عدد الزيارات: 3.3K

عاصفة الصحراء


إعداد: الدكتور/ أحمد محمد زين المنّاوي
آخر تحديث: 20/03/2019 هـ 16-11-1437

حاربوه.. فانتشر وانتصر بأسلحة الهجوم عليه!!

شوّهوه.. فرآه الناس أجمل ما يكون!!

أخافوا الجميع منه.. فارتموا في أحضانه وتعلقوا به كطوق نجاة!!

مساكين هم بلا شك..

مساكين لأنهم يحاولون حجب نور الشمس بالغربال!!

ومساكين لأنهم يحاربون ويعادون ما فيه خيرهم ونجاتهم!!

إنه الإسلام.. كيف طاوعتكم قلوبكم وعقولكم على محاربته؟!!

كيف تجرؤون؟!!

تأمّلوا بطلة قصتنا..

لقد كانت في خضم عاصفة الهجوم على الإسلام..

في قلب حملات تشويهه.. فماذا كانت النتيجة؟!

فكرها الثاقب جعلها لا تقنع بالقبول الأعمى بالأمور.. موضوعيتها الفريدة جعلتها تشكك وترتاب في كل ما تعلّمته منذ طفولتها عن المسيحية، خاصة أنها توصلت إلى حقيقة جليّة مفادها أن ممارسات قساوسة الكنيسة والمتدينين من الطوائف المسيحية كافة في مجتمعها بعيدة كل البعد عن الفطرة السليمة بدرجة جعلتها تفتقر إلى السلام الداخلي مع نفسها وتبحث عنه لاهثة في كل اتجاه، وعانت كثيرًا في سبيل الوصول إلى الحقيقة، إلا أن السلام الداخلي مع النفس الذي حصلت عليه بعد إسلامها، واستمسكت به بكل ما أوتيت من قوّة، يعتبر مكافأة ثمينة تستحق ما بذلته من صبر طويل وما عانته من جهد.

سبع وثلاثون سنة وهي هائمة على وجهها وتائهة في ضباب الارتياب تبحث عن طريق الوصول إلى الله والطريقة الصحيحة لعبادته، حيث كانت نظرتها إلى العقائد المسيحية نظرة واقعية مجرّدة ومنصفة، برغم نشأتها كمسيحية ملتزمة تصلي في الكنيسة مرتين كل يوم أحد وفي العطلات، وتتلقى دروسًا مسيحية خاصة يوم الأحد، وتنتظم في المدارس الصيفية لدراسة الكتاب المقدس، والمعسكرات الدينية، والدروس العقائدية الكنسية ومجموعات الشباب المسيحية!

برغم ذلك كله، تقول بطلة هذه القصة، الكاتبة والباحثة الأمريكية بربارا براون: إني وجدت نفسي أواجه أسئلة عديدة، بخصوص أسس عقيدتي، لم يستطع أي شخص ولا أي طريقة من التعليم الديني أن تجيب عنها. ولمدة سبع وثلاثين سنة، كنت تائهة في ضباب هذا الارتياب بخصوص الله والطريقة الصحيحة لعبادته حتى استطعت في عام 1991م أن اكتشف الإسلام.

وبهذا تكون بربارا براون قد توصلت إلى السلام الداخلي مع نفسها، وطوت صفحة من حياتها دامت ما يقرب من أربعة عقود كانت تائهة عن طريق الحق، حيث تروي لنا الكاتبة الأمريكية قصتها: "لقد كان نزاع (عاصفة الصحراء) في الشرق الأوسط على أشدّه.. وبجوار كتب استراتيجية الحروب والأسلحة في مكتبة محلية، كان هناك كتاب صغير بعنوان "فهم الإسلام".. فتصفحت ذلك الكتاب حول هذا الدين (الغامض) من الشرق الأوسط بنفس فضول بعضهم، ولكن سرعان ما تحول الفضول إلى اندهاش، عندما عرفت من خلال صفحات ذلك الكتاب أن الإسلام أعطاني الأجوبة لتلك الأسئلة التي كانت تراودني طوال سبع وثلاثين سنة -ولم أضيع كثيرًا من الوقت- لقد أصبحت مسلمة، وبذلك توصلت إلى ذلك الهدف الذي كنت أسعى إليه طوال حياتي، وهو أن أكون في سلام داخلي مع نفسي بخصوص علاقتي مع الله".

وفي عام 1993م صدر للكاتبة والباحثة الأمريكية بربارا براون كتاب بالإنجليزية تمت ترجمته إلى العربية بعنوان "نظرة عن قرب في المسيحية". وتقول براون في هذا الكتاب: إن الكثير منا يعيش حياته راضيًا بقبول الأشياء كما هي، فنتجاهل الأسئلة الصغيرة المنكدة والشكوك التي تتوارد على أذهاننا وخصوصًا في القضايا المتعلقة بالدّين.. نعم إننا نستطيع أن نمضي هكذا في رحلة الحياة، ولكننا لا نستطيع أبدًا أن نصل إلى تلك الحالة من السلام داخل نفوسنا.

