عدد الزيارات: 6.3K

هيرالال غاندي


إعداد: الدكتور/ أحمد محمد زين المنّاوي
آخر تحديث: 20/03/2019 هـ 11-03-1438

لإسلام الكبار نتائج كبيرة..

يدخل به كثير من الناس الإسلام..

يفتح الله بإسلامهم فتوحًا تحتاج إلى أعمار وأعمار..

الحق.. أن الكبار يصبحون كبارًا بدخولهم الإسلام..

مقامهم الكبير قبل الإسلام.. مقام الواهمين..

الإسلام.. الدين الحق.. يمنح الخير لأي إنسان..

هذا ما لمسه بنفسه بطل قصتنا..

خرج من صلب وثني بارد كما يخرج الحي من الميت.. والده زعيم هندي كبير، بل أحد الزعماء القلائل في العالم الذين يشار إليهم بالبنان.. تربّى على يد مدرّسين أكفاء تعرّف عبرهم إلى الكثير من تعاليم ديانته الهندوسية ومن أسرار طائفته البراهمية.. تخرّج محاميًّا.. عمله بالمحاماة أتاح له فرصة التعرّف إلى مدى الظلم الذي يمارسه الهندوس ضد غيرهم من الطوائف.. تزعزعت ثقته بصحة ديانته الهندوسية.. لاحظ أن المسلمين لا يفرقون بين غني وفقير فاشتدت رغبته في دراسة الدين الإسلامي.. وعقب دراسة متعمقة للإسلام أشهر إسلامه وسط فرحة المسلمين وخيبة الهندوس.. برغم الضغوط المهولة من بني قومه تحدّى الجميع وتمسك بإسلامه.. إنه "هيرالال" ابن الزعيم الهندي الكبير "المهاتما غاندي" الذي انشغل بالنضال من أجل استقلال بلاده.. ندعوكم لكي تتعرفوا إليه وإلى قصة إسلامه.

تربى "هيرالال غاندي" في بيت أبيه ذائع الصيت.. درس الهندوسية منذ نعومة أظفاره كما تعلّم تفاصيل دقيقة عن طائفته البراهمية، وهي طائفة تعد من أرقى الطوائف في الهند.. تعمّق بطل قصتنا في دراسة ديانته الهندوسية وتعلّم كل ما له صلة بآلهتها المتعددة وشرائعها الكثيرة.. بل قرأ الكتب القديمة للديانة الهندوسية مثل "الفيدا" و"البرهمانا" و"اليجفادجيتا" وغيرها من كتب هذه الديانة الوثنية، كما تعرّف إلى تفاصيل صراع هذه الديانة مع غيرها من الديانات كالبوذية.

في بداية مشوار حياته لم يكن هيرالال يهتم كثيرًا بالتناقضات الصارخة التي تزخر بها ديانته الهندوسية الوثنية، كتعدد الآلهة وفداحة الظلم الاجتماعي، بالتالي لم يفكّر لحظة في أنها ديانة باطلة لا تتسق مع الفطرة الإنسانية السوية، خاصة وهو أحد المستفيدين منها ومن قيمها الظالمة باعتباره أحد أبناء طائفة "البراهما".. بل ابن زعيمها الكبير الذي ذاع صيته في كل أرجاء العالم.

درس هيرالال القانون وتخرج محاميًّا مثل والده.. عمله بالمحاماة شكل نقطة فارقة في حياته؛ إذ مكّنه من الإلمام بالتمايز الطبقي في الهند وما يصحبه من ظروف اجتماعية سيئة وقاسية يحياها الناس في بلاده.. خاصة الظلم الصارخ الذي يمارسه أبناء طائفته من الهندوس ضد غيرهم من الطوائف.. ليس هذا فحسب، بل ما يمارسه الهندوس من ظلم ضد بعض أبناء طائفتهم ذاتها ممن يعرفون بـ "المنبوذين"، والذين حكم عليهم البراهمة بأن يقوموا بخدمتهم بنظام السخرة بلا أجر ولا ثواب.

