوّناته للعوامل الخارجية، ويصفه في موضع آخر بالماء الدافق لأنه يخرج في دفقات، والماء الصديد وهو شراب أهل جهنم، والماء الحميم أي شديد السخونة والغليان، وماء المهل وهو الماء الذي يشوي الوجوه من شدّة غليانه.
وبشكل عام، فإذا تتبَّعت موضوع المياه تجد أن هناك 23 نوعًا مختلفًا من المياه ورد ذكرها في القرآن!
الآن علمت لماذا تجلّى العدد 23 في أوّل موضع ورد فيه ذكر الماء في القرآن!
ولماذا جاء عدد كلمات أوّل آية يرد فيها لفظ الماء 23 كلمة تحديدًا!
هذه الحقيقة تقودنا للتساؤل: كم مرّة ورد ذكر الماء في القرآن الكريم؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال، نرغب في العودة إلى الآية الأولى مرّة أخرى لطرح شيء في غاية الأهميّة!
تأمّل..
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوْا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُوْنَ (22) البقرة
لأهمية الماء في حياة الإنسان، لا بدّ من أن يرتبط ذكر الماء لأوّل مرّة في القرآن بأمر مهم!
تُرى ماذا يكون هذا الأمر؟!
الآن سوف نفتح المصحف سويًا ونقوم بعملية بسيطة جدًّا لا تحتاج إلى مهارة، بل سوف نحسب على أصابع أيدينا من بداية المصحف حتى أوّل ذكر للماء في القرآن، أي في الآية رقم 22 من سورة البقرة!
كلمة (مَاء) في هذه الآية ترتيبها رقم 282 من بداية المصحف!
هذا العدد هو نفسه مجموع تكرار اسم اللَّه في سورة البقرة!
وهو أكبر تكرار لاسم اللَّه في سور القرآن!
عدد حروف الآية نفسها 99 حرفًا بعدد أسماء اللَّه الحسنى!
هل تذكر العددين 11 و44 في الآيات السابقة؟
الآن تأمّل مرّة أخرى أوّل آية يرد فيها ذكر الماء:
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوْا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُوْنَ (22) البقرة
كلمة (مَاء) في هذه الآية ترتيبها رقم 11
كلمة (مَاء) في هذه الآية تأتي بعد 44 حرفًا من بداية الآية، وهذا العدد = 11 × 4
هذه الآية رقمها 22، وهذا العدد = 11 × 2
هذه الآية عدد حروفها 99 حرفًا، وهذا العدد = 11 × 9
كلمة (مَاء) في هذه الآية ترتيبها رقم 253 من بداية السورة، وهذا العدد = 11 × 23
مجموع أرقام الآيات من بداية سورة البقرة أي من الآية رقم 1 حتى الآية رقم 22 يساوي 253، أي 11 × 23
وفي مشهد لاحق سوف نستعرض علاقة العدد 11 بالماء..
فقط عليك أن تتذكَّر أن الماء ورد ذكره في القرآن 63 مرّة، موزعة على 23 نوعًا مختلفًا وردت جميعها في القرآن!
63 عدد مماثل لأعوام عمر النبيّ -صلى الله عليه وسلّم-!
23 عدد مماثل لأعوام نزول القرآن الكريم!
ما بين تفاعل المادَّة وتكامل الروح تبدّدت محاولات العلماء في صناعة قطرة ماء واحدة- رغم علمهم التامِّ بحقيقة أنَّ التفاعل الكيميائي يعني تأثير عنصر في آخرـــ بسبب جهلهم للسرِّ الربَّاني الكامن وراء الرابط الكيميائي بين ذرتي الأكسجين والهيدروجين. وهذا إعجاز في القدرة مدهش! أمَّا الإعجاز الأكثر إثارة للدهشة، فيتمثَّل في حقيقة أنَّ للتفاعل بين الحروف والأرقام في القرآن الكريم سرًّا آخر لا يقلُّ غموضاً وتحديَّاً عن سرِّ قطرة الماء، تفاعل بعيد عن تفاعل المادَّة قريب من تكامل الروح، ومن ثمَّ استعصى على الفهم والقياس.
----------------------------------------------------------------------------
المصدر:
مصحف المدينة المنَّورة برواية حفص عن عاصم (وكلماته بحسب قواعد الإملاء الحديثة).