عدد الزيارات: 5.0K

الضعيف المصلوب


إعداد: الدكتور/ أحمد محمد زين المنّاوي
آخر تحديث: 20/03/2019 هـ 15-12-1437

إشارات تتبعها إشارات.. فأين من يهتدي بها؟!!

تكرار وتكرار.. تنوع وتنوع في زوايا النظر إلى دلائل الضلال.. وعلامات الإيمان..

إنه حال كل من تدبر في كل شيء ليصل إلى من ليس كمثله شيء..

حينئذ.. تكون الجائزة الكبرى من الله..

الحق المبين.. الإيمان.. الإسلام..

منذ نعومة أظافره رضع من كأس سوداء مترعة بالحقد على الإسلام والمسلمين.. أصبح معلمًا للشماسة ولم يتجاوز عمره الثامنة عشرة.. تشرّب بافتراءات المكابرين الذين تخصصوا في الافتراء على الإسلام ببتر الآيات القرآنية وإخراجها من مقصدها الحقيقي.. ولكن مواقف كثيرة جعلته يشكك في حيز الضلال الأحمر ويلج إلى منطقة وسطى مملوءة بالإشارات الصفراء منها ما يلي:

أصابته الحيرة حينما سمع إجابات القساوسة عن تساؤلات شبان مسيحيين يسألون عن القرآن الكريم وعن رسول الإسلام -صلى الله عليه وسلّم- حيث كانت الإجابات تشير جميعها إلى تناقضات صريحة..

زلزل كيانه حادث حرمان البطرك (شنودة) الراهب روفائيل (راهب دير مينا) من الصلاة لأنه لم يذكر اسمه فيها.. وهزّه بقوة تساؤل الراهب: هل يصلي للبطرك أم لله، وهل يجرؤ شيخ الأزهر على أن يحرم مسلمًا من الصلاة؟!

انبهر بشدّة حينما نظر لأول مرة إلى مسجد من الداخل وقارنه بالكنيسة حيث وجده يخلو من المقاعد والرسومات وأدوات الموسيقى والإيقاع، وإلى غير ذلك من مكونات وزخارف مادية لا تشبه وقار العبادة الروحية العميقة التي وجدها في المسجد من ركوع وسجود لله فقط حيث الصفوف المنتظمة التي لا فرق فيها بين غني وفقير..

شعر بالهوان حينما تأمل صورة المسيح المصلوب وتساءل عن جدوى عبادته لهذا الضعيف المصلوب الذي لا حول له ولا قوّة ولا يستطيع أن يدفع الشر عن نفسه!!

تسرب بصيص من النور إلى سويداء قلبه عبر سلوك والده الخفي الذي يناقض المسيحية وهو الذي يبشر بتعاليمها في العلن! 

إشارات صفراء كثيرة دفعته إلى دخول المنطقة الآمنة حظيرة الإسلام الخضراء التي ولج بوابتها السهلة المنيعة عبر رؤيا رأى فيها رسول الإسلام -صلى الله عليه وسلّم-..

إنه بطل قصتنا الدكتور وديع أحمد الشماس المصري سابقًا الذي دخل الإسلام وهو في العقد الرابع من عمره.. 

كان والده واعظًا في جمعية أصدقاء الكتاب المقدس بمدينة الإسكندرية المصرية، وكانت مهنته التبشير في القرى المحيطة والمناطق الفقيرة لمحاولة جذب فقراء المسلمين إلى المسيحية. وعندما بلغ سن السادسة من عمره أصرّ والده على انضمامه إلى الشماسة، أي العمل في الكنيسة ومعاونة الكاهن في أداء الخدمات الدينية والصلوات الكنسية. والشماسة إحدى الرتب الكهنوتية الثلاث في الكنيسة، ويعرف أصحاب تلك الرتب بالإكليروس، وهي كلمة يونانية يقصد بها خدام الكنيسة من أساقفة وكهنة وشمامسة.

أصرّ الوالد على أن ينتظم ابنه الذي لم يتجاوز السادسة من عمره في دروس مدارس الأحد، حيث يغرسون في عقول الأطفال في هذه السن الباكرة بذور الحقد السوداء ضد الإسلام والمسلمين، فيقولون لهم إن المسلمين اغتصبوا مصر من المسيحيين وعذبوهم، وإن المسلم أشد كفرًا من البوذي وعابد البقر، وإن القرآن ليس كتاب الله ولكن مُحمَّدًا -صلى الله عليه وسلّم- افتراه واخترعه، والمسلمون يضطهدون النصارى لكي يتركوا مصر ويهاجروا، وغير ذلك من الأحقاد.