بسبب التمايز الطبقي السابق ذكره شكك هيرالال في مدى صحة الديانة الهندوسية الوثنية التي لا تكتفي بالتفريق بين الناس، وإنما تفرق بين أتباعها أنفسهم وتقوم بتصنيفهم إلى أسياد مستبدين مترفين وعبيد مظلومين مسخرين لخدمة أولئك الأسياد.. هذا من ناحية.. ومن ناحية ثانية أثّر في نفسه كثيرًا أن يرى المسلمين في بلاده لا يفرقون بين ثري ومعدم، أو بين عالم وأمي، أو بين وجيه منحدر من أسرة كبيرة ذات جاهٍ وسلطان ووضيع لا تعرف له جذور.. لكل ما سبق ذكره اشتدت رغبة هيرالال في دراسة الدين الإسلامي بتعمق ورويّة، وما دفعه إلى ذلك أيضًا ملاحظة مهمة مفادها أن بعض كتب الهندوس تتكلم عن نبي له نفس صفات النبي محمد -صلى الله عليه وسلّم-.

بسبب اطلاعه على ما كُتب عن الإسلام، كان هيرالال يعلم الكثير عن الدين الإسلامي.. تيقن هيرالال بأنه يخطو خطوته الأولى في طريقه نحو الحقيقة التي ظل يبحث عنها لسنين طوال.. عقب قراءته لقوله تعالى: "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" (آل عمران: 85) اقتنع بأن الإسلام هو الدين الحق وأن ما دونه الباطل.. ساعده على ذلك لقاؤه بالشيخين الجليلين "زكريا منيار" و"نذير أحمد خجندي" اللذين أخبراه بأن الحقيقة التي تبحث عنها روحه المتخمة بالحيرة موجودة في الإسلام. وبفضل من الله تعالى اقتنع هيرالال تمام الاقتناع بالإسلام بعد أن شرح الله تعالى صدره له. 

في الجمعة التالية لاقتناعه بالإسلام ارتدى "هيرالال" الأبيض من الثياب مع عمامة بيضاء خفيفة كروحه الشفيفة المتلهفة للارتواء من فيوض الإيمان، وتوجه إلى الجامع الكبير في مدينة "بومباي" الهندية، وأمام أكثر من عشرين ألف دهشة لمسلمين حضروا لصلاة الجمعة فاجأ هيرالال الجميع بإشهاره لإسلامه، وغيّر اسمه إلى "عبدالله هيرالال غاندي".

بعيد لحظات من إعلانه لإسلامه صعد "عبدالله هيرالال غاندي" على المنبر وألقى كلمة صادقة من ضمن ما جاء فيها قوله: "جميعكم تعلمون بأني هيرالال ابن الزعيم الوثني الكبير "غاندي"، فأنا أعلن على رؤوس الأشهاد، وفي وسط هذا الجمع العظيم من المسلمين، بأني قد عشقت الإسلام، وأحببت القرآن، وآمنت بالله وحده، وبالرسول الأطهر سيدنا محمد صلوات الله تعالى عليه، وأنه خاتم النبيين، وأنه لا نبي بعده، وأن ما جاء به القرآن حق، والبعث والنشور حق، والملائكة والقضاء والقدر حق، والكتب المنزلة كلها حق، وأنبياء الله ورسله حق، فللإسلام وللقرآن سأحيا وأموت وسأدافع وأناضل، وسأكون إحدى دعاماته الكبرى، وسأكون مبشرًا به، وداعيًّا له بين قومي وعشيرتي، ألا إن هذا الدين الحنيف هو دين العلم والثقافة، والعدل والأمانة، والرحمة والمساواة".

استقبل أكثر من عشرين ألف مسلم حضروا صلاة الجمعة بمسجد بومباي الكبير إعلان هيرالال إسلامه بالتكبير والهتاف: "الله أكبر.. الله أكبر".. ووقف الشيخ زكريا منيار وطلب من المصلين أن يصافحوا أخاهم الجديد في الله ويهنئوه بدخوله الإسلام ففعلوا، حيث أقبلوا عليه يصافحونه ثم حملوه على الأعناق يزفونه إلى سيارته وقد ملأ التهليل والتكبير سماء مدينة بومباي بعد أن صدحت به قلوب مسلميها قبل أن تلهج به ألسنتهم وحناجرهم.

