عندما يأتي الدواء من السم!!
عندما ينقلب الأعداء إلى أحباب!!
عندما يشرق النور من قلب الظلام!!
ثق بأنه الله.. وحده القادر على ذلك..
أعمار وأعمار أفناها أعداء الإسلام مجتهدين في هدمه..
كلما زاد جهدهم.. انتشر الإسلام أكثر.. وبين أهلهم..
بل إن الكثير من هؤلاء الأعداء قد تحولوا إلى الدفاع عن الإسلام!!
سبحان الهادي إلى سواء السبيل..
تأملوا هذه القصة لعلنا نثق بأن هذا الإسلام هو الدين الحق..
لعلنا ندرك أن الله وحده من يحفظ الإسلام ويهدي إليه..
ليس نصرانيًّا عاديًّا.. بل منصِّر.. عكف على دراسة القرآن الكريم وأحاديث النبي مُحمَّد -صلى الله عليه وسلم- علّه يستخرج منها ما يعينه على تشكيك عوام المسلمين في دينهم ونبيّهم وكتاب ربّهم.. ولأداء مهمّته على الوجه الأمثل ركّز كغيره من المنصّرين على الفرق الضالّة والمضلّة التي انحرفت عن الإسلام.
كرّس وقته وجهده لمحاربة الإسلام من خلال كتابات المستشرقين التي لا تزال تحيك مخططاتها الخبيثة للنيل من الإسلام والمسلمين وتنعتهم بالتخلف والتطرف والإرهاب، فضلًا عن استخدام آيات القرآن بشكل مبتور لإخراجها عن سياقها الصحيح.. وصل حدًّا في حربه للإسلام بأن جعل رسالته لنيل درجة الماجستير في علم اللاهوت تحمل عنوان "كيف ندمر الإسلام بالمسلمين؟"، والتي لخّص فيها عصارة فكره وتجربته الطويلة في الوعظ والتنصير..
وفي أمسية ليست ككل الأمسيات كانت آيات قرآنية تنساب من مذياع وصلت إلى أذنيه ثم انسابت في سلاسة إلى تلافيف عقله وسويداء قلبه فقلبت حياته إلى النقيض! وأراد الله سبحانه وتعالى لهذا الرجل الهداية فأخرجه من ظلمات الشرك والضلال إلى نور التوحيد والإيمان.. فتحوّل إلى داعية إسلامي حاذق لا يشقّ له غبار.
إنه القـسّ والمبشّر السابق إبراهيم خليل فيلوبوس الذي وُلد في الثالث عشر من يناير عام 1919م في مدينة الإسكندرية بجمهورية مصر العربية، ونشأ نشأة نصرانية، وتعلّم في مدارس الإرسالية الأمريكية، وتصادف وصوله مرحلة (الثقافة) المدرسية مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، حيث تعرضت مدينة الإسكندرية لأهوال قصف الطائرات الحربية، فاضطر للهجرة مع أسرته إلى أسيوط، حيث استأنف في كلّيتها التعليم الداخلي، وحصل على الدبلوم عام 1942م، وسرعان ما تفتّحت أمامه سبل العمل فالتحق بالقوات الأمريكية من عام 1942م حتى عام 1944م .
التحق بكليّة اللاهوت عام 1945م، وتخرّج فيها بعد أن أمضى ثلاثة أعوام، حيث كان على الطلاب في هذه الكليّة أن يدرسوا خلال الأشهر الثمانية الأولى دراسات نظرية، فيقدّم الأستاذ المحاضرة على شكل نقاط رئيسية، وعلى الطالب أن يكمل البحث من المكتبة. وبعد ذلك يدرس الطلاب مقدّمات العهدين القديم والجديد، والتفاسير والشروحات وتاريخ الكنيسة، ثم تاريخ الحركة التنصيرية وعلاقتها بالمسلمين، وهنا يبدأ تدريس القرآن الكريم والأحاديث النبوية، ويتم التركيز بشكل خاص على الفرق التي انحرفت عن الإسلام أمثال الإسماعيلية والعلوية والقاديانية والبهائية.
