ما رأيك أن تقبل دعوتي إلى مشاهدة أحد أروع مشاهد القرآن العظيم!
حالة من الاقتباس نادرة جدًّا.. المقتبِس والمقتبَس منه لم يعرف التاريخ أشرّ منهما!!
اجتمعا في لحظة نادرة من لحظات التاريخ..
شكّلا محورًا للشر استعصت أمامه كل محاولات موسى -عليه السلام- ومعجزاته!
فلم يرسل اللَّه عزّ وجلّ نبيين من أنبيائه في مهمّة واحدة.. إلا موسى وهارون -عليه السلام-!
لم يرسلهما لقوم أو أمّة، بل أرسلهما لشخص واحد فقط.. هو فرعون!
تخيّل يا رعاك اللَّه..
اثنان من أنبياء اللَّه عزّ وجلّ معززان بالمعجزات، وبرغم ذلك ما استطاعا أن يكسرا هذا المحور!
إنه أخطر محور للشر عرفته البشرية.. إبليس وفرعون عليهما لعنة اللَّه!
في المشهد التالي سوف نرى حالة من الاقتباس نادرة جدًّا!
المقتبِس فرعون والمقتبَس منه إبليس!
إبليس يرى أنه خير من آدم عليه السلام:
قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِيْنٍ (76) ص
وفرعون يرى أنه خير من موسى عليه السلام:
أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِيْنٌ وَلَا يَكَادُ يُبِيْنُ (52) الزخرف
ولكن فرعون تخطى إبليس، وفعل ما لم يجرؤ إبليس على فعله!!
جمع بين التكبر.. والشرك!
لم يكتف بقاموس الألفاظ المعتمد لدى إبليس!
بل أتى بكلمات ما سبقه إليها أحد من الخلق!
حتى إبليس نفسه لم تصل به الجرأة إلى أن يقول هذا:
أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) النازعات
تأمّل كيف جاءت (رَبُّكُمُ) وعليها 3 حروف مضمومة!
تأمّل كيف تصور حركة حروف هذه الكلمة (رَبُّكُمُ) حالة الاستكبار!
تأمّل كيف يوظف القرآن حركة الضمة (علامة الرفع) لتصوير حالة التكبر والجبروت!
عجيب أمرك أيها الشيطان!!
كيف أوحيت إلى فرعون أن يقول (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)، وأنت نفسك لم تتجرأ على قولها؟!
كيف زيّنتها له، وأقنعته بها أيّها الخبيث الملعون؟!
لكأني أرى لسان حاله يغرق وهو يقول: ليتني ما أطعتك، ليتني ما تبعتك، ولا شكّ أن مرارة الألم سوف تكون أشدَّ عليه عندما يكون في مقدمة الحضور، حينما تلقي خطبتك الجهنّميّة أيها الملعون!
ولكن من هو أشدّ منه حسرة هو من يسمع هذه الخطبة مرتين!
يسمعها في الدنيا، ولا يتَّعظ بها، ثم يسمعها من إبليس مباشرة في نار جهنم!
وهذه الخطبة الجهنّميّة نعرضها هنا، لمن أراد أن يتذكَّر ويعتبر:
وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُم مَا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُوْنِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) إبراهيم
فرعون.. بين التألُّه والغرق!
نعود إلى فرعون ونتأمّل:
أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) النازعات
ترتيب لفظ (رَبُّكُمُ) من بداية سورة النازعات رقم 79، وهذا هو ترتيب السورة أيضا!
جاء بعد هذه الآية حتى نهاية السورة 99 كلمة بعدد أسماء اللَّه الحسنى، والأعلى أحد هذه الأسماء!
نعود ونتصوّر كيف كان حال فرعون في لحظات غرقه الحاسمة!
مشهد تصوره لنا هذه الآية.. فتأمّل:
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلِهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوْ إِسْرَائِيْلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ (90) يونس
وتأمّل مشهد الاستكبار الذي تصوره لنا هذه الآية:
أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) النازعات
لاحظ الكلمة التي جاءت بعد كلمة (أَنَا) في الآيتين!
في الآية التي تصور حالة الغرق جاءت كلمة "أنا"، وبعدها حرف مكسور لتصور حالة الانكسار والاستسلام والذلّ! ولكن حتى في ذلك الموقف، ما زال في قلب فرعون من التكبّر ما منعه من أن ينطق باسم اللَّه عزّ وجلّ، فلم يقل "آمنت أنه لا إله إلا اللَّه".. وإنما قال "آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلَّا الَّذِيْ آمَنَتْ بِهِ بَنُوْ إِسْرَائِيْلَ"!
دقَّة الاقتباس!
