سوف نستعرض في هذا المشهد نموذجًا واضحًا نؤكد من خلاله أن كل موضوع من الموضوعات القرآنية يشكّل بناءً إحصائيًّا رائعًا ينسجم تمام الانسجام مع المعنى الذي يتضمّنه الموضوع نفسه، وفي الوقت ذاته ينسجم هذا البناء الإحصائي الموضوعي مع منظومة السورة التي يتبع لها، ويتصل بشكل وثيق مع البناء الإحصائي للموضوعات المشابهة، أو الموضوعات الأخرى ذات الصلة في السور الأخرى، ويجتمع ذلك كلّه في بناء إحصائي عجيب ومتعدِّد المستويات، يدور في فلك المنظومة الإحصائية القرآنية عبر مسارات رقميّة متشعّبة جدًّا.
إن النظم الرقمي الموضوعي للقرآن العظيم يدير الرؤوس ويأخذ بمجامع القلوب!
نستمع في المشهد التالي إلى حوار بين موسى -عليه السلام- وفرعون في أطول سورة من حيث عدد الآيات بعد سورة البقرة، وهي سورة الشعراء. ورد هذا الحوار في 9 آيات متتالية، بدأت بالآية رقم 23 وهو عدد أوّليّ، وانتهت بالآية رقم 31 وهو عدد أوّليّ أيضًا! وسورة الشعراء التي وردت فيها هذه الآيات عدد آياتها 227 آية، وهذا هو أكبر عدد أوّليّ مستخدم في الدلالة على عدد آيات سور القرآن الكريم!
تأمّل جيّدًا:
إن أوّل آية في هذه المجموعة رقمها 23
وكلمة "قال" هي الكلمة الوحيدة التي تكرّرت في القرآن 529 مرّة، وهذا العدد يساوي 23 × 23
وكلمة "حديث" تكرّرت في القرآن 23 مرّة
ولا ننسى أن عدد أعوام نزول القرآن 23 عامًا!
كما لا ننسى أيضًا أن العدد 23 أوّليّ، وترتيبه في قائمة الأعداد الأوّليّة رقم 9
هذا الموضوع القرآني جاء في 9 آيات بدأت جميعها بكلمة "قال".
فانتبه فيما يلي إلى ترتيب كلمة "قال" من بداية الآية الأولى إلى بداية الآية الأخيرة:
قَالَ1 فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِيْنَ (23) قَالَ6 رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إنْ كُنْتُمْ مُوقِنِيْنَ (24) قَالَ15 لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُوْنَ (25) قَالَ20 رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأوّليْنَ (26) قَالَ25 إِنَّ رَسُوْلَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُوْنٌ (27) قَالَ32 رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُوْنَ (28) قَالَ41 لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِيْنَ (29) قَالَ49 أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِيْنٍ (30) قَالَ54 فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِيْنَ (31) الشعراء
تأمّل مجموع تراتيب كلمة "قال" في الآيات التسع ومن بداية الحوار:
1 + 6 + 15 + 20 + 25 + 32 + 41 + 49 + 54 = 243
وتأمّل مجموع أرقام الآيات التسع نفسها:
23 + 24 + 25 + 26 + 27 + 28 + 29 + 30 + 31 = 243
وتأمّل عدد حروف هذه الآيات التسع:
عدد الآيات 9، وعدد حروفها = 252 حرفًا، وبذلك فإن 252 – 9 = 243
تأمّل هذا الإتقان في التوفيق بين أرقام الآيات وعددها وعدد حروفها وموقع كلمة "قال"!
لاحظ أن كلمة "قال" تتكوّن من 3 أحرف، والعدد 243 يساوي 3 × 3 × 3 × 3 × 3
والعدد 243 يساوي أيضًا 9 × 9 × 3، والرقم 9 هو عدد الآيات!
ترتيب كلمة "قال" الأخيرة هو 54، وهذا العدد هو مجموع رقمي الآيتين الأولى والأخيرة 23 + 31 = 54
العدد 54 = 3 × 3 × 3 × 2، ومجموع مكوّنات العدد (54) هو 4 + 5 = 9 وهو 3 × 3
وهذا العدد هو أيضًا 9 × 3 × 2
أحرف "قال":
تكرّرت أحرف "قال" في هذه الآيات 91 مرّة.
وبإضافة رقم الآية الأولى إلى هذا العدد 91 + 23 يكون الناتج 114
أحرف الجلال:
تكرّرت أحرف اسم اللَّه في هذه الآيات 83 مرّة.
وبإضافة رقم الآية الأخيرة إلى هذا العدد 83 + 31 يكون الناتج 114
ومعلوم أن 114 هو عدد سور القرآن الكريم!