وفي الواقع فإن كليّة اللاهوت كانت تؤسّس على هذه الدراسات حوارات المنصّرين المستقبلية مع المسلمين، وكيفية استخدام القرآن لمحاربة القرآن، وكيفية استخدام النقاط السوداء في تاريخ المسلمين لمحاربة الإسلام! ولذلك تجد المنصّرين يستخدمون الآيات القرآنية مبتورة تبتعد كثيرًا عن سياق النص ومعناه، حيث يخدمون بهذه المغالطة أهدافهم التنصيرية وفتنة عوام المسلمين وتشكيكهم في عقيدتهم. ولدى المنصّرين وطلاب كليّة اللاهوت كتب مشهورة في هذا المجال، أهمّها كتاب (الهداية) وهو من 4 أجزاء وكتاب (مصدر الإسلام)، إضافة إلى استعانتهم في هذه الكليّة بكتابات عملاء الاستشراق من المسلمين.
لقد نشأ بطل هذه القصة في الكنيسة وتبوأ مكانة مرموقة في سلّم التبشير والدعوة إلى النصرانية، وكان راعيًا للكنيسة الإنجيلية، وحصل على شهادات رفيعة المستوى في علم اللاهوت من جامعــة برنسـتون الأمريكية أهّلته لأن يكون أستاذًا في العقائد واللاهوت بكلية اللاهوت الإنجيلية، وكانت مهمّته الأساسية العمل ضد الإسلام، وتشويه صورته لدى العوام من الناس، ولذلك كان عليه أن يدرس القرآن الكريم علّه يستخرج منه ما يعينه على أداء مهمته التبشيرية على الوجه الأكمل وتشكيك عوام المسلمين فيه.
إنه واحد من ملايين النصارى الذين أغمضوا أعينهم واتبعوا من دون تفكير ما وجدوا عليه آباءهم من طقوس ومعتقدات.. نشأ في الكنيسة، وترقى في مدارس اللاهوت، وتبوأ مكانة مرموقة في سلم التنصير، ولخص للنصارى عصارة فكره وتجربته الطويلة في الوعظ والتنصير بين المسلمين في رسالته للماجستير بعنوان: (كيف ندمر الإسلام بالمسلمين)؟! في علم اللاهوت كان هذا الرجل متخصصًا بارعًا لا يشقّ له غبار.. وفي منظار (الناسوت) كان هو ابن الكنيسة الإنجيلية الأمريكية البار.. ولأسباب القوة والمنعة والحماية المتوافرة له، ما كان هذا الرجل يقيم لعلماء الأزهر الشريف أي وزن أو احترام !لكن انتفاضة الزيف لم تلبث فجأة أن خبت، وضلالات التحريف الإنجيلي انصدعت على غير ميعاد، وانقشعت غشاوة الوهم، وتفتحت بصيرة الفطرة السليمة.
أتى على إبراهيم فيلوبوس أمر لم يكن في الحسبان قلب حياته رأسًا على عقب أو بالأحرى عقبًا على رأس، حيث كان سببًا في اعتناقه الإسلام. وهنا يتحدث "إبراهيم خليل أحمد" عن قصة دخوله الإسلام فيقول: "في إحدى الأمسيات من عام 1955م سمعت القرآن مذاعًا بالمذياع، وسمعت قوله تعالى: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2) وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3) الجن. فكانت هذه الآيات بمنزلة الشعلة المقدّسة التي أضاءت ذهني وقلبي للبحث عن الحقيقة".. وكان لهذا الرجل ميلاد جديد، انتقل بعده من دهاليز الضلال والزيف والتحريف، إلى رحاب الحق ونور الهداية.