شاهد كيف يقتبس فرعون من إبليس، وكيف يتفاعل البناء الإحصائي للقرآن مع هذه الحالة النادرة:
إبليس: قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِيْ مِنْ نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِيْنٍ (76) ص
فرعون: أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِيْنٌ وَلَا يَكَادُ يُبِيْنُ (52) الزخرف
قال إبليس 34 حرفًا!
وقال فرعون 34 حرفًا!
لقد ورد اسم إبليس للمرّة الأولى في المصحف في الآية رقم 34
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) البقرة
لقد جاء قرار طرد إبليس من الجنَّة في الآية رقم 34
قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) الحجر
والسجدات المفروضة في اليوم واللّيلة 34 سجدة!
رفض إبليس السجود فجاء رقم كل من الآيتين 34
ولكن ما شأنك أيها الفرعون بالعدد 34؟!
إنه الاقتباس الحرفيّ والتقليد الأعمى!
إمعانًا في التكبّر والاستعلاء
لم يذكر إبليس اسم آدم، فقال "أنا خير منه" وجاء بعدها بست كلمات!
ولم يذكر فرعون اسم موسى أيضًا، فقال "أنا خير من هذا" وجاء بعدها بست كلمات أيضًا!
قال إبليس "أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ".. ثلاث كلمات بعدد أحرف اسم آدم!
وقال فرعون "أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا".. أربع كلمات بعدد أحرف اسم موسى!
إمعانًا في دقة الاقتباس
لم يتوقف فرعون عند هذا الحدّ؛ بل جاءت كلمات الآية 11 كلمة تحديدًا!
هذا العدد هو نفسه عدد تكرار اسم إبليس في القرآن!
تأمّل..
تأمّل هذه الروعة في ترتيب كلمات القرآن وآياته:
قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِيْنٍ (76) ص
أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِيْنٌ وَلَا يَكَادُ يُبِيْنُ (52) الزخرف
من كلمة (أَنَا) في الآية 76 من سورة ص، وحتى الآية 52 من سورة الزخرف هناك 4634 كلمة، وهذا العدد يساوي 331 × 14
من الآية 76 في سورة ص حتى الآية 52 في سورة الزخرف هناك 331 آية!
هذه الملاحظة تقودنا إلى إمعان مزيد النظر في السورتين ص والزخرف:
سورة ص عدد آياتها 88 آية، وسورة الزخرف عدد آياتها 89 آية، والفرق بينهما يساوي 1
عدد كلمات الآية 52 من سورة الزخرف 11 كلمة، وعدد كلمات الآية 76 من سورة ص 10 كلمات، والفرق بينهما يساوي 1
تأمّل أحرف الآيتين
إبليس: قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِيْنٍ (76) ص
فرعون: أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِيْنٌ وَلَا يَكَادُ يُبِيْنُ (52) الزخرف
الحروف الهجائية |
الآية 76 من سورة ص |
الآية 52 من سورة الزخرف |
أ |
4 |
7 |
ب |
0 |
1 |
ت |
2 |
0 |
خ |
3 |
1 |
د |
0 |
1 |
ذ |
0 |
2 |
ر |
2 |
1 |
ط |
1 |
0 |
ق |
3 |
0 |
ك |
0 |
1 |
ل |
3 |
2 |
م |
3 |
3 |
ن |
7 |
4 |
هـ |
2 |
3 |
و |
1 |
2 |
ي |
3 |
6 |
المجموع |
34 |
34 |
الآية 52 من سورة الزخرف ضمَّت 13 حرفًا، وتجاهلت 15 حرفًا!
لاحظ الفرق بين الآيتين فيما ضمَّت، وفيما تجاهلت من الحروف يساوي 1
تضمَّنت الآيتان معًا من الحروف الهجائية 16 حرفًا، وتجاهلتا 12 حرفًا!
عكس الآية 76 من سورة ص!
لاحظ التعاكس في حروف كلمة "أنا" في الآيتين:
حرف الألف تكرّر في الآية الأولى 4 مرّات، بينما تكرّر حرف النون 7 مرّات!
حرف الألف تكرّر في الآية الثانية 7 مرّات، بينما تكرّر حرف النون 4 مرّات!
وفي الحالتين، فإن المجموع يساوي 11، وهو عدد تكرار اسم إبليس في القرآن!