مجموع الترتيب الهجائي لأحرف كلمة (قال) = 45
ومجموع تكرار أحرف كلمة (قال) في الآيات التسع = 91
مجموع العددين 45 + 91 يساوي 136، وهذا هو تكرار اسم موسى في القرآن!
والفرق بين العددين 91 – 45 يساوي 23 + 23
الأروع لا نراه!
من الحقائق التي يجب لفت الانتباه إليها، هي أن النظام الإحصائي للقرآن الكريم يحشد للمشهد القرآني الواحد عددًا كبيرًا من المتغيّرات والقرائن والمدلولات في آن واحد، وقد ننتبه إلى بعضها، مثل موضع الحرف وصفته وترتيبه في قائمة الحروف الهجائية، وقد نرى ملامح بعض العلاقات الرياضية فيما بينها، وتبهرنا بدقَّة نظمها، إلا أن الجانب الأكبر والأهم منها قد لا ننتبه إليه، وبذلك فإن أجمل وأروع ما في المشهد لا نراه، ويكون خافيًا علينا، وذلك لارتباط جميع متغيرات القرآن الكريم بسلوك الأعداد الأوّليّة الصماء التي لا تزال لغزًا يتحدّى العقل البشري ولا يعلم بها إلا اللَّه وحده.
القاف نموذج لروعة ما لا نراه!
تأمّل كلمة "قال" التي بدأت بها آيات الحوار التسع بين موسى -عليه السلام- وفرعون.
مجموع الترتيب الهجائي لأحرف كلمة (قال) الثلاثة يساوي 45 .. فماذا يعني هذا العدد؟
افتح المصحف وتأمّل سورة الشعراء.. السورة التي تضمَّنت حوار موسى -عليه السلام- وفرعون.
قم بعدّ كلماتها كلمة كلمة، وتوقَّف عند كلمة "قال" في بداية الآية رقم 23، أي الكلمة التي بدأ بها الحوار:
قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِيْنَ (23) الشعراء
كلمة "قال" في هذه الآية ترتيبها رقم 159 من بداية سورة الشعراء، وهذا العدد = 114 + 45
عدد سور القرآن + مجموع الترتيب الهجائي للكلمة الأولى "قال".
لم يأت ذلك عشوائيًّا بل هو تدبير محكم!
تأمّل الحرف الذي بدأت به الآية وهو حرف القاف.
ترتيب حرف القاف في قائمة الحروف الهجائية رقم 21، وعدد حروف الآية رقم 23 نفسها 21 حرفًا!
أوّل ما ورد حرف القاف في سورة الشعراء، جاء في ترتيب الحرف رقم 83 من بداية السورة!
83 عدد أوّليّ ترتيبه في قائمة الأعداد الأوّليّة رقم 23
ورد حرف القاف للمرّة الثانية في سورة الشعراء في الكلمة رقم 34، وفي ترتيب الحرف رقم 139 من بدايتها!
139 عدد أوّليّ ترتيبه في قائمة الأعداد الأوّليّة رقم 34
وإذا انتقلت إلى حوار بين موسى -عليه السلام- وفرعون تجد أن كلمة (الْمَشْرِق) في الآية رقم 28 تأتي في ترتيب الكلمة رقم 34 من بداية الحوار، وهذه الكلمة نفسها تأتي بعد 139 حرفًا من بداية الحوار! حرف القاف في هذه الكلمة هو التكرار رقم 21 لحرف القاف من بداية سورة الشعراء، وهذا هو أيضًا ترتيب حرف القاف في قائمة الحروف الهجائية! وحرف القاف، في هذه الآية نفسها، يأتي قبل 28 حرفًا من نهاية الآية رقم 28، وهذا هو عدد الحروف الهجائية! حرف القاف الذي بدأت به الآية رقم 28 نفسها هو التكرار رقم 114 لحرف القاف من نهاية سورة الشعراء!
إن النظم الرقمي الموضوعي للقرآن العظيم يدير الرؤوس ويأخذ بمجامع القلوب!
ثق تمامًا أن كل ما سطرته لك في هذا المشهد وغيره، لا يشكل قطرة من محيط عظمة النسيج الرقمي القرآني!
فلا تظن أنني أستطيع أو يستطيع غيري أن يحيط لك بعظمة النسيج الرقمي لهذا القرآن!
فالقرآن أعظم وأجلَّ من أن يحيط العقل البشري بأي جانب منه!
وهو الآية الكبرى والمعجزة العظمى التي تحدَّى اللَّهُ بها سائر البشر في كل زمان ومكان!
-----------------------------------------------------------------
المصدر:
مصحف المدينة المنَّورة برواية حفص عن عاصم (وكلماته بحسب قواعد الإملاء الحديثة.