يحدثنا القـس إبراهيم فيلـوبـوس، فيقول: لقد دُعيت للكلام في مؤتمر تبشيري، فأطلت الكلام في ترديد كل المطاعن المحفوظة ضد الإسلام، وبعد أن انتهيت من حديثي بدأت أسأل نفسي: لماذا أقول هذا وأنا أعلم أنني كاذب؟! وأن هذا الذي أقوله ليس هو الحق! واستأذنت قبل انتهاء المؤتمر، فخرجت وحدي متجهًا إلى بيتي، وكنت مهزوزًا من أعماقي، متأزّمًا للغاية، وفي البيت قضيت الليل كلّه وحدي في المكتبة أقرأ القرآن، ووقفت طويــلًا عنـد الآية الكريمة: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الآية 21 من سورة الحشر].. كما وقفت طويلًا أتأمّل معنى الآية الكريمة: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ) [الآية 82 من سورة المائدة].. وفي تلك الليلة وصلت إلى اليقين وتلمست الحقائق بيدي، واتخذت قراري النهائي بالإسلام، وقرّرت الاستقالة عن عملي كقسيس، وسكرتير عام للإرساليات الأمريكية بأسوان..
قرّر التحدث مع زوجته في هذا الأمر، لكن الحديث سرعان ما تسرّب عن طريقها إلى الإرسالية، وسرعان ما تلقفوه ونقلوه إلى المستشفى تحت مراقبة صارمة، وتآمر عليه مجموعة من الأطباء النصارى، وشخّصوا حالته بأنه يعاني اختلالًا في العقل..
ولأربعة أشهر تلت عاش معاناة شديدة جدًّا، ففرقوا بينه وبين زوجته وأولاده، وصادروا مكتبته وكانت تضم أمّات الكتب والموسوعات.. حتى اسمه كعضو في مجمع أسيوط، وفي مؤتمر (سنودس) شُطب، وضاع ملفه كحامل ماجستير من كلية اللاهوت.. ومن المفارقات العجيبة أن الإنجليز في تلك الآونة كانوا قد خلعوا الملك طلال عن عرش الأردن بتهمة الجنون.. فخشي إبراهيم فيلـوبـوس أن يحدث معه الأمر ذاته.. لذلك التزم الهدوء والمصابرة وصمد حتى تم إطلاق سراحه، فقدّم استقالته من الخدمة الدينية واتجه للعمل في شركة أمريكية للأدوات المكتبية.. لكن الرقابة هناك كانت صارمة جدًّا، فالكنيسة لا تترك أحدًا من أبنائها يخرج عليها ويشهر إسلامه، إما أن يقتلوه وإما أن يحطموا حياته كلها.. وفي المقابل لم يكن المجتمع المسلم حينذاك قادرًا على مساعدة أحد.
ولذلك كان عليه أن يكافح قدر استطاعته، فبدأ العمل التجاري، وأنشأ مكتبًا تجاريًّا هرع بمجرد اكتماله للإبراق إلى رئيس الإرسالية الأمريكية بمصر الجديدة، وكان التاريخ هو الخامس والعشرون من ديسمبر 1959م الذي يوافق "الكريسماس"، وكان نصّ البرقية: (آمنت بالله الواحد الأحد، وبمحمد نبيًّا ورسولًا).. فعل ذلك ثم قدم طلبًا إلى المحافظة للبدء في الإجراءات الرسمية.. عقب إعلانه لإسلامه غيّر بطل قصتنا اسمه من "إبراهيم خليل فيلوبوس" إلى "إبراهيم خليل أحمد".
وبإيعاز من الكنيسة، قررت البيوتات الأجنبية التي تتعامل في الأدوات المكتبية عدم التعامل معه، ما اضطره إلى إغلاق مكتبه التجاري، ليعمل كاتبًا بإحدى الشركات فانخفض دخله الشهري من 80 جنيهًا إلى 15 جنيهًا فقط.. خلال هذه الظروف العصيبة أخذ ابراهيم يدرس السيرة النبوية الشريفة التي وجد في دراستها نعم العزاء ولكن ظروفه المادية ازدادت سوءًا حتى تمّ تعيينه في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وذلك إثر محاضرة قدمها بعنوان، "لماذا أسلمت؟".