حروف لم ترد في الآيتين:
الحروف |
الترتيب الهجائي |
ث |
4 |
ج |
5 |
ح |
6 |
ز |
11 |
س |
12 |
ش |
13 |
ص |
14 |
ض |
15 |
ظ |
17 |
ع |
18 |
غ |
19 |
ف |
20 |
المجموع |
154 |
15 حرفًا تجاهلتها آية الزخرف رقم 52
الحروف |
الترتيب الهجائي |
ت |
3 |
ث |
4 |
ج |
5 |
ح |
6 |
ز |
11 |
س |
12 |
ش |
13 |
ص |
14 |
ض |
15 |
ط |
16 |
ظ |
17 |
ع |
18 |
غ |
19 |
ف |
20 |
ق |
21 |
المجموع |
194 |
مجموع هذه السلسلة 11 + 12 + .. + 21 يساوي 176، وهذا العدد يساوي 11 × 16
5 أحرف في الآية 76 من سورة ص تكرّر كل منها 3 مرّات:
الترتيب |
الأحرف |
التكرار |
7 |
خ |
3 |
21 |
ق |
3 |
23 |
ل |
3 |
24 |
م |
3 |
28 |
ي |
3 |
103 |
المجموع |
15 |
ماذا في هذا العدد؟
إذا أضفت إلى هذا المجموع العدد 11 تكون النتيجة 103 + 11 يساوي 114
لاحظ في الجدول أعلاه أن هناك 3 أحرف ترتيبها من مضاعفات الرقم 7
إلامَ تقودنا هذه الملاحظة؟
تأمّل..
5 أحرف في آية الزخرف رقم 52 تكرّر كل منها مرّة واحدة في الآية:
الترتيب |
الأحرف |
التكرار |
2 |
ب |
1 |
7 |
خ |
1 |
8 |
د |
1 |
10 |
ر |
1 |
22 |
ك |
1 |
49 |
المجموع |
5 |
مجموع الترتيب الهجائي لهذه الأحرف يساوي 49 أي 7 × 7
لاحظ الحرف الوحيد المشترك في القائمتين هو الحرف رقم 7 في قائمة الحروف الهجائية وهو حرف الخاء وهو أوّل حرف جاء بعد كلمة "أنا" في كلام إبليس وفرعون أيضًا!
في الآية الأولى هناك حرفان من أحرف كلمة "إبليس" لم يرد أي منهما في الآية.. هما الباء والسين!
مجموع الترتيب الهجائي لهذين الحرفين يساوي 14
في الآية الثانية هناك حرفان من أحرف كلمة "فرعون" لم يرد أي منهما في الآية.. هما الفاء والعين!
مجموع الترتيب الهجائي لهذين الحرفين يساوي 38
وماذا في هذه الأعداد؟
ماذا يعني العدد 14؟ وماذا يعني العدد 38؟
14 هو ترتيب حرف الصاد في قائمة الحروف الهجائية!
و38 هو ترتيب سورة ص في المصحف!
الأعجب من ذلك أن مجموع العددين 14 + 38 يساوي 52
إنه رقم الآية الثانية!
تأمّل..
عدد الحروف المقطَّعة التي تضمَّنتها الآية 76 من سورة ص 28 حرفًا!
عدد الحروف المقطَّعة التي تضمَّنتها الآية 52 من سورة الزخرف 27 حرفًا، والفرق بينهما يساوي 1
عدد الحروف غير المقطَّعة التي تضمَّنتها الآية 76 من سورة ص 6 أحرف!
عدد الحروف غير المقطَّعة التي تضمَّنتها الآية 52 من سورة الزخرف 7 أحرف، والفرق بينهما يساوي 1
تضمَّنت الآية 76 من سورة ص 9 أحرف مقطَّعة.
تضمَّنت الآية 52 من سورة الزخرف 8 أحرف مقطَّعة، والفرق بينهما يساوي 1
تجاهلت الآية 76 من سورة ص 5 أحرف مقطَّعة.
تجاهلت الآية 52 من سورة الزخرف 6 أحرف مقطَّعة، والفرق بينهما يساوي 1
تضمَّنت الآيتان معًا 10 أحرف مقطَّعة مجموع ترتيبها الهجائي يساوي 196
هذا العدد يساوي 14 × 14
14 هو عدد الحروف المقطَّعة!
14 هو عدد الحروف غير المقطَّعة!
تأمّل..
من كلمة (أَنَا) في الآية 76 من سورة ص حتى الآية 52 من سورة الزخرف هناك 4634 كلمة،
وهذا العدد يساوي 331 × 14
من الآية 76 سورة ص حتى الآية 52 من سورة الزخرف هناك 331 آية!
إذا تأمّلت سلوك تكرار الحروف من بداية الآية:
قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِيْنٍ (76) ص
وحتى نهاية الآية:
أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِيْنٌ وَلَا يَكَادُ يُبِيْنُ (52) الزخرف
ستجد أن حرف الذال تكرّر 331 مرّة!