أصبح هذا الطفل يكبر ويترعرع في كنف الكنيسة، بينما كان الوالد الواعظ يتكلم سرًّا وعلى نطاق الأسرة عن انحراف الكنائس عن المسيحية الحقيقية التي تحرم الصور والتماثيل والسجود للبطرك والاعتراف للقساوسة.

كبر هذا الشماس الصغير، وكبرت معه ثمار الحقد الأسود ضد الإسلام والمسلمين، ما أهّله لأن يصبح أستاذًا في مدارس الأحد ومعلمًا للشماسة ولم يتجاوز عمره 18 سنة. وكان عليه أن يحضر دروس الوعظ بالكنيسة والزيارة الدورية للأديرة، خاصة في الصيف، حيث يتم استضافة متخصصين في مهاجمة الإسلام والنقد اللاذع للقرآن والنبي مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم-. فيقولون لهم إن القرآن مملوء بالمتناقضات، ويستشهدون على مزاعمهم بآيات مبتورة، ويقولون لهم إن القرآن مملوء بالألفاظ الجنسية ويفسرون لهم كلمة "نكاح" على أنها الزنا أو اللواط، ويقولون لهم إن النبي مُحمَّدًا -صلى الله عليه وسلّم- قد أخذ تعاليم النصرانية من الراهب (بحيرة) ثم حوّرها واخترع بها دين الإسلام ثم قتل بحيرة حتى لا يفتضح أمره، وغير ذلك من الأكاذيب والأباطيل.

ترعرع هذا الشماس الصغير وبلغ مبلغ الشباب، وخلال هذه المرحلة كانت هناك العديد من الأسئلة المحيّرة التي يحاول الشباب المسيحيون الوصول إلى إجابات مقنعة لها، فكانوا يتوجهون بهذه الأسئلة إلى القساوسة.

شاب مسيحي يسأل :ما رأيك في مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم-؟

القسيس: إنسان عبقري وذكي .

شاب مسيحي آخر يسأل: هناك الكثير من العباقرة مثل (أفلاطون، سقراط، حامورابي، وغيرهم) ولكن لم نجد لهم أتباعًا ودينًا ينتشر مثلما ينتشر الإسلام وبهذه السرعة؟ لماذا؟

يحتار القسيس في الإجابة عن هذا السؤال!!

شاب آخر يسأل :ما رأيك في القرآن؟

القسيس: كتاب يحتوي على قصص للأنبياء ويحض الناس على الفضائل ولكنه مملوء بالأخطاء.

الشاب نفسه يردف سؤالًا آخر: لماذا تخافون أن نقرأه وتكفّرون من يلمسه أو يقرؤه؟

يصرّ القسيس على أن من يقرؤه كافر دون توضيح السبب !!

شاب آخر يسأل: إذا كان محمّد -صلى الله عليه وسلّم- كاذبًا فلماذا تركه الله ينشر دعوته 23 سنة؟ بل وما زال دينه ينتشر إلى الآن؟ مع أنه مكتوب في كتاب موسى (كتاب أرميا) أن الله وعد بإهلاك كل إنسان يدّعي النبوة هو وأسرته خلال عام واحد فقط؟

القسيس: لعلّ الله يريد أن يختبر المسيحيين به!!

في عام 1971 أصدر البطرك (شنودة) قرارًا بحرمان الراهب روفائيل (راهب دير مينا) من الصلاة لأنه لم يذكر اسمه في الصلاة، وقد حاول الراهب إقناعه بالصلاة لأنه يصلي لله وليس للبطرك، ولكنه خاف أن يحرمه البطرك من الجنة أيضًا !!

وتساءل الراهب: هل يجرؤ شيخ الأزهر على أن يحرم مسلمًا من الصلاة؟!

هذه المواقف المحيّرة، ومن قبلها تلك الأسئلة المحيّرة، أصبحت توقظ فكر صاحبنا الشماس بطل هذه القصة، ولكن أشد ما كان يحيّره تكفير الطوائف المسيحية بعضها لبعض، حيث سأل القمص (ميتاس روفائيل) عن ذلك فأكد له ذلك وأن هذا التكفير نافذ في الأرض والسماء.

فسأله متعجبًا: معنى هذا أننا كفار لتكفير بابا روما لنا؟

أجاب القمص: للأسف نعم!!

سأله صاحبنا: وباقي الطوائف كفار بسبب تكفير بطرك الإسكندرية لهم؟!

أجاب القمص: للأسف نعم!

سأله صاحبنا: وما موقفنا إذًا يوم القيامة؟

أجاب: الله يرحمنا!