كان لمعرفة إبراهيم فيلـوبـوس العميقة لدين النصارى وكتبهم وأساليبهم التنصيرية المضلّلة، والصبغة التي اكتسبها من الإسلام الأثر الكبير في تميز نشاطه الدعوي، وقوة تأثيره في الأشخاص، وتنوع إنتاجه المعرفي، حيث جنّد نفسه للدعوة إلى دين الإسلام، وخلال مناظرة واحدة مفتوحة مع 13 قسيسًا من السودان، انتهت باعتناقهم الإسلام جميعًا، وهؤلاء كانوا سبب خير وهداية لغرب السودان، حيث دخل الآلاف من الوثنيين والنصارى وغيرهم في دين الله على أيديهم.
عندما شعرت الكنيسة بأن محاضراته التي ظل يقدّمها في علم الأديان المقارن بمساجد العديد من المحافظات المصرية أدت إلى إسلام العديد من الشباب النصراني، ألّبت الجهات المسؤولة ضده، فطلبت منه وزارتا الأوقاف والداخلية الكف عن إلقاء محاضراته، وإلا تعرّض لتطبيق قانون الوحدة الوطنية، متهمًا بالشغب وإثارة الفتن.. مع كل هذه الضغوط التي كانت تحاصره من كل جهة وتحول بينه وبين ممارسة الدعوة الإسلامية قرّر الهجرة إلى المملكة العربية السعودية، لكي يضع كل خبراته في خدمة كلية الدعوة وأصول الدين هناك.. وقام بتأليف العديد من الكتب المهمة التي أبرزها "محمد في التوراة والإنجيل والقرآن"، "المستشرقون والمبشرون في العالم العربي والإسلامي"، و"تاريخ بني إسرائيل".
سبحان الله!! من كان يصدق أن إبراهيم خليل فيلوبوس أستاذ اللاهوت بأسيوط، الذي كان يعمل راعيًا للكنيسة الإنجيلية، وأستاذًا للعقائد واللاهوت بكلية اللاهوت بأسيوط حتى عام 1953م، ثم سكرتيرًا عامًّا للإرسالية الألمانية السويسرية بأسوان، ومبشرًا بين المسلمين في العديد من المحافظات المصرية حتى عام 1955م، من كان يصدق أن شخصية نصرانية بهذا الحجم الثقيل ستعتنق الدين الإسلامي وتصبح من أبرز المدافعين عنه في وجه موجات التنصير التي انتظمت كل العالم الإسلامي؟!
وحده الله من يقدر على ذلك..
وحده الله من يرينا هذه الآيات الباهرات..
تذكروا كيف بدأ.. تأملوا كيف انتهى..
العجيب أنه برغم هذه الآيات فما زلنا نرى من يستمر في الضلال المبين..
إنها قلوب ران عليها الضلال والكفر وألغت عقولها قبل قلوبها!!
أما أنت.. فلا تكن منهم.. بل أشرع قلبك لنور الله..
أطع فطرتك التي جبلك الله عليها..
اسأل الله الهداية.. فبالله نهتدي إلى الله.
---------------------------------
المصادر:
الألفي، أسامة (2005)؛ لماذا أسلموا؟ القاهرة: أطلس للنشر والإنتاج الإعلامي.
المدرس، علاء الدين شمس الدين (2009)؛ القرآن يقوم وحده؛ بغداد: مكتبة أنوار دجلة.
برير، الصادق أحمد عبد الرحمن (2010)؛ عظماء أسلموا؛ الرياض: دار الحضارة للنشر والتوزيع.
محمود، عبد الرحمن (2005)؛ رحلة إيمانية مع رجال ونساء أسلموا؛ المكتبة الإسلامية الشاملة.