وبعضنا، مع ذلك لا يكتفون بأن يأخذوا الأشياء بسطحية، فيبحثون بجد عن أجوبة تلك الأسئلة التي تعترضنا في طريق الحياة. فنحن نضع موضع التساؤل عقائد آبائنا ولسنا مستعدين لأن نقنع بالقبول الأعمى. وهذا الطريق ليس من السهل أن نسير عليه بأي حال، ولكن المكافأة هي التي تستحق منا هذا الجهد. 

وبهذه الثقة الكبيرة طرحت براون العديد من القضايا المهمّة والحسّاسة، على صعيد المعتقدات المسيحية. ففي البداية تطالعنا بعنوان "ميثاق يصيبه الانحراف" تسلط فيه الأضواء السريعة، ولكنها كاشفة، على مرحلة إرهاصات ظهور المسيح، مؤكدة: لأجل أن نفهم الرسالة الحقيقية للمسيح، يجب علينا أن نعود إلى التاريخ قبل ظهور المسيح لنجد لماذا أرسل المسيح أصلًا؟ لتخلص إلى أن اليهود قد انحرفوا، مرة أخرى عن التوحيد، ولكن انحرافهم عن التوحيد في هذه المرة قد تم تحت غطاء كثيف من الطقوس والشعائر المعقّدة. إن هذا كان هو الموقف السائد في العالم عندما تلقى عيسى -عليه السلام- دعوته من الله.

وعن "رسالة المسيح" السماوية، تبيّن كيف طرأ عليها التغيير أو التحريف فجأة عندما ظهر على المسرح الواعظ اليهودي "شاؤول" الذي ادّعى أنه يتكلم باسم المسيح، بعد سنوات قليلة فقط من (رحيل) المسيح. وبالرغم من أن الديانة المسيحية تأخذ اسمها من عيسى المسيح، فإن شاؤول الذي غيّر اسمه إلى (بولس) يجب أن يعتبر هو مؤسسها الحقيقي.. والمسيحيون لا ينكرون ذلك أيضًا.. ولكن هناك مشكلة كبيرة.. وهي أن تعاليم بولس –المؤسس الحقيقي للمسيحية- لا يمكن العثور عليها في أي مكان من تعاليم عيسى –عليه السلام- أو في تعاليم الأنبياء الذين سبقوه.

ليس هذا فحسب، بل إن بولس لم يكن له إلا اتصال ضعيف مع الحواريين الحقيقيين لعيسى -عليه السلام- الذين كان من الممكن أن يوجهوه إلى الطريق الصحيح. فهؤلاء لم يكونوا على وفاق مع تعاليم بولس المبتكرة وأخبروه بذلك كلما كان ذلك ممكنًا. وفي النهاية، على أي حال، فإن نوع المسيحية التي نادى بها بولس إنما أحرز فيها النجاح بفضل شخصيته الساحرة، إضافة إلى حقيقة أنه وأصحابه غلبوا الحواريين الحقيقيين لعيسى –عليه السلام- في أمور مهمة كالوجاهة الاجتماعية والثروة والتعليم، ولذلك حصل على أتباع كثيرين من بين السكان غير اليهود. فالمسيحية–اليهودية، أي عقيدة حواريي عيسى –عليه السلام- لم تكن لها أي فرصة للنهوض.

بعد ذلك، تمضي بربارا براون في إلقاء نظرة عن قرب على كل البدع التي أدخلها بولس في "ديانته" المسيحية كالتثليث والخطيئة وألوهية عيسى –عليه السلام- وموته والخلاص.. إلخ لتنتهي إلى أن الإسلام هو الدين الحق، فهو دين بسيط ليس مدفونًا تحت تعقيدات غامضة وغير منطقية من العقائد، وليس في الإسلام كهنوت ولا قديسون ولا مراتب دينية ولا قرابين مقدسة. إن اللاهوت لا مكان له في الإسلام، لأن الإسلام طريقة حياة وليس حفنة من الكلمات.

وهكذا يتضح أن الإسلام هو الحل الناجع الوحيد الذي لا مناص للبشرية المعذبة أن تأوي –ذات يوم- إلى كنفه، طال الوقت أم قصر، لأنه دين الفطرة السليمة لبني البشر يلبّي حاجاتهم المادية الروحية، ويجعل كلًا من قناعاتهم الداخلية وسلوكهم الظاهري في وضع مستقيم يتسق مع المنزلة السامية التي وضع فيها الخالق العظيم سبحانه وتعالى الإنسان بأن كرّمه وميّزه بالعقل على بقية خلقه.

لذا هو الدين الأسرع انتشارًا في العالم..

برغم أنه أكثر الأديان التي تتعرض للتشويه والهجوم..

فالإنسان يدرك بفطرته السليمة أنه الدين الذي يرتضيه الله له..

فارتضوا لأنفسكم ما ارتضاه الله لكم..

أحبوا أنفسكم.. املؤوا قلوبكم بالإيمان..

اسألوا الله الهداية.. فبالله نهتدي إلى الله.

-------------------------------------

المصدر:

فارس، نايف منير (2010)؛ علماء ومشاهير أسلموا؛ الكويت: دار ابن حزم.

 


تعليقات (
0
)

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وإنما هي وجهات نظر أصحابها فقط.