هنا انتبه الدكتور وديع أحمد الشماس المصري سابقًا إلى خطورة الأمر!! وكان عمره قد قارب الأربعين ومرّ بجميع المراحل والمواقف التي استعرضنا لكم بعضًا من ملامحها العامة.

يقول الدكتور وديع أحمد: عندما دخلت الكنيسة ووجدت صورة المسيح وتمثاله يعلو هيكلها سألت نفسي كيف يكون هذا الضعيف المهان الذي استهزئ به وعذب ربًّا وإلهًا؟

لماذا أعبد إذًا هذا الضعيف الذي لا يستطيع أن يدفع الشر عن نفسه؟!

ولماذا لا أعبد ربّ هذا الضعيف الهارب من بطش اليهود؟!

يقول الدكتور وديع أحمد الشماس المصري سابقًا: لقد تعجبت حين علمت أن التوراة قد لعنت الصليب والمصلوب عليه وأنه نجس وينجس الأرض التي يصلب عليها!! (تثنية 21: 22 – 23)!

في عام 1981 كان الدكتور وديع أحمد كثير الجدل مع جاره المسلم (أحمد محمد)، وذات يوم كلّمه عن العدل في الإسلام (في الميراث، في الطلاق، في القصاص، وغير ذلك من صور العدل)، ثم سأله: هل عندكم مثل ذلك؟ أجاب صاحبنا بصدق: لا.. لا يوجد لدينا شيء من ذلك!

هنا بدأ الدكتور الشماس يسأل نفسه: كيف أتى رجل واحد بكل هذه التشريعات المحكمة والكاملة في العبادات والمعاملات دون اختلافات؟ وكيف عجزت مليارات اليهود والنصارى عن إثبات أنه مخترع؟

خلال الفترة من عام 1982 إلى عام 1990 كان الدكتور وديع أحمد طبيبًا في مستشفى (صدر كوم الشقافة) وكان الدكتور محمد الشاطبي دائم التحدث مع الزملاء عن أحاديث مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم-. ويقول الدكتور الشماس: كنت في بداية الأمر أشعر بنار الغيرة، ولكن بعد مرور الوقت أحببت سماع هذه الأحاديث (قليلة الكلام كثيرة المعاني جميلة الألفاظ والسياق) وشعرت وقتها أن هذا الرجل نبي عظيم.

حتى هذه المرحلة لا يزال بطل هذه القصة الدكتور وديع أحمد مسيحي الديانة والهوى.

لقد قرأنا في صدر هذه القصة أن الدكتور وديع عندما كان طفلًا كان يسمع والده يتكلم سرًّا عن انحراف الكنائس عن المسيحية الحقيقية التي تحرم الصور والتماثيل والسجود للبطرك والاعتراف للقساوسة.

والآن يروي لنا بنفسه عوامل أخرى خفيّة أسهمت في هدايته إلى دين الحق، وهذه العوامل تتعلّق بوالده، حيث لاحظ أن والده وفي مرحلة ما هجر الكنائس والوعظ والجمعيات التبشيرية تمامًا، وكان يرفض تقبيل أيدي الكهنة (وهذا أمر عظيم عند النصارى)، وكان لا يؤمن بالجسد والدم (الخبز والخمر) أي لا يؤمن بتجسيد الإله، وكان بدلًا من نزوله صباح يوم الجمعة للصلاة أصبح ينام ثم يغتسل وينزل وقت الظهر، وكان ينتحل الأعذار للنزول وقت العصر والعودة متأخرًا وقت العشاء!!

وهنا يتبلور في ذهن الدكتور وديع سؤال مهم: هل كان أبي مسلمًا؟!

يقول إنه لاحظ على والده أيضًا أنه أصبح يقول ألفاظًا جديدة (أعوذ بالله من الشيطان) و(لا حول ولا قوة إلا بالله)، بينما وجدت بعد موت أبي في عام 1988 قصاصات ورق بالإنجيل الخاص به يوضح فيها أخطاء موجودة بالأناجيل وتصحيحها، وعثرت على إنجيل جدي (والد أبي) طبعة 1930 وفيها توضيح كامل للتغييرات التي أحدثها النصارى فيه منها تحويل كلمة (يا معلم) و(يا سيد) إلى (يا رب)، وذلك حتى يوهموا القارئ أن عبادة المسيح كانت منذ ولادته .