لماذا حرف الذال؟
حرف الذال ورد في الآيتين مرّة واحدة، وجاء في قول فرعون بعد 11 حرفًا من بداية الآية وقبل 22 حرفًا من نهاية الآية وهذا العدد = 11 + 11
أما حرف الزاي الذي ترتيبه الهجائي رقم 11، فقد تكرّر 111 مرّة .. فتأمّل!
فرعون والملك!
تأمّل يا رعاك اللَّه بعقلك وخيالك وذوقك هذا النظم العجيب لحروف القرآن!
فهل كان مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- يعتني بكل هذه التفاصيل ليختار حروف القرآن وألفاظه؟!
وكم من الوقت استغرقه لنظم حروف القرآن جميعها بهذه الطريقة المحكمة؟!
سوف نسدل الستار على هذا المشهد هنا!
لن يكون تعليقنا على الأرقام هذه المرّة بل على أمر آخر مختلف.. فرعون والملك!
عندما تطالع قصة يوسف وموسى -عليه السلام- في أسفار "العهد القديم" الذي يطلق عليه القرآن اسم (التوراة)، وما أصابه من تحريف وتبديل، تجد أنه لا فرق بين لقب حاكم مصر في عهد موسى، ولقبه في عهد يوسف -عليه السلام-، حيث جاء في سفر التكوين: "وسمع فرعون بهذا الخبر فطلب أن يقتل موسى"، وفي موضع آخر في السفر نفسه: "فأرسل فرعون ودعا يوسف، فأسرعوا به من السجن". وفي الحالتين فإن حاكم مصر لقبه "فرعون"! أما في القرآن فالأمر يختلف، حيث ورد حاكم مصر 74 مرّة بلقب "فرعون"، وجاءت هذه المرّات جميعها في سياق قصة موسى -عليه السلام-، بينما ورد خمس مرّات بلقب "الملك"، وجاءت هذه المرّات جميعها في سورة يوسف وفي سياق قصة يوسف -عليه السلام-! فلماذا هذا التمييز إذًا بين لقب حاكم مصر في عهد موسى ولقبه في عهد يوسف -عليه السلام-؟
في نهاية عصر الدولة الوسطى في مصر التي امتدت خلال الفترة (2061 - 1785 ق. م) ضعفت السلطة الحاكمة في مصر ما أغرى جماعات الهكسوس فجاؤوا من فلسطين والشام وحكموا مصر لما يقرب من 150 عامًا. وفي هذه الحقبة التاريخية الضيِّقة عاش يوسف -عليه السلام- في مصر، وجاء بأهله من فلسطين، فاستقروا معه! وبما أن حكّام مصر خلال هذه الحقبة كانوا من الغزاة الأجانب، فإن لقب الفرعون لم يكن يطلق على الحاكم، بل كانوا يطلقون عليه لقب "الملك" مجرَّدًا! وبالفعل، فقد اتفقت العديد من المصادر التاريخية على أن الذي مكَّن يوسف -صلى الله عليه وسلّم- من عرش مصر كان أحد ملوك الهكسوس من غير المصريين، كما دخل البلاد خلال هذه الحقبة كثيرٌ من الأجانب، ونالوا فيها مناصب رفيعة.
أما موسى -عليه السلام- فقد عاش في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وهو العصر الذي يوافق حقبة "المملكة الجديدة" التي امتدت بين (1550- 1069 ق. م)، حيث يشير (قاموس المتحف البريطاني لمصر القديمة) إلى أن لقب "فرعون" أصبح مستخدمًا في الإشارة إلى الملك نفسه ابتداءً من عهد هذه المملكة! ويؤيد ذلك (قاموس الكتاب المقدس) الذي يشير إلى أن "فرعون" في اللغة المصرية معناه (البيت العظيم)، وكان يستعمل لنعت قَصر المَلك، بينما أُطلق على الملك نفسه في نحو 1500 ق. م. وهكذا تؤكد مصادر التاريخ بشكل صريح أن "فرعون" كان هو اللَّقب لحاكم مصر خلال الفترة التي عاش فيها موسى -عليه السلام-، بينما كان "الملك" هو اللقب لحاكم مصر خلال الفترة التي عاش فيها يوسف -عليه السلام-!
السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هنا: كيف عرف مُحمَّد -عليه السلام- هذه الحقائق المهمَّة حول تاريخ ألقاب حكّام مصر، وبذلك سمّاه "الملك" في عهد يوسف و"فرعون" في عهد موسى -عليه السلام-؟!
---------------------------------------------------------------------------------------
المصدر:
مصحف المدينة المنَّورة برواية حفص عن عاصم (وكلماته بحسب قواعد الإملاء الحديثة).