لم يمر وقت طويل حتى تناقلت الصحف ووكالات الأنباء الخبر المدوي المتمثل في إسلام ابن الزعيم غاندي.. كان وقع الخبر على الهندوس بمنزلة الصاعقة المفاجئة التي تقع على أم الرأس عقب توقّف المطر.. غضب زعماء الهندوسية أيما غضب، وأغلقت معظم المحال التجارية الهندوسية المتصلة بأحياء المسلمين استياءً وحزنًا بسبب إسلام ابن زعيمهم، أما تأثير إسلام ابن الزعيم على والده فقد كان مهولًا لدرجة جعلته يتشنج حتى النخاع ويمتنع عن تناول الطعام والشراب لمدة يومين كاملين.. بينما لم يقتصر الأمر على غضب غاندي ومناصريه على هيرالال، وإنما تفجر ذلك الغضب متخذًا شكل حملات مسعورة انهالت على المسلم الجديد من كل حدب وصوب.. ليس هذا فحسب بل هاجمت الجمعيات والصحف الوثنية هيرالال هجومًا عنيفًا مصحوبًا بالوعيد والتهديد الشديدين، بيد أن "عبدالله هيرالال" لم يبال لكل أنواع الهجوم التي تعرّض لها، بل تحدى الجميع بأن تمسك بإسلامه وعض عليه بنواجذه برغم الويل والثبور اللذين انهالا عليه من كل بني جنسه ومن كل حاقد على الإسلام.

وبسبب إسلامه واجه هيرالال هجومًا عنيفًا من الصحف والجمعيات الوثنية التي باعت نفسها للشيطان فأضحت أبواقًا مشروخة منكرة للحق. وفي خضم هذه الحملة الإعلامية، تمت دعوة عبدالله هيرالال إلى اجتماع إسلامي عقد في مدينة "سورت"، حيث ألقى كلمة بيَّن فيها كل أنواع الحملات والمضايقات التي تعرض لها، مشيرًا إلى عدم اكتراثه لها، وكان من بين ما قاله في تلك الكلمة: "لست بنادم ولا متأسف لاعتناقي الدين الإسلامي الحنيف كما يقولون ويشيعون، والله يعلم ويشهد أني ما فعلت أكثر من تلبيتي نداء الحق ونداء ضميري... ورضوخي واستسلامي إلى الضالة المنشودة، والحلقة المفقودة التي كانت ضائعة مني، قد وجدتها أمامي أخيرًا متمثلة في كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وفي سيرة رسوله الأعظم صلوات الله عليه".

وفي خاتمة كلمته خاطب عبدالله هيرالال الهندوس بضمير الغائب قائلًا: "خير لهؤلاء القوم إذا رغبوا في التخلص من حياتهم المريرة هذه أن يلقوا بنظرة بسيطة خالية من التعصب، ويدرسوا حقيقة الإخاء الإسلامي -وإن لم يعتنقوا الإسلام- ثم لينصفوا بعد ذلك من تلقاء أنفسهم، وليعلنوا النتيجة لنا ولأمة المهاتما غاندي ثم إلى العالم".

فهل من مجيب؟!!

هل يقبل غير المسلمين هذا العرض البسيط؟!

ولمَ لا؟!.. أليس الحق هو ما يجب أن يسعى الإنسان إليه؟!

إذاً.. فليقبلوا.. فليدرسوا الإسلام بإنصاف.. ثم ليعلنوا ما توصلوا إليه بأنفسهم..

إلا أن حب الدنيا.. يطمس على قلوب الكثيرين من غير المسلمين..

لذا.. ليبحث الإنسان عن الحق بنفسه.. بقلبه..

وليسأل الله الهداية.. فبالله نهتدي إلى الله.

-------------------------------

المصادر:        

الألفي، أسامة (2005)؛ لماذا أسلموا؟ القاهرة: أطلس للنشر والإنتاج الإعلامي.

برير، الصادق أحمد عبد الرحمن (2010)؛ عظماء أسلموا؛ الرياض: دار الحضارة للنشر والتوزيع.

عبد الصمد، محمد كامل (1995)؛ الجانب الخفي وراء إسلام هؤلاء؛ ثلاثة أجزاء؛ القاهرة: الدار المصرية اللبنانية للنشر.    

فارس، نايف منير (2010)؛ علماء ومشاهير أسلموا؛ الكويت: دار ابن حزم.

 


تعليقات (
0
)

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وإنما هي وجهات نظر أصحابها فقط.