بالقرب من عيادة الدكتور وديع يوجد مسجد (هدى الإسلام)، حيث يقول إنه اقترب منه ذات مرّة وأخذ ينظر بداخله فوجده لا يشبه الكنيسة مطلقًا (لا مقاعد – لا رسومات – لا ثريات ضخمة – لا أدوات موسيقى وإيقاع – لا غناء ولا تصفيق)، بينما لاحظ أن العبادة في هذه المساجد هي الركوع والسجود لله فقط، لا فرق بين غني وفقير يقفون جميعًا في صفوف منتظمة! يقول الدكتور وديع إنه قارن بين ذلك وعكسه الذي يحدث في الكنائس فكانت المقارنة دائمًا لمصلحة المساجد.

يقول الدكتور وديع وجدت في نفسي يومًا الرغبة في قراءة القرآن، فاشتريت مصحفًا وتذكرت أن صديقي أحمد قال لي إن القرآن (لا يمسّه إلا المطهرون)، ولذلك اغتسلت ولم أجد غير ماء بارد وقتها، ثم قرأت القرآن وكنت أخشى أن أجد فيه اختلافات (بعد ما ضاعت ثقتي بالتوراة والإنجيل)، وأكملت قراءة القرآن كلّه في يومين، ولكني لم أجد فيه شيئًا مما كانوا يعلموننا إياه في الكنيسة عن القرآن!

وذات يوم غلبني النوم، فوضعت المصحف بجواري، وقرب الفجر رأيت نورًا في جدار الحجرة وظهر رجل وجهه مضيء اقترب مني وأشار إلى المصحف، فمددت يدي لأسلّم عليه، لكنه اختفى، ووقع في قلبي أن هذا الرجل هو النبي مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- يشير إلى أن القرآن هو طريق النور والهداية.

وأخيرًا أسلمت وجهي لله، وسألت أحد المحامين فدلّني على أن أتوجه إلى مديرية الأمن –قسم الشؤون الدينية– ولم أنم تلك الليلة، وراودني الشيطان كثيرًا (كيف تترك دين آبائك بهذه السهولة)؟!

فخرجت في السادسة صباحًا ودخلت كنيسة (جرجس وأنطونيوس)، وكانت الصلاة قائمة، وكانت الصالة مملوءة بالصور والتماثيل للمسيح ومريم والحواريين وأناس آخرين كالبطرك السابق (كيرلس) فكلمتهم: (لو أنكم على حق وتفعلون المعجزات كما كانوا يعلموننا فافعلوا أي شيء، أي علامة أو إشارة لأعلم أنني أسير في الطريق الخطأ) وبالطبع لا إجابة .

بكيت كثيرًا على عمر مديد ضاع في عبادة هذه الصور والتماثيل! وبعد البكاء شعرت أنني تطهرت من الوثنية وأنني أسير في الطريق الصحيح طريق عبادة الله حقًّا، فذهبت إلى مديرية الأمن وبدأت رحلة طويلة شاقة مع الروتين والمعاناة والبيروقراطية وظنون الناس، وبعد عشرة أشهر كاملة تم إشهار إسلامي في أغسطس 1992 .اللهم أحيني على الإسلام وتوفني على الإيمان.. اللّهم احفظ ذريتي من بعدي خاشعين، عابدين، يخافون معصيتك ويتقرّبون إليك بطاعتك.

بهذه الدعوات يختم الدكتور وديع أحمد حديثه حول رحلته الطويلة من النصرانية إلى الإسلام.. من مسيحي متعصب رضع الكره للإسلام منذ صغره إلى مؤمن صادق يسأل الله تعالى أن يحفظ ذريته من الكفر والشرك والضلال من بعده.

هذا ما يجب أن نحرص عليه جميعًا.. المآل.. الآخرة.. لنا ولذرياتنا وأهلنا.. بل والناس أجمعين..

الطريق إلى الله لا يعترضه عارض.. إنه مفتوح دائمًا.. يرحب بسالكيه..

فمن وجده مغلقًا فليفتش في نفسه!! هل حقًّا توجه إليه وحاول السير فيه؟!

من توجه إلى الله بصدق.. شرح الله صدره للإسلام..

لذا.. اسألوا الله الهداية بصدق.. فبالله نهتدي إلى الله.

--------------------------------------

المصادر:

الألفي، أسامة (2005)؛ لماذا أسلموا؟ القاهرة: أطلس للنشر والإنتاج الإعلامي.

فارس، نايف منير (2010)؛ علماء ومشاهير أسلموا؛ الكويت: دار ابن حزم.

محمود، عبد الرحمن (2005)؛ رحلة إيمانية مع رجال ونساء أسلموا؛ المكتبة الإسلامية الشاملة.

معدِّي، الحسيني الحسيني (2009)؛ الإنجيل قادني إلى الإسلام؛ حلب: دار الكتاب العربي.

 


تعليقات (
0
)

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وإنما هي وجهات نظر أصحابها فقط.